; logged out
الرئيسية / من الحرب النظامية إلى التعامل الشامل لمواجهة العصابات الإرهابية المحترفة اتفاقية الدفاع العربي المشترك:الواقع والمأمول

العدد 116

من الحرب النظامية إلى التعامل الشامل لمواجهة العصابات الإرهابية المحترفة اتفاقية الدفاع العربي المشترك:الواقع والمأمول

الإثنين، 06 شباط/فبراير 2017

بالرغم من توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية منذ 1950م، بغرض فض النزاعات بين الدول الأعضاء بالوسائل والأساليب السلمية إلا أن الواقع يقول إنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في مرات قليلة جدًا، ومع تفاقم الصراع في العديد من الدول العربية، واتساع رقعة عمليات تنظيم الدولة الإسلامية داعش مؤخرًا، تعالت أصوات العديد من زعماء وحكام عرب للعودة إلى إنشاء قوة عربية مشتركة للتصدي لها. وفي هذا السياق لابد من رؤية منفتحة وشاملة لأن قواعد الحرب اليوم تختلف عما عهده العالم خلال الحرب الباردة، وقد تغيرت طبيعة الحروب ولم تعد مجرد مواجهات عسكرية. ويهتم العصر الذي نعيشه اليوم بإدارة المخاطر في كل شيء، كما أن الوضع الراهن لا يحتاج إلى حرب نظامية، وإنما يتطلب الأمر نوعًا من التعامل الشامل لمواجهة العصابات الإرهابية المحترفة التي تهدد الأمن والسلم العربيين.

حول الاتفاقية

الدول المشاركة في الاتفاقية هي سورية، العراق، مصر، لبنان، السعودية، اليمن، والأردن، وقد تركزت المواد الخمس التي نصت عليها الاتفاقية حول توحيد الخطط لمواجهة أي عمليات إرهابية معادية واتخاذ التدابير الدفاعية اللازمة، ولكن مُجمل ما نشهده لا يعكس أفعالا حقيقية تجسد روح هذه الاتفاقية تجاه عدد من القضايا المتعثرة في الواقع العربي. وخلاصة هذه المواد الخمس كالتالي:

1- تشكيل لجنة عسكرية مهمتها إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أي اعتداء مسلح على أي من الدول المتعاقدة.

2- جواز تشكيل لجان فرعية لبحث أي موضوع في نطاق اختصاصها، ولها أن تستعين بذوي الخبرة والرأي.

3- ترفع اللجنة العسكرية الدائمة تقارير مفصلة إلى مجلس الدفاع المشترك، وتقارير سنوية عن إنجازاتها خلال السنة.

4- اللجنة العسكرية مقرها القاهرة وتنتخب رئيسها من الضباط القادة العظام.

5- القيادة العامة للقوات الميدانية من حق الدولة المشاركة الأكثر أعدادا وعتادا إلا إذا اختير القائد العام بالإجماع على وجه آخر.

ثمة من يرى أن الدعوات لإنشاء قوة عربية مشتركة تضفي مزيدًا من الشكوك حول مدى استعداد الدول العربية للقبول بتشكيل هذه القوة، إذ لا يمكن الحديث عن جدوى المطالبات العربية دون استعادة تاريخ التعاون العسكري العربي. وبالرغم من وجود اتفاقية الدفاع العربي المشترك، إلا أن محطات التعاون العسكري العربي كانت محدودة جدًا في تاريخ المنطقة، وربما كان أبرزها مشاركة قوات عربية لمصر وسورية في حرب أكتوبر 1973م، وتدخل قوات الأمن “الردع” العربية في لبنان في سبعينات القرن الماضي.

هناك من المراقبين من يرى أن الاتفاقية لم تُتَرجَمْ إلى آليات تفعيل حقيقية، وأن التعاون العسكري العربي اقتصر على مواقف طارئة ولم يعكس توجهًا عامًا، بل إن بعض الدول العربية اعتمدت أساسًا على دول أخرى غربية وشرقية وإقليمية وارتبطت بها في حين أهملت التعاون العربي. وهناك مشاركة فعلية من جانب معظم الدول العربية في التحالف الدولي ضد الإرهاب، وإن اقتصر على الدعم اللوجيستي والمعلوماتي في بعض الأحيان.

وليس خافيًا أنه لا توجد دولة عربية واحدة تمتلك قوة عسكرية ذاتية، بمعنى أنها تمتلك مقومات إنتاج الأسلحة والذخائر، فضلاً عن صيانتها واستيعابها، لذا فموافقة الدول الكبرى المتحالفة مع الدول العربية ستكون شرطًا ضروريًا لبناء قوة عسكرية عربية مشتركة.

