; logged out
الرئيسية / النظام الأمني الجماعي في ميثاق الجامعة العربية: اختياري ولم يحدد مفهوم العدوان أو تدابير ردعه ومشروط بموافقة جميع الأعضاء

العدد 116

النظام الأمني الجماعي في ميثاق الجامعة العربية: اختياري ولم يحدد مفهوم العدوان أو تدابير ردعه ومشروط بموافقة جميع الأعضاء

الإثنين، 06 شباط/فبراير 2017

الأمن هو نقيض الخوف، وهو غياب الشعور بالتهديد وانتفاء الإحساس بالخطر. وتحقيق الأمن لأي دولة أو مجتمع هو واسطة العقد ومربط الفرس، فالأمن يمثل حاجة أساسية في حياة كل الدول والمجتمعات، وهو يثير في الأذهان معاني البقاء والتكامل الوطني والتماسك الاجتماعي وحماية المصالح والقيم الجماعية ضد التهديدات والأخطار، الخارجية والداخلية.

 وفي هذا السياق، تطور مفهوم الأمن القومي من التعريف العسكري المحض إلي التعريف المجتمعي الذي يشمل كافة مصادر التهديد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ثم إلي مفهوم الأمن الإنساني. كذلك ميزت البحوث بين سياسات الأمن على مستوى كل دولة على حدة، ومستوى تعاون مجموعة من الدول لتحقيق أمنها، وهو ما يسمى بالأمن الجماعي أو الدفاع المشترك.

ويشير مفهوم الأمن الجماعي إلى اتفاق مجموعة من الدول على مصادر الأخطار والتهديدات التى تتعرض لها، واعتبار أن أي عدوان يقع على إحداها هو عدوان عليهم جميعًا، ويكون على هذه الدول بمقتضى التزامات الأمن الجماعي أن تتدخل لرد العدوان. ويتضمن ذلك توقيع اتفاقية أو معاهدة ترتب هذه الالتزامات، وتحدد الأدوات والآليات اللازمة لتطبيقها.

ويهدف هذا المقال إلى عرض نظام الأمن الجماعي العربي في إطار الجامعة العربية من الناحية النظرية، وخبرات تنفيذه في الواقع، والدروس المستفادة منها ومدى صلاحية هذا النظام في الوقت الراهن، واقتراحات تطويره أو تغييره.

أولاً: الأمن الجماعي في ميثاق الجامعة واتفاقية الدفاع العربي المشترك.

تأسس ميثاق جامعة الدول العربية على قاعدة سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها. وانعكس ذلك في نظام الأمن الجماعي وحل النزاعات بالطرق السلمية التي أوردها الميثاق. فبالنسبة لنظام الأمن الذي نصت عليه المادة السادسة فهو نظام اختياري محض ويتسم بالغموض وعدم التحديد، فلم يوضح مفهوم العدوان وترك ذلك للسلطة التقديرية لمجلس الجامعة، كما لم يحدد التدابير التي يجب أنتتخذها الدول الأعضاء الأخرى لوقف العدوان، ولم يحدد أدوات التنفيذ والأجهزة المنوط بها ذلك، كما أنه لم يحدد العقوبات التي تفرض على الدولة المعتدية أو المساعدات التي ينبغي أن تقدم للدولة التي تعرضت للعدوان. أضف إلى ذلك، أن مجلس الجامعة لا يملك حق التدخل إلا إذا لجأت إليه الدولة التي وقع عليها العدوان، أو ممثلها إذا لم تستطع حكومتها الاتصال بالمجلس أو أي دولة عضو بالجامعة إذا عجز هذا الممثل أيضًا عن الاتصال بالجامعة.

 ويؤكد من ضعف هذا النظام أن القرارات المتعلقة بتطبيقه ينبغي أن تصدر بالإجماع، فإذا كان العدوان من إحدى الدول الأعضاء في الجامعة فإن رأيها لا يدخل في حساب الإجماع، وإذا تم تجاوز هذه العقبة فإن القرارات الصادرة ليست ملزمة إلا بموافقة الدول المتنازعة. واشتراط قاعدة الإجماع هنا يعني أن كل دولة عضو فى الجامعة  تمتلك حق الاعتراض على القرار بشأن رد العدوان الذي يقع على إحدى الدول الأعضاء. وتنطبق قاعدة الإجماع أيضًا على قرار مجلس الجامعة الخاص بتقدير عما إذا كان قد حدث عدوان أم لا، فإذا اختلفت الدول في هذا الشأن فإن الموضوع لا يناقش أصلاً.

