; logged out
الرئيسية / الإرهابيون يستهدفون إدارة العقول والإعلام يطرح السيناريوهات الإرهابية المعالجات الإعلامية للإرهاب: تسويق مناخ التهديد وثقافة الخوف

العدد 118

الإرهابيون يستهدفون إدارة العقول والإعلام يطرح السيناريوهات الإرهابية المعالجات الإعلامية للإرهاب: تسويق مناخ التهديد وثقافة الخوف

الخميس، 30 آذار/مارس 2017

يعد الإرهاب من أقدم الظواهر الإنسانية التي عادت وانتشرت بقوة خلال العصر الحديث، وتستخدم الجماعات الإرهابية العنف أحد أهم الوسائل ضد المجتمع وتعتبر ذلك وسيلة للضغط والتأثير في الرأي العام وعلى صناع القرار، وهي بذلك تمثل أخطر المهددات الأمنية التي تؤثر على السلم والاستقرار المجتمعي.  ويطرح مفهوم الإرهاب إشكالاً كبيرًا عند محاولة وضع تعريف له نظرًا لتنوع التمثيلات الاجتماعية المرتبطة به وتعدد تعريفاته طبقًا للأيدولوجيات، والمفاهيم والقناعات.  فقد يعتبر البعض أن الجرائم التي ترتكبها الجماعات المتطرفة أنه "إرهابا"، وأن الجماعة التي تنفذ ذلك أنها "إرهابية"، بينما يرى آخرون هذا الفعل على أنه "عمل جهادي مقدس ومشروع"، والجماعة على أنها مجموعة من الثوريين المناضلين من أجل حريتهم. كما يتشعب الإرهاب فى أهدافه، ومنطلقاته، ودوافعه، وآلياته.

ولغويًا، تشتق كلمة الإرهاب من فعل "أرهب" ويقال أرهب فلانًا أي خوفه وأفزعه.  أما الكلمة باللغة الإنجليزية فهي ذات أصول لاتينية، حيث تشتق كلمة Terror من الكلمة اللاتينيةTerrere  وتعني تخويف أو ترهيب. وقد استخدمت الكلمة رسميًا فى عهد الإرهاب فى فرنسا عقب الثورة الفرنسية عام (1793م)، حيث اتسمت تلك الفترة باستخدام العنف ومحاكم الإعدام الجماعية التى نفذت علنيًا أمام مجموعات كبيرة من الجماهير. أما اصطلاحيًا، فقد وضعت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب (1998م) تعريفًا له على أنه كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به ؛ أيًا كانت بواعثه أو أغراضه، ويقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.

وفى سياق متصل، تناولت عديد من الدراسات مفهوم "الشخصية الإرهابية" عبر تشخيص السمات الديموجرافية والنفسية المميزة للأشخاص الذين يقومون بالعمليات الإرهابية. ويؤكد هذا المفهوم على أن أولئك الأشخاص لا يبيتون النية للقيام بعمليات إرهابية، ولكنهم فى الغالب يبحثون عن حلول لمشكلاتهم المرتبطة بالفقر والبطالة بخاصة، ولذلك ينضمون إلى جماعات تتعهد لهم بتقديم تلك الحلول. وتدريجيًا تمهد لهم تلك الجماعات أن استخدام العنف هو الحل الأمثل لمشكلاتهم، الأمر الذي يجعلهم يتقبلون استخدام العنف والإرهاب. وخلصت إلى أن الإرهاب ينمو داخل مناخ من الخوف والريبة، ومن ثم اهتمت الشخصيات الإرهابية بتسويق الخوف بين المواطنين، عبر جرائمهم الإرهابية على أرض الواقع أولاً، وجذب وسائل الإعلام لتحقيق الانتشار ثانيًا.

وتعد دراسة ظاهرة الإرهاب أمرًا معقدا بالنسبة لباحثي الاتصال، حيث ينظر للإرهاب على أنه فعل اتصالي ولكن مضلل، يعيد فيه الإرهابيون إدارة علاقات القوة مع السلطة أو الحكومات أو المنظمات عبر الصدى الإعلامي الذي يتناول الفعل الإرهابي. وقد خلصت دراسات الباحثين إلى تقديم أربعة نماذج تفسر طبيعة العلاقة بين الإعلام واستراتيجيات الإرهاب: التجاهل التام من قبل الإرهابيين لوسائل الإعلام حيث يستهدفون إرهاب الضحايا بعيدًا عن جذب وسائل الإعلام، أو التجاهل النسبي من قبل الإرهابيين لوسائل الإعلام مع إدراكهم بأهميتها فى نشر رسائلهم، أو تبنى استراتيجية استهداف وسائل الإعلام ووعي الإرهابيين بأهمية المعالجة الإعلامية فى ترسيخ الفكر الإرهابي المتطرف، وتجنيد المتعاطفين مع أهدافها، وغرس الموالين لهم فى وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، أو الانشقاق التام والنظر للقائمين على وسائل الإعلام على أنهم "أعداء" يجب إرهابهم أو إعدامهم .   