هناك من يقول إن جوهر الفكرة مفقود أصلا، إذ لا يوجد ما يربط بين 22 دولة عربية للقيام بعمل عسكري مشترك، وقد يكون "الإرهاب" خطرًا مشتركًا فعلاً، ولكن تعريفه وتحديده ينطويان على خلافات، فلكل دولة عربية تعريف للإرهاب مختلف عن الآخرين. ولذلك فقد اتسم رد الفعل العربي على داعش بالبطء والالتباس، ولم يُحشَد إزاء هذا الخطر ما يلزم من أدوات وآليات، وتمخضت الاجتماعات العربية عن العديد من البيانات والدعوات لتشكيل قوة مشتركة للمواجهة. وما صدر من قرارات عربية إزاء هذه الأزمات يعطي مؤشرًا أن ثمة عجز، ولم تتبلور حتى الآن ملامح إستراتيجية عربية واضحة للتصدي لـ "داعش"، وما يحدث أن كل دولة تتحرك بشكل فردي، أو كرد فعل لتحرك القوى الإقليمية والدولية.

مصادر وطبيعة التهديدات المحتملة للأمن القومي

من الشاطئ الشرقي للخليج العربي تشكل إيران مصدرًا محتملاً للتهديد لدول الخليج بما في ذلك استمرار احتلالها الجزر العربية الثلاث، وهي تمثل قوة تدخل في اليمن، وهي تتدخل في الشؤون الداخلية في سورية والعراق، وتنسب إليها بعض حوادث الاغتيالات، وتخشى الدول العربية من احتمالات امتلاك إيران قوة نووية وتطوير قواتها العسكرية، وبالذات صواريخها البالستية.

وفي الشمال تشكل تركيا مصدرًا لتهديد مباشر لكل من سورية والعراق، في حين تتدخل تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية للدول العربية في سورية والعراق وليبيا ومصر، وبخاصة من خلال علاقتها بالحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين وداعش والنصرة والجيش السوري الحر.

وقد أصبح تدخل حلف شمال الأطلسي واضحًا في ما سمي الربيع العربي، حيث قامت دول الحلف بالتدخل المباشر في ليبيا، وبخاصة فرنسا وبريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة، في حين تقوم تركيا عضو الحلف بدورها في شرق البحر المتوسط، وهو تدخل مسلح ومباشر إضافة إلى التدخل غير المباشر بالتمويل والتسليح واستضافة وتنظيم المؤتمرات للمعارضة المسلحة.

لكن التنظيمات الإرهابية أصبحت أكثر خطورة، وبخاصة أنها تختفي بين أبناء البلد الواحد، وتفاجئهم بأعمالها وتقوم بإعاقة تقدمهم وتدمر منشآتهم وتستنزف قدراتهم، وتدمر تراثهم، بل وتشغل جيوشهم وقواتهم المسلحة وعناصر المقاومة عن أداء واجبها الدفاعي ضد الأخطار الخارجية. وقد ظهرت منذ عام ٢٠١١م، تنظيمات كثيرة وإن كان يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هو أكثرها خطورة، وبخاصة بعدما استولى على الموصل ثانية المدن العراقية وسيطر على بعض موارد النفط، ونهب أموال بعض البنوك في المناطق التي أتمّ سيطرته عليها.

