array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 117

ثلاثة اتجاهات أمام الدول لمواجهة السلبيات .. والتثقيف سبيل الوقاية الإعلام الإلكتروني: منصة الفرص والمواجهة بين المجتمع والدولة

الأحد، 05 آذار/مارس 2017

   كان لظهور الإعلام الإلكتروني أثره الواسع والكثيف على المجتمع وفي كافة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبرز ذلك في تداخل ذلك الإعلام الجديد وتوظيفه داخل ما يعرف بمجتمع المعلومات حيث المعرفة والمعلومات المكون الأساسي له، كما أدى بروز الإعلام الإلكتروني إلى بزوغ أدوات وآليات جديدة يستخدمها فاعلون جدد من المدونين ونشطاء الإنترنت  في محاولة منهم لإحداث التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي داخل مجتمعهم ،فتارة يتم استخدام تلك الأدوات كوسائل إعلامية جديدة للحصول على الحشد والتجنيد والتعبئة والتنسيق والتمويل والتواصل مع غيرهم وجمع المعلومات، وتكوين التحالفات، وتارة أخرى بالتعبير عن ارتباط ذلك بدورهم المتزايد في الحياة العامة. وتارة ثالثة بإدارة حالة من النقاش العام حول بعض قضايا المجتمع في محاولة لوضع أجندته وأولوياته، وبخاصة في ظل تعدد أنماط الاتصال وأدواته وغيرها من التطبيقات الاتصالية –التكنولوجية، والتي كان لها دور في التأثير في الرأي العام وفي طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة.

 

أولاً: منصة غير تقليدية في بيئة رقمية

 

أثر الإعلام الإلكتروني في مجال تجميع واستغلال وتوزيع لـ"الثقافة"، بشكل رقمي تكون فيها الشبكات ما هي إلا أدوات للترويج لها. وأنتج ذلك ظاهرة‏ ذات بعدين أحدهما يحمل بعدًا سياسيًا أما الآخر فهو بعد تكنولوجي وأخذت العلاقة بين هذين البعدين تتامى وتفرض نفسها على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وظهر التزاوج والتلاحم ما بين أدوات ممارسة المواطن لحقوقه السياسية والديمقراطية من ناحية وبين منجزات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من ناحية أخرى.

وهناك العديد من المسميات التي تطلق في ظل الثورة المعرفية والتكنولوجية على ذلك النمط الجديد من الإعلام عبر تطبيقات الإنترنت، فتارة يتم وصف عملية نقل الرسالة الإعلامية عبر تطبيقات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات بأنها "إعلامًا بديلا"، وتارة أخرى يتم استخدام مصطلح الإعلام الجديد وذلك على الرغم من أنه يشمل عالم الفضائيات والأقمار الصناعية، وهناك مسمى الإعلام الإلكتروني في مقابل الإعلام التقليدي، وذلك في محاولة لوصف ذلك الانتقال من روافد الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور التكنولوجي .

وأصبح هناك تعددًا في منابر الإعلام منها ذو طابع ورقي تقليدي، وآخر ذو طابع حداثي ولكن واقع الأمر يشير إلى تلك الحالة من التداخل فيما بينهما على اعتبار أن التوجه الحداثي هو تغير في طبيعة الوسيلة ولا يعكس تغير في طبيعة المهمة الإعلامية أو الصحفية، وخير دليل على ذلك هو حدوث تغيرين رئيسيين يتعلق الأول بظهور مواقع إخبارية وبوابات إعلامية عبر المنصات الجديدة وبخاصة في جيلها الحديث كقنوات "اليوتيوب أو الشبكات الاجتماعية أو تطبيقات الهواتف الذكية. والتغير الآخر يتعلق بأن ما هو قديم وتقليدي أصبح مجبرًا بحكم ذلك التطور التكنولوجي وبحكم تغير مذاق المستهلك قد دفع الصحف التقليدية إلى التحول الرقمي، ولكن بقيت على أية حال الفجوة في الطبيعة المهنية مع حدوث فوارق نسبية بين الصحف التقليدية وبرافدها الإلكتروني وغيرها من المواقع الإلكترونية حديثة النشأة وسريعة الانتشار ، وبخاصة مع سهولة إطلاقها ولا بيروقراطية القوانين المنظمة للوسائل الإعلامية، والتحديث الآني واللحظي للمعلومات والأخبار بشكل يلائم احتياجات المستهلك ويواكب تطور قدراته في مجال الاتصال والتواصل عبر الإنترنت . 