ولكل هذة الاسباب فإن النظام الذي وضعه ميثاق الجامعة لرد العدوان هو نظام اختياري، وهو نظام غير محدد من حيث مفهوم العدوان والتدابير اللازمة لقمعه، وهو نظام مشروط بموافقة جميع الدول الأعضاء على استخدامه.

وفي السنوات التالية لإنشاء الجامعة ظهر قصور نظام الأمن الجماعي الوارد في الميثاق وعدم قدرته على التعامل مع التطورات والتحديات التي شهدتها المنطقة ومنها العدوان الفرنسي على سوريا ولبنان عام 1945م، وحرب فلسطين عام 1948م، وقيام إسرائيل، وإبرام اتفاقيات الهدنة عام 1949م. أضف الى ذلك ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة في المواد 52-54 من الفصل الثاني بشأن تشجيع المنظمات الإقليمية على القيام بدور فاعل في حفظ الأمن والسلام في مناطقها.

ولذلك، وافق مجلس الجامعة في يونيو عام 1950م، على اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، وهي الاتفاقية التي دخلت طور التنفيذ فى 1952م. وأشارت المواد،6،5،4،3،2 من الاتفاقية إلى شكل نظام الدفاع المشترك بين الدول العربية.

فنصت المادة (2) على أن أي اعتداء يقع على أية دولة عضو يعتبر اعتداء على كل الدول الموقعة على الاتفاقية عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن النفس، وأعطت الدول الموقعة على الاتفاقية، منفردة أو مجتمعة، الحق في أن تبادر إلى اتخاذ ما تراه من تدابير ."بما في ذلك استخدام القوة المسلحة"، لقمع أي عدوان تتعرض له احدى الدول أطراف الاتفاقية، و أدخلت الاتفاقية تطويرًا مهمًا فى نظام التصويت، فنصت على أن  يكون التصويت في مجلس الدفاع المشترك المسؤول عن تنفيذ الاتفاقية بأغلبية الثلثين، وأن تكون القرارات ملزمة للجميع.

وأشارت المادة (3) إلى أنه في حالة حدوث خطر أو حالة دولية مفاجئة تقوم الدول الأعضاء بتوحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية لحماية أمنها. وأشارت المادة (4) إلى التعاون بين الدول الأعضاء لدعم مقوماتها العسكرية، وأنشأت المادة (5) لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيآت أركان حرب جيوش الدول أعضاء الاتفاقية لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائله وأساليبه، وحدد البند الأول من الملحق العسكري للاتفاقية اختصاصات هذه  اللجنة والتي تتمثل في تنسيق الخطط العسكرية والتدريب المشترك، والمناورات المشتركة، وتبادل المعلومات، ونصت المادة(6) من الاتفاقية على إنشاء مجلس الدفاع المشترك الذي يتكون من وزراء الخارجية والدفاع أو من ينوب عنهم. وأخيرًا أشار البروتوكول الملحق بالاتفاقية إلى إقامة هيأة استشارية عسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول الأعضاء للإشراف على اللجنة العسكرية الدائمة.

ولإعطاء هذه الاتفاقية مكانة خاصة وأولوية لدى الدول العربية نصت المادة العاشرة على عدم جواز دخول الأعضاء في أي اتفاقيات دولية "تناقض هذه المعاهدة" وعدم سلوك هذه الدول "مع الدول الأخرى مسلكًا يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة "

وهكذا، ففي عام 1950م، أي منذ 66 عامًا وضعت معاهدة الدفاع المشترك أسس الدفاع الجماعي عن المنطقة العربية وكذا أقامت مجموعة من المؤسسات لتنفيذ هذا النظام وهي مجلس الدفاع المشترك والهيأة الاستشارية، واللجنة العسكرية الدائمة.

