; logged out
الرئيسية / الإعلام الإيراني في صلب الدستور ومرتبط بمصالح وأهداف النظام الإعلام الخليجي يحتاج صناعة وليس "فزعة" للتصويب على الهدف مباشرة

العدد 117

الإعلام الإيراني في صلب الدستور ومرتبط بمصالح وأهداف النظام الإعلام الخليجي يحتاج صناعة وليس "فزعة" للتصويب على الهدف مباشرة

الأحد، 05 آذار/مارس 2017

في ظل ما شهده العالم من ثورة تكنولوجية ورقمية واسعة الآفاق، سرعان ما امتدت على نحو أخطبوطي لكافة مناحي الحياة العملية والاجتماعية والشخصية، وبفضل "الأجهزة المحمولة الذكية" فضلاً عن وسائل الإعلام التقليدية، أصبحت المجتمعات قابعة على بنك من المعلومات والأدوات التي تمكنها من التحكم بالمعلومة، ولم يعد يقتصر ذلك على المستوى الحكومي الرسمي، ولا المؤسسي الخاص وحسب، وإنما أصبح للمواطن العادي نصيب من كل هذا، حتى غدا شريكًا فاعلاً في صناعة الإعلام بعدما كان مجرد متلقي لأكثر من خمسة عقود على مشارف نهاية الألفية المنصرمة.  والإعلام الذي اقتصر في وقت سابق على نقل الأخبار ونشرها، ارتقى منذ زمن بعيد بما يقدمه، وعنى عناية خاصة بالمحتوى الذي أخذ في التنوع والاتساع ليشمل الأعمال الفنية المختلفة، وليغطي الاحتياجات الثقافية ويسد فضول المعرفة البشرية في كافة مناحي الحياة.

ومع التقدم بالزمن أصبح الإعلام صناعة شأنه شأن كل الصناعات الأخرى، التي تتطلب الخبرات والإمكانيات والتشريعات، وأصبح أداة سياسية فاعلة في توجيه الرأي العام، وهو ما دعا بعض الدول لاستغلاله على نحو أمثل بما يخدم سياساتها الخارجية والداخلية على السواء، بغض النظر عن نوع تلك السياسات ومشروعية أهدافها، ما يبرر تصنيف الإعلام من أدوات "القوة الناعمة". وقد ظهر مؤخرًا مصطلح "الحرب الإعلامية" لما أصبح الإعلام يؤديه من أدوار ووظائف هي الأقرب لمظاهر الحرب الباردة، أو العداء السافر في بعض الأحيان والذي يقود بما يقدمه من توجيهات رأيًا عامًا خارج أراضيه بما يخدم مصالحه في الدول أو المناطق المنشودة. 

وقد مارس الإعلام الإيراني على مدى سنوات لعبة "الحرب الإعلامية" وأتقنها، وكرس لها الأموال والجهود في سبيل خدمة النظام السياسي الإيراني وطموحه السياسي والأيديولوجي نحو العالم الإسلامي والعربي، وتحديدًا الخليج العربي، وقد اصطلت بعض دول الخليج العربي بنيران إعلام طهران على نحو كاشف الرأس وبدرجة مؤثرة، خصوصًا البحرين، والسعودية في وقت لاحق. فهل كان الخليج العربي على قدر من الإمكانية لمواجهة ذلك الطوفان الإعلامي الإيراني، أو على مستوى من الجاهزية لتنفيذ إعلام مضاد قادر على الرد على الإدعاءات والهجوم الإيرانيين، وهل كان هناك ثمة أدوات إعلامية أخرى استخدمتها دول الخليج العربي لدرء ولو الحد الأدنى الممكن من الضرر المترتب على الهجمات الإيرانية الشرسة عليها؟  هذا ما تسعى هذه الدراسة للإجابة عنه، في قراءة عامة فاحصة للإعلام الإيراني من جهة والإعلام الخليجي من جهة أخرى.