ويشير الواقع إلى وعي الإرهابيين بمقولة عالم الاتصال الأمريكي مارشال ماكلوهان "بدون الإعلام لن يتواجد الإرهاب"، ومن ثم ميلهم نحو تبني النموذج الثالث في التعامل مع وسائل الإعلام وبخاصة المنبر المرئي الفعال"، حيث تسهم، تبعًا لهم، في تحقيق أهدافهم بصورة أكبر من الفعل الإرهابي ذاته.  وقد لفتت فكرة إدارة الإرهابيين "لحرب إعلامية" انتباه عديد من المتخصصين فى علم إدارة الأزمات، حيث أشاروا إلى استهداف وسائل الإعلام من قبل الجماعات الإرهابية بعد الضحايا مباشرة، اعتقادًا منهم بقوة تأثير الفعل الإرهابي فى حال نشره أو بثه، أو "قوة تأثير الصورة" وقدرتها على تحويل الإرهاب ومفاهيم الرعب والخوف إلى "ظواهر ملموسة" يمكن رؤيتها ومعايشتها. فالإعلام "يحي" الإرهاب المعاصر ويعطي الحياة له، ويجسد تبعًا لعديد من الباحثين "أوكسجين" الجماعات الإرهابية التى تستخدمه كتكتيك دعائي لها.

ويلقي استغلال "الصورة" من قبل الإرهابيين الضوء على دورها فى المجتمعات الحديثة، حيث تجسد الأحداث الإرهابية المنقولة عبر شاشات الفضائيات نموذجًا رائعًا لدور الصورة والعناصر الجاذبة للبصر أو فيما يعرف بثقافة "التوجه نحو الصورة" ودورها فى بث الذعر، واستمرارية تصنيع مرجعية للخوف وعودة الحدث الإرهابي مرة ثانية.  كما تؤكد الصور بشاعة الإرهاب، أو "الفعل الإرهابي"، ويبرهن الإرهاب عبر الصور الإعلامية على أفعاله ووجوده.  ومن هنا، يتحول الحدث الإرهابي إلى "حدث استعراضى"، أو "يبحث عن الاستعراض" اعتمادًا على مفهوم "تأثير الهالة"، وتسويق الرعب فى وسائل الإعلام من خلال المضامين السمعية أو البصرية المسجلة والمكتوبة، أو عبر إعلام المواطن، وكاميرات شهود العيان. ومن ثم، فالإرهاب كالمسرحية يمتلك سيناريو للهجمة الإرهابية الذي يعده منفذ الهجمة مسبقًا قبل التنفيذ، ويتضمن هذا السيناريو مشاهد وأدوار وشخصيات. ومع تطور وسائل الإتصال، أصبح مُتاحًا للإرهاب حزمة وسائل إعلامية لم تكن موجودة من قبل، الأمر الذي فرض على الإرهابيين أنفسهم أن يتطوروا ليواكبوا هذه الوسائل الجديدة، حتى أصبح الإرهابى يقضي أوقاتًا لكتابة سيناريو الحدث الإرهابى، بما يتضمنه من مشاهد وأدوار قبل تنفيذ الحدث نفسه، ليوفر عنصر الجذب لوسائل الإعلام وهو ما تهتم بدراسته نظرية مسرح الإرهاب أو الإرهاب كمسرح للأحداث.