وإلى جانب هذه الاتفاقية، أبرم عدد من الدول العربية إتفاقيات للدفاع المشترك مثل الاتفاقية بين مصر وسوريا في عام 1955م، بعد انضمام العراق لحلف بغداد، والاتفاقية الثلاثية بين مصر والسعودية واليمن في نفس العام، والاتفاقية بين مصر والأردن عام 1956م، والاتفاقية بين مصر واليمن بعد الثورة اليمنية عام 1962م.

وتعرضت بعض مواد معاهدة الدفاع المشترك للتعديل، فوفقًا لقرار مجلس الجامعة 1977م، والخاص بإنشاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي تغير نص المادة الثامنة بتعديل البند الخاص بالقيادة العامة لجميع القوات العاملة في الميدان ليكون القيادة العامة للجيوش العربية. وإضافة مادة إلى المعاهدة توضح قواعد التعاون مع قوات دولية بحيث يوافق عليها مجلس الأمن الدولي ومجلس الدفاع المشترك.

 ثانيًا: إدراك الأخطار والتهديدات المشتركة في قرارات مؤتمرات القمة العربية.

إذا كان الأمن الجماعي أو الدفاع المشترك ينهض على وجود إدراك مشترك بالأخطاروالتهديدات، فإنه من الضروري متابعةمدى تعبير بيانات وقرارات مؤتمرات القمة العربية 0باعتبارها أعلى مستوى سياسي تنظيمي-لهذا الادراك المشترك. ويوضح هذا التحليل أن هذه البيانات أشارت إلى الأهداف الجماعية العربية، فركزت على مدى عقديّ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فأشار بيان مؤتمر القمة الأول الذي عقد بالقاهرة في يناير 1964م، إلى أن قيام إسرائيل هو الخطر الأساسي الذي يواجه العرب، وتأكد هذا المعنى في بيان مؤتمر القمة الثاني بالإسكندرية في سبتمبر من نفس العام الذي ورد فيه "أن الهدف القومي هو تحرير فلسطين".

واستمرت هذه الأولية في مؤتمرات القمة التالية فذكر بيان المؤتمر السادس بالجزائر في نوفمبر 1973م، أن "قضية فلسطين هي قضية العرب جميعًا ولا يجوز لأي طرف عربي التنازل عن هذا الالتزام". وورد في بيان مؤتمر القمة التاسع ببغداد في نوفمبر 1978 م، "أن قضية فلسطين هي قضية عربية مصيرية". وتكررت نفس المعاني في بيان القمة العاشرة بتونس في نوفمبر 1979م.

وإلي جانب الهدف الأساسي الخاص بالقضية الفلسطينية، أشارت بيانات القمة العربية إلى أهداف مرحلية وفقًا للظروف المحيطة بانعقاد كل مؤتمر، فأشار بيان المؤتمر الثاني 1964م، إلى قضية تحويل مياه نهر الأردن، والإجراءات التي ينبغي اتخاذها لضمان الأمن العربي، وفي المؤتمر الثالث بالدار البيضاء في 1965م، وإيذاء تصاعد الخلافات العربية-العربية، تم توقيع ميثاق التضامن العربي الذي أكد على ضرورة "تحقيق التضامن في معالجة القضايا العربية وخاصة قضية تحرير فلسطين، واحترام سيادة الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية،" وفي أعقاب حرب 1967م، ورد في بيان قمة الخرطوم هدف "التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967"م، ودعم صمود هذه الدول في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

وفي الحقب التالية، تراجع مفهوم الأمن الجماعي العربي وذلك نظرًا لاختلاف الإدراك بشأن مصادر التهديد من دولة لأخرى والاختلاف حول السبل والوسائل المناسبة للتعامل مع هذه التهديدات. ففي حقبة الثمانينات، برزت مصادر جديدة للتهديد وذلك مع اندلاع الثورة الإيرانية في 1979م، ونشوب الحرب العراقية الإيرانية في 1980م، والتي استمرت حتى نهاية هذه الحقبة، ثم غزو العراق للكويت في الأول من أغسطس 1990م، فحرب تحرير الكويت في العام التالي، وفرض العقوبات على العراق وصولاً إلى الغزو الأمريكي له 2003م، وتصاعد تهديدات التنظيمات الإرهابية التي استخدمت العنف.

