; logged out
الرئيسية / الـعـلاقــات الـخـلـيـجــية - الـعـربـيــة .. الـمـتـغـيــرات ـ الاتجاهات ـ الـتـبـعــات. دول الخليج في المركز لأول مرة: القبــول العربــي والمســؤوليات الخليجيــة

العدد 115

الـعـلاقــات الـخـلـيـجــية - الـعـربـيــة .. الـمـتـغـيــرات ـ الاتجاهات ـ الـتـبـعــات. دول الخليج في المركز لأول مرة: القبــول العربــي والمســؤوليات الخليجيــة

الثلاثاء، 10 كانون2/يناير 2017

العلاقات الخليجية ـ العربية في المرحلة الحالية هي الشأن الأبرز على الساحة الإقليمية، نظرًا للعديد من العوامل والتحديات والمستجدات الإقليمية وأبعادها الدولية، إثر المتغيرات التي طرأت على النظام العربي بعد أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي وما أدت إليه من تحولات غيرت من تركيبة النظام العربي الجماعي وكذلك القوى الفاعلة في هذا النظام، وتبادل الأدوار بين المركز والأطراف في إطار تراجع دور دول وصعود أخرى، لذلك جاءت هذه الندوة التي شارك فيها ثلاثة من أبرز المتخصصين والمهتمين بالقضايا العربية وممن لهم باع طويل في هذا الشأن، والذين أجمعوا على أهمية التحولات الإقليمية وصعود الدور الخليجي في النظام العربي الجماعي بصورة غير مسبوقة في قيادة هذا النظام خلال الفترة الحالية ولمدة زمنية قادمة، وناقشوا تبعات هذا الدور على دول مجلس التعاون الخليجي وما هو المطلوب منها تجاه الدول العربية الأخرى، وكيف تتعامل الدول العربية  مع هذه المتغيرات، ومدى قبولها للدور القيادي الخليجي في هذه المرحلة، كما تطرقوا إلى مستقبل العلاقات الخليجية ـ العربية وكيف تكون في مصلحة المنطقة العربية واستقرارها وأمنها وتنميتها.

واشترك في هذه الندوة كل من الأستاذ الدكتور عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية بدولة الإمارات العربية المتحدة، والأستاذ الدكتور نصر عارف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور معتز سلامة رئيس وحدة الدراسات الإقليمية والخليجية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، وفيما يلي ما جاء في أحداث هذه الندوة:

س: الدكتور عبد الخالق عبد الله: ما يثار حول واقع العلاقات العربية البينية فيه كثير من عدم الوضوح، كيف ترى واقع ومستقبل العلاقات الخليجية ـ العربية من المنظور الخليجي؟

ــالدكتور عبد الخالق عبد الله: بالنظر إلى العلاقات الخليجية ـ العربية من المنظور الخليجي، نجد أن الخليج أصبح فجأة في وضع أكثر حضور وتأثير في المشهد السياسي العربي قياسًا بما كان عليه منذ عشرين عامًا أو قبل قيام مجلس التعاون حيث لم يكن لدول الخليج هذا التأثير والحضور الذي هو عليه اليوم، وهذا التغيير ألقى على دول الخليج الست مسؤوليات تاريخية تجاه الوطن العربي، وأصبحت هذه الدول تدرك ذلك وتوليه أهمية أكثر من أي وقت مضى في ظل غياب الدول الرئيسية الفاعلة في النظام العربي وانحسار دورها وهي مصر، العراق، والجزائر، وعليه وجدت دول الخليج الست نفسها في موقع الدفاع عن الاستقرار العربي وحمايته، ومطالبة أيضًا بتحقيق الحد الأدنى من التكامل والتوافق العربي.

واليوم يتعامل الطرف الخليجي ككتلة واحدة تقريبًا مقابل الطرف العربي الآخر الذي لا يشكل أي تأثير وليس له أي حضور في المشهد، حيث يقود مجلس التعاون في اللحظة الراهنة المشهد العربي بدلاً من جامعة الدول العربية التي تضم 22 دولة، وأعتقد أن ذلك سوف يستمر لفترة خمس سنوات على أقل تقدير وربما أكثر، وهنا ينبغي على دول الخليج أن تدرك أنها أصبحت معنية أكثر من غيرها بمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، لكن يظل السؤال: هل لدى هذه الدول القدرة على الاضطلاع بهذه المهمة الجديدة؟ خاصة نسمع الآن من يتحدث عن أن النظام الإقليمي العربي ينهار، أو انهار بالفعل وتفكك في حين أن النظام الإقليمي الخليجي هو الوحيد المتماسك والمؤثر وهذا الوضع لم يكن قائمًا من قبل.

س: ما هي التبعات التي يلقيها هذا الوضع الجديد على دول مجلس التعاون الخليجي؟ وكيف تتعامل هذه الدول مع هذا الوضع وأنت تتحدث عن فترة ليست قصيرة تتسيد فيها دول مجلس التعاون المنطقة في ظل الغياب العربي الآخر على حد وصفك؟

*الدكتور عبد الخالق عبد الله: هذا ليس معناه رغبة دول مجلس التعاون في التسًيد أو الزعامة، وكذلك ليس مدعاة لنزعة فوقية، إنما اللحظة التاريخية وضعت دول الخليج في هذا الموقع وفرضت عليها ثلاث مسئوليات رئيسية هي:

أولاً: الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في الوطن العربي حتى لا يتجه إلى مزيد من التفكك أو الإرهاب أو العنف أو التطرف، وهنا يمكن القول: هل دول الخليج قادرة على منع المنطقة من الانجرار إلى مزيد من عدم الاستقرار مما قد يؤثر على استقرارها وازدهارها؟ وهل تستطيع أيضًا أن تحافظ على الحد الأدنى من الاعتدال في الفكر والنهج والسياسات لمواجهة التطرف والتشدد والغلو الذي انتشر؟

ثانيًا: عليها قيادة المنطقة في مواجهة التغلغل الإقليمي الخارجي في الجسم العربي وهو بالتحديد التغلغل والتمدد الإيراني ـ التركي الخارجي.

ثالثًا: على دول مجلس التعاون مواجهة هذه المسؤوليات في إطار محيطها العربي، خاصة أنها اليوم أكثر قلقًا على ما يجري في الوطن العربي من أي وقت مضى لأن التطرف والعنف والإرهاب يقترب من حدودها أكثر، ومن ثم عليها أن تكون في مستوى المسؤوليات المطروحة أمامها.