تهديدات حديثة تتطلب التعاون

يشير كريستوفر كوكر في كتابه الحرب في عصر المخاطر[i] إلى أن الحروب التي كانت في جوهرها في الماضي صراعًا بين إرادات قد تطورت لتصبح إدارة للمخاطر، ويقتضي ذلك إعادة التفكير في كيفية توقع الحروب وأساليب خوضها. كما أن الدفاع عن المواطِن الآن بات يمثل تحديًا أكبر من الدفاع عن الدولة. ويرى أن قواعد الحرب اليوم تختلف عما عهده العالم خلال الحرب الباردة، ويهتم العصر الذي نعيشه اليوم بإدارة المخاطر في كل شيء، والمخاطر بدورها تدفع إلى تطوير المؤسسات اللازمة لمعالجتها، وإدارتها، وتنظيمها، والسيطرة عليها. وتتسع فكرة إدارة المخاطر، لتشمل ضرورة التعامل مع نزع أسلحة الدمار الشامل أو الحد منها، ولو باستخدام القوة، لأن كلفة التدخل الاستباقي أقل بكثير من كلفة عدم التدخل في الوقت المناسب. وسواء حدث تقصير أو إفراط في اتخاذ الإجراءات فالنتائج سيئة. ويلفت المؤلف النظر إلى أن على الدول كافة التعامل مع أمور غير يقينية وليست تكرارًا لسوابق تاريخية؛ وهي تعبر عن مخاطر مبنية على الاحتمالات لا اليقينيات. أما السياسة اليوم فلا تتعلق بالهدف بل بالنظام، وينسحب الاهتمام الآن إلى مجال إدارة انعدام الأمن، أو تحقيق درجة أكبر أو أقل من الاستقرار، أو العمل على ضمان تقديم خدمة أفضل. إن التاريخ يتحرك على ما يبدو في شكل دورات، وتركيبة هذا العصر ترشحه للحرب المحدودة أو لإدارة المخاطر، ولاشك أن تنوع التحديات وتزايد التهديدات واتساع دائرة الخطر الاستراتيجي يفرض ضرورة تعزيز القدرات الجماعية لأنظمة القيادة والسيطرة ودعم وتسهيل تبادل المعلومات بين الدول.

التحديات التي تواجه تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك

ربما يشار إلى أن الوضع الراهن لا يحتاج لحرب نظامية، وإنما يتطلب الأمر نوعًا من التعامل الشامل لمواجهة العصابات الإرهابية المحترفة التي تهدد الأمن والسلم العربيين. لقد تغيرت طبيعة الحروب ولم تعد مجرد مواجهات عسكرية. وعندما وقعت سبع دول عربية اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي في عام 1950م، كان وجود البعد الاقتصادي داعمًا لإعداد القوات المحاربة. ليس مطلوبًا أن تُحشد الجيوش في شكلها النظامي والأجدى أن تتجه الجهود إلى تبادل المعلومات أو القيام بعملية عسكرية محدودة. والأمر يقتضي مزيدًا من التعاون الوثيق والانتباه إلى دقيق التفاصيل من أجل حصار الخطر وتقليصه وتجنب تداعياته السلبية على المنطقة. إن التنسيق والتشاور بين المسؤولين في الدفاع والخارجية والداخلية والإعلام ضرورة لتوسيع صيغ التعاون، وتحديد الأدوار والمهام، لدرء المخاطر وصيانة الأمن القومي العربي.

وتواجه تفعيل اتفاقية التعاون العسكري المشترك تحديات عديدة منها:[ii]

- هناك أطراف عربية مقيدة باتفاقيات ذات طابع عسكري تغل يدها عن أية أعمال عسكرية ضد إسرائيل.

- تتباين الرؤى المعلنة وغير المعلنة بين بعض الدول الحليفة مثل الموقف من سورية والموقف تجاه إيران.

- يختلف العرب في خيارات التسلُّح لاختلاف رؤيتهم حول مصادر التهديد، ويعتمدون على جلب السلاح من الخارج في معظم الحالات وليس تصنيعه محليًا، مما يضر باقتصادهم ويحرمهم من فاعلية وتفوق عتادهم العسكري في مواجهة الأعداء.

- ليست هناك أنظمة عسكرية عربية مشتركة للقيادة والسيطرة لإحداث التناغم والتكامل بين الجيوش العربية التي تختلف في تسليحها وقدراتها.

- ضرورة توحيد العقيدة العسكرية على المستوى القومي، واعتبارها تصب في مصلحة العقائد الوطنية.

- ينبغي انتهاج آلية متوافق عليها لصنع القرار، والالتزام بتبعاته متى تم إصداره.

- تمثل القواعد العسكرية الأجنبية والارتباطات السياسية والاقتصادية بدول بعينها، قوة ضاغطة قد لا ترضى بنشأة قوة عربية مشتركة وترى فيها انتقاصًا لهيمنتها في المنطقة. ومن الطبيعي أن تعارض دول أجنبية كالولايات المتحدة وباقي دول حلف شمال الأطلسي وإسرائيل فكرة الاتفاقية، فهي تمثّل خروجًا عن النظام العالمي المتعارف عليه، كما تنافس التحالف الدولي ضد الإرهاب. وتلك القوى يمكن تطويعها بالاعتماد على علاقات جيدة وتوثيق العلاقات العسكرية بأطراف التوازن الاستراتيجي العالمي.