وعلى الرغم من إشكالية الفصل بين ما يعد إعلامًا تقليديًا وآخر إلكترونيًا في ظل تلك التطورات الآن ببساطة تصبح قضية الفصل هي تعبير عن التمييز بين الرسالة الإعلامية وحامل تلك الرسالة، والتي تغيرت العلاقة بينهما عبر التاريخ وفق الاختراعات في مجال الطباعة والنشر والتكنولوجيا، ومن ثم فان تطبيقات الإنترنت والاتصال فرضت التحديات ذاتها التي فرضها في وقت سابق التلفزيون والراديو والتلغراف والكاسيت، والتي سرعان ما تم تضمينها وإدماجها في التطور ، وعلى النسق ذاته أصبحت تطبيقات الإنترنت قادرة على الدمج بين الكثير من الأنماط الاتصالية والاختراعية في وسط واحد ومتسع ومتاح أمام الاستخدام من قبل الكافة دون تمييز ، وعلى اعتبار الطابع التراكمي والتكاملي  .

وأضفى هذا التطور مزايا نسبية في صياغة الرسالة الإعلامية وحجم انتشارها والتفاعلية بين المرسل والمستقبل على النحو الذي أثرى المحتوى الإعلامي. وأثر ذلك التحول على نحو إيجابي فيما يتعلق بالانتقال من إعلام الهيمنة والسيطرة من قبل شركات عالمية كبرى تحتكر عملية بث المعلومات ونشرها والمساهمة في بروز إعلام تحرر من تلك التوجهات المسبقة وعن تبعية رأس المال أو حتى تجاوز الانتماءات الفكرية الضيقة، وهو ما شكل ساحة بديلة للمهمشين وللمعارضين وللأصوات غير المسموعة وعن قضايا لا تجد لها طريقًا للصحف التقليدية.  

ويتميز الإعلام الالكتروني وتطبيقاته بالحرية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع إمكانية تجاهل المصدر‏. ‏والقدرة على التحول من الاحتجاج الشخصي لتوجيه الرأي العام. وخاصة مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين المستوى الداخلي للدولة وما بين المستوى الدولي. وذلك مع تمتع الإعلام الإلكتروني بسرعة الانتشار للرسالة الإعلامية، ونطاق انتشارها وسهولة الوصول لها وارتفاع سقف الحرية وضعف الرقابة.

وتتنوع تطبيقات الإعلام الإلكتروني من المواقع الإلكترونية وغرف الدردشة والمدونات ثم جيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية وغيرها، والتي تميزت بدورها في التعبير عن كافة الاتجاهات والأفكار داخل المجتمع في ظل حوار يكون ركيزته الندية بين الفرد والنخبة والجماهير، وهو ما أثر بدوره على دور النخبة المعتاد في صياغة الرأي العام وتشكيله وتعبئته بعد التطور في عملية تدفق المعلومات وإنتاجها.

وهو ما من شأنه التأثير في صياغة الرسالة الإعلامية ومدى نجاحها في التأثير في الرأي العام‏. وإتاحة الفرصة أمام اتساع عدد المشاركين وحجم القضايا والموضوعات التي يتم تناولها، وجاء ذلك في ظل بيئة إلكترونية متصاعدة وجاذبة للاستخدام من قبل الشباب.

وليأتي ذلك مدفوعًا بعدد من الأسباب لعل أهمها:

أولاً، ضعف قدرة المؤسسات السياسية وبخاصة مع غياب المؤسسات التمثيلية، وممارسة السياسة خارج الأطر التقليدية.