س: الأستاذ الدكتور عبد الخالق في الواقع هناك خلافات خليجية ـ عربية كيف تشخصها وتحدد أسبابها وكيفية تجاوزها؟

*الدكتور عبد الخالق:بداية الخلافات طبيعية، ووجود خلافات ليس بالضرورة أمرًا شاذًا أو غير صحي ففي أكثر الأوقات تكاملاً وتلاحمًا تكون هناك خلافات في الرؤى، نحن نتكلم عن قوى عربية تنافس بعضها البعض في الرؤى وفي المواقف أيضًا فالخلافات طبيعية، لكن من غير الطبيعي أن تتفاقم هذه الخلافات وتتحول إلى أزمات مستعصية وصراعات، هذا الذي يجب عدم السماح به، أما أن هناك خلافات بين السعودية ومصر ، أو بين دول الخليج وبعض الدول العربية، فهذه الخلافات يجب الحديث عنها وفيها وحولها بغية التوصل إلى حلول لها ومنع تفاقمها ومنع تحولها إلى أزمات، وعمومًا حتى هذه اللحظة لم تتحول هذه الخلافات إلى أزمات ولم تتحول إلى حروب دامية بين المجموعة العربية.

س: الدكتور عبد الخالق: لا نريد أن تتحول إلى أزمات أو مصادمات أو حروب، السؤال هل لدى دول الخليج رؤية أو آلية أو أداة لتجاوز هذه الخلافات الموجودة بأي مستوى كانت؟

ــ الدكتور عبد الخالق: دول الخليج لديها الرغبة أولاً ثم الدفع ثانيًا بعدم تفاقم هذه الخلافات وهذا من صالحها، وتسعى لمنعها والأمثلة على ذلك كثيرة، وأيضًا إذا كان هناك دول راغبة في لجم وتحجيم الخلافات فهي دول الخليج بحكم ما لديها من صداقات، ولما لديها من تأثير واستثمارات خارج حدودها، من ثم لا يوجد طرف عربي قادر على لملمة الخلافات أكثر من دول الخليج الست بقيادة السعودية في المرحلة الحالية.

س: هل نرى في المستقبل القريب تجاوز هذه الخلافات وحدوث تكامل عربي ـ خليجي فعًال؟

ــ الدكتور عبد الخالق:ستظل الخلافات كما هي دائمًا، سواءً زادت حدتها أو قلت لأن الخلافات لا يمكن أن تنتهي بحكم أن القضايا المطروحة هي قضايا خلافية وجدلية، يعني كيف تتعامل مع الملف السوري مثلا؟

س: هناك قضايا ترتب عليها مواقف خلافية مثل الأزمة السورية أو مشكلة العراق، أو الوضع الراهن في اليمن، هذه المشكلات التي طرأت مؤخرًا أوجدت خلافات خليجية ـ عربية، فكيف يتم تجاوزها؟

ــ الدكتور عبد الخالق: هذه الخلافات موجودة وهناك حد أدنى من التوافق بشأنها على الأقل بين الدول الخليجية والدول العربية، فهناك حد أدنى من التوافق على أن خطر داعش على الجميع ولا يوجد خلاف على ذلك، وكذلك هناك توافق وإجماع تام في جامعة الدول العربية على أن نظام بشار الأسد ارتكب مجازر ضد شعبه ولا يستحق أن يكون موجودًا بيننا، إذن يوجد توافق حتى في أكثر الملفات خلافية، وعندما نذهب إلى اليمن أعتقد هناك شبه إجماع على أنه لا يجب السماح للتمدد الإيراني أن يصل إلى عقر دارنا في هذه الدولة العربية الشقيقة والمهمة.

ورغم ذلك أقول إن الخلافات ستظل موجودة حتى انحصرت في حدها الأدنى والمطلوب ألا تتفاقم وتتجاوز وتتحول إلى أزمات مستعصية.

س: الدكتور نصر عارف، إذا كان ما طرحه الدكتور عبد الخالق هو الرأي الخليجي تجاه القضايا العربية في هذه المرحلة التاريخية، من وجهة نظرك ماذا تريد الدول العربية من دول الخليج، وهل تقترب أم تبتعد من دول الخليج؟

ــ الدكتور نصر عارف:دعني أقول في البداية إنه على مر التاريخ العربي ليس هناك منطقة جغرافية واحدة تتولى القيادة أو الصدارة بصورة دائمة، هناك تحرك دائم للقيادة من منطقة لأخرى ومن عاصمة لأخرى ودائمًا لا تستقر في مكان واحد. فهي انتقلت من المدينة المنورة إلى دمشق، ومن دمشق إلى بغداد، ومن بغداد إلى القاهرة، ومن القاهرة إلى القيروان، ويتكرر ذلك في دورات متتالية، فأنا مع د. عبدالخالق في أن الراية في الفترة  الحالية في يد دول الخليج، و لن أركز على القضايا السياسية، وعليه فإن دول الخليج نجحت في الحفاظ على الثروات النفطية الطبيعية وإقامة بنية مستدامة وانعكس ذلك على نمط الحياة، في حين فشلت في تحقيق ذلك دول عربية كثيرة وإن كانت أقل من دول الخليج في الموارد النفطية والاقتصادية سواء العراق، أو ليبيا، أو الجزائر فهذه الدول الثلاث نفطية لكنها لم تحقق ما حققته دول الخليج.

الواقع التاريخي حاليًا يؤكد أن منطقة الخليج مستقرة وقادرة على العمل. لكن كيف ينظر العرب إلى دول الخليج؟ المشكلة أن العالم العربي يعاني منذ زمن طويل من مرض المركز والأطراف، خصوصًا في فترة سيطرة النظم الثورية والاشتراكية والقومية وغيرها، لكن لا يوجد انتباه جيد في كثير من الدول العربية للإمكانات المتاحة في الخليج. فهذه العقدة لابد من التعامل معها، وهي تحتاج لتعامل ثقافي قبل السياسي، ولابد من تغيير المفاهيم بمعنى أن معظم المواطنين العرب يأتون إلى دولة الإمارات للزيارة أو الترفيه، لكن في الوقت نفسه لا يخطر على بالهم التعلم من التجربة الإماراتية، وهنا سؤال كبير يطرح نفسه وهو: هل دول الخليج راغبة في لعب هذا الدور؟ كما يجب أن تتفهم أن لهذا الدور مسؤوليات وتكاليف. وهل هي راغبة في لعب دور النموذج الذي يستطيع القيام بعملية تغيير شاملة في العالم العربي؟ ما تملكه دول الخليج من إمكانيات عكس نظم سابقة في دول عربية أخرى، سواء في مصر، أو سوريا، أو العراق، أو ليبيا حيث كان يتصدر اهتماماتها العمل العربي من المنظور السياسي أو العسكري، لكن الآن دور دول الخليج مختلف فهو دور تنموي وتعليمي، يتعلق بنظام التعليم العام وتطوير الجامعات خاصة إنها بدون  منازع الأنجح في العالم العربي من حيث منظومة التعليم الجامعي على الأقل، وكذلك التجربة التنموية، وكيف لدول الخليج أن تصدر هذه التجربة من التنمية وليس الاقتصاد فقط بما يدعم إدارة التنمية الحديثة؟، خاصة أن هذا النموذج قابل للتكرار والنقل لباقي الدول العربية.