وقد ساهم أيضًا ميل الوسائل الإعلامية نحو الإستعراض، فضلاً عن السياق التنافسي، إلى وقوعها "رهينة" في يد الإرهابيين.  ومالت المؤسسات الإعلامية نحو تهميش الأحداث الهامة، والتركيز على تغطية الحدث الإرهابي لكسب جمهور عريض، فضلاً عن اتخاذ ردود أفعال سريعة دون النظر بصورة نقدية للأحداث.  ويزداد الأمر سوءًا على مستوى وسائل الإعلام العربية التي عززت بصورة كبيرة أهداف الجماعات الإرهابية، نتيجة غياب مفهوم المهنية عن العمل الإعلامي والقائمين عليه.  فمن جهة، يتم تناول الأحداث الإرهابية من خلال الاستهلاك والتركيز السطحي على الحدث ذاته وامتصاصه أكثر من الظاهرة وسياقاتها وآليات التعامل معها، ووصف الفعل الإرهابي، وأسلحته، وتكنيكاته، وضحاياه، ومدى علاقته بسياق سياسي محدد، وردود أفعال السلطات.  ومن جهة أخرى، يتم وصف الحدث من خلال بعد تصوري أو رمزي يسجل الفعل الإرهابي في سياق خطاب إعلامي يمارس تأثير نفسي على الرأى العام، وبخاصة حول طريقة استيعاب وإدراك الحدث.  ومن هنا تكمن قوة وتكامل الفعل الإرهابي عبر ضعف وعدم احترافية وسائل الإعلام في معالجة أعمال العنف والإرهاب.

 ولعل فى الإعلام المصري، المرئي بخاصة، وخلال الفترة الممتدة عامي (2014-2015م)، مثال صارخ لطبيعة العلاقة التبادلية التي توجد بين المؤسسات الإعلامية والجماعات الإرهابية، حيث مثلت الفضائيات المصرية "متنفسًا صحيًا" للجماعات الإرهابية حين اتخذت شعار "معًا ضد الإرهاب"، فى محاولة للربط بين الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين، وسعيًا لإدارة الرأي العام نحو تبني الشعار والعمل به. وقد أحدث ذلك تأثيرًا مرتدًا، حيث انتشر مناخ الخوف والتهديد بين المواطنين، وانتقلت صورة مشوهة عن مصر فى الخارج وارتبطت بغياب مفاهيم الأمن، والأمان، والاستقرار، والسلم.  كما تأثر الاقتصاد الوطني المصري نتيجة تأثر القطاع السياحي، وتوترت العلاقة بين الناس والحكومات، واهتزت الثقة في قدرة الدولة على درء خطر الإرهابيين.

ومن ثم، تصبح ردود أفعال الوسائل الإعلامية ومعالجتها للأحداث الإرهابية ذات أهمية رئيسة في تسويق مناخ التهديد.  فالصور النمطية المنتشرة عبر وسائل الإعلام عن الجماعات الإرهابية، والربط بين الإرهاب وبعض التنظيمات الإسلامية، يسوق ثقافة الخوف بين المواطنين.  وهكذا يفكر الإرهابيون عند التحضير لأفعال إرهابية: تأثير الفعل الإرهابي على الرأى العام ووسائل الإعلام، حيث يستهدف الإرهابيون إدارة العقول وحث الإرادة السياسية على اتخاذ قرارات لصالح قضيتهم.  ومن ثم، تعد وسائل الإعلام فضاءً عامًا مستغلاً من قبل الإرهابيين لتسويق السيناريوهات الإرهابية المدبرة.

ومع تطور شبكة الإنترنت، حرصالإرهابيون على الحضور الإلكتروني واستغلال مزايا الشبكة الحديثةوالفضاء الرقمي عمومًا لتسويق أهدافهم. وانتشر مناخ الخوف بقوة داخل مختلف البلدان.   فقد أظهرت نتائج دراسات عديدة أن نجاح داعش في تحقيق أهدافها، قد اعتمد على تكتيكات تصوير فيديوهات تضم مشاهد القتل بوحشية، وقطع الرؤوس أمام العامة، والخطف والاغتصاب، وبيع النساء من الأقليات العرقية، وغيرها من المنصات الإعلامية الإلكترونية التى تظهر القوة الإرهابية في صورة جهاد مقدس مثالي وعادل وهادف، ويجب التعاطف معهم لإقامة الخلافة الإسلامية. وبذلك وفرت المواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت الفرصة للجماعات الإرهابية لنشر رسائلها كاملة للعالم دون فلترة أو حذف.  ومما يزيد الأمر سوءًا جدلية العلاقة بين الوسائل الرقمية والتقليدية، ومحاولة الأخيرة الحفاظ على بقائها عبر الاعتماد على المضامين المنتشرة في فضاء الشبكات الاجتماعية، ونقل الصور والأحداث ومشاهد العنف، بعيدًا عن الدور المسؤول المنوط بها.

