; logged out
الرئيسية / علاقات فردية ناجحة ينقصها توحيد الرؤية والأهداف الخليجية الجماعية العلاقات الخليجية الإفريقية: تعاون لملء الفراغ وحصار التمدد الإيراني ومقاومة الإرهاب

العدد 114

علاقات فردية ناجحة ينقصها توحيد الرؤية والأهداف الخليجية الجماعية العلاقات الخليجية الإفريقية: تعاون لملء الفراغ وحصار التمدد الإيراني ومقاومة الإرهاب

الإثنين، 05 كانون1/ديسمبر 2016

تتسم العلاقات الخليجية ـ الإفريقية بوجود تاريخ طويل من التقارب والتفاعل عبرت عنه العديد من المؤثرات المشتركة كانتشار اللغة العربية والعقيدة والعمارة الإسلامية في أجزاء واسعة من القارة، يقابله حضور وتزايد لأعداد من الوافدين الأفارقة في الدول الخليجية خاصة القريبة من منطقة القرن الإفريقي، ودفعت التطورات التي شهدها العالم، و الشرق الأوسط منذ بداية الألفية الثالثة وما تبعها مما يُطلق عليه "الربيع العربي"، الذى تزامن مع صعود للعديد من الاقتصادات الإفريقية، مع بحث دول الخليج عن حلفاء جدد في محيطها الإقليمي، لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وتأكيد دورها العالمي، في ظل صعود أقطاب جديدة في النظام الدولي كمجموعة دول البريكس.  لذلك حظيت الدول الإفريقية على اهتمام كبير من دول الخليج.  

إلا أن دول الخليج لم تتبن سياسات موحدة للتعامل مع إفريقيا، بل تميزت كل دولة بسياسة متميزة تنبع من مصالحها وأهدافها في هذه المنطقة المجاورة شديدة الحساسية، وفى هذا الإطار برزت ثلاث دول خليجية محورية في تطوير العلاقات الخليجية الإفريقية هي السعودية، الإمارات، وقطر.

وشهد عام 2016 م، مجموعة تفاعلات خليجيةـ إفريقية عكست عدد من الاتجاهات والقضايا التي باتت تشكل أولويات تحكم السياسات الخارجية لدول الخليج تجاه إفريقيا.

ويحاول هذا التقرير استعراض حالة العلاقات الخليجية الإفريقية خلال عام 2016م، بالإشارة إلى مجموعة من العوامل المؤثرة على هذه العلاقات، وكذلك أبرز قضايا التعاون التي شهدتها العلاقات بين الجانبين.

أولا: ضرورات تطوير العلاقات الخليجية الإفريقية  

يمكن تفسير التقارب الخليجي الإفريقي خلال عام 2016م، بمجموعة من التطورات التي كان لها انعكاساتها الواضحة على مصالح وأهداف الدول الخليجية، والإفريقية، ومن أهمها:

1-توقيع إيران في يوليو 2015م، اتفاقية إطارية لبرنامجها النووي مع القوى الغربية، وما حمله من تهديدات لدول الخليج، أهمها زيادة الحضور الإيراني العسكري في المنطقة العربية وخاصة في سوريا واليمن. وكذلك استعادة إيران لتأثيرها في سوق النفط العالمي.

2-تراجع أسعار النفط، وما فرضه من ضغوط على دول الخليج، والدول الإفريقية النفطية وخاصة الأعضاء في الأوبك كنيجيريا، فقد أدى تراجع أسعار النفط إلى فقدان نيجيريا مركزها كأكبر منتج للنفط في أفريقيا لصالح أنجولا، وكذلك فقدت مركزها كأكبر اقتصاد في القارة الإفريقية لصالح جمهورية جنوب إفريقيا.