 ثانيًا، أدت عملية سيطرة رأس المال على الإعلام ثم على السياسة إلى ضعف القدرة في امتصاص المطالب وبخاصة الشباب.

 ثالثًا، عجز النخب في إدراك حجم التغير في الرأي العام وبخاصة بين الشباب والذي أصبح يمتلك القدرة على النقد والتحليل ويملك أدوات جديدة للحصول على المعلومات بعيدًا عن سيطرة الدولة.

 رابعًا، عدم إتاحة الفرصة الأكبر للمواطنين في الانخراط في الشأن العام الفاعلة.

خامسًا، الانتشار الواسع للإنترنت وأجياله التفاعلية والتي كان أخرها الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية، وهذا ما أدى إلى زيادة القدرة الاتصالية والتفاعلية بين الأفراد بما عمل على انتشار القوة السياسية داخل المجتمع.

ثانيًا، الإعلام الإلكتروني وتشكيل الرأي العام

كانت الحكومات تحتكر نقل المعلومات وتبرير سياساتها عبر احتكارها للإعلام الجماهيري بينما شكلت الثورة المعلوماتية كسرًا لهيمنة الحكومات من جهة على وسائل الإعلام ومن جهة سيطرة نمط رأس المال على توجهات الوسائل الإعلامية والحد من احتكار وكالات الإعلام العالمية على صناعة الأخبار والمعلومات.

وتميز الإعلام الإلكتروني بضعف التكلفة واتساع المشاركة وسهولة الاستخدام. وأصبح للإعلام الإلكتروني دور في صناعة وتشكيل الرأي العام ليس فقط على المستوى المحلي بل العالمي كذلك، وساعد على ذلك زيادة الارتباط بين المستخدمين العرب وتطبيقات الإنترنت حيث زاد حجم الانتشار والنفاذ داخل المجتمعات العربية حيث تضاعفت جراء السياسات التي اتخذتها بعض الحكومات، ومن ثم تعززت العلاقة بين حركة المواطن وتلك الأدوات التكنولوجية التي أصبحت منصة له، ومعبرًا عن توجهاته وثقافاته، ويعد الرأي العام مؤشرًا هامًا لقياس مدى رضاء القاعدة الشعبية عن السياسات العامة للدولة من جهة بالإضافة إلى دوره في تشكيل وتحديد توجهات المواقف الشعبية المختلفة حول القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء، وتتيح عملية تدفق المعلومات وتفاعلاتها عبر الإعلام الإلكتروني إلى الدفع بتكوين معرفي جديد لدى الأفراد ونقل الأحداث والقضايا، ومن ثم يبقى الرأي العام "الإلكتروني" يعبر عن فكرة أو اقتراح أو مشاركة أو رأي أو تعليق أو أي وسيلة تعبيرية يقوم بها الفاعلين للتعبير عن توجه أو موقف أو سلوك تجاه أشخاص أو أفكار أو أحداث وتدور تفاعلاتها عبر تطبيقات الإعلام الإلكتروني، وقد تأخذ شكل حملات إلكترونية يقوم بها "قادة الرأي " بهدف إحداث التغيير الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، ومن ثم قد تتحول من عمل فردي إلى عمل جماعي تطوعي منظم، وتتميز بوجود ثلاثة مسارات الأول يتعلق بنقل التأثير من الفضاء الإلكتروني إلى الواقع والثاني بنقل ما يجري على أرض الواقع إلى الإعلام الإلكتروني أو عبر تحول الإعلام الإلكتروني إلى وسيط وناقل للحدث فقط . ويصبح بذلك للإعلام الإلكتروني دور في التأثير في الرأي العام وليس فقط بالضرورة مستخدمي تطبيقات الإعلام الإلكتروني حيث يتم نقل التأثير عبر تحول تطبيقات الإعلام الإلكتروني إلى مصدر للأخبار للصحف التقليدية والقنوات الفضائية أو تحول نشطاء الإعلام الإلكتروني إلى ضيوف ومتحدثين لوسائل الإعلام التقليدية، أو قيام الصحف والفضائيات بتخصيص أقسام لتغطية ما يجري عبر تطبيقات الإعلام الإلكتروني وبخاصة الشبكات الاجتماعية،