الإعلام الإيراني واستهداف منطقة الخليج

تنص المادة الخامسة والسبعون بعد المائة من الفصل الثاني عشر من الدستور الإيراني على أنه "يتم تعيين رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية وإقالته من قبل القائد[1]"، وهو ما يشير بأهمية الإعلام في إيران، ووظائفه المرتبطة بصفة مباشرة بمصالح وأهداف النظام السياسي للجمهورية، ولعل مما يؤكد الدور المركزي للإعلام في السياسة الإيرانية تصريح المرشد الحالي علي خامنئي الذي يقول فيه: "وسائل الإعلام في هذا العصر لها قدرة تدميرية تعادل القنبلة الذرية"، وقالوا في شرح هذا التصريح: "لا نكون في موقع المبالغة إذا حددنا أن كل فضائية معادية تعادل سرب طائرات أو حاملة طائرات في قوتها الناعمة في سياق معادلات هذه الحرب الجديدة، وكل موقع أو شبكة إنترنت تعادل مدفعًا ثقيلاً في قوتها الناعمة، وكل مقالة أو تصريح يعادل قذيفة صاروخية في قوته الناعمة، كما أن كل تصريح أو خطاب لقائد من قادة الفتنة يوازي كمينًا بعبوة ناسفة متفجرة في قوته الناعمة. فهذه هي أسلحة الحرب الناعمة"[2].

ونظرًا لتاريخية الأطماع الإيرانية تجاه الخليج العربي، ورسوخها ضمن ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة وغاياتها، فقد انتهج الإعلام الإيراني في أعقاب الثورة الإيرانية أسلوب "التغليط الإعلامي" مركزًا على أن إيران هي وريثة الإمبراطوريات الفارسية، وأن انكفاء دور إيران في منطقة الشرق الأوسط يعود للفتوحات الإسلامية من قبل أقوام أقل حضارة من حضارة بلاد فارس[3]، كما روجت لكونها النموذج الأمثل للبلاد الإسلامية، ولكنها في خطٍ موازٍ عملت إيران على استثمار إعلامها في خدمة مصالحها السياسية كجزء من مشروعها الفارسي، وذلك عن طريق التدخل في شؤون الدول العربية ومنها دول الخليج[4]، فضلاً عما تمارسه من دعاية سلبية ضد مجلس التعاون، تنفيذًا لأجندتها عبر الإعلام مستخدمةً أذرع إعلامية متنوعة، تنفق في سبيلها ملايين الدولارات[5]، ومن أمثلة أجهزتها الإعلامية تلك قناة المنار التابعة لحزب الله، قناة آفاق التابعة لحزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي، قناة الفرات التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي بالعراق، وقناة اللؤلؤة التابعة للمعارضة البحرينية المدعومة من قبل إيران.

لقد برز الإعلام الإيراني كلاعب ضد الخليج العربي على نحو سافر من خلال بعض المفاصل الحساسة والهامة التي شهدتها المنطقة لاسيما في أعقاب "الربيع العربي"، وقد ارتكز النشاط الإعلامي الإيراني على بعض الثوابت أو المحاور، أبرزها تعيين طهران نفسها مرجعية سياسية لشيعة العالم[6]، ومنهم شيعة الخليج العربي، ما دعاها لأن تتخذ موقف المحامي عنهم كتهديدها ووعيدها بالنظام البحريني إثر تفتيش بعض المنازل ومنها منزل الشيخ عيسى قاسم، على خلفية تعرض عناصر الأمن البحريني لاعتداءات من جانب الإرهابيين، وإكساب القضية بعدًا دينيًا في سبيل إثارتها طائفيًا، وهو ما تكرر عند سحب جنسية "قاسم" في وقت لاحق. وكذلك لم تتوانَ طهران من توعّد السعودية بأنها ستدفع الثمن غاليًا، إثر إعدام المملكة العربية السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر، وهو من كبار محرضيّ الإرهاب في المملكة، بل ورافقه تنديد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بتنفيذ حكم الإعدام، فضلاً عن التغريدة التي نشرها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على تويتر ينعي فيها الشيخ النمر مع صورة له[7].