- تصاعد النزاعات المسلحة داخل المنطقة العربية، تجد من يُزْكيها بالمال والسلاح، ويجد مصلحته في أن يرى المزيد من الفرقة والدم والدمار.

- اتخاذ القرار السياسي بمهمة العمل العسكري العربي المشترك، ويمكن البدء بالقوى العربية الأساسية لتعبر عن حق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي، وتصر على التعاون دون انتظار.

- وضع إطار لسبل التعاون بين القوة العربية المشتركة وأي قوات موجودة فعلاً مثل قوة الانتشار السريع المصرية، وقوة درع الجزيرة.

- تتجلى خطورة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وفيسبوك وتويتر في أنها تصل مباشرة إلى كل الناس وفي أي مكان، وتنشر المعلومات صحيحة كانت أو مغلوطة. ويعلم الجميع أن لدى داعش وسائل تكنولوجية متقدمة وهم يوظفون وسائل التواصل ويروجون لأنفسهم من خلالها، ولابد من وضع خطة طويلة المدى للحد من تأثيرها.

هل تمثل التحديات معضلة مزمنة أم يمكن تجاوزها؟

إن الإطار القانوني والسياسي لتشكيل قوة عربية مشتركة متوافر في اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وقعت عام 1950م، وتقوم فلسفة الاتفاقية على التعاون للتصدي لأي عدوان خارجي على الدول العربية الأعضاء في الاتفاقية، ولكن هذه الاتفاقية بقيت بلا تطبيق فِعليٍّ في معظم التحديات التي واجهت الأمن القومي العربي، بدءًا من الصراع العربي الإسرائيلي ومرورًا بأزمة احتلال العراق للكويت وتداعياتها، وحتى الأوضاع الحالية في ليبيا وسورية والعراق واليمن. حتى لو رأى البعض أن الاتفاقية بشكلها الحالي قد لا تصلح كإطار مناسب لتشكيل قوة عربية مشتركة فإن مخرجًا عربيًا آخر ربما يمثل الأساس القانوني والسياسي الصحيح، يتمثل في مجلس الأمن والسلم العربي، الذي أقرته القمة العربية في الخرطوم عام 2006م، وكان أول اجتماع لهذا المجلس في 2007م، بعد قيام اثنتي عشرة دولة بإيداع وثائق التصديق عليه لدى الأمانة العامة للجامعة، وعقد سلسلة اجتماعات مكثفة مع الأجهزة السياسية والقانونية والإدارية المعنية في الجامعة لمراجعة الإجراءات اللازمة لبدء عمل نظام الإنذار المبكر وتشغيل بنك المعلومات اللذين سيزودان المجلس بتقارير حول الأوضاع التي يمكن أن تفضي إلى اندلاع نزاعات وتقديرات لاحتمالات تصعيدها، وكان التوجه نحو تمكين جامعة الدول العربية من التحرك المؤثر للحيلولة دون نشوب النزاعات أو تسويتها عبر أربع آليات رئيسية هي نظام للإنذار المبكر، وهيأة حكماء، وقوات حفظ سلام، وبعثات مراقبين عسكريين ومدنيين[iii].

تتمحور أبرز مهام هذا المجلس حول وضع التدابير الجماعية للتعامل مع أي اعتداء على دولة عربية أو تهديد بالاعتداء عليها، وكذلك في حال تعرض أي دولة عربية لاعتداء أو تهديد بالاعتداء من دولة عربية أخرى، وأيضًا اقتراح تشكيل قوة حفظ سلام عربية وإدارة عمليات إزالة الكوارث، وهذا النص على وجه التحديد ينطبق على الأوضاع العربية الحالية لإقرار فكرة إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة، من خلال مجلس الأمن والسلم العربى، ولكن هل يمكن ذلك فعلا في ظل وجود قوى محلية داخل نسيج بعض الدول العربية لها مصالح خاصة تتعارض مع الأمن القومي العربي، وتدعمها قوى خارجية؟

ومن الممكن اتخاذ الخطوات الجدية التالية لإحياء الاتفاقية:

- البدء بتنقية الأجواء السياسية بين الدول التي لا تنخرط في نزاعات داخلية مسلحة، وتبادل الرؤى حول ضرورة وحتمية التعاون العسكري بين الدول العربية حماية لأمنها ومصالحها.