ومع بداية الحقبة الثانية من هذا القرن، جاءت مظاهرات وانتفاضات عامي 2010 -2011م، في عدد من الدول العربية لتمثل مصدرًا إضافيًا للأخطار والتهديدات، فمن ناحية أدت هذه التطورات إلى تصاعد مختلف مظاهر التفكك السياسي والانقسام الاجتماعي وصولاً إلى الحروب الداخلية والحروب بالوكالة وذلك في الدول التي شهدت هذه التطورات. ومن ناحية ثانية فقد سعت الدول الأخرى إلى النأي بنفسها عن تأثيرات هذه التطورات وتداعياتها، والحيلولة دون انتقالها إليها.

وانعكس ذلك على بيانات مؤتمرات القمة، فبرز كل من إيران والتنظيمات الإرهابية المتشددة كمصادر للتهديد والخطر على الدول العربية، كما ظهر الاختلاف بين هذه الدول بشأن أولوية كل من الخطرين و كذا بشأن كيفية التعامل معها.

 

ثالثًا: الأمن الجماعي العربي في التطبيق.

 

رغم أن معاهدة الدفاع المشترك وضعت الأساس لنظام أمني جماعي، وحددت مؤسساته وأدواته، إلا أن التطبيق واجه قدرًا كبيرًا من العقبات والمشاكل ولم يطبق نظام الأمن الجماعي العربي على أغلب الحالات التى شهدتها الدول العربية. ومن الحالات القليلة التي تم فيها الاستناد إلى نص المادة السادسة من الميثاق هو قرار مجلس الجامعة بتشكيل قوة عربية مشتركة وإرسالها إلى الكويت عام 1961م، في مواجهة التهديدات العراقية لها. ومن ذلك أيضًا تشكيل "قوة الردع العربية "في يونيو 1976م، وتدخلها في الحرب الأهلية اللبنانية تحت إشراف مباشر من أمين عام الجامعة، ويلاحظ أن قرار تشكيل هذه القوة قد تم اتخاذه من خلال مفاوضات بين عدد من الدول العربية وخارج أجهزة الجامعة العربية وأن هذه القوة كانت في الحقيقة قوة سورية. ومع أهمية دور الجامعة في حالتي الكويت ولبنان فإنه يمكن القول إن هذه الإجراءات كانت من قبيل حفظ السلام في الحالة الأولى وقوات فض الاشتباك والفصل بين القوى المتحاربة في الحالة الثانية، ويدخل في هذا المجال أيضًا مشاركة قوات رمزية من عدة دول عربية إلى الجبهتين المصرية والسورية إبان حرب 1973م.

 

و فى حقبة الثمانينات تراجعت الترتيبات والهيآت الخاصة باتفاقية الدفاع العربي المشترك كوجود أمين عام مساعد للشؤون العسكرية وتشكيل اللجنة العسكرية واللجنة الاستشارية العسكرية. وكان أخر محاولة مؤسسية لإحياء التعاون العسكري العربي هي المبادرة المصرية لإنشاء قوة عسكرية مشتركة والتي وافق عليها مؤتمر القمة بشرم الشيخ مارس 2015 م، والتي لم تر النور بسبب الاختلافات بين الدول العربية.

لقد واجه الدفاع المشترك على المستوى العربي عقبات وجوانب قصور عديدة حالت دون تطبيق اتفاقية الدفاع المشترك، أولها: الاختلافات الكبيرة بين الدول العربية في سياساتها الخارجية وإدراكها لمصادر الخطر والتهديد. وثانيها: وجود قواعد وقوات أجنبية في عدد من الدول مما جعلها تشعر بعدم الحاجة إلى جدوى الدفاع العربي المشترك، وثالثها: ضعف القوات المسلحة العربية كمًا ونوعًا حتى مطلع القرن الحادي والعشرين، وعدم قدرتها على التعامل مع التهديدات والأخطار، علاوة على الاختلاف في نظم التسليح والتدريب.