3-تصاعد الأزمة اليمنية، وتشكيل التحالف العربي لمحاربة الحوثيين الذي عرف بـ "عاصفة الحزم" بمشاركة 10 دول منها ثلاث دول عربية إفريقية هي مصر، المغرب، والسودان، أما التحالف الإسلامي الذي تم الإعلان عنه في ديسمبر 2015م، وتشكل من 34 دولة إسلامية بقيادة السعودية لمحاربة الإرهاب، فقد شاركت في هذا التحالف العديد من الدول الإفريقية منها السودان، الصومال، مصر، المغرب، موريتانيا، جزر القمر، تشاد، توجو وجيبوتي، السنغال، سيراليون، الجابون، غينيا، ساحل العاج، مالي، النيجر، ونيجيريا.

4- زيادة نفوذ الجماعات الإرهابية في القارة، والذي تزامن مع زيادة الحضور العسكري الغربي في إفريقيا، فعلى إثر زيادة العمليات الإرهابية في إقليم غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي خلال عام 2015م (نيجيريا والكاميرون ،مالي وبوركينافاسو وساحل العاج والنيجر، تشاد)، تزايد أعداد الجنود الأمريكيين في السنغال مع بداية عام 2016م، وجاء هذا الحضور الأمريكي في أعقاب توقيع السنغال وأمريكا على اتفاقية عسكرية في مايو 2016م؛ لتفعيل التعاون بين الجانبين في مجالات التدريب بوجود دائم لعسكريين أمريكيين والتسليح لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا، كما تتعلق الاتفاقية بوضع القوات الأمريكية على الأراضي السنغالية وشروط استخدامها للمنشآت المحلية.

ثانيًا: قضايا التعاون الخليجي ـ الإفريقي عام 2016

شهد عام 2016م، بروز عدد من القضايا التي احتلت الصدارة على سلم أولويات العلاقات الخليجية الإفريقية، في مقدمتها التعاون العسكري والسياسي خاصة في منطقة القرن الإفريقي والذي حظي باهتمام خاص من دول الخليج، مع استمرار التعاون الاقتصادي وزيادة الاستثمارات، ويمكن توضيح هذه القضايا كما يلي:

1-     التعاون العسكري

فرضت الحرب اليمنية على دول الخليج تطوير استراتيجيات للتعاون مع الدول المجاورة خاصة دول القرن الإفريقي، وأهمها التنظيمات الإرهابية التي تتواصل عبر سواحل الجانبين، وقد عملت المملكة العربية السعودية والإمارات على استثمار التعاون مع دول القرن الإفريقي في توفير الدعم للتحالف العربي في الحرب اليمنية والذي بدأ عملياته في مارس 2015م ([1]).

وعقدت الإمارات مع إريتريا اتفاقًا لاستخدام أراضي وموانئ الدولة كقاعدة للعبور والخدمات اللوجيستية لعملياتها وخاصة ميناء عصب، فضلا عن المشاركة بـ 400 جندي في عدن. فقد غيرت إريتريا تحالفاتها فبعد أن كانت إريتريا داعم رئيسي للحوثين سواء بالسلاح أو التدريب، في إطار علاقاتها المتميزة مع إيران، وأصبحت من أهم مراكز الدعم للتحالف العربي في اليمن. كما حصلت شركة "موانئ دبي العالمية" على حق إدارة ميناء بربرة في الصومال، وبموجب الاتفاق، ستمنح الحكومة الشركة حق انتفاع للميناء لمدة 30 عامًا في صورة مشروع مشترك مع الحكومة، بنسبة 65% لموانئ دبي، في مقابل ضخ الشركة لاستثمارات بنحو 440 مليون دولار، وفى تطور آخر أعلن سفير جيبوتي لدى السعودية ضياء الدين بامخرمة، أن بلاده تترقب اتفاقًا بينها وبين السعودية لإنشاء قاعدة عسكرية سعودية على الأراضي الجيبوتية ([2]). 