كما أن من المحاور الهامة لمرتكزات المضامين التي قدمها الإعلام الإيراني تجاه الخليج العربي، النموذج المستقى من  إعلام (ألمانيا النازيّة)، والقائم على العبارة "الغوبلزية" (اكذب ثم اكذب حتى تصبح الكذبة حقيقة!)[8]، فالكذب مطلبًا سياسيًا ودينيًا لدى طهران انطلاقًا من القول أن "الغاية تبرر الوسيلة"، ولذلك فالكذب والتزوير والفبركة والتضليل[9] في الإعلام الإيراني كلها أساليب مبررة لديهم في غواية الرأي العام في سبيل الغاية، ولذلك نجد إيران تكرر إدعاءاتها في البحرين بشكل مستمر دونما هوادة وتعمد إلى التزييف في التاريخ والإدعاء به بالبطلان، كما لم تتردد في تشويه صورة دول الخليج العربي وتقزيمها والتسويق لها عبر دعاية سياسية سلبية من خلال تقديم صور منافية تمامًا للواقع ومجافية للحقائق حول الدول الخليجية في تاريخها وحاضرها، وهو ما برز جليًا في زعمها نقل مجريات أحداث "دوار اللؤلؤة" في البحرين مثلاً، ذلك النقل الذي اعتراه كثير من الفبركات لاسيما من خلال قناتي العالم والمنار[10].  ورغم أن الأزمة السياسية البحرينية في 2011م، قامت على احتجاجات شعبية إلاَّ أن الإعلام الإيراني استثمر تزامنها مع موجة "الربيع العربي" التي اجتاحت المغرب العربي على وجه الخصوص، ليصورها كثورة شعب على قيادته، ومن ذلك الحشد الإعلامي الذي تبنته صحيفة "كيهان" في الثامن من يناير 2013م، بزعمها أن ثورة البحرين تتصاعد يومًا بعد آخر، وهي تلقى تعاطفًا وتأييدًا وانتصارًا واسع النطاق من لدن الرأي العام الإسلامي والعالمي[11].!!  وهو ما يدعو المتتبعين للثورات العالمية على مدى التاريخ الوقوف على جملة من الأسئلة في مبررات تسمية ما حدث في البحرين بـ"ثورة" فهو لا يمت في حقيقته لمفهوم الثورة ولا تطوراتها بصلة.  هذا ناهيك عن دور قناة المنار تحديدًا في إدارة "المعارضة الشيعية البحرينية" من خلال ما كانت تقدمه من أكاذيب وفبركات لما تدعي أنه حدث، في رسالة مبطنة توجه من خلالها المعارضة لما يلزم فعله في قادم الخطط والخُطا.  

وقد ارتبطت الصناعة الإعلامية الإيرانية ارتباطًا وثيقًا بالدور التحريضي على العنف والفوضى والإرهاب، لمعارضي دول الخليج العربي وخصوصًا في البحرين والسعودية والكويت، إذ كان الإعلام الإيراني يحظى بتجاوب من قبل مؤيديه، ما يتمخض عنه ردود فعل يشهدها الشارع على أعقاب كل قضية تؤججها إيران في الداخل والخارج، ما أسفر عن الهجوم على السفارة السعودية في طهران بعد إعدام "النمر"، والفوضى التي تعم البحرين بعد كل شحنة استقواء تقدمها إيران لعملائها.

كل هذه العوامل مجتمعة، أسهمت في تقديم ما يكفي من الأدلة والبراهين على أن العمل الإعلامي الإيراني لا يلتزم بمعايير المصداقية ولا الموضوعية في طرحه، وقد جافى الحقيقة في أغلب ما قدمه، وقد استثمر الإعلام كأداة من أدوات تنفيذ أجندته السياسية ومشروعه الطموح في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وهو ما يعني أن دراسة الإعلام الإيراني يمكن أن تتأتى ضمن البحث عن الدعايات السياسية والاستغلال السياسي الأمثل للإعلام، أكثر بكثير منه في مجال فنون الإعلام نفسها من حيث الأسس والثوابت والأخلاقيات الإعلامية التي ضربت بها طهران عرض الحائط.

كيف يتعامل الإعلام الخليجي مع إيران

كشفت دراسة تناولت معالجة الصحافة الخليجية لقضايا السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول الخليج[12]، نوع القضايا والأساليب التي اعتمدتها الصحافة الخليجية للمحتوى الإعلامي المتصل بالجانب الإيراني، وكان من أهم ما كشفته الدراسة أن دول الخليج العربي ورغم أنها محقة في نوع ما تناولته من قضايا من باب نفي ما يجيء من أكاذيب ينسجها ويسوقها الإعلام الإيراني حولها، ورغم أنها تناولت موضوعاتها بمزيد من التحليل والتفنيد، إلاَّ أنها من جانب آخر لم توفق بما يكفي في الأسلوب الذي اعتمدته في المعالجة والذي يأتي ضمن تصنيف "مسارات البرهنة والإقناع" في فئة "كيف قيل؟"، خلصت الدراسة إلى بروز الاحتقان الشعبي وربما النخبوي المتمثل في القائم بالاتصال الخليحي تجاه إيران وسياساتها الخارجية، ما دعا لتكرار استخدام النعوت المسيئة للخصم والتي تستهدف تقزيم الخصم وتشويهه، رافق ذلك استخدام لغة بلاغية بمستوى عالٍ لما لذلك من تأثير بالغ على المتلقي، وفسرت الدراسة أن أدوات البرهنة تلك لم تأتِ بغرض تشويه الخصم "إيران" بمعنى إكسابه من الصفات بما ليس فيه، وإنما إبراز السيء على الأرجح.