رابعًا: نظام الأمن الجماعي العربي بين التطوير والإلغاء.

 

على مدى السنوات السابقة، كان نظام الأمن الجماعي العربي موضوعًا لعديد من الدراسات القانونية والتي أشارت الى تطوير بعض جوانب هذا النظام. وقدمت عددًا من المقترحات: يمكن عرض أهمها على النحو التالي:

1-تعديل أحكام الميثاق في ضوء ما نصت عليه المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة بما يكفل للدول الأعضاء في الجامعة الحق في دعوة مجلس الجامعة الى الانعقاد فور حدوث عدوان على أي منها أو وقوعها تحت تهديد العدوان، وكذلك النص على حق المجلس ممثلاً في شخص الأمين العام في التدخل في هذه الحالات بمبادرة من تلقاء نفسه وذلك تأسيسًا على نص النظام الداخلي لمجلس الجامعة الصادر عام 1973م، والذي ينص على أنه يكون للأمين العام "أن يسترعي نظر المجلس أو الدول الأعضاء إلى أية مسألة يرى أنها قد تسئ إلى العلاقات القائمة بين الدول العربية أو بينها وبين الدول الأخرى.

2-اقتراح بضرورة تفصيل وتوضيح الاجراءات التي يقررها مجلس الجامعة لعقاب الدولة المعتدية. وأشار القائلون بهذا الاقتراح إلى ضرورة التدرج في هذه الإجراءات والتدبيرات كالدعوة إلى وقف أعمال القتال، وإرسال قوات عربية لحفظ السلام، أو الفصل بين المتحاربين ...، وصولاً إلى استخدام القوة العسكرية بعد إخطار مجلس الأمن الدولي بمثل هذه التدابير إضافة إلى إجراءات سياسية مثل سحب السفراء المعتمدين لدى الدولة المعتدية، وقطع العلاقات الدبلوماسية، فرض العقوبات الاقتصادية.

3- ضرورة تدعيم فكرة إنشاء قوات عربية مشتركة تحت اسم قوات الطوارئ أو قوات حفظ السلام أو قوات الردع، وأن يتم تشكيلها ضمن إطار الجامعة العربية بهدف ردع العدوان  ودعم الدولة المعتدى عليها.

4- اقتراح بإنشاء مجلس للامن يتولى مسؤولية المتابعة السريعة للأحداث والتعامل معها أسوة بالدور الذي يقوم به مجلس الأمن على المستوى الدولي. وفي مؤتمر قمة الخرطوم 2006م، تم الاتفاق على إنشاء مجلس السلم والأمن العربي وذلك كآلية للوقاية من النزاعات التي تنشأ بين الدول العربية والعمل على إدارتها وتسويتها وتقديم توصيات لمجلس الجامعة بشأن التطورات التي تمس الأمن القومي العربي، واقتراح نظم للإنذار المبكر ودراسة تشكيل قوات حفظ سلام عربي.

والحقيقة، فقد جاء إنشاء هذا المجلس خاليًا من أي مضمون جاد فهو ليس سوى إدارة تابعة لمجلس الجامعة يرفع إليه تقاريره وتوصياته وترتب على ذلك أن كل مثالب العمل في مجلس الجامعة انتقلت إليه.

على أنه توجد وجهة نظر أخرى ترى أن مكمن الخلل في نظام الأمن الجماعي العربي هو سياسي وليس قانوني، وأنه من الواضح أنه لا يوجد خلل هيكلي في نصوص نظام الدفاع العربي المشترك وبالذات الاتفاقية، ولكن الخلل يكمن في واقع العلاقات السياسية بين الدول العربية والاختلافات بينها بشأن أولويات مصادر التهديد وسبل مواجهاتها، وشيوع الريبة وعدم الثقة بين النظم الحاكمة، فإذا ما استمرت هذه الخلافات فإنه لا توجد جدوى من محاولة تطوير الاتفاقية الحالية أو صياغة اتفاقية جديدة.