كما قطعت ثلاث دول عربية إفريقية (السودان – جيبوتي -الصومال) علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عقب حادثة الهجوم على السفارة السعودية بطهران في يناير 2016م، وأعربت هذه الدول عن دعمها لقوات التحالف التي تقودها السعودية.

واعتبرت شرق إفريقيا أن توطيد علاقاتها مع دول الخليج، عبر دعمها للتحالف العربي في اليمن ينعكس على مصالحها، فقد عانت إريتريا والسودان كثيرًا من العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية، وهذه الدول حريصة على تكوين تحالف جديد من شأنه أن يسمح لها باستثمار نفوذها الجيوسياسي، والتحرر من القيود الاقتصادية، كما أن جيبوتي تضم أراضيها العديد من القواعد العسكرية، وتحتاج إلى تنويع حلفائها وزيادة الفرص الاقتصادية، أما الصومال التي تعانى من الاضطرابات منذ أكثر من عقدين تواجه الحكومة الاتحادية ضغوط من الفاعلين في الداخل و الجهات المانحة للتصدي لقضايا الفساد المتفشي فيها وبالتالي تحتاج إلى إيجاد مصادر بديلة للتمويل وأيضًا دعم دبلوماسي إقليمي ودولي ([3]).

وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي تسعى دول القرن الإفريقي لتقديمه إلى دول الخليج في حرب اليمن إلا أن التقارب الخليجي مع هذه الدول يلقى بتأثيراته على علاقاتها بدول إفريقية أخرى لها ثقلها فيما يتعلق بالمصالح الخليجية في القارة.  فالتقارب الخليجي الإريتري بالطبع ينعكس على العلاقات الخليجية الإثيوبية، على الرغم من إبداء إثيوبيا تفهمها لهذا التقارب، ويمكن إرجاع هذا إلى حاجة هذه الحكومة للاستثمارات الخليجية لتنفيذ خططها التنموية.

2-تسوية الصراعات الإفريقية

وتشترك دول الخليج في تسوية الصراعات في إفريقيا جنوب الصحراء على أكثر من مستوى، فمن خلال التفاعل بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الإفريقي، والمشاركة الفردية لبعض الدول الخليجية في تسوية الصراعات الإفريقية وخاصة في منطقة القرن الإفريقي.

وفي القمة العربية الإفريقية الثالثة في نوفمبر 2013م، بالكويت، أكد القادة التزامهم بالتعاون والشراكة في السلام والأمن والتنمية، والاستثمار، وفي مؤشر على الاهتمام المتزايد للتعاون بين الجانبين، قام وفد رفيع المستوى للاتحاد الإفريقي بقيادة مفوض السلم والأمن إسماعيل شرقي بزيارة إلى الكويت، وقطر والإمارات عام 2015م، والتقى الوفد الإفريقي بالوزراء وكبار المسؤولين في هذه الدول وناقش الجانبان تطورات السلام والأمن في إفريقيا، وطالبوا بالتعاون لمعالجة الصراعات ( في الصومال، وليبيا، ومالي)، والتحديات الطارئة ( الإرهاب، والتطرف العنيف). 

وأعرب الاتحاد الإفريقي ودول الخليج عن التزامات متبادلة لدعم آليات منع وإدارة الصراعات القارية من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم لتسهيل الشراكات الرسمية.  وفى هذا الإطار برز دور دولة قطر كراعي للسلام وفاعل أمني في الشرق الأوسط ومنطقة القرن الإفريقي، حيث قامت بدور الوسيط وشاركت في العديد من عمليات السلام (لبنان – اليمن – السودان) وتوسطت لعقد هدنة بين إريتريا وجيبوتي عام 2010م، في أعقاب النزاع الحدودي بين البلدين، كما توسطت لعقد اتفاق في دارفور بين الخرطوم وفصائل المعارضة وتوصلت إلى " وثيقة الدوحة للسلام " التي وقعها أطراف الصراع في يوليو 2011م، واتبعت ما يعرف " بالدبلوماسية الاقتصادية " لجذب أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات. وفي يوليو 2016م، تدخلت الدوحة لحل الأزمة الإريترية ــ الإثيوبية عقب اشتباكات حدودية بين الدولتين.