ثم يأتي التحدي الرئيسي وهو مدى قبول الدول العربية الأخرى أن تتعلم وتتفهم مدى رغبة دول الخليج في القيام بدور كانت تقوم به دول أخرى سابقًًا، وكيف تستثمر دول الخليج في تأمين وتنمية محيطها وهذا ضرورة لأنه لا يمكن أن تستمر التجربة الخليجية بهذا النجاح وهذا الاستقرار بدون استقرار المحيط العربي، حيث سوف ينعكس الفقر والتطرف الموجود في دول المحيط العربي سلبًا على دول الخليج وعليه تحمل المسألة معادلة أو إشكالية مزدوجة هي: القدرة والرغبة من طرف الخليج، والقبول من طرف الدول العربية الأخرى.

س: دكتور نصر كيف يتم التوافق أو المواءمة بين القدرة والرغبة والقبول؟

ـ الدكتور نصر عارف:ظني أن دول الخليج ليست سواء في هذا الباب، وليست كتلة واحدة في هذا التوجه، للعب دور تنموي تحديثي في العديد من الدول العربية، ويكفي أن أشير لبعض المبادرات في دولة الإمارات ومنها مبادرة الشيخ محمد بن راشد (تحدي القراءة العربي)، ومبادرات أخرى فيما يتعلق باللغة العربية، وأخرى خاصة بالمعرفة، لكن باقي الدول ليست بنفس التوجه، فهناك دول في مجلس التعاون تقوم بدور عكسي تمامًا، وهنا عندما نتحدث عن دول مجلس التعاون لا نتحدث عنها ككتلة واحدة، وتظل هذه الدول كتلة واحدة فيما يتعلق بعلاقاتهم البينية، ولكنهم ليسوا كتلة واحدة فيما يتعلق بعلاقاتهم بباقي الدول العربية، تختلف الأجندات، وتتوحد دول مجلس التعاون عندما يكون هناك تهديد أو تحدٍ من العالم العربي لها، ولكن عندما تقوم بدور إيجابي في تحديث العالم العربي والمساهمة في تحمل تبعات قيادة العمل العربي المشترك خاصة في البعد الثقافي والاجتماعي والتنموي، فهي في ذلك ليست سواء، ولا نستطيع القول إن الكل راغب في أن يستثمر في الدول العربية الأخرى لتحقيق الاستقرار، فما قدمته الامارات لمصر لم يكن الهدف منه مجرد تبرعات وصدقات لأنها تعلم أن استقرار مصر وعدم انفراد الإخوان بها هو تأمين لمستقبل الإمارات نفسها وهذا رأي سياسي رشيد وليس فقط رأي عاطفي، فهل يرى الآخرون ذلك؟، أنا لست متأكدًا.

أما عن باقي الدول العربية، فهناك دول تقبل بالتعاون مع دول الخليج بأريحية عالية جدًا، وهناك دول أخرى ليست بنفس القابلية، فمثلا مصر والأردن والمغرب والسودان تتعاون بدرجة عالية جدًا مع دول مجلس التعاون في استقبال الاستثمارات، لكن باقي الدول العربية ليست على نفس المستوى وما نخشاه بصورة أو بأخرى في العراق حيث من الصعب تخيل الصورة القادمة في نمط تعاطيها مع دول الخليج.

س: بين القدرة والرغبة والقبول والرفض هناك أوضاع اقتصادية صعبة ويظل الاحتياج لاستثمارات والاحتياج للقروض لإقامة مشروعات تنموية في الدول العربية، كيف يتم ذلك في ضوء هذا التباين في التوجهات والمصالح واحتياج للآخر؟

ــ الدكتور نصر عارف: هناك إمكانية لتنويع أو توزيع الأدوار الخليجية لأن كل دولة من دول الخليج تستطيع أن تعمل مع الدول التي تتطابق معها فكريًا، أو سياسيًا بمعنى أن الدولة (س) لها علاقات مع الدولة (ص) تستثمر فيها، وللدولة (ع) مع الدولة (ل) تستثمر فيها أو تعمل معها. أنا أؤمن أن العمل العربي المشترك لن يتم إلا بنفس طريقة التجربة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، لكن منطقتنا لا تحتاج إلى ما يشبه مشروع مارشال، بل تحتاج تهدئة المجتمعات، ومن ثم لابد من إعادة بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية من أجل الاستقرار السياسي الذي لن يحدث إلا باستقرار في البنية الاجتماعية الاقتصادية، وإن لم يحدث ذلك ستحدث انفجارات متتالية مرة أيديولوجية وأخرى طبقية، و ثالثة مطلبية أو إقليمية وجهوية.

 فبدون أن تكون الدول العربية عند الحد الأدنى من التنمية لن يتحقق الاستقرار بالقوة، والأخطر هو تدخل أطراف أخرى عبر هذه البوابة، وهذا ما حدث في النموذج اليمني فتدخل إيران في اليمن لم يحدث بين عشية وضحاها، بل بدأ منذ عام 1986، حيث منحت الحوثيين 30 ألف بعثة تقريبًا، وكذلك استثمارات ليست قليلة، وتكرر ذلك مع حزب الله في لبنان، فمن يذهب إلى جنوب لبنان يجد من لم يهدم بيته يشعر بالتعاسة لأن الذين هدمت بيوتهم في 2006م، تم إعادة بنائها بأموال إيرانية على طراز أكثر فخامة من أي مكان في دول الخليج، إذا المسألة تكمن في أن الأطراف الأخرى تتعامل بنفس الطريقة والأمر في النهاية ليس عطايا. وعند وضع الحديث في سياقه نقول حتى نضمن سلامة أي دولة عربية من الاختراق الخارجي سواء من أطراف إقليمية أو دولية، لابد من توفير الاحتياجات الأساسية لسكانها وتكون دولها فاعلة، نحن الآن نعيش في عالم عربي معظم دوله فاشلة، أو شبه فاشلة، أو في طريقها إلى الفشل، أي ثلاث فئات باستثناء دول الخليج والمغرب، لذا يستوجب على الأقل وضع هذه الدول على الطريق السليم، وأكرر ليس من خلال المنح أو العطايا أو التبرعات، بل عبر نظم قانونية، واستثمارات جادة، وبمساهمة شركات القطاع الخاص، من أجل القيام بعمل تنموي عربي يطمئن إليه المستثمرون الخليجيون في الدول العربية الأخرى، وحتى لا تكون الدول المتضررة حاليًا عبئًا على الصناديق السيادية والدول في الدول الخليجية.

