تهدف هذه الدراسة إلى استعراض سياسات الدول العربية والشرق أوسطية تجاه اللاجئين لاستكشاف ملامحها العامة والقواسم المشتركة والخروج ببعض التوصيات للارتقاء بمستوى العمل الإنساني العربي وتحسين وضع المهاجرين. يلاحظ أن تدهور الأوضاع الأمنية في الدول العربية انعكس في أضرار بالغة تعرض لها المدنيون خاصة النساء والأطفال وصحب ذلك زيادة كبيرة في أعداد النازحين واللاجئين العرب حتى أن التقديرات الدولية لعدد هؤلاء تضع الرقم عند حوالي 14 مليون لاجئ، منهم حوالي 5 ملايين لاجئ سوري. ويضاف لهذه الأرقام الأعداد الهائلة من النازحين داخليًا والتي تبلغ حوالي 14 مليون آخرين في سوريا (حوالي 6,5 مليون) والسودان (3 مليون) والعراق (3,2) مليون، ولاحظ تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2016م، أنه إذا كانت الدول العربية تضم 5% من سكان العالم فإنها أنتجت 57,5% من اللاجئين في العالم و47% من النازحين داخليًا ([1]).
أولاً: سياسات الدول العربية تجاه اللاجئين
- لبنــان: لم تنضم لبنان للاتفاقية الدولية حول اللاجئين لعام 1951م، أو البرتوكول الملحق بها (1967م) وإن كانت توجد مذكرة تفاهم بين الحكومة اللبنانية ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين (عام 2003م)، كما يوجد قانون لبناني ينظم التعامل مع الأجانب (1962م) بالإضافة إلى تعليمات لإدارة الأمن العام.
ويقدر أن لبنان يستضيف حوالي 1,1 مليون سوري (وإن كانت المفوضية تقدرهم بأكثر من 1,8 مليون) بالإضافة إلى حوالي 500 ألف فلسطيني. ويتناثر اللاجئون في مناطق مختلفة (يقدر أنهم موزعون على 1,700 موقع) دون إعاشتهم في مخيمات، خاصة وإن معظم الفلسطينيين يسكنون مناطق عشوائية (نهر البارد وصبرا وشاتيلا). وتضّيق السلطات على اللاجئين السوريين من ناحية عدم السماح لهم بالعمل وإطلاق اصطلاح "النازحين" عليهم، والإصرار على استخدام هذا الوصف في الوثائق العربية بما في ذلك قرارات القمة العربية. وتصر لبنان على ضرورة عودة اللاجئين السوريين لبلادهم وتكرر ذلك في التصريحات الرسمية والقرارات العربية ([2])
الأمم المتحدة قدرت احتياجات مساندة اللاجئين في لبنان بأنها تبلغ 1,9 مليار دولار لعام 2016م، تم توفير حوالي 55% منها بواقع أكثر من مليار دولار ([3]) هذا، ويعتبر لبنان من أكثر الدول تأثرًا بموجة اللاجئين نظرًا لارتفاع نسبتهم إلى مجموع السكان (حوالي 4,5 مليون نسمة)، حيث تبلغ نسبة اللاجئين للسكان في لبنان (1: 4). ومع ذلك يتعرض لبنان لنقد دولي مستمر بسبب تضييقه على اللاجئين وهو أمر ازدادت حدته بعد أحداث "عرسال" (أغسطس 2014م) التي شهدت اختطاف عسكريين لبنانيين من جانب جبهة النصرة السورية، حيث أعلنت الحكومة اللبنانية سياسة جديدة تجاه اللاجئين (13/1/2015م) مما أدى إلى شبه إغلاق لحدودها أمام السوريين، كما تحول وضع العديد من اللاجئين إلى إقامة غير نظامية لعدم قدرتهم على استخراج الوثائق المطلوبة ([4]).
تشير الدراسات إلى سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية للاجئين السوريين في لبنان بالإضافة للآثار السلبية العديدة على أحوال اللبنانيين أنفسهم. ويلاحظ أن حوالي 80% من اللاجئين السوريين المسجلين هم من النساء والأطفال حيث ترتفع بينهم نسبة الفقر، وسوء التغذية والبطالة بالإضافة إلى ارتفاع نسبة من يعانون من عدم توفر المسكن الملائم أو إمدادات المياه أو الخدمات (مثلاً ثلثي الأطفال خارج المدرسة و10% منهم يمارس العمل) ([5])
- الأردن: يقدر أن الأردن يستضيف حوالي 1,4 مليون لاجئ سوري (منهم حوالي 650 ألف لاجئ مسجل) بينما يبلغ حجم النداء الدولي للمساعدة الإنسانية لعام (2016) 1,1 مليار دولار تم توفير حوالي 685 مليون دولار منها (62%) ([6]) ويلاحظ هنا خبرة الأردن المطولة مع اللاجئين بدءًا من حرب 48 إلى حرب الكويت (1990 وما بعدها) ثم حرب 2003م. ورغم تميز الأردن بإقامة معسكرات إيواء للاجئين([7])(وهى معالجة تتعدد بشأنها الآراء) إلا أن التقديرات تشير إلى أن معظم اللاجئين السوريين يقيمون في المدن الأردنية حيث يقع 93% منهم تحت خط الفقر. هنا أيضًا يلاحظ ارتفاع نسبة اللاجئين للسكان حيث أن الأردن يضم عددًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين. ويقدر مجموع اللاجئين الفلسطينيين بحوالي 2 مليون شخص ينقسمون بين أولئك الذين يحملون الجنسية الأردنية وأولئك الذين يسكنون "المخيمات" العشرة الرئيسية التي تضم حوالي 370 ألف شخص فيما بينها (18%). وصرح مصدر بالبنك الدولي أن نسبة اللاجئين بالأردن هي 1: 3، نظراً لوجود تقدير بأن هناك 2,7 مليون لاجئ بالبلاد (41% من السكان) ([8])