3-مواجهة النفوذ الإيراني

أحد الملامح المميزة لتطور العلاقات الخليجية مع الدول الإفريقية خلال عام 2016م، هو ردود الأفعال الخليجية السريعة على التحركات الإيرانية في إفريقيا.

فعلى الرغم من تراجع الاهتمام الإيراني بإفريقيا في عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني، بالمقارنة بالجهود التي قام بها سلفه أحمدي نجاد لتنمية العلاقات بين الجانبين في إطار شعار التعاون بين الجنوب-الجنوب، إلا أن عام 2016م، شهد اهتمامًا متزايدًا من جانب المسؤولين الإيرانيين على التقارب من الدول الإفريقية، ويعود هذا الاهتمام إلى مجموعة من المعطيات أهمها:

-         توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية والذي قدم لإيران فرص لإعادة صياغة مصالحها الخارجية، هذا إلى جانب التراجع في أسعار النفط وما حمله من ضغوط على إيران، حيث تشارك الدول الإفريقية النفطية بما يعادل 11 % من الإنتاج العالمي للنفط.

-         التطورات التي شهدتها التجمعات الشيعية في غرب إفريقيا (والذين يقدر عددهم بحوالي 7 ملايين نسمة) في أواخر عام 2015م، من استهداف جماعة بوكو حرام الإرهابية لموكب شيعي مما أدى إلى مقتل 22 شخصًا. كما حدثت مواجهات بين الشيعة وقوات الشرطة النيجيرية أسفرت عن مقتل مئات من الشيعة واعتقال الزعيم الشيعي إبراهيم الزكزاكي، مما دفع الرئيس الإيراني روحاني للاتصال بالرئيس النيجيري محمد بخاري وطلب منه دفع تعويضات لضحايا المواجهات، وكذلك الإفراج عن الزكزاكى مما اعتبره البعض تدخل إيراني في الشؤون الداخلية لنيجيريا ([4]).

-         تراجع العلاقات الإيرانية مع إريتريا وقطع السودان وتبعتها جزر القمر التي تعد مركز لنمو التشيع في شرق إفريقيا وتلقى رئيسها أحمد سامبي تعليمه في مدينة "قم" الإيرانية، حيث أدت هذه التطورات إلى فقد إيران حضورها في منطقة القرن الإفريقي التي كانت تستخدم اراضيها في دعم لحلفائها في الشرق الأوسط خاصة الحوثيين في اليمن ([5]).

وخلال شهر يوليو 2016م، زار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أربع دول في غرب إفريقيا، استهلها بنيجيريا ثم غانا وغينيا ومالي، وهذه الزيارة الثانية لظريف إلى إفريقيا عقب توقيع الاتفاق مع الغرب وكان ظريف قد زار تونس والجزائر في صيف 2015م. واصطحب ظريف معه 39 مدير شركة اقتصادية. وجاءت زيارته لنيجيريا في إطار التعاون مع الدول المنتجة للنفط ([6]). 

كما أعلن وزير الخارجية الإيراني خلال لقائه بالمسؤولين في نيجيريا ومالي استعداد بلاده للتعاون مع الدولتين في مواجهة بوكو حرام والجماعات الإرهابية. وخلال هذه الزيارة وقعت إيران على 10 وثائق للتعاون الاقتصادي مع غينيا، شملت مجالات التعدين (الماس والذهب، واستخراج النفط) وبناء المحطات والطرق واتفق الجانبان على تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة لتوسيع العلاقات الثنائية، وخلال زيارته لغانا تعهد ظريف بتعزيز التعاون بين البلدين في مجال الرعاية الصحية ([7]).

