array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 118

خطورته في العمل بالخفاء وفكره غير المألوف لدى الجماعات الإرهابية داعش يعتمد على 4 مكونات ولن يختفي إلا بمعادلة سياسية

الخميس، 30 آذار/مارس 2017

هناك حديث وجدال واسع يدور حول موضوع مستقبل تنظيم داعش الإرهابي بعد الحملة العسكرية الدولية لإنهاء سيطرته على مدن أساسية في العراق وسوريا . والسؤال الأساسي المطروح هو: ما هو مصير تنظيم داعش في مرحلة ما بعد تحرير مدينتي الموصل والرقة من قبضة التنظيم؟ وماذا سيبقى من التنظيم؟

ولفهم طبيعة تنظيم داعش لابد من العودة والبحث عن جذور التنظيم بشكل مختصر. فقبل عام 2003م، عام الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، لم يكن هناك شخص في هذا الكون الواسع سمع أو علم بوجود تنظيم إرهابي يدعى داعش (أو الدول الإسلامية في العراق والشام) ومصطلح "داعش" لم يكن قد دخل قواميس اللغات العالمية. لذا فإن تاريخ داعش هو تاريخ قصير نسبيا في عمر التنظيمات السياسية والعسكرية، وجذوره التاريخية تبدو شبه معدومة، إذا هل تنظيم داعش، تنظيم بدون جذور أو تاريخ؟، وإذا كان كذلك فالسؤال المنطقي يقول كيف تمكن تنظيم دون جذور أو تاريخي وأن يصبح أهم وأكبر تنظيم يشغل العالم خلال فترة زمنية قصيرة، لا تتجاوز العقد الزمني الواحد؟

يعتقد أن أصول تنظيم داعش بدأت بحفنه من أعضاء تنظيم القاعدة المتواجدين في أفغانستان خلال عام 2000م، أو قبله بقليل، لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، كانت هذه المجموعة الصغيرة تضم عناصر مشرقية (من دول المشرق العربي)، أي من خارج "العوائل" التقليدية التي كانت تتحكم بقيادة تنظيم القاعدة (العائلة السعودية، والعائلة المصرية)، ومن خارج عوائل الكادر المقاتل (العائلة اليمنية والعائلة الباكستانية). المجموعة المشرقية (من الأردن، فلسطين، العراق، سوريا). هذه المجموعة الصغيرة كانت تمثل حركة معارضة ضمن تنظيم القاعدة تبنت توجيه الانتقادات المتكررة لقيادة التنظيم العليا المتمثلة بأسامة بن لادن وأيمن الظواهري والأخرين، بخصوص قضايا متعددة عقائدية وتنظيمية.

وبعد قيام التنظيم بتنفيذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ضد الولايات المتحدة تحولت المعارضة الصامتة إلى حركة تمرد وانشقاق عن التنظيم الأم قادها الأصولي الأردني أبو مصعب الزرقاوي (أحمد فاضل نزال الخلايلة). فقد رأى الزرقاوي ورفاقه المشرقيون أن قيادة التنظيم العليا لا تمتلك الجرأة للاعتراف بمسؤولية التنظيم عن عملية الحادي عشر من سبتمبر. وكان الخلاف يدور حول قضايا ونقاط متعددة، أهمها جدال المجموعة المنشقة حول الأسئلة التالية:

إذا كان العمل جهاديا صحيحا بناء ًعلى قواعد الشرع، لماذا لا تعترف قيادة التنظيم بالمسؤولية، وإذا كان خاطئا فلماذا تم تنفيذ العملية؟ ولماذا جرت دون استشارة؟

لماذا قررت قيادة التنظيم إصدار توجيه لعناصر التنظيم بالاختفاء والانتشار، وعدم مقاومة الغزو الأمريكي لأفغانستان والتخلي عن جهاد العدو الغازي.

لماذا قيادة التنظيم تخلت عن مبدأ الجهاد، وانغمست بممارسة السلوك السياسي المراوغ وحماية الذات، وإرضاء أطراف إقليمية ودولية.   