 وتظل فكرة هل تقبل الدول العربية أن تنقل النماذج الخليجية المتطورة فيما يتعلق بنظم الإدارة، والتعليم، والمرور والشرطة، وتعلم كيف وصلت دول الخليج إلى هذه الصورة، وهل تتخلى الدول العربية عن نزعاتها وتبدأ تتعلم من التجربة الخليجية؟ وأنا أقول بصراحة أتمنى أن تنقل مصر نموذج نظم المرور من دولة الإمارات، وكذلك نظم الشرطة وإنشاء المستشفيات، ولا أقول هذا من موقف ضعف لدينا، فنحن كنا في يوم من الأيام نعلم، فجاء الوقت لنتعلم، هذا هو تبادل الأدوار. وبريطانيا كانت سيدة العالم وأصبحت تابعة لأمريكا، لابد للدول العربية أن تستفيد من نماذج التنمية الناجحة في الخليج في الجوانب التي تتناسب معها حتى لا نبدأ من الصفر دائمًا. تحتاج جامعاتنا العريقة أن تتعلم من نظم التعليم في دول الخليج وكيف تدار.

س: دكتور نصر ..القبول والتقبل يتطلب أن يزيح الطرف الآخر العقد القديمة والمتراكمة .. لكن كيف؟

ــ الدكتور نصر عارف:نحن جميعًا نحتاج أن نتخلص من العقد القديمة وأن نخطط لأولادنا وأحفادنا بصورة مختلفة، لأن هذه العقد القديمة لا نهاية لها ومنها عقد بينية. لو نظرت لمشرق ومغرب العالم العربي تجد لكل طرف لديه عقدة تجاه الآخر، ولإزاحة هذه العقد يتطلب الأمر عمل ثقافي واسع مثل ما تفضل د. عبدالخالق بخصوص تقرير الثقافة الخليجي الذي صدر عن مؤسسة الفكر العربي، نريد أن يحدث توازن، ونريد أن يشار على سبيل المثال إلى موريتانا، نريد للطالب الجامعي في مصر مثلا أن يعرف أن موريتانيا فيها علماء ليسوا أقل من علماء مصر في الشريعة ومختلف العلوم الأخرى، ويعرف كذلك الطالب في العراق، وهكذا، ولإزاحة هذه العقد هناك أداتين رئيسيتين هما الإعلام والتعليم، إذا استطعنا أن نوظف التعليم بصورة جيدة نستطيع أن نصل إلى نتيجة سريعة

س: هل يؤتي هذا أكله في وقت سريع في ظل الانهيارات العربية وضعف النظام العربي؟

ـ الدكتور نصر عارف:يأتي أكله في ظل وجود نظم للتواصل الاجتماعي قادرة على نقل المعلومة بأسرع ما يكون، إذا كان هناك وعي ومؤسسات تعمل وأفكار تتدفق في الانترنت تستطيع أن تحدث تغييرًا هائلاً وبصورة سريعة جدًا، يكفي أن أقول مشروع الشيخ محمد بن راشد لتحدي القراءة العربي أثمر خلال سنة واحدة وأنا كنت قريبًا جدًا من المنظمين له حيث كان الهدف 2 مليون قارئ وصل إلى 3.7 مليون قارئ في كل دول العالم العربي، والذي فاز بالجائزة الأولى شاب من الجزائر، تقدم في مصر وحدها 1.7 مليون متقدم، من الأزهر فقط 500 ألف، وكل ذلك خلال شهرين.

س: تدخل جهات رسمية حكومية، أو جامعة الدول العربية، أمانة مجلس التعاون الخليجي هل يمكن أن يساعد على تجسير الهوة بين الجانبين العربي والخليجي؟

ـــ الدكتور نصر عارف:حسب اعتقادي يجب مخاطبة جهات أخرى أيضًا منها مؤسسات المجتمع المدني على وجه الخصوص، لأن فكرة مشروع الشيخ محمد بن راشد تمت بالتنسيق مع قطاع المجتمع المدني وليس القطاع الحكومي، حيث يكفي للحكومات والأمانات أن تمهد الطريق على أن تكون الجهة الفاعلة هي مؤسسات القطاع المدني، خاصة أن القطاع الحكومي في الدول العربية مثقل بالكثير من الهموم والمهام الداخلية.

س ـ دكتور معتز سلامة .. هل ترى أن اللحظة الراهنة هي فعليًا لحظة الخليج، وهل يمكن لمنطقة الخليج أن تشكل نموذجًا للعالم العربي، وما هي مجالات الاستفادة من هذا النموذج؟

ــ الدكتور معتز سلامة:ما تفضل به الدكتور عبد الخالق عبد الله، والدكتور نصر عارف، يطرح السؤال حول ما إذا كان هذا التوجه الخليجي عربيًا هو توجه استراتيجي أم مؤقت، ويستهدف فقط درء المخاطر في هذه الحقبة الصعبة تاريخيًا في منطقة الخليج. أنا مقتنع تمامًا بأن دول الخليج الآن تمثل النموذج ومراكز التلألؤ عربيًا، لكن المهم كيف يمكن الاستفادة من هذا النموذج، وكيف يمكن أيضًا القبول به والطلب عليه من الدول العربية على ضوء الحساسيات التاريخية وحساسيات الشخصية الوطنية الخاصة لدى الحكومات والنخب، التي تقبل ما هو أجنبي وترفض مثيله العربي، مع إدراكنا بأن النموذج الخليجي ليس نموذجًا قائمًا بذاته فهناك حساسيات وعقد عربية موروثة، وأعرف أنه لا تزال هناك مشكلات في دول الخليج وبين دول الخليج والكثير من الدول العربية المأزومة على خلفية السياسات الخليجية في المنطقة، وتواجه دول الخليج الآن تحديات بالغة تتعلق بكيفية إدامة واستمرارية تجليات الحقبة النفطية في ظل تراجع عصر النفط، وتبذل الحكومات الخليجية جهودا جبارة لأجل الاستعداد لمواجهة التحديات والمخاطر، وفي الحقيقة فإن مما يحمد أنه في هذه الدول نجد أفكارًا جديدة يتم الدفع بها في شرايين السياسة والاقتصاد والمجتمع، فليس هناك استسلام أو تسليم بالعجز ولا تسود روح تشاؤمية بعدم القدرة على مواجهة التحدي، وإنما يلمس المراقب من الخارج جهودًا وأفكارًا خلاقة في مختلف دول الخليج يجري إطلاقها بلا كلل أو ملل.. وأعتقد أن هذا هو نتاج تفاعل عقلية الخليج مع العقلية العالمية على مدى الخمسين سنة الماضية، ربما لا يمكن تنفيذ أغلب تلك الأفكار، وربما يجري إطلاق الكثير منها بوعي وذكاء سياسي من الحكومات بدافع التغلب على روح التشاؤم التي يمكن أن تتسرب إلى نفسية الشعوب فتنعكس بالسلب، لكن المؤكد بالنسبة لي كمراقب لهذه المنطقة من الخارج هو حالة التلألؤ الإبداعي في مواجهة التحديات، وهي حالة تدفع حقيقة لليقين بأن مردودات الحقبة النفطية بدأت تؤتي أكلها في دول الخليج، وأصبح لأغلبها القدرة على الحفاظ على مستوى الدفع الذاتي في عصر ما بعد النفط.