من الناحية القانونية لم تنضم الأردن لاتفاقية 1951م، وبرتوكول 1967م. وينص الدستور الأردني على عدم ترحيل اللاجئين السياسيين (مادة 21/1). ويحكم اللاجئين قانون الإقامة وشؤون الأجانب لعام 1973م، وتعديلاته وإن كان لا يعّرف حالة اللاجئين. وتفضل الأردن التعامل مع اللاجئين باعتبارهم "زوارًا" أو "ضيوفًا" أو "أخوة عرب" وإن كانت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تعمل طبقًا لاتفاق مع الأردن (عام 1998م) يستخدم تعريف اللاجئ الوارد في اتفاقية 1951م، ويعترف بمبدأ عدم ترحيل اللاجئين nonrefoulment ويقبل بالتعامل مع اللاجئ طبقًا للمعايير الدولية ([9])
- مصــر: تقدر مفوضية الأمم المتحدة للاجئين عدد اللاجئين السوريين في مصر المسجلين لديها بحوالي 115 ألف شخص، تضمهم 38,5 ألف أسرة. ويبلغ مجموع المبلغ المطلوب دوليًا لمساندتهم 146 مليون دولار في 2016م، تم الحصول على 58 مليون منها (40%). وتقدر المفوضية مجموع اللاجئين السوريين في مصر بحوالي 400 ألف شخص فقط، وقد انضمت مصر لاتفاقية الأمم المتحدة حول اللاجئين عام 1981م، مع التحفظ على خمس مواد بخصوص الأوضاع الشخصية (مادة 12/1) والتموين (20/1) والحصول على التعليم الأساسي (22/1) والمعونة (23) والتشريعات العمالية (24) ([10])
تستضيف مصر لاجئين من السودان وإثيوبيا والصومال وإرتريا وفلسطين والعراق وسوريا وليبيا وتتراوح الأرقام المعلنة عن أعدادهم. مثلاً توجد إشارات بأن عدد اللاجئين السوريين يبلغ حوالي 300 ألف شخص لم يسجل لدى المفوضية إلا حوالي 135 ألفًا منهم (وإن كانت المفوضية تحدد الرقم بـ 115 ألف فقط) بينما يقدر الليبيون بحوالي 300 ألف شخص. ويلاحظ التفاوت الواسع في تقدير عدد اللاجئين في مصر حيث توجد مصادر تشير لوجود 3 ملايين لاجئ([11]). كما وجدت تصريحات رسمية بأن عددهم 4 أو5 ملايين شخص ([12]) وتتجه المصادر إلى تفسير هذه الأرقام بارتفاع عدد السودانيين الذين استقروا في مصر وخاصة أن اتفاقية وادى النيل (1976م) منحتهم العديد من حقوق الحصول على الخدمات بالإضافة لاتفاق الحريات الأربعة (2004م). ويلاحظ أنه رغم تحفظ مصر على المواد التي تخص تقديم الخدمات للاجئين إلا أنها تقبل اللاجئين بالمدارس الحكومية من حيث المبدأ وإن كان ذلك يتعثر في التطبيق بسبب ازدحام المدارس. وفى نفس الوقت يمكن للاجئين الحصول على الخدمات الصحية المجانية في المستشفيات الحكومية المصرية.
هذا وقد وجدت حالات لشكوى اللاجئين من الإجراءات الإدارية الخاصة بإعادة التسجيل بالإضافة لبعض الإجراءات الأمنية خاصة مع وجود حالات للهجرة غير النظامية عبر الشواطئ المصرية إلى أوروبا (تم القبض على أكثر من 3 آلاف لاجئ حاولوا الهجرة في الفترة بين يناير وسبتمبر من عام 2015م، وتم احتجاز 75 امرأة من جنسيات مختلفة لاستخدامهم جوازات سفر مزورة). ويضاف لذلك محاولات تهريب اللاجئين إلى إسرائيل عبر سيناء.
ثانيًا: سياسة تركيا تجاه اللاجئين:
تشكل حالة تركيا نموذجًا فريدًا من عدة نواحٍ، ذلك أنها تستضيف حوالي 3 ملايين لاجئ سوري، معظمهم خارج المعسكرات التي تضم حوالي 250 ألف شخص فقط. وهكذا فإن تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم. وفى الوقت نفسه فإن تركيا دخلت كطرف في الحرب الأهلية السورية كما أنها سيست قضية اللاجئين في إطار علاقتها مع الاتحاد الأوروبي. ويلاحظ استخدام تركيا لكلمة "الضيوف" في وصف اللاجئين، كما أن القادة الأتراك يذكرون العالم بشكل متكرر – وخاصة الدول الغربية – بأنهم لا يسهمون بالقدر الكافي في مساعدة بلدهم في تحمل عبئ اللاجئين. وقد انضمت تركيا لاتفاقية 1951م، كما أنها اصدرت قانون حول الأجانب والحماية الدولية (عام 2013م) غير أنه تبقى هناك سياسات تميزية في صالح طالبي اللجوء من الدول الأوروبية و"الأشخاص المنحدرين من أصول تركية" مقارنة بغيرهم.
مع تفاقم مشكلة اللاجئين وتسرب حوالي مليون مهاجر إلى أوروبا في عام 2015م، تحولت قضية الهجرة إلى مشكلة سياسية أوروبية من الدرجة الأولى حيث طرحت داخل النظم السياسية لدول الاتحاد كما تصدرت جدول الأعمال الإقليمي في الاتحاد الأوروبي. ولم تتوان تركيا عن استخدام هذا الوضع لهدف دعم مطالبها بالإسراع بمباحثات انضمامها للاتحاد الأوروبي أو – على الأقل – الحصول على بعض المزايا من الاتحاد مثل دخول الاتراك لدول الاتحاد دون تأشيرات، بالإضافة للحصول على معونات من الاتحاد الأوروبي تبلغ 6 مليارات يورو على دفعات. وقد وجهت الأمم المتحدة نداءً جديدًا بطلب 3,5 مليار دولار لمواجهة احتياجات اللاجئين في تركيا خلال العامين القادمين، كجزء من ميزانية تقديرية تبلغ 4,6 مليار دولار تشمل اللاجئين في لبنان والأردن ومصر.