قرر أسامة بن لادن التخلص من ضغوط هذه المجموعة المتمردة ـ وذلك بمساعدتها على تشكيل تنظيم خاص بها خارج إطار تنظيم القاعدة الأم، وتشجيعها على الاستقرار بعيدًا عن مركز قيادة التنظيم في قندهار، لذا تم اختيار مدينة هرات القريبة من الحدود الأفغانية – الإيرانية لتكون مقرًا لاستقرار المجموعة المتمردة. بعد الإقامة في هرات وتأسيس نواة تنظيم متطرف جديد، مع تقدم القوات الأمريكية وحلفائها نحو هرات أجبر المجموعة على ترك معسكر هرات، واضطر أفراد الجماعة إلى الهجرة إلى داخل الحدود الإيرانية، ولكن ضغوط المخابرات الإيرانية، وتقييد حرية عناصر المجموعة اضطرتهم إلى تفكيك المجموعة، وعدم العمل من داخل الأراضي الإيرانية.

مع بداية عام 2003م، وتراكم الأدلة على حتمية وقرب حدوث الغزو الأمريكي للعراق هاجر بعض عناصر المجموعة إلى كردستان العراق، واستقروا في مدينة بيارة داخل محافظة السليمانية العراقية تحت حماية الجماعة الإسلامية في كردستان خاصة "جماعة أنصار الإسلام" الكردية التي رحبت بهم ووفرت المأوى. في شهر فبراير عام 2003م، أي قبل أسابيع من بداية الهجوم الأمريكي على العراق في 19 مارس 2003م، دخلت مجموعة صغيرة لا يتجاوز عددهم سبعة عناصر بسلاحهم الشخصي مدينة بغداد واستقروا في أحد مساجد المدينة انتظار للتطورات القادمة. كان أبو مصعب الزرقاوي أحدهم، بجانب عدد من رفاقه العراقيين والأردنيين. مع بداية الغزو الأمريكي للعراق وسقوط بغداد يوم 9 أبريل 2003م، قررت "مجموعة هرات" تجنيد الشباب في مساجد الأحياء السنية من بغداد لبدأ حركة المقاومة المسلحة لقوات الاحتلال الأمريكي. ويعتقد أن أول جندي أمريكي يقتل في العراق سقط في بداية شهر مايو 2003م، على يد قناص من هذه المجموعة. 

تنظيم "داعش" لم يظهر من العدم، فهو استمرارية لتنظيم المجموعة التي انشقت وعارضت تنظيم القاعدة الأم في أفغانستان، والتي عرفت لاحقا "بتنظيم هرات". ومنذ دخول المجموعة الصغيرة (النواة) إلى بغداد قبل بداية الغزو الأمريكي بأسابيع قليلة، بعد استقرارها القصير سابقًا، ثم تنقلها بين هرات في أفغانستان، ثم إيران، ثم كردستان العراق، تمكنت من بناء الأسس لتنظيم قوي البنية وكبير العدد.

أول اسم رسمي تبناه التنظيم، واستخدمه في إصدار بياناته كان "تنظيم التوحيد والجهاد" حيث يعتقد أن هذا الاسم ظهر لأول مره في أبريل 2003م، أي بعد سقوط بغداد مباشرة بيد القوات الأمريكية المحتلة. وفي أكتوبر 2004م، استبدل اسم التنظيم إلى كنية جديدة وهي "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" بعد إعادة العلاقات، ولو بشكل رمزي، مع تنظيم القاعدة الأم في أفغانستان. وفي يناير 2006م، ونتيجة لتوسع حجم ودور التنظيم، وإعادة هيكليته، تم استبدال الاسم إلى اسم جديد هو "مجلس شورى المجاهدين في العراق" ليكون مظلة جامعة لجميع حركات مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق.

وبعد مرور عشرة أشهر، وبسبب تمكن التنظيم من فرض السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، وعلى عدد من المدن المهمة في غرب وشمال العراق، برزت أحلام تأسيس دولة إسلامية تحت قيادة التنظيم، لذا في أكتوبر 2006م، تبنى التنظيم اسمًا وصفة جديدة تحت مسمى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق". وبعد أحداث الربيع العربي ومرور عامين على انطلاق الثورة السورية، ونمو طموحات التنظيم باستغلال الظروف الجديدة بالتمدد خارج العراق تم في أبريل 2013م، استبدال اسم التنظيم إلى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام". وكان قيام وسائل الإعلام العربية والدولية باختصار الاسم الجديد إلى "داعش" والذي أصبح شائع الاستخدام قد أزعج قيادة التنظيم، بجانب إعلان تنظيمات إرهابية متعددة في أرجاء العالم العربي ولائها وبيعتها للتنظيم (أي توسعة الجغرافي الكبير)، لذا اتخذ قرار في حزيران 2015م، بتغير اسم التنظيم إلى "تنظيم الدولة الإسلامية".