وعلى جانب آخر، فإن بعض الشعوب العربية تقبل استلهام النموذج مثلاً من الولايات المتحدة والصين ومختلف دول العالم، ولكن عند الحديث عن نموذج دبي أو الإمارات تجد بعض الحساسيات في الدول العربية، وأتذكر مقولات الكثير من المفكرين العرب الاقتصاديين والسياسيين منذ سنوات والذين كانوا يتحدثون باستعلاء ويشككون في جدارة النموذج الإماراتي أو نموذج دبي، واستمعت كيف كان البعض يطلق عليه "اقتصاد الفقاعة"، وهنا من المهم أن يخلق الخليج جذورًا أو امتدادات له في العالم العربي تجعل هذا النموذج مقبولاً وحاضرًا في التجربة العربية.

أتفق مع ما طرحه الدكتور نصر حول مسألة تبادل دور المركز والأطراف، وأننا الآن في وقت الخليج، وكما أسماها د. عبد الخالق إن "اللحظة هي لحظة الخليج". لكني لا أريد أن يجري تقديم ذلك لباقي المنطقة من جانب دول الخليج ونخبة الخليج على نحو يولد نوعًا من الحساسية والرفض لدول المنطقة الأخرى التي قامت بأدوار سابقة في تاريخ العالم العربي والمعتدة بذاتها وثقافتها وحضاراتها أيضًا، ففي الأغلب هناك حساسيات، كرستها وعمقتها الحقبة العربية السابقة، وعلى من هو الآن في موقع الصدارة أن يتواضع حتى تكون رسالته مقبولة، وذلك يقتضي أن يقود دون أن يقول أنه قائد، فضلاً عن ذلك لا ينبغي إنكار أهمية الاستفادة من حصاد التجربة والخبرة، وهنا يمكن لدول العالم العربي أن تستفيد من بقية دول الخليج العربية في علاقاتها الدولية وتشابكاتها السياسية والاقتصادية مع العالم وتعاملاتها مع الشركات الدولية، حتى لا نعيد تكرار الإنفاق بلا معنى، كما يمكن لدول الخليج أن تستفيد من تجارب وخبرات الدول العربية التي مارست الحروب والتدخلات في الأزمات العربية. وهنا في اعتقادي أنه يمكن إخصاب وجهات نظر وتجربة الخليج العربية في السعي نحو قيادة العالم العربي والتدخل العسكري في الأزمات العربية بوجهة النظر المصرية.

لكن في الجانب الآخر من المهم لمنطقة الخليج أن توضح رؤيتها للعالم العربي، حيث هناك جروح عربية نازفة ومناطق صراع ملتهبة، وهناك شعور بأن التدخل الخليجي يساعد قوى معينة في الدول العربية، والسؤال المطروح هل توجد رؤية أشمل للاستقرار في هذه الدول بعد الانتهاء من التدخل الخليجي؟، وهل توجد رؤية لإعادة بناء هذه الدول التي تأثرت بأحداث الثورات؟  أنا أخشى أن تكون هذه النقاط فيها قدر من الحساسية لكن المهم وضع رؤية مكتملة، ومشروع خليجي متكامل خاص بالمنطقة العربية مع مصر والأردن والمغرب، وأخشى أن يكون توجه الخليج نحو العالم العربي توجهًا مؤقتًا , فقط انطلاقًا من الاحتياجات الأمنية الحالية، والمهم كيف نضمن أن اهتمام الخليج بالعالم العربي هو توجه استراتيجي يأتي من منطلق الإحساس بالمسؤولية العربية، وليس محطة مرحلية؛ فبعد تجاوز مرحلة التحديات والثورات و زوال المخاطر على منطقة الخليج قد ينصرف الخليج عن العالم العربي، أو بعد أن يرتب  الخليج أوضاعه الأمنية خاصة مع بريطانيا والأحلاف الأخرى، أو ينتهي إلى أن حصاد تجربته مع العالم العربي كان حصاد سلبيًا، وبالتالي يتجه إلى مزيد من الانعزال، في هذه اللحظة سنكون إزاء مشكلة، طرفيها دول عربية تعرضت للانقسام الداخلي وللحروب والتفتت والانهيار، مقابل دول خليجية منعزلة وفي حالة انكفاء، ولكن الأخطر هو مردودات السياسات الحالية في المنطقة العربية. إذًا كيف يمكن تحصين التوجه الخليجي نحو العالم العربي وأن ينتهي إلى تجربة إيجابية وإلى نموذج ناجح، وإلى مردود إيجابي على منطقة الخليج وعلى علاقات الخليج العربية؟ هذا هو السؤال.

س: الدكتور عبد الخالق .. يقول د. معتز أن التوجه الخليجي العربي توجه الحاجة أو توجه مؤقت وعندما تجد دول الخليج دول أخرى تملأ الفراغ العسكري والأمني كالتوجه نحو بريطانيا أو غيرها كتركيا قد تنحسر العلاقات الخليجية العربية، هل تقر ذلك؟