ومع ضعف الأداء الإعلامي وبنيته التنظيمية والتغطيات الإعلامية محدودة المستوى وغير المهنية وقلة الكفاءات الإعلامية وابتعادها عن الدقة والموضوعية، يرتفع أداء الجماعات الإرهابية، من حيث القدرة على رصد وتحليل الخطاب الإعلامي ومن ثم اختراق المنظومة الإعلامية بما يحقق أهداف الإرهاب والإرهابيين.  وفي هذا الصدد، ظهر ما يعرف باسم "التوجه الإعلامي نحو الإرهاب"، حيث تقوم الجماعات الإرهابية بتخطيط وتنفيذ الهجمات التى يتوقع أن تجذب وسائل الإعلام والمواطنين.  وتختلف درجة التوجه الإعلامى نحو الحوادث الإرهابية باختلاف سمات تلك الحوادث، فكلما كانت أكثر درامية كلما زاد التوجه الإعلامى نحو تغطيتها.واستخدم في هذا السياق مفهوم "الانتباه القاتل"، الذي يقدم تفسيرًا لجاذبية وسائل الإعلام بالنسبة للإرهابيين.  فهى وسائل هائلة لنشر المعلومات، وتحقيق الشهرة، وجذب انتباه الجماهير نحو القضايا التى تتبناها جماعاتهم الإرهابية.

ومن ثم، أصبحت وسائل الإعلام عاملاً مساعدًا للإرهاب وليس داحضًا له، وطورت الجماعات الإرهابية عديدًا من الاستراتيجيات لجذب الوسائل الإعلامية مثل التركيز على خطف الصحفيين والإعلاميين، والحرص على وجود ضحايا من الإعلاميين في الهجمات الإرهابية، واستهداف الأفراد من ذوي المكانة حتي يهتم الإعلام بتغطية الحدث، وتنفيذ الهجمات الإرهابية في دول تتمتع بأهمية إخبارية مميزة، والاهتمام بإحداث مناخ درامي أو عاطفي للواقعة الإرهابية لتحظى بمزيد من الجاذبية الإعلامية، وتبليغ وسائل الإعلام بالهجمة الإرهابية والغرض من تنفيذها، وطرح استعداد بعض أعضائها لعقد لقاءات إعلامية ومقابلات تليفزيونية،  ونشر المقاطع المصورة أو إرسالها لوسائل الإعلام.

وبناء على ما تقدم، تسهم وسائل الإعلام إما فى نشر ثقافة الخوف وتدعيم العنف عبر نشر الجرائم الإرهابية باعتبارها أخبار ذات طابع درامي، أو خلق التعاطف والتفهم عبر إضفاء الشرعية من خلال معالجات غير موضوعية تقوم على التبرير في المقام الأول من قبل الإرهابيين لدوافعهم وأسبابهم وليس لأعمالهم. وييبدو الموقف وكأن هناك اتفاق ضمني وعلاقة "زوجية" وتكافلية متبادلة المنفعة بين الوسائل الإعلامية والإرهاب لتحقيق المصالح الخاصة لكلا الطرفين. فالإرهاب يقدم للإعلام أخبارًا مثيرة وهجمات إرهابية درامية تحقق أرباحًا ونسبة مشاهدة جماهيرية عالية، فضلاً عن إنتاج المعلومة ومسايرة الأحداث، والإعلام هو السلاح الذي يستخدمه الإرهابيون لنشر وتوجيه رسائلهم إلى قاعدة جماهيرية عريضة لتحقيق الانتشار.  

وقد مال المنظرون في المجال العام الإعلامي نحو توصيف الدور الإعلامي في إطار نموذجين، حيث اقترح البعض منهم نموذج الإعلام المذنب الذي يفترض أن تغطية وسائل الإعلام للحوادث الإرهابية قد تسهم في نشر أهداف ورسائل الإرهابيين، ويدفعهم نحو مزيد من الهجمات وأعمال العنف والإرهاب.  وبذلك يرى هذا النموذج وسائل الإعلام كوسيط لتسويق الأفكار والعقائد المتطرفة، وكمسبب للهجمات الإرهابية.  وفى المقابل، يفترض النموذج الثاني أن وسائل الإعلام "ضحية للإرهاب".

وتطرح معالجة الوسائل الإعلامية للعنف الإرهابي إشكاليات عدة تمس العلاقة بين الإعلام والديمقراطية، والإعلام ونمط الملكية، وسياسات وسائل الإعلام، والمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاتصالية والإعلامية، والتنظيم القانوني والذاتي للوسائل، ومعايير المهنية والمصداقية والشفافية والمساءلة. وانتشر مفهوم الحوكمة الإعلامية في الفضاء المجتمعي كأحد أهم آليات ترشيد أداء المؤسسات الاتصالية.