ولم تصبح بذلك الشبكات الاجتماعية مجرد وسيلة لنقل الخبر أو التعليق عليه بل أصبح لها كذلك دور في معالجته ومتابعته وإثارة ردود الأفعال حوله مع القدرة الهائلة على الانتشار والتأثير‏، خاصة في ظل القدرة الهائلة في نقل الصور ومقاطع الفيديو عبر الشبكات الاجتماعية.

والتي أتاحت أنماط استخدام جديدة لتصبح التعليقات وعلامات الإعجاب وحملات الهاشتاج والمشاركة وتبادل ملفات الفيديو والصور يتم توظيفها في إدارة الصراع السياسي والاجتماعي، وتحولت إلى أداة هامة من أدوات المشاركة السياسية الجديدة، إلى جانب دورها في دعم أشكال الحشد والتعبئة لتكوين التحالفات وتنظيم الفعاليات السياسية.

وعلى الرغم من أن مستخدمي تلك الشبكات لا يمثلون بالضرورة الرأي العام أو جموع المجتمع إلا أن هناك فرص لانتقال التأثير عبر الصحف والقنوات الفضائية أو وجود برامج تهتم بالنشطاء عبرها، أو عن طريق احتلال القضايا التي يتم إثارتها من خلالها مكانًا في التغطية في وسائل الإعلام الأخرى. وعلى أية حال يتم النظر إلى النشاط الإلكتروني ذي الطابع السياسي على أنه مجموع ردود الأفعال والاستجابات على السياسات العامة للدولة في إطار تزايد دور الإعلام في المجال العام،

 

ثالثًا، تحديات مخاطر الإعلام الإلكتروني

  • تحدي الفردية والشخصنة

      ساهم الإعلام الإلكتروني في  كسر حاجز من هو" الصحفي " ومن "هو الإعلامي "، حيث أصبح الممارسون لهما من خارج الأطر التقليدية والمرجعية والمهنية، وذلك مع سهولة تدشين منصات إعلامية وتمارس من خلالها عمليات الإنتاج والنقل والنشر والتخزين والأرشفة للمعلومات ،واختلاق الوقائع والصور والفيديوهات بهدف التأثير في الرأي العام، وبخاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي حيث إتاحة الفرصة لانتحال أسماء إعلاميين أو رجال دين أو قادة رأي بهدف بث شائعات أو تحولهم إلى قنوات لأجهزة استخباراتية معادية تهدف إلى زعزعة الثقة بين المجتمع والدولة وبث الفرقة والـتأثير على السلم الأهلي .

ويمكن أن تستخدم المواد الإعلامية لشن حروب شخصية وتشويه السمعة واختراق الخصوصية ونشر الإباحية والأفكار الهدامة داخل المجتمع وبخاصة بين الكتلة الحرجة وهو الشباب الذين يشكلون ما يقارب 60% من الهرم السكاني للمجتمعات العربية، والتي تعاني من مشكلات اقتصادية وثقافية وسياسية تؤهلهم لأن يصبحوا هدفًا للاستقطاب من جانب جماعات العنف والتطرف.وإهدار قيمتي الوقت والعمل والتأثير السلبي على الطاقات البشرية. وحمل الإعلام الإلكتروني كذلك مخاطر تتعلق بالتضخيم من أحداث وقضايا فردية على أنها تعبر عن أولويات وأجندة الرأي العام، وتفتيت اهتمامات الرأي العام إلى اهتمامات جزئية وفرعية، والمساعدة في نمو اتجاهات التعبئة الطائفية وبث الكراهية الدينية.