في المقابل وفى محاولة من السعودية لاستثمار تأييد العديد من الدول الإفريقية لمواقفها للحفاظ على مصالحها في القارة، وتحجيم الطموحات الإيرانية، زار وزير الخارجية عادل الجبير عددًا من دول غرب إفريقيا (غانا ومالي والسنغال) بعد أقل من أسبوعين من زيارة نظيره الإيراني للإقليم، وتناول الجبير مع المسؤولين في الدول الثلاث عددًا من القضايا المشتركة، وخاصة ما يتعلق بالاستثمارات ومكافحة الإرهاب.   

وعلى الرغم من أن معظم الدول الإفريقية لا تريد المخاطرة بعلاقاتها مع أمريكا من خلال توسيع علاقاتها مع إيران. إلا أن بعض هذه الدول دفعها توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران إلى التفاؤل في فتح مجالات للتعاون الاقتصادي مع طهران، ومن هذه الدول جنوب إفريقيا التي تعمل منذ وصول جاكوب زوما للسلطة على الاستقلال عن القوى الغربية وكان هذا من أسباب انضمامها لتجمع بريكس([8]).

 وكان زوما قد أجل زيارته لإيران في فبراير 2016م، على إثر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الجبير لبلاده، إلا أنه تراجع عن هذا الموقف وقام في أبريل 2016م، بزيارة طهران، حيث تمثل جنوب إفريقيا أقوى اقتصاد في القارة وتمتلك العديد من المميزات مثل البنية التحتية المتطورة، وتطور قطاع الاتصالات، فضلا عن دورها السياسي. وخلال هذه الزيارة وقع الجانبان 8 اتفاقيات شملت العديد من المجالات الاقتصادية،حيث تدرس بريتوريا بناء مصفاة لتكرير النفط تقوم بمعالجة الخام الإيراني لتعزيز إمدادات النفط وتقليل اعتمادها على الشركات الأجنبية. كما اتفقت الدولتان على تدعيم التعاون المعلوماتي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب ([9]).

ثالثًا: التعاون الاقتصادي

دفعت التحديات والتطورات التي باتت تواجهها دول الخليج مؤخرًا إلى تدعيم حضورها الاقتصادي في القارة الإفريقية، والعمل على زيادة فرصها الاستثمارية بما يسمح لها بالاستفادة من مميزات إفريقيا خاصة ما يتعلق بتوافر الموارد الطبيعية وأهمها المياه والتربة ([10]).

وخلال عام 2016م، شهدت العلاقات الخليجية الإفريقية تطورات متصاعدة، برزت في سلسلة من اللقاءات والزيارات المتبادلة بين دول الخليج وإفريقيا، تضمنت المشاركة في عدد من الفعاليات الاقتصادية، وكذلك التوقيع على اتفاقيات للشراكة والتعاون، وكان من أهم الزيارات، الجولات التي قام بها وزير الخارجية السعودي منذ بداية العام إلى دول متعددة في القارة الإفريقية، والتي هيأت إلى فتح صفحة جديدة من تطور العلاقات السعودية الإفريقية، حيث تكثفت الزيارات عقب الموقف الذى اتخذته عدد من الدول الإفريقية بقطع علاقاتها مع إيران ردا على الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وكذلك ردًا على سلسلة الزيارات التي قام بها الزعماء الأفارقة للمملكة خلال عام 2015م،  فقد شاركت السعودية في القمة الإفريقية التي عقدت بأديس أبابا في يناير 2016م. كما قام عادل الجبير خلال شهري فبراير ومارس بجولة في عدد من دول إقليمي شرق وجنوب القارة الإفريقية، شملت السودان وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وجنوب إفريقيا وزامبيا ([11]).