 

أما من ناحية المضمون، فقد عرضت الدراسة لمجموعة من الفئات الرئيسية والفرعية في فئة "ماذا قيل؟" وقد جاءت نتائج توزيع فئات مضامين الصحافة الخليجية فيما يتعلق بالشأن الإيراني "الفئة السياسية (42.03%)، الفئة الأمنية (21.07%)، الفئة الإنسانية (10.10%)، الفئة العسكرية (10.08%)، الفئة الدينية (7.12%)، الفئة الثقافية (5.50%)، الفئة الاقتصادية (4.11%)" على التوالي.

 

ويفسر هذا اهتمام القائم بالاتصال في الصحافة الخليجية بالموضوعات السياسية في المقام الأول فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية، والارتباط الوثيق بين المعالجة السياسية وبين البعد الأمني. ورغم أنه كان من المتوقع تقارب النسب بين الفئتين الأمنية والعسكرية في معالجة موضوع السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الخليج العربي، إلاَّ أن نتائج الدراسة أظهرت أن للعوامل السياسية والأمنية -التي ركزت عليها مضامين المقالات- انعكاسًا أكبر على البعد الإنساني لدى القائم بالاتصال من خلال التركيز على هذه الفئة في المرتبة الثالثة من ترتيب الأولويات، فصل ما بين ترتيب الأولويات المتوقع والمتلاحق ما بين الأمني والعسكري، وذلك لما يترتب على زعزعة الأمن وإشاعة الفوضى من انتهاك لحقوق الإنسان وحرمان الناس من حقوقهم الطبيعية في العيش الآمن المستقر والذي قد ينتج تحت الانتشار العسكري في البلدان وكذلك في ظروف أمنية أقل. 

وتظهر نتائج الدراسة أن البعدين الثقافي والديني لم يحظيا باهتمام كافٍ من قبل كتاب مقالات الرأي، رغم أنهما البعدان الأهم اللذين تستخدمهما إيران في اختراق منطقة الخليج العربي. ولعل تفسير ذلك أن نتائج هذين المحورين لا تظهر إلاَّ مع مرور فترة زمنية طويلة على تنفيذها، ومن الصعب أن يتم تلمس نتائجها بصورة مؤكدة كما في الجانب السياسي والأمني لارتباطهما بالعوامل النفسية والإيمانية "العقائدية" للناس. كما أن السياسة والاقتصاد لطالما كانا وجهين لعملة واحدة في العقد الماضي عالميًا، خصوصًا خلال فترة ولاية "بوش الابن" للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن السياسة الخارجية الإيرانية وفقًا لمعالجات القائم بالاتصال في الصحافة الخليجية وضعت الاقتصاد في آخر أولوياتها، وربما يعود ذلك للحصار الاقتصادي الطويل الذي عانت منه إيران خلال السنوات الفائتة، وأنه رغم رفع العقوبات عنها حتى انقضاء الفترة الزمنية للدراسة المحددة بين (1/12/2015 – 29/2/2016)، والتي كانت إيران حتى وقتها لم تحقق انتعاشة اقتصادية تمكنها من استغلال الورقة الاقتصادية في قضاياها السياسية بما يكفي، وهو ما انتفى مؤخرًا باعتبار إيران خطر اقتصادي قادم على الخليج العربي ما لم يلتفت بجدية لاحتواء مراكز السيطرة الاقتصادية الإيرانية الجديدة في الشرق الأوسط والعالم أجمع[13].