  • تحدي التوازن بين الأمن والحرية

 لعله من أهم إشكاليات التعامل مع تنظيم الإعلام الإ؟لكتروني ما يتعلق بكيفية الموازنة بين الحق في حرية التعبير والرأي عبر صوره المتعددة التي يكفلها القانون ومواثيق حقوق الإنسان الدولية وما بين ما يمثل استخدامها من تهديد لأمن الأفراد والمجتمع بشكل عام، ويضاف إلى ذلك إشكالية الفصل بين الاستخدام الإيجابي للشبكات الاجتماعية وبين دورها السلبي، إلى جانب مدى إمكانية التمييز بين التصرف الاحتجاجي السلمي وبين تحوله إلى عمل إجرامي يعاقب عليه القانون.

وتبقى مسألة تنظيم الحريات العامة والخاصة من سمات الدول المتقدمة في الحريات التي يجب أن يتم الحفاظ عليها بشكل متوازي مع الموازنة بين الحقوق والواجبات. وبين حرية الفرد وأمن المجتمع،

وهو ما يكشف عن تحول تطبيقات الإعلام الإلكتروني إلى صور جديدة للتعبير كحق أصيل من حقوق الإنسان “الرقمية “إلى جانب الحق في الاتصال والاجتماع والتعبير عن الرأي.

وأصبحت طريقة تعامل الدول مع الإعلام الإلكتروني تؤشر لدرجة التحول السياسي والديمقراطي، وتتطلب طريقة التعامل معها الأخذ بعين الاعتبار أهمية التوازن بين الحرية في الاستخدام وبين ضرورة وجود ضوابط تحكمه، والحيلولة دون تحولها إلى أداة خطر على أمن الفرد و المجتمع والدولة. وبخاصة أنه قد يتم التضخيم من مخاطرها لإيجاد مبرر للسياسات القمعية وتوغل نفوذ المؤسسات الأمنية.

  • الإعلام الإلكتروني والتطرف

استغلت الجماعات المتطرفة الإعلام الإلكتروني كمنصة إعلامية مجانية وسريعة الانتشار ورخيصة التكلفة إلى جانب قدرتها على التشبيك عبر تحول المجتمع الافتراضي الذي تمثله من مجموعة قليلة من الأتباع متوزعه جغرافيًا لتشكل مجتمعًا خاصًا بها لدية القدرة على الالتحام والتواصل الدائم، وهو الأمر الذي يوهم البعض بأن هذا المجتمع غير محدد الأبعاد، وهو ما كان له دور كبير في تضخيم الصورة الذهنية لقوة تلك المجموعات وحجم انتشارها وتأثيرها.

وهو ما ظهر في لعب  شبكات التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تبلور ظاهرة المقاتلين الأجانب في الصراعات المحلية سواء عبر توفير المعلومات حول كيفية المشاركة أو الدعم المادي للراغبين في الانضمام، إلى جانب توثيق دورهم في تطورات الصراع وقت حدوثها، ويتم استخدام حسابات لشخصيات دينية - قد تكون مزيفة-  لإقناع المتابعين بالجهاد، وهو ما يمثل دعم روحي وديني لتلك التنظيمات .إلى جانب القدرة على سحب البساط من المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية وليظهر قادة دينيون جدد لا ينتمون فكريًا أو تعليميًا بالضرورة مع المؤسسات القائمة بما جعل هذا الخطاب الديني يغلب عليه الفردانية والميكافيلية والانتقامية والتعصب بحثًا عن التأثير والانتشار فقط.    

  وساهم الإعلام الإلكتروني في تعزيز القدرات الإلكترونية للتنظيمات الجهادية وذلك بالاعتماد على عاملين أساسيين: أولهما، الاستفادة من الثورة التكنولوجية. وثانيهما: الغطاء الديني للاستخدام والذي يعمل على الامتزاج بين القوة المادية والقوة المعنوية الروحية والتي تشكل جناحين أساسيين لنجاح التنظيمات الجهادية في استخدام الشبكات الاجتماعية