وعلى هامش فاعليات مؤتمر "أبو ظبي للاستدامة 2016" الذي عقد في يناير الماضي، وحضره الرئيس النيجيري محمد بخاري وقعت الإمارات ونيجيريا 6 اتفاقيات، منها اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، إضافة إلى اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات، واتفاقية المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية، واتفاقية المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل المدنية والتجارية، واتفاقية تسليم المجرمين، واتفاقية نقل الأشخاص المحكوم عليهم ([12]).

كما قام الرئيس بخاري بجولة خليجية في فبراير 2016م، استمرت أسبوعًا ركز خلالها على انخفاض أسعار النفط الذي أضر باقتصاد بلادهالتي تعتمد على النفط في تمويل 75% من نفقاتها الحكومية. وشملت زيارة بخاري السعودية وقطر، حيث انضمت نيجيريا إلى مجموعة الدول التي تدعم اتفاق الدوحة الذي توصلت له أربع دول هي السعودية وروسيا وقطر وفنزويلا في 16 فبراير الماضي والقاضي بتجميد إنتاجها من النفط عند مستويات يناير 2016م. 

وقام رئيس جمهورية جنوب إفريقيا جاكوب زوما بزيارة السعودية في مارس 2016م، وأثمرت عن توقيع اتفاقًا بين البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية ودعم استثمارات القطاع الخاص السعودي في قطاع الطاقة المتجددة بجنوب إفريقيا، والاستثمار في البتروكيمياويات والبنوك والبنية التحتية والسياحة ومشاركة السعودية كدولة بحرية في مشروع عملية فاكيسا، وهو مشروع يهدف إلى تعزيز الاقتصاد البحري.

كما زار زوما قطر في مايو 2016م، صحبه وفد من رجال الأعمال، ودعا رجال الأعمال القطريين إلى استغلال الفرص الاستثمارية التي تتمتع بها بلاده والتي تستعد لإقامة العديد من المشاريع التنموية بمختلف القطاعات، واعتبر أن توقيع جنوب إفريقيا وقطر على اتفاقية تجنب الازدواج والتهرب الضريبي، أحد أهم إجراءات بناء الثقة وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين ([13]).

كما استقبل رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي مريام ديسالين في يناير 2016م، وفدًا من رجال أعمال قطريين، لمناقشة عدد من المشروعات الإثيوبية. حيث قرر أعضاء الوفد ضخ 8.5 مليار دولار في بناء فندق ومطعم ونادي صحفي.على أن تخصص 22 % من أرباح هذه المشروعات لدعم المنظمات الخيرية في البلاد. كما اجتمعت اللجنة الفنية القطرية الإثيوبية المُشتركة في أديس أبابا لتنفيذ الاتفاقيات المُوقعة بين البلدين في فبراير 2016م، وسُبل تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، وأكدت الدوحة على دعمها الكامل لإثيوبيا في الأمم المتحدة للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي في يناير 2017م.

وشهدت أديس أبابا في أبريل 2016م، معرض أوبكس للمُنتجات العُمانية بمشاركة أكثر من 100 شركة عمانية، وبلغت قيمة التجارة غير المُباشرة بين مسقط وأديس أبابا ما يتجاوز الـ(80) مليون دولار، وفي أكتوبر 2016م، أكدت شبكة (C.N.N) أن "عمانتل" وهى المؤسسة  الوطنية العُمانية للاتصالات وافقت على بناء كابل تحت سطح البحر يربط صلالة ببربرة في أرض الصومال ( صومالاند) وبيصاصو في (بونتلاند) وسيشمل إثيوبيا، خاصة أن نظام G2A الذي سيربط الخليج بإفريقيا سيتم تطويره بالشراكة مع الاتصالات الإثيوبية، واتصالات جوليس، وشركة تيليسوم.

وخلال شهر أكتوبر 2016م، قامت غرفة تجارة وصناعة دبي ممثلة في مجموعة «س.س. لوتاه الدولية» بتوقيع اتفاقية بقيمة 184 مليون درهم مع بنك "أوروميا" الدولي، لدعم قطاع الزراعة والماشية ومنتجاتهما الصالحة للتصدي ([14]).