وضع اللاجئين السوريين في تركيا يثير العديد من التعقيدات. فمن ناحية يقضي الاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي بقبول تركيا لعودة عدد من المهاجرين الذين خرجوا منها ودخلوا اليونان، ولكن وجدت تصريحات تركية لا تهدد فقط بإيقاف هذا الاتفاق، ولكن بإعادة فتح الطريق أمام موجات المهاجرين الراغبين في السفر إلى اليونان، وفى الوقت نفسه فإن هناك جماعات داخل تركيا تتخوف من تأثير العدد الكبير من المهاجرين السوريين، وأغلبهم من السنة، خاصة وأن هناك مقترحات بمنح الجنسية التركية لعدد منهم.([13]) كل ذلك يتم في مناخ من تخوف الساسة في دول الاتحاد الأوروبي في ضوء تجربة عام 2015م، عندما دخل أوروبا حوالى مليون لاجئ وهو موضوع تستغله الأحزاب اليمينية المتطرفة لكسب الرأي العام وبالتالي السعي للفوز في الانتخابات القادمة وإقصاء الاتجاهات الوسطية الحاكمة.
ثالثًا: جهود المنظمات الدولية والإقليمية
تعددت المؤتمرات الدولية حول اللاجئين السوريين خلال عام 2016م:
- مؤتمر لندن حول دعم سوريا والمنطقة في فبراير 2016م.
- الاجتماع رفيع المستوى حول المشاركة في المسؤولية العالمية عبر طرق قبول اللاجئين السوريين، جنيف، مارس 2016م.
- مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني، اسطنبول، مايو 2016م.
- الاجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة حول التحركات الكبرى للاجئين والمهاجرين، نيويورك، سبتمبر 2016م.
وتحاول المنظمات الدولية تطوير أسلوب عملها عبر خطط متوسطة المدى([14]) تضم شركاء متعددين من أطراف حكومية ودولية وإقليمية وأهلية (240 طرف مشارك في إطار عمل 2017 – 2018م) الخاص باللاجئين السوريين. ويلاحظ أن الالتزامات التي أعلنت عنها الدول والمنظمات الإقليمية في مؤتمر لندن بلغت 6 مليارات دولار لعام 2016م، وأكثر من 6 مليارات دولار للفترة (207-2020م). وفى الوقت نفسه، تسعى المنظمات الدولية إلى دمج عمليات الإغاثة الإنسانية مع مراحل لاحقة لإعادة التعمير والتنمية سواء في الدول التي تستضيف اللاجئين أو دول المنشأ. وبالتوازي فإنها تسعى لقيام الدول المستقبلة للاجئين بدور قيادي في إدارة الجهود الإنسانية الموجهة لهم. وفى حالة تركيا – مثلاً – فإن مهمة تنسيق الإغاثة تقع مع أحد نواب رئيس الوزراء، كما أعلنت الحكومة عن أنها قدمت 12 مليار دولار لمساعدة اللاجئين على مدى السنوات الخمس التالية لنشوب الأزمة السورية ([15]) وعادة ما تشكل الدول لجان متعددة القطاعات لتنسيق عمليات والتنفيذ والمتابعة بمشاركة منظمات الأمم المتحدة والدول المانحة والمنظمات الأهلية الوطنية والدولية.
وتقوم منظمات الأمم المتحدة بجمع وتحليل المعلومات عن اللاجئين عبر إجراء مسوحات دورية مما يساهم في إيجاد قاعدة معلومات أكثر دقة. وفى حالة مصر أجريت دراسة اجتماعية واقتصادية خلال الفترة 2014-2015م، كما أجرى مسح تالي لحوالي 20 ألف أسرة شملت 87 ألف شخص([16]) Egypt Vulnerability Assessment for Refugees (EVAR). كما يلاحظ أن المنظمات الدولية تقوم بمساعدة اللاجئين وكذلك المجتمعات المحلية التي تستضيفهم: وعلى سبيل المثال فإن مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تستهدف في خططها لمصر لعام 2017م، مساعدة حوالي 113 ألف لاجئ و1,2 مليون في المجتمعات المحلية ([17])
تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة اللاجئين: ([18]) على مستوى الاهتمام السياسي، تعامل الاتحاد الأوروبي مع ظاهرة اللاجئين باعتبارها قضية هامة تكاد تكون وجودية. كيف لا والرأي العام يطلع على ما ينقله الإعلام من مشاهد المآسي الإنسانية، وجثث الأطفال على شواطئ أوروبا، والمراكب الغارقة، والمصادمات مع قوات حرس الحدود. ثم إنه يشاهد عوامل الطرد: جرائم "داعش"، والهجمات الانتحارية والمدن المهدمة، والخرائط المتحركة. ويتم الربط بين كل ذلك والعمليات الإرهابية التي شهدتها بعض المدن الأوروبية، كما يتصل بصور وظواهر مستجدة على الشارع الأوروبي لغة وملبسًا وتعاملاً. والتقطت الجماعات والأحزاب اليمينية والشعبوية كل ذلك وأخذت تنفخ فيه تارة من منظور الاختلافات الثقافية وتارة أخرى من زاوية التأثير الأمني وثالثة بالتركيز على الآثار الاقتصادية. واستشعرت النخب الحاكمة بضغوط كل ذلك فأخذت تبلور سياسات وقرارات ما لبثت هي نفسها أن أصبحت موضع خلاف حاد بين دول الاتحاد بعضها البعض وداخل العديد من الدول أيضًا.
ويمكن تتبع العديد من الوثائق الأوروبية التي تحاول أن تبلور معالم الموقف الأوروبي الموحد تجاه اللاجئين. وكانت الصعوبة الأساسية هي تباين مواقف الدول الأوروبية. ذلك أن دولاً مثل اليونان وإيطاليا كانت في الخطوط الأمامية من التعامل مع موجات الهجرة وكان مطلبها ضرورة تشارك أعضاء الاتحاد في حمل هذا العبء بدلاً من تركه ليقع على كاهلها وحدها. وبالمقابل عبر قادة دول أخرى -مثل المجر وجمهورية التشيك وبولندا– عن تحفظهم لا فقط عن استقبال المهاجرين ولكن أيضًا عن عبورهم أراضيهم. وتميز الموقف الألماني – تحت زعامة "ميركل" – وكذلك السويدي، بالترحيب باللاجئين وصاحبه موقف فرنسي متعاطف وإن كانت حكومات أوروبية عدة قد اضطرت للحد من هذا التوجه خشية المكاسب التي حققتها قوى المعارضة اليمينية داخل بلادها واعتراضات الدول الأوروبية غير المرحبة بموجات الهجرة ([19]).