  • الإعلام الإلكتروني وتهديد القيم المحلية

أصبح يستخدم الإعلام الإلكتروني ومنصاته المتعددة في التأثير القيمي داخل المجتمع عبر بث حالة من الاغتراب الاجتماعي والتأثير السلبي على القيم الدينية أو قيم اجتماعية كقيم الأسرة والزواج والعائلة والجيرة، وظهرت أنماط جديدة من الجريمة داخل المجتمع تعكس حالة التغير في القيم كجرائم العنف المنظم والعنف المجتمعي والتحرش  الجنسي واستغلال الأطفال والأعمال المنافية للآداب العامة، وحتى بروز توجهات قيمية جديدة لدى فئة محدودة كالدعوة للإلحاد أو اعتناق مذاهب دينية مختلفة أو جديدة أو التحلل التام من قيود المجتمع وذلك في مقابل استقطاب آخر تقوده قوى التطرف والإرهاب ونشر الكراهية والإقصائية  .

وعلى الرغم من إن تلك قد تكون حالات فردية إلا أن طبيعة التواصل الاجتماعي تجعل منها قضية كبرى نتيجة إلى التغطية الواسعة لها داخل الشبكات الاجتماعية ووجود آليات الإعجاب والمشاركة بما يعمل على زيادة تأثيرها، وتحولها إلى مادة خبرية للصحف والفضائيات بما يعمل على اتساع نطاق التأثير من الإنترنت إلى الشارع.

  • الإعلام الإلكتروني في مواجهة الصحف ووسائل الإعلام

فرض الإعلام الإلكتروني عدة متغيرات يتعلق أهمها بضرورة أن يتمتع  الصحفي بتعدد المهارات للتفاعل  مع بيئة متعددة الوسائط والخدمات، وثانيًا، ظهرت الصحافة والإعلام الإلكتروني في المجتمع الأكاديمي والتدريبي، وثالثًا، تعددت في نفس الوقت أعباء الصحفي في مجال الإعلام الإلكتروني، وظهرت إلى جانب ذلك  ثلاثة تطورات رئيسية يتعلق الأول بالصحفي حيث أصبح هو من يقوم بتحرير الأخبار عبر الإنترنت ولا يعمل في صحيفة ورقية، وتطور أخر يتعلق بالقارئ حيث أصبح لدية القدرة على المشاركة والتفاعل والتعليق، وتطور ثالث، يتعلق بالخبر حيث إن سرعة الخبر وبثه أصبحت من أهم ما يميز هذا التطور في مجال الإعلام الإلكتروني

ولكن أصبحت تعاني الصحف الورقية من مشكلات تتعلق، أولاً، بانخفاض مبيعاتها على نحو يؤثر في إيراداتها، وثانيًا، اتجاه القراء إلى استخدام المواقع الالكترونية الإخبارية والتي توفر تغطية لحظية ومتجددة وثالثًا، انخفاض حصيلة الإعلانات حيث اتجاه المعلنين إلى استخدام الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الإنترنت لمخاطبة الفئة الأكبر استهلاكًا وهو الشباب والنساء.

رابعًا، تحدي الملكية الفكرية للمحتوى الصحفي حيث اتجهت العديد من المواقع الإلكترونية إلى إعادة نشر محتوى الصحف الورقية دون احترام حقوق الملكية الفكرية على النحو الذي أثر في أصالة النص والمحتوى.

خامسًا، ضعف الثقافة العامة والتي انعكست على نمط الاستخدام للشبكات الاجتماعية حيث أنها لم تستخدم في إنتاج معلومات بل في نشر وفرض المعلومات الشخصية.

سادسًا، مواجهة الصحف الورقية مخاطر احتكار الدعاية والإعلان لصالح كيانات تكنولوجية عابرة للحدود تعمل على تسريب رأس المال الوطني للخارج وإلى تقويض نمو قطاع الإعلانات الوطنية.

سابعًا، عدم القدرة على التحقق من صحة الأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما يعمل على وجود تحدي نشر المعلومات المضللة وبخاصة بعدما تحولت إلى مصدر للأخبار للصحف التقليدية.