وخلال شهر نوفمبر 2016م، أعلن الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية توقيع اتفاقية قرض مع جمهورية جيبوتي بقيمة 23 مليون دينار كويتي (نحو 2ر78 مليون دولار) للإسهام في تمويل مشروع طريق تاجورا- بلحو (طريق الشيخ صباح الأحمد). ويسهم هذا المشروع في تحسين اتصال المناطق الشمالية من البلاد بالعاصمة ومراكز الأنشطة الاقتصادية وأماكن توفر الخدمات التعليمية والصحية.

خاتمة

شهدت العلاقات الخليجية ــ الإفريقية العديد من التحركات المؤثرة، التي بادر بها الجانبان، والتي جاءت كانعكاس للتطورات التي تعرضت لها دول الخليج والدول الإفريقية، والتي دفعت بالجانبين في اتجاه تفعيل العلاقات، وعلى الرغم من محاولات كلا الجانبين استثمار التعاون لتحقيق مصالحه إلا أن التطورات المتلاحقة التي تشهدها البيئة الإقليمية والدولية تؤكد على أهمية تدفق المعلومات حول المجالات المتاحة لتطوير التعاون بين دول الخليج وإفريقيا، وكذلك التحديات التي يواجهها كل طرف قد تعرقل تطوير العلاقات وتجعل نتائج التقارب تبتعد عن الأهداف المرجوة .

 فالدول الإفريقية وعلى الرغم من تمتعها بتوفر الموارد الطبيعية والبشرية، تعاني معظمها من عدم توافر بنية تحتية جيدة، فوفقا لتقرير التوقعات الاقتصادية الأفريقية 2016م، بعنوان المدن المستدامة والتحول الهيكلي، تضاعف عدد السكان في إفريقيا في المناطق الحضرية في السنوات الـ 15 الماضية من 237 مليون في 1995-472 مليون في عام 2015م. مما زاد من حاجة الدول لتطوير بنيتها التحتية حيث تتطلع هذه الدول لتنفيذ هذا الهدف مع نهاية عام 2050م، والشركات الخليجية تقوم بملء هذه الفجوة في البنية الأساسية -على سبيل التزام المستثمرين من أبو ظبي بإنفاق ما يقرب 16 مليار دولار على مشاريع النقل في غرب إفريقيا في عام 2014، كما تم الإعلان عن مشروع تكلفته 36 مليون دولار من قبل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في عام 2015 لإصلاح الطريق السريعة في السنغال.

كما تقف الصراعات والاضطرابات الداخلية التي تعاني منها بعض الدول الإفريقية كعائق أمام نمو الاستثمارات الخليجية، فعلى سبيل المثال، استدعت دول الخليج رعاياها من إثيوبيا – وهي دولة محورية بالنسبة للاستثمارات الخليجية -في أعقاب الاحتجاجات التي شهدتها الدولة خلال الشهور الأخيرة.

وعلى الجانب الآخر، فإن دول الخليج تواجه تحديات كبيرة، ومن هذه التحديات التراجع في أسعار النفط والذي قد يلقىي بظلاله على تعهداتها التنموية في إفريقيا، وكذلك مشاركتها العسكرية في الأزمات العربية، كالأزمة اليمنية. 