وقد يكون من المفيد التوقف عند بعض هذه الوثائق للتعرف على مضمونها. فعلى سبيل المثال أصدرت مفوضية الاتحاد الأوروبي وثيقة "جدول الأعمال الأوروبي حول الهجرة" في مايو 2015([20])، التي سعت لرسم "مقاربة أوروبية" لقضية الهجرة تستخدم السياسات والأدوات المتوفرة بحيث تشمل الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني والسلطات المحلية والدول الأخرى وتتبنى الوثيقة عددًا من الإجراءات العاجلة التي أعلنها المجلس الأوروبي (يوم 23/4/2016م) والتي أكدها البرلمان الأوروبي بعد ذلك:
- إنقاذ اللاجئين بحرًا عبر زيادة الميزانية المخصصة لعمليات هيأة الحدود الأوروبية (Frontex) المسماة "تريتون" و "بوسديون" وذلك بمعدل ثلاثة أضعاف (ويلاحظ أن هذا الإجراء يهدف لخلافة العملية البحرية الإيطالية "مار نوستروم").
- التركيز على شبكات تهريب البشر عبر عمليات أمنية ودفاعية مشتركة Common Security and Defence Policy Operations مع تعزيز دور الشرطة الأوروبية Europol عبر العملية "جوت مار" Jot Mare. ([21])
- إعادة توزيع اللاجئين بحيث تقوم دول الاستقبال بفحص طلبات اللجوء مع طرح توزيع اللاجئين بين دول الاتحاد وفقًا لمعايير الناتج القومي وعدد السكان ونسبة البطالة والأعداد التي تم قبولها سابقًا.
- توفير الحماية لمن يحتاجها من اللاجئين أي تسهيل هجرة مجموعات وأشخاص من المهاجرين يتعرضون لمخاطر واضحة (حددت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين حصة أوروبا من هذه المجموعة على أنها 20 ألفًا بحلول عام 2020م). وخصصت المفوضية 50 مليون يورو إضافي لهذا البرنامج.
- العمل مع الدول الأخرى التي تستقبل اللاجئين أو تيسر عبورهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقرن الإفريقي. وخصص30 مليون يورو لهذا البرنامج في عامي 2015/2016م، مع إنشاء مركز خاص للتعامل مع اللاجئين في النيجر بالتعاون مع مفوضية اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية (IOM). ويرتبط بهذا المكون مبادرات تعزيز الاستقرار في ليبيا وسوريا وتقديم المعونات لدول مثل لبنان والأردن وتركيا والعراق (يخصص للاجئين السوريين 3.6 مليار يورو).
- دعم دول المواجهة الأوروبيةFrontline Member States عبر تقديم خدمات هيأة الحدود الأوروبية والشرطة الأوروبية ومكتب مساندة اللجوء وتعبئة 60 مليون يورو إضافي كمعونة طارئة لدول المواجهة.
وتحدد هذه الوثيقة أربعة أسس للتعامل مع الهجرة أولها خفض الحوافز الدافعة للهجرة غير النظامية irregular عبر علاج أسباب النزوح بما في ذلك الحروب الأهلية والاضطهاد والفقر والتغير المناخي بالإضافة للتعاون مع دول المنشأة ودول العبور ([22]) ومحاربة مهربي البشر وترحيل المهاجرين غير النظاميين. المكون الثاني هو التحكم في الحدود الأوروبية([23])، عبر ثلاث قواعد للمعلومات تتناول اللجوء وتأشيرات الدخول وترقب الأشخاص الخطرين مع وجود مبادرة جديدة تحت عنوان "الحدود الذكية" Smart Borders لزيادة كفاءة نقاط العبور الحدودية وتقديم العون في هذا المجال لدول أخرى خارج الاتحاد. والأساس الثالث هو بناء سياسة مشتركة لمنح حق اللجوء عبر وضع معايير لعمليات الاستقبال واستكمال الإجراءات مع تحسين آليات فحص طلبات اللجوء (ما يسمى بنظام "دبلن") وأخذ البصمات. أما الأساس الرابع فيتعلق بوضع سياسة جديدة حول الهجرة الشرعية من زاوية إدراك أن أوروبا تحتاج إلى سد النقص البشرى لديها. ورغم كل ما تقدم، فإن الكثير من المحلليين([24])، يعتبرون أن أوروبا قد فشلت في التعامل مع موجة الهجرة المليونية التي قدمت إليها في عام 2015م(يلاحظ أن عدد اللاجئين قد انخفض إلى حوالى 600 الف في عام 2016م). ولعل أبرز معالم السياسة الأوروبية، وأكثرها عرضة للخلاف، كان اتفاق الاتحاد الأوروبي مع تركيا.
ويعود هذا الاتفاق لمحاولة الاتحاد الأوروبي علاج موجة الهجرة عبر إحالة المشكلة لدول أخرى ([25]) مع تقديم سلة من الحوافز لهذه الدول لحفزها على التعاون. وباختصار فإن الاتفاق([26]) تضمن تقديم 3 مليار يورو لتركيا للمساعدة في التعامل مع اللاجئين مع متابعة ذلك بمبلغ مماثل في عام 2018م. ويقضى الاتفاق بقيام الاتحاد الأوروبي بقبول لاجئ واحد مقابل كل لاجئ تعيده اليونان إلى تركيا بحد أقصى 75 ألف شخص، وبالتوازي يتم اتخاذ خطوة جديدة في مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. غير أن تركيا سعت أيضًا لإعفاء مواطنيها من تأشيرات الدخول لدول الاتحاد الأوروبي (الواقع أن المفاوضات حول هذا الجانب بدأت في 2012م) وهو موضوع لايزال يتعثر أمام المخاوف الأوروبية ويصعب تصور الاتفاق عليه في المدى المنظور. ومما يستوقف النظر قبول الاتحاد الأوروبي التعاون مع تركيا لتحسين الظروف الإنسانية داخل سوريا مع الإشارة لفكرة "المناطق الآمنة" التي كانت تركيا – آنذاك -تريد إقامتها داخل الحدود السورية ([27]) ويثير البعض شكوك حول مدى قانونية الاتفاق الأوروبي – التركي لعدم التزام أنقرة بتقديم الحماية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951م.