ــ الدكتور عبد الخالق عبد الله:لا أعتقد ذلك، فالخليج كان دائمًا جزءًا من هذا الوطن العربي بإيجابياته وسلبياته وإنجازاته وإخفاقاته، والخليج الآن جزء من هذا الواقع العربي وهذا المحيط العربي فاعلا ومنفعلاً ومؤثرًا ومتأثرًا، واليوم الخليج موجود أكثر من أي وقت آخر في قلب هذا الزخم العربي ليس لدوافع ظرفية وآنية، وإنما تواجد بنيوي وعميق وبعيد المدى، ولا يمكن عزل هذا الجزء من هذا الكل العربي، فالجزء الخليجي رديف للكل العربي كما أن الكل العربي اليوم يرى نفسه أكثر ارتباطًا ربما بالجزء الخليجي من أي وقت آخر، كنا دائما الكل العربي هو الطرف المؤثر في الجزء الخليجي خلال القرن العشرين تقريبًا خاصة نصفه الأخير، ولكن نحن فجأة الآن، أمام حقيقة أن الجزء الخليجي بدوله الست هو الأكثر تأثيرًا في الكل العربي فالمعادلة انقلبت كما تفضل الدكتور نصر، نجد أن ست دول تؤثر في الست عشرة أكثر من تأثير الست عشرة في الست، المعادلة هكذا وأعتقد أن هذه المعادلة قائمة ليس بحكم وجود تطرف أو إرهاب، وإنما لوجود قدرات وإمكانات لدى الخليج وأيضًا رغبة سياسية للتواجد والتأثير في المحيط العربي حتى لو انحسر الإرهاب والتطرف وتغيرت الظروف الموجودة، وأعتقد أن الخليج يكون ربما أكثر حضورًا ووجودًا في الكل العربي، هذه المعادلة الست دول أكثر تأثير في الست عشرة دولة ستستمر خلال الفترة القادمة ولفترة ليست قصيرة، اليوم نرى أصغر دولة خليجية أكثر تأثيرًا في أكبر دولة عربية من تأثير أكبر دولة عربية على أصغر دولة خليجية، والمثال قطر، ومصر ، الإمارات وهكذا. لدينا معادلة نابعة من وحي التغيرات والظروف والموارد والإمكانيات والرغبات أيضًا، لدى دول الخليج رغبة في ممارسة هذا الدور، وأيضًا كما ذكر الدكتور نصر، الخليج ربما كان خلال فترة ولازال يمتلك قوة ناعمة بمعنى أنه قوة جاذبة لديها مبادرات وإنجازات ونجاحات ويمكن أن تمثل قدوة ونموذجًا للأخرين في البنية التحتية، التعليم، أو مجالات أخرى، لكن مؤخرًا وخلال السنتين على الأقل بعد الربيع العربي بدت دول الخليج لم تعد فقط قوة ناعمة بمعنى جاذبة كنموذج وكمعيشة ومستوى حياة ورفاهية، وإنما أصبحت قوة صلبة، فلأول مرة نراها تستخدم قدراتها العسكرية لتحقيق أهداف سياسية هذا الأمر لم يكن واردًا على الإطلاق قبل سنوات، الإمارات والسعودية استخدمتا قدراتهما العسكرية في أكثر من موقع اليمن مثلا والمحيط الآخر، وعسكرة السياسة الخارجية أيضًا ظاهرة جديدة بحكم الثقل العسكري الخليجي لم يكن قائما من قبل، في الوقت الذي يتلاشى فيه الثقل العسكري لمصر ولسوريا وللعراق، الثقل الخليجي العسكري يزداد، هذا ليس طارئ أنما هو بنيوي وجزء أساسي من الجزء الخليجي، أيضًا دول الخليج تتصرف على ثلاثة مستويات، أحيانًا تتصرف ككتلة واحدة موحدة في مؤسسات العمل العربي وفي جامعة الدول العربية وفي المؤسسات الأخرى مجلس وزراء الداخلية وصدور قرارات بحكم موقعها التفاوضي الجماعي تستطيع أن تكون مؤثرة، وأحيانًا يكون التأثير ثنائي، التأثير السعودي / الإماراتي له حاليًا صدى وتأثير فعندما تجتمع الرؤى والمواقف السعودية ـ الإماراتية تكون أكثر تأثيرًا حتى من العمل الجماعي الخليجي، وأحيانًا بجانب التأثير ككتلة، والثنائي أيضًا هناك التأثير الأحادي أحيانًا تكون الإمارات أكثر تأثيرًا من قطر وأحيانا تكون قطر أكثر تأثيرًا من الإمارات، وبقية الدول العربية، وهذا يعني أن التأثير الخليجي يتم على أكثر من مستوى في الواقع العربي الذي أصابه التفكك والتشرذم، خاصة تفكيك الدول العربية التي كانت مؤثرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين بأكمله، فخلال النصف الأول من القرن العشرين كانت مصر وسوريا والعراق هم الطرف العربي الذي يفرض أجنداته على كافة المستويات(السياسية، الاستراتيجية، العسكرية)، وفي النصف الأول من القرن الواحد وعشرين وأنا أقول النصف الأول بأكمله لازلنا في عقدين أولين لكن أعتقد أن النصف الأول من القرن الواحد والعشرين سيكون الجزء الخليجي بنفس القدرة على التأثير والحضور كما كان عليه الكل العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين بكامله مصريًا كان أو سوريًا أو بقية الدول، في كل الأحوال معطيات جديدة وأدوار جديدة وأهم من هذا وذاك مسؤوليات جديدة تقع على عاتق الرياض والإمارات وبقية الدول.

س: إذن يا دكتور عبد الخالق على ذكر القوى الصلبة أو الخشنة، دول الخليج لديها قوة خشنة، هل وجود العسكرة الخليجية والاعتماد على الذات والاعتماد على دول غير عربية كتركيا وأمريكا في قطر على سبيل المثال، يعني التخلي عن القوة الخشنة العربية؟

ــ الدكتور عبد الخالق: لم تعد القدرات العسكرية العربية موجودة، بل أصلا لم تكن موجودة في السابق عدا بعض الدول، لم تعد القدرات العسكرية العربية في مجملها يعتد بها بما في ذلك قدرات مصر على ضخامتها، أما القدرة العسكرية السورية فقد انتهت، والقدرة العسكرية العراقية فقد ولت وانتهت ولم تعد قائمة , بالتالي القوة العسكرية والخشنة الوحيدة التي يعتد بها هي الموجودة لدى السعودية والإمارات حاليًا.

س: هذا يعني عدم التوجه عسكريًا إلى الدول العربية بقدر الاعتماد على الذات أولاً ثم التحالفات الخارجية ثانيًا؟

ــ الدكتور عبد الخالق عبد الله:اعتمدنا على أنفسنا تقريبًا بنسبة 90% في الشأن اليمني، واعتمدنا على قدراتنا بأكثر من نسبة 90% بل 100% في الشأن البحريني، تصدرنا واجهة المشاركة العربية في الحرب ضد الإرهاب على داعش، اليوم نتعاون مع بعضنا البعض أكثر من أي وقت آخر في التدريبات والتجهيزات على المستوى الخليجي، فاليوم القوة الخشنة الخليجية بنفس أهمية ربما القوة الناعمة الخليجية.

س: دكتور نصر ..هل القوة العسكرية المصرية مؤثرة ولها دور في التقارب المصري ـ الخليجي؟ وقادرة على تلبية احتياجات الخليج عسكريًا؟

ــ الدكتور نصر عارف:القوة العسكرية المصرية رقم 13 في الترتيب العالمي، وهي القوة العسكرية الوحيدة في العالم العربي، بغض النظر عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر حاليًا، الجيش المصري هو القوة العربية الأكبر في المنطقة العربية، وهو القادر على مواجهة التحديات الكبرى سواء تمثلت في إيران أو تركيا أو غير ذلك، وهو جيش متميز والأقوى من حيث العدد و العتاد وله ترتيب وتصنيف عالمي بغض النظر عن وضع مصر الأخير.

 وإذا كانت مصر لا تملك القوة العسكرية فلماذا يرغب فيها الخليج؟، المسألة تبادلية، إذا كانت مصر منهارة اقتصاديا وليس لديها قدرة عسكرية فلماذا تتعاون دول الخليج معها، وفي هذه الحالة لا يوجد مبرر للتعاون.

وهناك تعاون تم بين مصر والإمارات في شراء حاملة طائرات وفي شراء الغواصات، ودعم الإمارات لمصر في هذا الشأن يأتي لأن القوة المصرية محسوبة على القوة العربية، مسألة التنسيق هذه معلنة وجزء من العقيدة القتالية للجيش المصري.