ومؤدى هذا أن الجامعة العربية نشأت على قاعدة الاتفاق والرضاء العام فالتوافق العربي هو أساس قيام الجامعة والسبب الرئيسي لاستمرارها من 1945م، حتى الآن. فالجامعة لم تنشأ نتيجة وجود دولة إقليمية مسيطرة استطاعت أن تفرض آرائها على الآخرين، وإنما نشأت نتيجة توازنات وتفاهمات وشعور جميع الأطراف بالرضاء، حتى أن الدول المؤسسة اسقطت من الميثاق النص الوارد في بروتوكول الأسكندرية الذي كان ينص على " لا يجوز لأي دولة عضو اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية"، وكان هذا القرار بناء على طلب من لبنان.

والخلاصة أن الثقافة السياسية للجامعة تتطلب اتفاق كل الأطراف، وقد مثلت هذه السمة عنصر قوة وضعف في الممارسة، عنصر قوة لأنها حافظت على تماسك الجامعة ومرونتها، وحالت دون سيطرة أي دولة أو مجموعة من الدول عليها، وفرضت على الدول العربية الكبيرة التي تسعي للعلب دورًا قياديًا أن تلجأ إلى مزيج من أساليب الإقناع والضغط. كما أنه أعطى الدول الصغيرة ضمانة مادية ومعنوية في مواجهة الدول الأكثر قدرة ونفوذًا، وأعطاها فرصة المساومة، وكان من شأن ذلك كله الحفاظ على استمرار الجامعة وتماسكها. وهو عنصر ضعف لأن التوافق فرض قدرًا كبيرًا من الجمود والشكلية وأعطى حق الاعتراض من كل دولة على حده، ولم تتمكن الجامعة من العمل إلا في المجالات التي يتحقق فيها التوافق والرضاء العام.

ماذا عن وضع دول مجلس التعاون الخليجي في هذا الإطار؟ يعتبر مجلس التعاون لدول الخليج العربي هو الإطار العربي الوحيد الذي يتضمن اتفاقية أمنية للتعاون في قضايا الأمن الداخلي بدأت في عام 1987م،  وتم تطويرها وتعديلها في 2012م، وقوات دفاع مشترك تحت اسم قوات درع الجزيرة والتي تم تفعيلها في مارس 2011 م، لحماية المؤسسات الاستراتيجية في البحرين، وقوة عسكرية موحدة ومشتركة بما يحقق الأمن الجماعي الخليجي عام 2013 م، و ذلك إضافة إلى القواعد الأجنبية الموجودة في المنطقة وتعهدات الدول الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالدفاع عن المنطقة، وكذلك مبادرة التحالف العسكري الإسلامي، والتحالف العربي في اليمن.

 

لا يوجد نقص في الأفكار والتصورات الخاصة بالأمن الجماعي العربي بصفة عامة أو الأمن الجماعي الخليجي ولكن المشكلة تتمثل – كما ذكر سلفًا-في اختلاف توجهات وادراكات الدول العربية-والخليجية حول أولويات الأخطار والتهديدات وكيفية التعامل معها. وبالتالي فإن المطلوب هو تصفية الخلافات بين الدول العربية الرئيسية واتفاقها على أن وجود ضمانات دولية بالأمن ليس بديلاً عن تطوير القدرات الذاتية والعربية، والاقتناع بضرورة التعاون العسكري العربي، وأن يكون الالتزام بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك وفتح الباب لمراجعة آلياتها التنفيذية وأجهزتها. ويمكن أن يتم ذلك بواسطة اللجنة العسكرية ومجلس الدفاع المشترك تمهيدًا لعرض الموضوع على مؤتمر القمة العربية. وضمانًا لنجاح هذا الجهد، ينبغي أن يتسم بالمرحلية والتدرج حتى يتم بناء الثقة بين كافة الأطراف وتوفير التوافق والرضاء المشترك ونقطة البدء هى إدراك أن القدرات العسكرية، الفردية على مستوى كل دولة والجماعية الإقليمية، هي الملاذ الأخير لتحقيق الأمن، ومن المهم أن يدور حوار استراتيجى بين الدول العربية، أو مجوعة منها حول الأخطار المحدقة بالأمن العربي اليوم.

مجلة آراء حول الخليج