وقد تناولت واحدة من المقارنات الهامة بين الإعلام الإيراني والإعلام الخليجي ما نصه "كل ما تنجزه إيران تهتم بإبرازه إعلاميًا وكل ما تريد التغطية عليه وستره تبعد الإعلام عنه، فهي تسخر كل أدواتها الإعلامية لتحقيق ذلك، بينما تنشغل وسائل الإعلام في دول الخليج العربي بملء المساحات الزمنية بالأغاني والبرامج الهزيلة التي لا تخدم توجهات هذه الدول وكأن الأمر لا يعنيها. من يتابع البرامج التي تبثها الفضائيات الإيرانية وتلك التابعة لها والمحسوبة عليها يلاحظ أنها جميعها تصب نحو هدف واحد هو إبراز إنجازات الدولة الإيرانية بكل طريقة ممكنة والتغطية على كل ما قد يسيء إلى تلك الدولة حتى بإنكار ما يقال عنها والدخول في مساحة الزور والبهتان[14]"، ولكن الإعلام الخليجي لم يقدم ما يكفي لخدمة قضاياه في الداخل ولا في الخارج، وخصوصًا في الخارج تجاه إيران بما يكفي، لاسيما عند الوقوف على القنوات الفضائية، فالمواجهة مع إيران لا تتطلب برامج حوارية جامدة بأساليب مستقاة من "غابر الزمان"، ولا أخباراً تنفي فيها ما تداولته وسائل إعلام إيرانية أو تؤكد ما نفته إيران حول إنجاز أو مكتسب خليجي هام، وإنما تحتاج لمسك الزمام في العمل على التأسيس لـ"صناعة إعلامية" حقيقية تواكب متطلبات المرحلة وعلى مستوى من الإمكانية لمنافسة إيران من حيث المحتوى وما يشتمل عليه من رسائل سياسية عميقة.

تأثير الإعلام على العلاقات والقضايا المشتركة

لقد نتج عن تلك التجاذبات السياسية من خلال وسائل الإعلام الإيرانية والخليجية، تردٍ للعلاقات البينية، ورغم أن المضامين الخليجية كانت تحض الجانب الإيراني على التزام الحيادية والموضوعية ولديها دعوات دائمة لحسن الجوار والالتزام بالقوانين والمبادئ التي تنظم العلاقات الدولية والإقليمية، إلاَّ أنه من جانب آخر كان مشحون بالغضب الذي أفقد بعض القائمين بالاتصال في الخليج العربي صوابهم، ما دعاهم للخروج عن أساليب الحوار البناء والمثمر، وتكمن تلك المسألة في أن الإعلام الخليجي لا يقوم إجمالاً على الصناعة الإعلامية من حيث القيام بالفعل، وإنما يرتكز أغلب ما يتناوله حول إيران على ردود الفعل جرّاء الصنيع الإيراني والاستفزاز الإعلامي الذي تقدمه طهران من خلال مؤسساتها الإعلامية.

من جهة أخرى فإن إيران بحاجة لتأصيل مقومات ضبط إعلامها تجاه الخليج العربي إذا ما أرادت صلحًا أو تقاربًا بناءً يقوم على أسس حسن الجوار والتفاعل المثمر بين الطرفين، والذي لربما قد لاحت بشائره من خلال زيارة الرئيس روحاني لكل من سلطنة عمان ودولة الكويت، والذي من المتوقع أن يتخذ الإعلام الإيراني على إثرها منحى آخر في الطرح نحو دول الخليج العربية.

 

الخلاصة والتوصيات

رغم أن الدعوات للإعلام المضاد أصبحت كالوصفة السحرية المستحيلة لمواجهة الإعلام الإيراني خليجيًا، فإنه من الممكن فقط التركيز على "الصناعة الإعلامية" بمقوماتها الحقيقية بالنأي عن إعلام العلاقات العامة الذي تمارسه أغلب مؤسسات الخليج العربي الإعلامية في التركيز على أخبار "استقبل وودع وهنأ"، والخوض في عمق القضايا ومعالجتها، كدعم الأقليات في إيران، وتسليط الضوء على الانتهاكات الإيرانية القانونية وفي مجال حقوق الإنسان، وتسليط الضوء على الفساد في الداخل الإيراني ومعاناة الشعب، والتحشيد الإعلامي لدعم السنة والعرب المستضعفين في الداخل الإيراني، ففتح مثل هذه الملفات بمثابة فتح فوهة البركان في وجه إيران.