س: هل هناك توجه خليجي جديد في التعاون العسكري الخارجي، خاصة تجاه بريطانيا بعد مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية تيرزا ماي في القمة الخليجية الأخيرة بالمنامة، وأيضًا على ضوء التواجد العسكري التركي في بعض الدول الخليجية، وهل هذا يعني تغير في التحالفات العسكرية الخليجية في المستقبل؟

ــ الدكتور عبد الخالق عبد الله:هذا السؤال ليس له علاقة بالعلاقات الخليجية ـ العربية، لكن الذي نشهده ونراه هو أن هناك معطيات تشير إلى خليج ما بعد أمريكا، ويوجد تفكير لدى صانعي القرار في دول الخليج أن الوقت قد حان للتفكير في مرحلة ما بعد أمريكا خليجيًا، بمعنى إذا انحسر الوجود الأمريكي في الخليج 1%، أو 3%، أو 5%لابد من تنويع المصادر، وبمعنى آخر سنظل إلى فترة طويلة ربما ومتوسطة لا بديل لأمريكا ولكن التفكير في تغطية بعض نواحي الانحسار الأمريكي قد بدأ اليوم، ومع ذلك لا بديل لأمريكا خلال الفترة القادمة حتى بوجود بريطانيا وبوجود كوريا أو الصين أو تركيا، بل لا بديل لأمريكا لليابان، وفي كوريا، وفي أوروبا، أمريكا مازالت لديها القدرة العسكرية الوحيدة لكي تعين الدول عندما تطلب سلعة الحماية، فنحن إلى فترة قادمة سنظل في إطار هذه المعادلة لكن مع الاعتقاد بانحسار وليس بانسحاب أمريكا من هذه المنطقة، لكن بدأ التفكير في ما بعد أمريكا، وبريطانيا ربما جزء من هذه المعادلة لخليج ما بعد أمريكا.

س: قال د. نصر عارف إن الخليج ليس كتلة واحدة، وظهر ذلك عندما تمت الدعوة للاتحاد الخليجي فهناك دول رفضت وأخرى تحفظت، هل الاتحاد الخليجي من دول خليجية أخرى؟

ــ الدكتور عبد الخالق عبد الله:مجلس التعاون الخليجي هو الحد الأدنى من التنسيق والتعاون والاندماج والتلاحم، وحقق خلال 35 سنة مضت الحد الأدنى من التعاون المطلوب، لكن يبدو في رحم هذا الحد الأدنى من التعاون الخليجي هناك جنين يتشكل للانتقال إلى مرحلة ما بين التنسيق والتعاون والاندماج والتلاحم، هذا الوليد يتشكل لكن لم يولد بعد، لكن الآن تعمل دول المجلس من أجل الارتقاء بالحد الأدنى من التنسيق على جميع المستويات إلى مستوى أعلى نتيجة لمتطلبات المسيرة ذاتها وليس فقط لمواجهة التحديات التي حولنا، لذلك أعتقد سننتقل إلى ذلك شئنا أم أبينا طبقًا لحتمية التاريخ في تقديري.

س ـ دكتور معتز ..تواصلاً مع ما قاله كل من د. عبدالخالق عبدالله ود. نصر عارف، حول القدرات العسكرية الخليجية، ما هو الدور الممكن أن تضطلع به العسكرية المصرية في منطقة الخليج، وهل الدور المصري العسكري مطلوب في الخليج ومدى أهميته ومدى تأثيره في ظل الاتفاقيات الخليجية الخارجية؟

ـ الدكتور معتز سلامة:ربما قد يستهين البعض بالقدرات العسكرية المصرية في ضوء بطء الحسابات والتقديرات العسكرية للدولة المصرية، وفي ظل تراجع اندفاعها وعدم حركيتها في المشهد الخاص بإعادة ترتيب الوضع الإقليمي بالأداة العسكرية، أو بمعنى يهمس البعض قائلاً: إننا نسمع عن قلعة كبيرة حصينة لمؤسسة عسكرية عمرها يتجاوز 200عام، هي المؤسسة العسكرية المصرية بتاريخها العريق وتقاليدها الراسخة، لكن قد لا يرى أشقاؤنا في الخليج ملامح وشواهد على تحركات عسكرية مصرية حتى في لحظات الاحتياج الحالية، و - في اعتقادي- هذا سؤال يدعو للاستغراب حتى داخل مصر، والإجابة تتمثل في تقاليد المؤسسة العسكرية المصرية وتاريخها وتجاربها، حيث لا ترى حتى الآن أن هناك داع لتوظيف الآلة العسكري في الصراعات الدائرة، وأن استخدامها دون الضرورة هو أمر قد يعرضها للمخاطر أو ينال من قيمتها الردعية وهيبة الأداة العسكرية.

في الشأن الداخلي المصري نفسه لم تنزل المؤسسة العسكرية لتحسم المخاطر والتهديدات على الدولة المصرية، إلا في لحظات الخطر الشديد على كيان الدولة أو في لحظات ضاغطة تهدد المجتمع والكيان الوطني، وحتى حين نزلت وانتشرت في الشوارع فإنها أدت مهامها مستعملة بالأساس القوة اللينة للمؤسسة مع أقل قدر من القوة الخشنة، بينما لا ترى داع لذلك في اللحظات العربية الراهنة التي لا يبلغ فيها الخطر هذا المستوى. لدينا تجارب خاصة في الحروب مع إسرائيل، وتجربة خاصة في اليمن، وهذه التجارب نتج عنها محصلة خبرات ودروس يجري دائما استيعابها وإعادة تدريسها في الأكاديميات والمعاهد العسكرية المصرية بهدف التعلم والاستفادة من دروسها. لذلك أعتقد أن التحرك العسكري المصري سيعرف طريقه في الاتجاه الصحيح عند مستوى المسؤولية إن برزت مخاطر حقيقية على الأمن في منطقة الخليج، وسوف تكون استجابة الدولة المصرية بما يلبي احتياجات الأشقاء حتى في ظل أشد لحظات التوتر أو الخلاف من منطلق عقيدة عسكرية وسياسية ومجتمعية راسخة بأن أمن الخليج جزء من أمن مصر.