- مبادرة عدد من الدول العربية، دون انتظار لباقي الدول، بالإعلان عن التزامها باتفاقية الدفاع المشترك وإعادة تشكيل أجهزتها من مجلس دفاع مشترك، وهيأة استشارية عسكرية ولجنة عسكرية دائمة. وتضع استراتيجية دفاعية موحدة، تحدد الأسس والثوابت التي تنطلق منها لبناء قدرات لردع العدوان والتعاون لمواجهة التحديات من خلال البناء الذاتي وإجراء التقييم الاستراتيجي الشامل للبيئة الأمنية عن التهديدات والتحديات والمخاطر بصفة دورية.

- الشروع في إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين هذه الدول، تحت قيادة موحدة، في مجالات يسهل التنسيق فيما بينها كالاستطلاع، والدفاع الجوي، والقوات الجوية، ومكافحة الإرهاب. وتُعيَّنُ قيادة مشتركة تكون من نصيب الدولة ذات الإسهام الأكبر، ويُعيَّن فيها ضباط محترفون من أعلى المستويات على أن لا تنضم أية قوات عسكرية بصفة مستديمة إلى هذه القيادة، بل تبقى كل قوة في بلدها، وتُستدعى فقط عند تنفيذ التدريبات المشتركة أو مجابهة الأخطار، وتحدد صلاحياتها ومسؤولياتها بناءً على توجيهات القادة ووزراء الدفاع. ويكون لدى القيادة العسكرية صلاحيات حقيقية، لكي تبدي آراءها وتخطط وتتصرف في الشؤون العسكرية حسب مقتضيات الظروف سواء في أوقات الحرب أو في أوقات السلم.

ففي حالة الحرب، تكون مهمة القيادة الدائمة ممارسة القيادة العملياتية على قوات المجلس لردع أي عدوان محتمل أو دحر أي عمل عدائي. أما في حالة السلم، فتكون مهمتها تقييم الأخطار وإعداد الخطط لمواجهتها، وإعداد السيناريوهات لكل حالة، وتحقيق التنسيق بين القوات، وتقديم المشورة في شأن العقائد العسكرية، والحصول على الأسلحة والمعدات، وإنشاء مركز مشترك للاتصالات والاستخبارات والعمليات العسكرية، والإشراف على تدريب وحدات القيادة المشتركة والتفتيش عليها وتقييمها، ورفع التقارير عنها، لتحقيق أعلى مستوى من الاستعداد القتالي، وتقديم المشورة في شأن تجهيز البنية الأساسية لمسرح العمليات، وتحديد الإسهام العسكري لكل دولة.

ولما كانت الحرب الحديثة قائمة على الأسلحة المشتركة؛ فمن العسير على دولة واحدة أن تشكل وحدات لخوض مختلف أنماط المعارك. ومن شأن وجود قوة مشتركة للتدخل السريع أن تسد الفجوة القائمة على مستوى القدرات العسكرية بين عدة دول، وأن تعالج اختلال توزيع القوى البشرية بينها.

- تكوين مجموعة عمل رفيعة المستوى لمراجعة الاتفاقية وتقديم الاقتراحات بأي تعديلات.

- استئناف عمل الهيأة العربية للتصنيع ودعمها لتنفيذ إنجازات تقنية محددة في مجالات التسليح الحرجة، وتسويقها.

مجالات تفعيل الاتفاقية

تمهد اتفاقية الدفاع المشترك لظهور هياكل التعاون العسكري الكبرى كوضع الرؤية الاستراتيجية الدفاعية الموحدة، والقيادة العسكرية الموحدة، وإنشاء الكيانات القتالية القوية مثل الدرع الصاروخي، والقوة المشتركة للتدخل السريع، بالإضافة إلى أحزمة الإنذار المبكر والربط بالألياف البصرية بين القوات كافة ومراكز العمليات. ويبرز تعاون عسكري آخر في مجالات عدة؛ منها التدريبات والمناورات المشتركة البرية والبحرية والجوية والاتصالات والدفاع ضد الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية والمشعة والحرب الإلكترونية والخدمات الطبية، والاستخبارات والأمن العسكري والمساحة العسكرية. ولتحقيق التوافق والتنسيق وتوحيد الأسس والمفاهيم بين القوات المسلحة بمختلف الدول يجري التعاون في مجال التعليم العسكري في صور عديدة منها تبادل العسكريين كدارسين ومعلمين، وإنشاء مؤسسات للدراسات الاستراتيجية والأمنية تعتمد مناهج موحدة، وعقد دورات عسكرية مختلفة لمراكز التدريب العسكري، وإنشاء نظام موحد لمد الحماية التأمينية للعسكريين، والاستفادة من ذوي الخبرات والكفاءات من العسكريين والمدنيين المتقاعدين.