ثامنًا، تواجه الصحف الورقية عزوف الشباب عن شراء الصحف الورقية لصالح الأكبر سنًا وهو ما يهدد بالتحول الرقمي لها في المستقبل.    

 

رابعًا، نحو مواجهة شاملة لتحديات الإعلام الإلكتروني    

 

تتميز عملية مواجهة مخاطر الإعلام الإلكتروني بالدينامكية على اعتبار أنها بالأساس حرب عقول يعلو بها الجانب الإبداعي عن المعرفي والجانب الفردي عن الجانب الجماعي وتسيطر عليها القدرة على المبادأة عن الاستعداد، ومن جهة أخرى قد يتسع نطاق المواجهة ما بين الولاية القضائية الداخلية للدولة والخارج في فضاء فسيح يصعب السيطرة عليه بشكل كامل وسهل الوصول والاتصال ما بين الداخل والخارج، بالإضافة إلى التحدي التشريعي، بضعف قدرة التشريعات الحالية على مواكبة التطورات في مجال الصحافة والإعلام وفق البيئة الرقمية.

وهو ما يفرض على الدول العربية أهمية البحث في تنظيم الإعلام الإلكتروني على مستوى القائمين بالاتصال أو بالمؤسسات أو بطبيعة الرسالة الإعلامية ، وإمكانية تطبيق القانون وإنفاذه كما هو الحال في الصحافة التقليدية أو الورقية، وهو ما يفرض تحديث الإطار التشريعي المتعلق بالصحافة على نحو يأخذ في اعتباره التغييرات في طبيعة الوسيلة الإعلامية، ومن جهة أخرى العمل على مواجهة سيل المعلومات المضللة وانتهاك الخصوصية بين العديد من المستخدمين عبر سن قوانين لمكافحة الجريمة الإلكترونية وحماية الخصوصية وحرية تبادل المعلومات.

ومن ثم فإن محاولة إقرار واجبات أمام الممارسين لعملية النشر الإعلامي تتطلب البحث في تفعيلها إزاء عملية جمع ونشر الأخبار، وحماية الملكية الفكرية وتحري الدقة في نشر المعلومات مع تعدد المصادر والآراء مع تنوع أنماط التفاعل حول المحتوى واتساع حجم المشاركين وعدد القضايا وتنوع الاهتمامات لدى المرتادين للإعلام الإلكتروني.

 ويوجد اتجاهان رئيسيان يرى الاتجاه الأول، بأن الطبيعة الرقمية الجديدة للرسالة الإعلامية فرضت وجود درجة عالية من الزخم والتفاعل والنشاطية على عملية استهلاك المعلومات وتداولها وتخزينها وإنتاجها وتعدد المصادر التي لم تقتصر على المصادر الصحفية والإعلامية الرسمية بل تعدت إلى دور المواطن في إنتاج المعلومات ونشرها فيما يعرف بظاهرة "المواطن الصحفي " وحالة الانفتاح بين الداخل والخارج في عملية تدفق المعلومات. وفرضت تلك المتغيرات صعوبة فرض قيود أو قوانين منظمة للإعلام الإلكتروني ويبقى أن يترك المجال للجمهور في فرز الغث والثمين مع وجود توعية أكبر للمخاطر التي تعتري الإعلام الإلكتروني.

ويرى الاتجاه الثاني، أنه على الرغم من صعوبة فرض مظلة على الإعلام الإلكتروني ككل إلا أن هناك فرصة لاستيعاب الجادين منه ومواجهة واحتواء المغرضين، وذلك عن طريق الاعتراف بالصحافة الإلكترونية كشكل من أشكال الصحافة والتي يجب أن تتاح الفرصة للانضمام إلى الكيانات النقابية الصحفية والإعلامية والتي من شأنها أن تعمل على ترشيد الخطاب الإعلامي عبر الإنترنت، وأن عدم إضفاء الشرعية القانونية على المواقع الإخبارية سيؤثر في جمهورها والثقة فيها من جانب الجمهور مع الحرص على تسهيل شروط الانضمام وتوافر الجدية.