محصلة ما تقدم تشير إلى نظام للعمل الأوروبي لمواجهة ظاهرة اللاجئين غير النظاميين – قد لا يكون ناجحًا تمامًا – ولكنه يسعى لمعالجة تحدى رئيسي بشكل منهجي عبر:
- التزامات سياسية جادة.
- تحليل للمشاكل وتقييم لأساليب العمل السابقة.
- طرح لسياسات واستراتيجيات للتعامل مع الظاهرة.
- تصميم لبرامج محددة تنقل السياسات والاستراتيجيات إلى مستوى التنفيذ.
*مستوى مرتفع من التمويل يحاول أن يوفر وسائل تنفيذ البرامج بالتعاون مع شبكة واسعة من الشركاء.
جامعة الدول العربية وقضية اللاجئين: عند البحث في أداء جامعة الدول العربية في قضية اللاجئين لابد من التوقف عند حجم هذه الظاهرة التي تتعلق بأكثر من نصف الدول أعضاء الجامعة التي تستضيف أكثر من 6 ملايين لاجئ بالإضافة إلى ما لجأ للدول المجاورة (2,7 مليون سوري في تركيا) والنازحين داخليًا (مثلاً يقدر عدد النازحين في أقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق السودانية بأكثر من 3 ملايين طبقًا لإحصاءات 2014م) ([28]) والطبيعي أن ينعكس هذا الوضع على مجموعة من قرارات الجامعة على مستويات مختلفة. فإذا فحصنا قرارات مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الصادرة عن اجتماع نواكشوط يوم 25/7/2016م ([29]) فسوف نجد إشارة لضرورة استمرار دور "الاونروا بتحمل مسؤولياتها في تقديم الخدمات للاجئين" مع "التأكيد على أهمية استمرار توفير الدعم المالي اللازم لبرامج ونشاطات وكالة الغوث..." ([30]) كذلك توجد إشارة للوضع في الجولان المحتل "وما ينجم عن هذا الاحتلال من نزوح آلاف السكان وتشريدهم..." ([31]) وفى قرار خاص بالتضامن مع لبنان في مواجهة إسرائيل أضيفت إشارة للاجئين السوريين حيث رحبت القمة. "بالجهود التي يبذلها لبنان حكومة وشعبًا حيال موضوع النازحين([32]) السوريين الوافدين إلى لبنان لجهة استضافتهم رغم إمكانياته المحدودة، والتأكيد على ضرورة مؤازرة ودعم لبنان في هذا المجال وتقاسم الأعباء والأعداد معه، ووقف تزايد تلك الأعباء والأعداد من النازحين والتشديد على أن يكون وجودهم مؤقتًا لما في الأمر من تهديد كياني ووجودي للبنان والسعي بكل ما أمكن لتأمين عودتهم إلى بلادهم في أقرب وقت ممكن، والإشادة بالمحاولات الحثيثة التي تبذلها الحكومة اللبنانية لتقليص أعداد النازحين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية وتوفير أمن اللبنانيين والسوريين وتخفيف الأعباء عن شعب لبنان واقتصاده، بعد أن أصبح على شفير انفجار اجتماعي واقتصادي وأمني يهدد وجوده". ([33])
غير أن قرار القمة الخاص بسوريا ([34]) يتضمن قدرًا أكبر من الاهتمام بموضوع اللاجئين، فهو يحتوي على إشادة بدور أمير الكويت في استضافة المؤتمرات الدولية للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا، ويشير إلى أن الكويت قدم 1.6 مليار دولار في هذه المؤتمرات. ويمضي القرار فيناشد "الدول المانحة سرعة الوفاء بالتعهدات التي أعلنت عنها... وبالخصوص فيما يتعلق بتوفير الدعم اللازم للدول العربية المجاورة لسورية وغيرها من الدول العربية المضيفة للاجئين والنازحين السوريين...الخ". وبالمثل يشير القرار الخاص باليمن بدور قطر في استضافة مؤتمر للإغاثة الإنسانية في اليمن كما يشير إلى دعم السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان ([35]) أما القرار الخاص بالصومال فيحتوي على إشارة للاجئين اليمنيين هناك وإلى اللاجئين الصوماليين الموجودين في كينيا واليمن ويطالب الدول العربية والأمانة العامة بتقديم الدعم المادي والفني لمواجهة الاحتياجات الإنسانية والتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة في مجال الإغاثة ([36])
والملفت أن قرار القمة الخاص بالأمن القومي العربي، والذي يركز على قضية الإرهاب، يطلب من الأمانة العامة للجامعة التنسيق مع الدول الأعضاء والمجالس الوزارية لاتخاذ "الإجراءات اللازمة لدراسة إمكانية إدخال تعديلات جديدة على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وكل أشكال الجريمة المنظمة، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية ([37]) باعتبارها من مصادر تمويل الإرهاب...". ([38])
هذا وقد أصدرت القمة "إعلان نواكشوط" الذي احتوى في بنده التاسع على الإعلان عن "دعمنا لجهود الإغاثة الإنسانية العربية والدولية الرامية إلى تقديم المساعدات العاجلة للمتضررين من الحروب والنزاعات من لاجئين ومهجرين ونازحين، ولتطوير آليات العمل الإنساني والإغاثي العربي واستحداث الآليات اللازمة داخل المنظومة العربية لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة ومساعدة المتضررين والدول المضيفة لهم" ([39]).