وفى ظل سعي الجانبين الخليجي والإفريقي للبحث عن تطوير العلاقات مع حلفاء جدد، ونجاحهما في تحقيق هذا الهدف تبرز أهمية استفادة الدول الخليجية من العلاقات الإفريقية الدولية وخاصة ضمن بعض التجمعات كتجمع البريكس الذي تقوم فيه دولة جنوب إفريقيا بدور بارز، وعلى الجانب الآخر، لابد من أن تدعم الدول الخليجية، نظيراتها الإفريقية في المنظمات الدولية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

الهوامش

 

([1]) Andrew Korybko, Saudi Arabia and the GCC are Expanding To Eritrea. Geopolitical Implications for Ethiopia, 16 November 2015, http://www.globalresearch.ca/saudi-arabia-and-the-gcc-are-expanding-to-eritrea-geopolitical-implications-for-ethiopia/5489868

 

[2])) جيبوتي : نرحب بإنشاء قاعدة عسكرية سعودية على أراضينا ، 8 مارس 2016، جريدة الشرق الأوسط

 

([3]) Lidet Tadesse Shiferaw, The Role of Gulf States in Peace and Security and Development

in Sub-Saharan Africa, IAI WORKING PAPERS 16 | 19 - AUGUST 2016, pp6-7

 

([4]) John Campbell , “Massacre” of Shia in Northern Nigeria an Opening for Iran, December 16, 2015, http://blogs.cfr.org/campbell/2015/12/16/massacre-of-shia-in-northern-nigeria-an-opening-for-iran/

انظر أيضا :

Yaroslav Trofimov, With Iran-Backed Conversions, Shiites Gain Ground in Africa, May 12, 2016, http://www.wsj.com/articles/with-iran-backed-conversions-shiites-gain-ground-in-africa-1463046768

 

([5]) Alex Vatanka, Iran's Awkward Diplomacy in Africa.. Tehran tries, and fails, to expand its sphere of influence, March 23, 2016, http://nationalinterest.org/feature/irans-awkward-diplomacy-africa-15571

 

([6])Cynthia Okoroafor,  Caught in the middle: What the ongoing Saudi – Iran conflict means for Nigeria,   January 17, 2016, https://venturesafrica.com/features/151186/

أنظر أيضا :

بسبب تدهور أسعار النفط.. نيجيريا تفقد مكانتها الاقتصادية في إفريقيا ، 13-08-2016،

http://www.elwatannews.com/news/details/1322803

([7]) Iran, Guinea sign 10 documents on economic cooperation, 30 July 2016 ,

 http://www.azernews.az/region/100129.html

Roundup: Iran's FM terms West Africa tour "successful", July 30, 2016, http://www.china.org.cn/world/Off_the_Wire/2016-07/30/content_38987775.htm

 

Iran ready to back Nigeria in fighting Boko Haram,  Tue 26 July 2016, http://en.mehrnews.com/news/118384/Iran-ready-to-back-Nigeria-in-fighting-Boko-Haram

 

([8]) Kenneth Katzman, Iran’s Foreign Policy, November 25, 2015, Congressional Research Service,www.crs.gov

 

([9]) Bronwyn Fraser, South Africa-Iran Agreements Signify Co-operation in More than Energy, 4 May 2016, http://www.futuredirections.org.au/publication/south-africa-iran-agreements-signify-co-operation-energy/

 

([10]) Atiq Anjarwalla , Gulf investments in Africa beginning to spread far and wide, October 2, 2016, http://www.thenational.ae/business/economy/gulf-investments-in-africa-beginning-to-spread-far-and-wide

[11])) الدبلوماسية السعودية تعيد إحياء جسر التقارب مع إفريقيا لمواجهة التهديدات الإيرانية ، 26 فبراير 2016 ، جريدة الشرق الأوسط

 

[12])) استثمارات الإمارات في إثيوبيا تبلغ 817 مليون دولار ، 21-12-2015،  هيأة الإذاعة والتلفزيون التركية

[13])) قطر وجنوب إفريقيا.. صداقة متميزة وشراكة متنوعة الثلاثاء مايو 17, 2016 ، http://www.qna.org.qa

 

[14])) «س.س. لوتاه» توقع اتفاقية مع بنك «أوروميا» في إثيوبيا بـ 184 مليون درهم ، 10 أكتوبر 2016 ، http://www.emaratalyoum.com/business/local/2016-10-10-1.935832

 

مجلة آراء حول الخليج