والمأمول أن يعتمد العرب على وسائل التقنية الحديثة من أسلحة ذات قوة نارية كثيفة وعالية الدقة لتعويض النقص في القوى البشرية. فدول الخليج مثلا تمتلك من العدة والعتاد حاليًا ما لا تمتلكه دولة أخرى في العالم من حيث النوعية، وهي تأتي في المرتبة الثانية في العالم بعد حلف الناتو من حيث التسليح. ولتعزيز القوى البشرية لها أن تفتح الباب لأصحاب الخبرات والكفاءات العسكرية من المتقاعدين فالخبرات لا تتقاعد. ثم بالعمل الجاد ببرامج التجنيد الإلزامي للشباب من الفتيان والفتيات، أو بفتح أبواب التطوع المباشر للشباب للانضمام للقوات.

وقد تعاني الدول المشاركة من غياب سياسة تسلح موحدة، وهي معضلة على مستوى صنَّاع العقيدة القتالية إلا أنه بالإمكان جعلها ميزة باعتبار أن تنوع مصادر التسلح يلغي الاعتماد على مصدر واحد. كما يعاني التعاون العسكري في البعد اللوجستي وأبسطه توحيد أعيرة ذخيرة الأسلحة الصغيرة، فتسلح الدول الأعضاء بذخائر من عيارات متماثلة يفسح المجال لطلبات شرائية أكبر حجمًا وأقل كلفة، بالإضافة إلى ضرورة توحيد نظم تخزين الأسلحة والذخائر باعتماد العلامات وأوصاف البيانات لكي لا تهدر فرصة تزويد قوات إحدى الدول بما تحتاجه من معدات مماثلة من النظام اللوجستي لدولة أخرى.

خاتمة

من الطبيعي أن يناسب تنظيم قوات الدفاع العربي حجم التهديدات القائمة والمحتملة، ليضم عناصر مكافحة الإرهاب، وقوات الانتشار السريع وقوات الإبرار الجوي والبحري، وعناصر الاستطلاع والمعلومات ووسائل الاتصال والقيادة والسيطرة، وعناصر التأمين القتالي والتعبوي. ومن المتصور أن يشمل التعاون العسكري العربي وفقًا للاتفاقية نظام دفاع جوي عربي يسمح بتبادل المعلومات والإنذار المبكر، وتشكيل قيادة موحدة تتولى التحضير والتخطيط الاستراتيجي للتعاون، وتنفيذ مهمات قتالية وتعبوية.

وربما يتفق على تعديل بعض بنود الاتفاقية للتعامل مع الموجة الرابعة للحروب لضمان مواجهة شاملة للإرهاب تتجاوز البعد الأمني لتمس الجوانب السياسية والاقتصادية وغيرها.

ومن الضروري أن تخلو المنطقة العربية من القواعد والقوات الأجنبية، فالتراب العربي لا تحميه إلا قوة عربية، ومن شأن نظام عربي مستقل متحالف مع القوى الإقليمية أن يضمن الحماية الحقيقية بمعنى أن تلعب كل من تركيا وإيران دورهما كحليفين داعمين بعيدًا عن أوهام التدخّل والسيطرة.

إن على العرب أن يتصرفوا على أساس أن الخطر الحقيقي يكمن في الوجود الإسرائيلي، وأن هذا الخطر سيمس كل دولة من الدول العربية، ويبقى حلم إسرائيل في الهيمنة والتوسع شغلها الشاغل ومشروعها الأهم، وهي المستفيد الأول من كل مظاهر الفرقة والتمزق والتناحر والشتات في المنطقة.

إن تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ضمان أكيد لأمن المنطقة، وحماية لمشروع انطلاقة عربية قوية، لديها كل مقومات النجاح، تجسد حلم المستقبل، وتحمل رسالة السلام.

 

[i] كريستوفر كوكر، الحرب في عصر المخاطر، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 6-605-14-9948-978  ، 2013 م.

[ii] طلعتمسلّم، ورقةعمل،  تفعيلوتطويراتفاقيةالدفاعالعربيالمشتركومشروعتأسيسقوةعربيةمشتركة، http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/mustaqbal_434_halka_nikashia.pdf

[iii] فتحى محمود:حلم القوة العربية المشتركة،http://alnaharelarbi.com/ ،26  فبراير، 2015م

 

مجلة آراء حول الخليج