ولاستكمال صورة نشاط جامعة الدول العربية لمواجهة ظاهرة اللاجئين لابد من ذكر دور المجالس الوزارية العربية المتخصصة (الصحة، الشؤون الاجتماعية، الشباب والرياضة) والتي أبدت الاهتمام بالموضوع وخصصت مبالغ من ميزانياتها المتواضعة لدعم العمل الإغاثي بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة ([40]) أو مع الدول المعنية أو مع حكومات الدول المضيفة للاجئين، كما تم تنظيم زيارات ميدانية للتعرف على أحوال اللاجئين السوريين واليمنيين والصوماليين مع ملاحظة تعيين مبعوث خاص لجامعة الدول العربية للاجئين هي الشيخة حصة من دولة قطر، كما أعدت الجامعة "استراتيجيات" لحماية الأطفال اللاجئين و"لحماية المرأة: الأمن والسلام"، كما عقدت اجتماعات وزارية حول أوضاع المرأة في النزاعات المسلحة وحول حق الطفل في الهوية والحصول على أوراق ثبوتية. ومن ناحية الأمانة العامة تم دمج موضوع اللاجئين في إدارة لشؤون اللاجئين والمغتربين والهجرة مع ملاحظة أن الموضوع يلقى الاهتمام من عدة إدارات بما فيها إدارة المساعدات الإنسانية وإدارة شؤون الأسرة وغيرها ([41]).
ويلاحظ أن الأمانة العامة تجتهد في محاولة إقناع الدول الأعضاء بضرورة إنشاء آلية لإدارة المساعدات الإنسانية بالجامعة إلا أن الفكرة لم تحصل على توافق الدول الأعضاء ربما بسبب التخوف من إيجاد التزامات مالية إضافية. وفى الوقت نفسه فإنه يمكن ملاحظة اتجاه صعودي في مخصصات المعونة الإنسانية من جانب دول الخليج حيث تقوم هذه الدول بتوجيه الإغاثة مباشرة أو عبر منظمات الأمم المتحدة.
ولأخذ فكرة عن مجموع الاحتياجات الإنسانية للأزمات القائمة في المنطقة العربية يمكن الاطلاع على أرقام نداءات الأمم المتحدة لتمويل خطط العمل الإنساني لعام 2017 ([42]).
الدول |
مليون دولار |
|
73 |
|
930 |
|
151 |
|
550 |
|
864 |
|
952 |
|
3,400 |
|
1,900 |
المجموع |
8,820 |
ونظرة سريعة إلى هذه الأرقام تشير إلى وجود احتياج يدور حول رقم 9 مليار دولار للإغاثة الإنسانية في العالم العربي خلال عام 2017 وحده.
وبالنسبة لسوريا – على سبيل المثال – فإن خدمة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة تشير إلى الأرقام التالية بالنسبة للمعونة الإنسانية المقدمة من الدول العربية استجابة للأوضاع في سوريا. ([43]) وتبدو هذه الأرقام متواضعة قياسًا بالتفاصيل الواردة في قرارات القمة العربية وهو يحتاج لتصحيح أو إيضاح.
استجابة الدول العربية للنداء الدولي حول اللاجئين السوريين
الدول |
المبلغ المنفذ |
النسبة إلى مجموع المعونات المدفوعة |
|
93,000,000 |
1,6% |
|
36,960,000 |
0,6% |
|
13,525,905 |
0,2% |
|
10,672,641 |
0,2% |
|
154,158,546 |
2,6% |
ولا شك أن هذه الصورة بتفاصيلها وتعقيداتها تستدعى دراسة أكثر تفصيلاً. ومع ذلك فإنه يمكن التوصل لبعض الاستنتاجات الأولوية فيما يتعلق بمواقف الدول العربية وجامعتهم من قضية اللاجئين.
رابعًا: ملاحظات على تعامل الدول العربية مع اللاجئين:
- مع وجود قدر من الإدراك لمشكلة اللاجئين إلا أنه يصعب التعرف على رؤية عربية شاملة لهذه القضية ولا إرادة سياسية واضحة لعلاجها ولا خطة حقيقية للتعامل معها.
- يوجد قدر من الرغبة لمد يد العون للاجئين والدول التي تستضيفهم وهو واضح في نشاط الأمانة العامة وفى القرارات الصادرة عن القمة والمجالس الأخرى (وإن كانت تتصف بالعمومية وعدم تحديد إجراءات واضحة أو مبالغ مالية محددة). كما أنه واضح في أرقام المعونات المقدمة من عدد من الدول العربية وإن كانت المصادر الدولية لا تورد هذه المعلومات في تقاريرها.
- تفضل معظم الدول العربية المانحة أن تقدم معوناتها بشكل منفرد عبر وسائلها الخاصة أو عبر منظمات الأمم المتحدة.
- لا يزال الجانب التنفيذي غائبًا عن أجهزة الجامعة العربية فلا "آلية" لإدارة عمليات الإغاثة الإنسانية ولا كوادر أو إمكانيات لتولي هذه المسؤولية بل تغيب أيضًا القناعة السياسية من جانب الدول الأعضاء.
- يوجد تضارب في استخدام المفاهيم بين "لاجئ" و"نازح" و"مهاجر" مع استخدام لمصطلحات خاطئة كالهجرة "غير الشرعية".
- تقتصر أغلب المعالجات العربية على نواحي الإغاثة ولا تتعرض للأوضاع القانونية وخاصة عدم انضمام عدد من الدول العربية للاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين لعام 1951م. ولايزال أغلب التناول العربي لموضوع اللاجئين والنازحين يأتي في سياقات مرتبطة بكل دولة أو أزمة على حدة ودون استخدام معايير واضحة في تحليل الظاهرة وطرح وسائل علاجها وتخصيص الموارد الكافية لذلك.
- يمكن القول بأن تجربة اللاجئين الفلسطينيين كان لها تأثير كبير في تصورات وسياسات الدول العربية تجاه مشاكل اللاجئين بصفة عامة ([44])، وهي تجربة تتضمن مفاهيم منع إعادة التوطن والحفاظ على الهوية وانتشار الحركات السياسية والقلاقل الداخلية والتفاعل مع الأوضاع الداخلية في الدول المضيفة.