وبخصوص الترتيبات الخليجية الدفاعية والأمنية مع القوى الدولية ودور مصر العسكري في الخليج في ظلها، ففي اعتقادي أن ما يمكن لمصر أن تقدمه لأمن الخليج مختلف نوعيًا، حيث أن التحرك المصري فضلاً عن انطلاقه من مصالح الدولة المصرية فإنه ينطلق إيمانًا برسالة قومية، ومن ثم ما يمكن أن تلعبه العسكرية المصرية كقوة أمن واستقرار في منطقة الخليج، بالتعاون مع دبلوماسية مصر وقواها الناعمة هو أمر لا يمكن تقديره أو حسابه على نحو شامل. علاوة على ذلك فإن لمصر ميزة استراتيجية دفاعية في منظومة أمن الخليج تتصل بالقرب الجغرافي من مواقع التهديدات، فضلاً عن أن أمن الخليج لا يمكن بناؤه أو تأسيسه على حليف واحد أمريكي أو بريطاني، وإنما شبكة من التحالفات، تكون فيها جيوش دول الخليج ومصر القوة الأساسية. وفي اعتقادي أنه لا زال هناك عملاً كبيرًا في المجالات العسكرية الأدنى من الحروب بين دول الخليج ومصر، منها خطط التسليح والصناعات الدفاعية المشتركة، والتدريب والمناورات متعددة الأسلحة والمهام، كما لا تزال هناك حاجات ملحة تتعلق بإعادة بناء جيوش الدول العربية، وهي كلها مهام يمكن للجيش المصري أن يكون أفضل شريك لدول الخليج في ذلك. وأنا في الحقيقة لازلت مؤمنًا بالشراكة المصرية الخليجية في أمن الخليج على الرغم من مظاهر التوتر الحالية في العلاقات المصرية السعودية.   

س ـ هل خطرالإرهاب يوحد قوة الدول العربية لمواجهته ، وهل يمكن أن تتوافق رؤى الخليج ومصر بشأن الإرهاب؟

ــ الدكتور معتز سلامة:في اعتقادي أن هذا الملف هو الملف الأساسي للمنطقة وإلى حد كبير شكل القضية الجوهرية للنظام العربي. وحتى الآن بذلت جهود عربية مهمة لتوحيد الرؤى ولكن لا تزال هناك اختلافات أساسية فيما يتعلق بقائمة الجماعات الإرهابية، وجماعات الإسلام السياسي، وخصوصًا الإخوان المسلمين، كما أن هناك خلاف حول ملف الجماعات الجهادية المسلحة في سوريا. ومن المؤكد أن ملف الإرهاب ستزداد أهميته وسيشكل جوهر الجهود الإقليمية والعالمية خلال السنوات المقبلة. فالإرهاب العالمي والإقليمي والمحلي يتزايد ويضرب بعنف في قلب العواصم الكبرى، وإلى حد كبير نرى أصابع الاتهام الدولية وعلى لسان منظمات ومسؤولين وصناع قرار - منهم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب- تنتقل من أشخاص وجماعات مسلحة معينة إلى دول عربية وإسلامية، والآن ينسحب الاتهام على الإسلام والمسلمين بشكل عام، وما لم يجر توحيد الجهود العربية والإسلامية ونزع الأشواك بأيدينا سنكون جميعًا في محل الاتهام، بل يمكن أن نرى تحالفات دولية ضد هذه المنطقة من العالم، أو تحالفات دولية مع بعض العرب ضد البعض الآخر.  

س: كيف ترى واقع العلاقات المصرية ـ السعودية في المرحلة الحالية وتأثيره على العلاقات المصرية ـ الخليجية والمنطقة العربية بأسرها، وماهي التحديات والحلول؟

ـ الدكتور معتز سلامة:إذا لم يكن هناك توافق مصري ـ سعودي فهذا هو الخطر الذي يواجه المنظومة العربية، لأن الأمة العربية تقوم حاليًا على مثلث استراتيجي أضلاعه: مصر، والسعودية، و الإمارات، وإذا لم يكن هناك توافق بين أطراف هذا المثلث فأعتقد أن العالم العربي سيواجه مزيدًا من المشكلات، وسيسير دون رؤية مستقبلية أمنية أو عسكرية، وفي حال غياب التوافق بين أضلاع هذا المثلث سوف يفقد العالم العربي الكثير.

وهناك روايات مختلفة متداولة بخصوص أسباب هذا التوتر، وفي اعتقادي أن الكثير مما يتردد به قدر من عدم الصواب، وفي الحقيقة لا يمكن إنكار ما شهدته العلاقات خلال الفترة الماضية من جرعة استراتيجية جبارة ربما لم تستوعبها مؤسسات البلدين، لكن على مدى 100 عام من عمر العلاقات المصرية ـ السعودية لم تتأسس علاقات استراتيجية فعلية، وعلينا الاعتراف بذلك، قدر كبير من العلاقات يدخل في باب الرسميات والعواطف العربية، ولم نبن علاقات استراتيجية فعلية. ولأول مرة وتحديدًا بعد يونيو 2013م، كنا إزاء فرصة تاريخية لبناء علاقات استراتيجية بين دول الخليج عامة ومصر، والمملكة العربية السعودية ومصر بشكل خاص، خصوصًا بعد زيارة الملك سلمان التاريخية لمصر في إبريل 2016م، كان الاعتقاد أن هذه الفترة مختلفة نوعيًا، وأن العجلة تدور إلى مستوى مختلف من العلاقات يتجاوز تجارب وحساسيات الماضي، لكن للأسف تبين أن الكثير من عُقد الماضي لا تزال مؤثرة، وأن المؤسسات على الجانبين غير مستعدة لأن تتقبل من بعضهما ما يتقبلانه من الآخرين.

وأعتقد أن المفتقد الأساسي هو الحوار الاستراتيجي بين الدولتين، وكان المتصور أن مؤسسات البلدين تتبادلان التقديرات والرؤى الاستراتيجية، وأنه بالنسبة لأزمة مثل الأزمة السورية، أو اليمنية أن يجتمع الجانبان ويتدارسا الخلافات بهدوء، وأن يتفقا على تصور استراتيجي للمستقبل السوري واليمني في ظل المسارات المتوقعة للأزمتين. لكن تبين أن هذا لا يحدث. وفي الحقيقة فإنه إذا استمرت الأزمة في العلاقات المصرية ـ السعودية فإننا قد نكون مقبلين على حقبة جديدة، قد لا يسود فيها الفتور فقط، وإنما قد تنشغل مؤسسات البلدين بالمناكفات التي تضر بالعلاقات العربية، والمستفيد الأساسي من ذلك هي القوى الإقليمية، لذلك أعتقد أن الحوار الاستراتيجي بين البلدين، ضروري لا يكفي إعلان المواقف المبدئية لكل طرف بشأن الأزمات العربية، كما ينبغي الخروج من لغة المنظمات التقليدية التي تصوت فيها الدول مع قرارات لا تنفذها، مهم فعليًا أن ندرك معنى تأسيس علاقات مختلفة عن علاقات الحقبة الماضية في التاريخ العربي التي اكتفت فيها الدول بعلاقات المحبة والمودة والمشاعر العربية دون البناء الحقيقي بلغة المصالح وبمنطق التفاهم الاستراتيجي، لقد مضت أكثر من 70 سنة من عمر النظام العربي ،  ويجب التخلص من مواريث هذه الفترة وتكريس منطق جيد في العلاقات العربية، ومن المهم فهم الشخصية الوطنية لكل بلد، فالغائب الأساسي هو فهم مكنونات الشخصية الوطنية للشعوب والمجتمعات، وهو ما يمثل المدخل الصحيح في التعارف وبناء لغة المصالح.          

مقالات لنفس الكاتب