ويرى الاتجاه الثالث أن مواجهة سلبيات الإعلام الإلكتروني تتطلب ليس فقط النظر إليه كمحتوى إعلامي بل النظر إليه كمحتوى ثقافي بالأساس عن طريق الاهتمام بالبعد الثقافي لدى المواطنين عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، وهو ينطلق من حقيقة أن التطبيقات الخاصة بالإعلام الإلكتروني هي بطبيعتها محايدة ولكن تصطبغ بثقافة المستخدم، وهو ما يتطلب الاهتمام من جانب المؤسسات الثقافية بتجديد خطابها الفكري والبنية المعلوماتية التي تملكها وتحسين استخدامها لوسائط الإعلام الإلكتروني.

وأهمية دور المجتمع المدني في رفع الوعي بالمخاطر بنشر التطرف إلى جانب أهمية دور المؤسسات الدينية والإعلامية بتحديث خطابها لنشر ثقافة التسامح والحوار وتصحيح المفاهيم.

وأن تقوم مؤسسات الدولة الثقافية والدينية بخطة شاملة للدفاع عن القيم الأصيلة في مواجهة طوفان الاختراق للقيم الغريبة والمدمرة في ذات الوقت للمجتمع، والعمل على فتح الآفاق أمام الشباب لتوظيف تلك الثورة المعلوماتية على نحو يخدم التنمية ويشجع على الابتكار والإبداع.

وعلى المستوى السياسي ضرورة اتجاه مؤسسات الدولة إلى إنشاء حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي أو الاهتمام بتعيين مستشارين أعلاميين ومتحدثين رسميين، في محاولة إلى الاقتراب من التكتل والحشد ومجالات التأثير، وتشجيع الشباب للانخراط في المجال العام.

وأن تقوم المؤسسات الأمنية برصد الأنشطة المشبوهة والمحرضة والمضللة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والعمل على رفع القدرات في مجال المواجهة التقنية مع ضرورة الفصل بين النشاط الإجرامي وبين النشاط السياسي الذي يأتي في إطار حرية الرأي والتعبير.

وأما على المستوى التشريعي عبر سرعة تبني قانون لتنظيم الصحافة يتواكب مع التغييرات الجديدة إلى جانب قوانين مكافحة الجريمة الإلكترونية وحماية الخصوصية وحرية تداول المعلومات.

وعلى المستوى الثقافي، عبر قيام المؤسسات الثقافية بتنمية ثقافة الحوار والتسامح وتحديث خطابها عبر كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية.

وعلى المستوى الاقتصادي، إن مواجهة مخاطر الإعلام الإلكتروني تتطلب الاهتمام بمواجهة الفقر والبطالة وإيجاد فرص عمل للشباب إلى جانب الاهتمام بتنمية رؤوس أموال المؤسسات الإعلامية على نحو يجعلها قادرة على مواجهة التحدي وابتكار أدوات جديدة في التسويق والبيع للخدمات. وأهمية تعزيز بناء القدرات في مجال مهارات الإعلام الإلكتروني للصحفيين والإعلاميين ليشكلوا حائط صد أمام الآخرين غير المهنيين

والبحث في تنمية موارد المؤسسات الصحفية والإعلامية عن طريق فرض نسبة من عائدات الإعلانات والأرباح عبر الإنترنت على الشركات التكنولوجية "مشغل" على أساس أنها تستفيد من المحتوى الصحفي.

 

ويبقى القول بأن الاهتمام بثقافة المستخدم هي السبيل الوحيد للوقاية الذاتية من مخاطر الاستخدام السلبي للإعلام الإلكتروني. كل ذلك وغيره من شأنه أن يوقف الضجيج بدون طحن وأن يتم وضع حبات الزيتون والقمح بين فكي الرحى لتخرج دقيقًا أو زيتًا يستنفع به الفرد والمجتمع والدولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني -خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مجلة آراء حول الخليج