- إن المقاربات الأمنية العربية كان لها تأثير أكبر من المقاربات الحقوقية rights based approaches في تشكيل سياسات التعامل مع اللاجئين ([45]).
- توجد ثغرات متعددة في الأطر القانونية التي تحكم أوضاع اللاجئين في الشرق الأوسط سواء بسبب عدم الانضمام للاتفاقيات الدولية المعنية أو بسبب تعدد القوانين واللوائح والجهات التي تحكم أوضاع اللاجئين دون تطبيق المعايير الدولية ([46]).
- يلاحظ تركز اللاجئين في المدن في معظم الحالات وهو ما يفاقم الحساسيات المرتبطة بالأوضاع الأمنية والسياسة الداخلية والهويات القومية والدينية. ويفاقم من هذه الأوضاع أن النزاعات الشرق أوسطية تأخذ طابعًا طويل المدى دون وجود أفق للحل وعودة اللاجئين ([47]).
خامسًا: توصيات لتحسين أوضاع اللاجئين في الشرق الأوسط:
يمكن طرح مجموعة أولية من التوصيات لتحسين أوضاع اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط:
(1) تعزيز الإطار القانوني المنظم لأوضاع اللاجئين عبر الانضمام للاتفاقيات الدولية وتطبيق المعايير القانونية الدولية وتعزيز احترام حقوق الإنسان والمقاربات الحقوقية وحكم القانون وحماية حقوق المرأة والطفل.
(2) وضع استراتيجية شاملة للعمل العربي لحماية اللاجئين بحيث تلتزم دول المنطقة بتحقيق أهداف محددة وتطبيق معايير دولية مع وجود آليات جادة للتمويل والمتابعة والتقويم مع إنشاء منظمة عربية للإغاثة الإنسانية.
(3) التعامل مع اللاجئين عبر خطط متوسطة وطويلة المدى مما يتيح الفرصة للتنبؤ بالاحتياجات وحشد التمويل الدولي المتاح مع تعبئة الإمكانيات الوطنية بما في ذلك القطاعين الأهلي والخاص وتعديل السياسات بما يناسب الأوضاع القائمة والتي قد تستمر لسنوات طويلة قادمة.
(4) يمكن للدول العربية أن تعاون ليبيا في إحكام السيطرة على شواطئها وبحرها الإقليمي حيث يقدر عدد اللاجئين اللذين وصلوا إلى إيطاليا عبر المتوسط بحوالي 130 ألف شخص خلال الأشهر التسعة الأولى من 2016م، بالإضافة لتواجد حوالي 100 ألف لاجئ داخل ليبيا و350 ألف نازح. ([48])
(5) أهمية ايجاد حلول لبعض الأوضاع الحساسة للاجئين ومن بينها مسألة غياب أو فقدان الأوراق الثبوتية وتعرض الأطفال والنساء بلا جنسية statelessness للمخاطر وبالتالي ضرورة توفير آليات لتسجيل المواليد بالذات. ويتصل بذلك موضوع تعزيز إجراءات الحماية للاجئين وخاصة الفئات الأكثر تعرضًا منهم. وينطبق ذلك على حالة الأطفال خارج التعليم، أو الأطفال العاملين، أو الفتيات والنساء المعرضات لأنواع العنف والانتهاك المختلفة.
(6) دعم دور الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص في الإسهام في إيجاد حلول لأوضاع اللاجئين وذلك عبر برامج تعزيز القدرات، وتقديم المساندة المادية والمشاركة في عمليات التخطيط للبرامج وتنفيذها وقت بعثها وتقويمها.
(7) دعم جهود الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في حفز الدول العربية نحو تعزيز إجراءات حماية اللاجئين والإسهام في الجهود الدولية في هذا الاتجاه والمشاركة الإيجابية في مؤتمرات الأمم المتحدة التي تتناول هذا الموضوع ([49]).
خاتمة:
سوف تظل قضية اللاجئين بأبعادها المتضخمة تؤرق المنطقة العربية لسنوات طويلة قادمة، كما أنها ستظل تفرز آثارًا سلبية سواء بالإسهام في إذكاء دائرة العنف في المنطقة أو من ناحية كونها تشكل عبئًا ثقيلاً على عدد كبير من الدول المضيفة ناهيك عن تسببها في تدهور مستوى معيشة عدد كبير من مواطني دول المنطقة وحرمان جيل أو أكثر من فرص التعليم والعمل والعيش الكريم.
وضع كهذا يستدعي شحذ الجهود العربية في رؤية شاملة للتعامل مع أوضاع اللاجئين العرب، بدءاً من زيادة الجهود المبذولة لإيجاد حلول لنزاعات المنطقة، والاتفاق على الأطر القانونية للتعامل مع اللاجئين، ووضع البرامج لتحسين أحوالهم المعيشية.
الاتحاد الأوروبي – على مشاكله وقصوره وفشله – لديه تجربة تستدعي الدراسة سواء من ناحية الأطر السياسية أو الإجراءات القانونية أو الخطوات الإدارية والعسكرية أو المخصصات المالية وشبكة تنفيذ البرامج. ولعل هناك مجال لزيادة التعاون العربي – الأوروبي في هذا المجال عبر الاتفاق على استراتيجيات مشتركة وخطط عمل تعكس إمكانيات الجانبين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*منسق مجموعة عمل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية، سفير سابق.
[1] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية الإنسانية العربية 2016: الشباب وآفاق التنمية في واقع متغير، نيويورك، 2016.
www.arab.nr.orgLarabic
[2] موقع مكتبة الكونجرس "Refugee Law and Policy: Lebanon", www.loc.gov يلاحظ أن استخدام وصف "النازحين" مرتبط بعدم الرغبة في تطبيق معايير اتفاقية 1951.
[3] موقع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين www.data.unhcr.org
[4] European Commission Humanitarian Aid and Civil Protection, Lebanon: Syria Crisis, May 2016.
[5] Cherri, Zeinab and Pedro Arcos Gonzalez, Rafael Castro Delgado, "The Lebanon – Syrian Crisis: Impact of influx of Syrian refugees to an already weak state", Risk Management Health Policy, 9/2016, pp.165-172. www.ncbi.nim.nih.gov
[7] أشهرها الزعتري، مرجيب الفهود، الأزرق، Ciber City. على سبيل المثال الزعتري يضم 80 الف شخص والأزرق حوالى 23 الف شخص.