وقد انبثق مصطلح الحوكمة الإعلامية من عدة مفاهيم، حيث ارتبط بالحكم الرشيدالذي يشير وفقًا للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى ممارسة السلطة السياسية أعمالها ضمن معايير محددة لتحقيق التنمية المستدامة، وتنمية موارد الدولة القصيرة والطويلة الأمد، وتوفير النزاهة والمساءلة، واحترام المصلحة العامة وخدمتها. وتعد وسائل الإعلام من القطاعات الفاعلة والمؤثرة على الحكم الرشيد من خلال أدوارها المختلفة سواء المتعلقة بنقل المعلومات وتثقيف وتوعية المواطنين أو توفير فضاء عاما للنقاش والحوار، أو من خلال دورها كمراقب على السلطة.  ومن ثم، ارتبط مفهوم الحوكمة الإعلامية بعملية التنظيم الذاتي للوسيلة وارتباطها بمعايير المسائلة والشفافية، ثم اتسع ليركز على القواعد المجتمعية التي تراعي المجتمع بصورة أكبر من القواعد التنظيمية التي تركز على الوسيلة. ولذلك، ترتبط الحوكمة الإعلامية بمفهوم المسؤولية الإجتماعية للوسيلة من حيث وجود معالجات إعلامية تتسم بالدقة والموضوعية والمصداقية والبعد عن الأهواء الشخصية للقائم بالاتصال، والتوازن في عرض كافة وجهات النظر وعدم التحيز لفئة دون أخرى، مع ضرورة وجود تنوع في المحتوى المنشور، وفي المصادر، وتعددية في الوسائل الإعلامية التي تنقل الحدث، وتنوع في أنماط الملكية مما يعزز دور وسائل الإعلام في القيام بمسؤوليتها تجاه المجتمع بكفاءة وفعالية.

ومن هنا، فإن التزام الإنتاج الإعلامي بالقيم والأخلاقيات، والأصول المهنية السليمة، والموضوعية، والمصداقية عند تغطية الجرائم الإرهابية هم عوامل رئيسة فى مكافحة الإرهاب ودحضه. فالحل لا يرتبط بحجب التغطية، أو تهميش نشر الأحداث الإرهابية وإنما بوجود إعلام مهني واستقصائي يهتم بتحقيق الصالح المجتمعي في ظل مفاهيم بناء الدولة والأمن والاستقرار المجتمعي.  ويستلزم الأمر تشييد مؤسسة لتدريب العاملين فى المؤسسات الإعلامية على أساسيات العمل الإعلامي واحترامه، وتعزيز معايير الحوكمة الإعلامية بينهم، وتفعيل مفهوم المحاسبة، والالتزام بالمعايير الأخلاقية فى أوقات النزاعات، وتطبيق قيمة "نقد الذات" كمعيار أساسي للحوكمة الإعلامية في الوطن العربي، وكخطوة أساسية نحو بناء دول حديثة يقوم إعلامها على المهنية والحفاظ على صالح الوطن والمواطن.

في هذا السياق، يمكن تحديد دور وسائل الإعلام فى مكافحة الإرهاب وتحقييق ما يعرف بالأمن الإعلامي عبر التعامل بعمق ومهنية مع الظاهرة الإرهابية وليس الحدث الإرهابي في إطار مفهوم الدور الحر والمسؤول للإعلام، والالتزام بأخلاقيات المهنة الإعلامية. ويمكن للإعلام توظيف عدة استراتيجيات في هذا السياق مثل التركيز على تغطية الهجمات الإرهابية الجديدة، وعدم ربط الهجمة الحالية بالهجمات الأخرى القديمة التي قامت بها الجماعات الإرهابية لمنع الانتشار عبر التكرار، فضلاً عن عدم إضفاء طابع عاطفى أو مثير عند تغطية الأنشطة الإرهابية، والتركيز على تداعيات الأحداث الإرهابية على مصلحة الفرد والدولة، وتوضيح أثر الممارسات الإرهابية على السلم والأمن المجتمعي، وتعزيز المشاركة والتعاون المشترك بين المواطنين ومؤسسات الدولة الاتصالية والإعلامية لمواجهة أي أعمال إرهابية تستهدف الوطن.  كما يستلزم الأمر تنسيق السياسات الإعلامية بين مختلف المؤسسات الإعلامية فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالإرهاب والأمن القومي، وكذلك بين الوسائل الإعلامية والمؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب.

مقالات لنفس الكاتب