 

إن الإعلام الخليجي بحاجة فقط لمن يثبت أقدامه على الطريق الصحيح لكي لا يكون إعلام "فزعة" لا طائل له ولا هدف، إعلام الخليج العربي ينفق الكثير من الأموال ويبذل الجهود في سبيل إطلاق النار في الهواء وقد أصبح من الأهم التركيز على تصويب السهم أو الطلقة إلى الهدف مباشرة، وهو ما يحتاج لتدريب وكفاءات عالية، وليس في ذلك دعوة لاستقطاب كفاءات خارجية بقدر تأهيل الكفاءات الوطنية التي تحمل القضية كمصير قبل أن تعمل على الصناعة الإعلامية في هكذا موضوعات من باب تأدية الواجب أو الالتزام الوظيفي وحسب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتبةـ صحيفة الوطن البحرينيةوباحثة في شؤون الخليج العربي

 

[1]. الدستور الإيراني، متاح على موقع المعجم الإسلامي، http://www.eslam.de/arab/manuskript_arab/verfassung_iri/kapitel12.htm ، 13/2/2017، 9:28ص.

[2]. أسامة شحادة، الحرب الشيعية الناعمة.. الإعلام نموذجاً، 16/8/2015، متاح على موقع ودورية الراصدhttp://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=7170، 14/2/2017، 7:38ص.

[3]. عمر كامل حسن، المجالات الحيوية الشرق أوسطية في الاستراتيجية الإيرانية، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2015، ص 246.

[4]. أحمد الليثي، خبراء إعلام: القنوات الإيرانية تروّج للمخططات التوسعية وإثارة الفتن، متاح على موقع صحيفة المدينة http://www.al-madina.com/article/426078/، 13/2/2017، 12:36م. 

[5]. ورقة عمل قدمها د. جمال سند السويدي (مدير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية) في الندوة الإعلامية (الإعلام الخارجي.. التحديات والحلول للإعلام الخليجي) استضافتها جمعية الصحفيين البحرينية.   الإعلامي عبدالله السويدي بمحاضرة بجمعية الصحفيين:  الإعلام الإيراني يسخر كافة طاقاته لخدمة مشروع التمدد بالمنطقة العربية، 3/12/2015، متاح على موقع صحيفة الأيام البحرينية http://www.alayam.com/alayam/local/88424/Index.html، 13/2/2017، 12:48م.

[6].  المنطلقات المذهبية للمشروع الجيوسياسي الإيراني، ورقة سياسات (2)، أبوظبي، مركز الإمارات للسياسات، 2014، ص 8.

[7]. إعدام الزعيم الشيعي نمر النمر في السعودية يثير موجة من الغضب، متاح على موقع BBC عربي http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/01/160102_saudi_execution_nimr، 13/2/2017، 10:59ص.

[8]. صباح الموسوي، استراتيجيّات الإعلام الإيراني الموجّه للعالم العربي، متاح على موقع شبكة الدفاع عن السنة http://www.dd-sunnah.net/records/view/action/view/id/2678/، 13/2/2017، 10:24ص.

[9]. طلحة الأنصاري، تزييف الحقائق لا يغير الواقع.. حيلة الفاشل «الكذب»:  لعبة إعلام إيران «مفضوحة»..!، متاح على موقع صحيفة الرياض http://www.alriyadh.com/1034099، 14/2/2017، 7:56ص.

[10].  شفيقة الشمري، البحرين بخير... يا خفافيش الظلام، صحيفة البلاد البحرينية، 22/1/2017، متاح على موقع صحيفة البلاد http://www.albiladpress.com/news/2017/3022/columns/418918.html ، 13/2/2017، 11:56ص.

[11]. عمر الحسن، التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية البحرينية:  التصريحات الرسمية وشبه الرسمية منذ 14 فبراير 2011 وحتى 31 مايو 2013، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، البحرين، 2013، ص 14.  

[12]. فاطمة عبدالله خليل، معالجة الصحافة الخليجية للسياسة الخارجية الإيرانية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب والعلوم والتربية، الجامعة الأهلية، البحرين، 2016، ص 235.

[13]. فاطمة عبدالله خليل، متى يلتفت الخليج العربي للأخطبوط الإيراني؟!، 6/2/2017، متاح على موقع صحيفة الوطن البحرينية http://alwatannews.net، 14/2/2017، 8:41ص.

[14]. فريد أحمد حسن، الإعلام الفارسي يهزم الإعلام الخليجي، 26/11/2015، متاح على موقع صحيفة الوطن البحرينية http://alwatannews.net، 14/2/2017، 9:16ص. 

مجلة آراء حول الخليج