[8] Malkawi, Khetam, "Refugees constitute third of Jordan population – World Bank Official", The Jordan Times, 19/12/2015.
[9] "Refugee Law and Policy: Jordan", Library of Congress, March 2016, www.loc.gov
[10] "Refugee Law and Policy: Egypt", Library of Congress, March 2016, www.loc.gov
[11] مثلا Egyptian Foundation for Refugee Rights. www.egyptianfoundation.wordpress.com
[12] Karasapan, Omer, "Who are the 5 million refugees and immigrants in Egypt", Brookings Institution, 4/10/2016, www.brookings.edu
[13] Turkey's Refugee Crisis: The politics of permanence, International Crisis Group, report No 241, 30 November 2016.
[14] Regional Refugee and Resilience Plan (3RP) 2017-2018: in response to Syria crisis, regional strategic overview, UNHCR-UNDP.
[15] Ibid, 11
[16] Ibid, 25
[17] Ibid, 28
[18] هذا الجزء والجزء التالي حول جامعة الدول العربية مقتطع من دراستي "اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية"، السياسة الدولية، يناير 2017، ص 88-93.
[19] Lane, Charles, "A lesson for Angela Merkel: good intentions aren't always good politics", The Washington Post, 1 December 2016.
[20] European Commission, A European Agenda on Migration, Brussels, 13/5/2015.
[21] كذلك أطلقت العملية "صوفيا" في يونيه 2015 لقوة الاتحاد الأوروبي البحرية في المتوسطEU Naval Force Mediterranean (EUNAFOREMED) ويلاحظ أن مجلس الأمن شرع للدول ايقاف السفن التي تقوم بتهريب البشر من ليبيا (القرار 2240 لسنة 2015 و 2312 لسنة 2016) مع الإشارة إلى القوة البحرية الأوروبية.
[22]- يلاحظ أن ميزانية الاتحاد الأوروبي للتعاون الخارجي تبلغ حوالي97 مليار يورو للفترة 2014 – 2020. يخصص منها 200 مليون يورو للمشاريع المساندة للاجئين بالإضافة لأكثر من مليار يورو من ميزانية الاتحاد للمعونة الإنسانية، Ibid, 8.
[23]- يوفر صندوق الأمن الداخلي للاتحاد الأوروبي مبلغ 2.7 مليار يورو للدول الأعضاء خلال الفترة 2014 – 2020. Ibid, 11
[24]- مثلاً
Hakura, Fadi, "The EU-Turkey refugee deal solves little", The World Today, Chathem House, London, April – May 2016;
Colet, Elizabeth, "The paradox of the EU – Turkey refugee deal", Migration Policy Institute, March 2016, www.imigrationpolicy.org;
Dimitriadi, Angliki, Deals without borders: Europe: foreign policy on immigration, European Council on Foreign Relations, Policy Brief, April 2016
[25] على سبيل المثال يوجد حوار مع دول المغرب العربي تحت مسمى "عملية الرباط: Rabat Process كما يوجد حوار آخر حول طريق الهجرة في شرق أفريقيا باسم "عملية الخرطوم".
[26] عقدت قمة أوروبية – تركية في نوفمبر 2015 وتم التوصل لاتفاق في قمة أخرى في مارس 2016.
[27] Ibid, 7.
[28] برنامج الأمم المتحدة الانمائي: مرجع سبق ذكره.
[29] World Bank, Refugee population by country of asylum, 1990-2014, www.data.worldbank.org
[30] ق.ق: 642 د.ع (27) – 25/7/2016.
[31] ق.ق: 644 د.ع (27) – 25/7/2016.
[32] يلاحظ استخدام هذا المصطلح فى قرار للقمة رغم عدم دقته.
[33] ق.ق: 645 د.ع (27) – 25/7/2016. تحفظت البحرين على هذا القرار ونأت عنه السعودية والإمارات وقطر بسبب موقفها من حزب الله.
[34] ق.ق: 646 د.ع (27) – 25/7/2016.
[35] ق.ق: 648 د.ع (27) – 25/7/2016.
[36] ق.ق: 649 د.ع (27) – 25/7/2016.
[37] يلاحظ استخدام هذا المصطلح غير المتوافق مع المفاهيم الدولية.
[38] ق.ق: 654 د.ع (27) – 25/7/2016.
[39] موقع جامعة الدول العربية www.lasportal.org
[40] مثلا تم تخصيص مبلغ نصف مليون دولار لإيصال مساعدات للداخل السوري عبر منظمة الصحة العالمية.
[41] حديث هاتفي مع أحد أعضاء الأمانة العامة لجامعة الدول العربية يوم 6/12/2016.
[42] Ibid
[43] بتاريخ 9/12/2016 Financial Tracking Service
https://fts.unocha.org
[44] Khallaf, Schaden, "Displacement in the Middle East and North Africa between an Arab Winter and the Arab Spring", Issam Fares Institute for Public Policy and International Affairs, American University of Beirut, Working Paper Series No 17, August 2013, p.6.
[45] Ibid.
[46] Ibid.
[47]Ibid تعتبر مفوضية اللاجئين "الهجرة الممتدة"
Protracted displacement هي التي تستمر لمدة خمس سنوات وهو ما ينطبق على أوضاع الفلسطينيين والعراقيين والسودانيين والصوماليين كما أن السوريين قد خلوا هذه الفئة فيعدد من الحالات.
[48] Overview on UNHCR's Operations in the Middle East and North Africa (MENA), Executive committee of the High Commissioner's Programme, Regional Update – Middle East and North Africa, Geneva, 23/9/2016, p. 2
[49] على سبيل المثال: مؤتمر الجامعة العربية ومنظمة المرأة العربية ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين حول حماية المرأة اللاجئة (القاهرة، 3-5 مايو 2016) والاجتماع التشاوري العربي حول الهجرة (القاهرة، 3-2 أغسطس 2016).