وتغيير اسم التنظيم لم يكن الأمر الوحيد، فنتيجة للجهود الأمريكية في محاربة التنظيم، ثم جهود الحكومة العراقية التي نشأت خلال وبعد الاحتلال الأمريكي للبلاد، فقد خسر التنظيم قياداته المؤسسة بشكل تدريجي، وتم استبدال قيادة التنظيم العليا كلما اختفت القيادة السابقة. فقد شغل أبو مصعب الزرقاوي موقع القيادة منذ تأسيس التنظيم حتى مقتلة بغارة جوية أمريكية في حزيران 2006م. وتولى القيادة من بعده أبو عمر البغدادي، ويعاونه القائد العسكري أبو أيوب المصري حتى مقتلهم في أبريل 2010م، ومنذ أبريل 2010م، تولى قائد التنظيم الحالي أبو بكر البغدادي زمام قيادة التنظيم.   

الحقيقة الماثلة أمامنا أن التنظيم استطاع البقاء والعمل منذ بدأية نشاطه في الربع الأول من عام 2003 م، رغم تبدل اسم التنظيم واستبدال قياداته العليا. ورغم الجهود المحلية والإقليمية والدولية في محاربته، ومحاولات القضاء عليه.

 مستقبل التنظيم إلى أين؟

مستقبل تنظيم داعش يكمن في هيكلية التنظيم المرنة والقابلة للتكيف مع تبدل الظروف وتغييرات البيئة التي تحيط بالتنظيم. فالتنظيم له أربعة مكونات أساسية، وهي:

المكون الأول: مكون تنظيم إرهابي يعمل في الخفاء، ويمارس النشاطات الإرهابية بجميع أنواعها وأصنافها، ويقوم بتنفيذ العمليات الإرهابية داخل العراق وخارجة وعلى مستوى العالم اليوم.

المكون الثاني: تنظيم عسكري عالي الكفاءة، كبير العدد، ومقسم لوحدات ميدانية، ويمتلك معدات وأسلحة متوسطة وثقيلة، ويقوم بمهام احتلال الأراضي ومسكها، والسيطرة على المدن والحواضر. والاشتباك بعمليات عسكرية كبيرة مع جيوش نظامية.

المكون الثالث: مكون "الدولة" الإسلامية التي تمتلك إدارات متخصصة تشرف على إدارة شؤون المدن التي تخضع لسيطرتها، والتعامل مع السكان المدنيين والسيطرة على مجرى حياتهم اليومية.

المكون الرابع: مكون فكري متميز، يخالف المكون الفكري للتنظيمات المتطرفة الأخرى (وبالتحديد يخالف المكون الفكري لتنظيم القاعدة). ويقوم على أسس غير مألوفة سابقًا في الفكر المتطرف مثل الاستخدام المفرط للعنف، تأسيس قواعد الصراع الطائفي، تكفير الأقليات الدينية.... وغيرها من المبادئ المتطرفة التي لم يتبناها أي تنظيم متطرف سابق.

في تقديرنا أن الجهود الدولية التي تتبلور الآن "لمحو التنظيم من الوجود"، بوسائل عسكرية وأمنية عالية الكفاءة، وواسعه الانتشار، ومتعددة الأطراف، ستحقق بعض النتائج والنجاحات في مهمتها وأهدافها في محاربة تنظيم داعش.

هذه الجهود قد تنجح وتثمر في القضاء على المكون الثاني والمكون الثالث، من مكونات التنظيم الأساسية، أي أنها ستنجح في القضاء على مكون القوة العسكرية النظامية التي يمتلكها التنظيم اليوم، والقضاء على هيكلية وكيان الدولة التي أقامها التنظيم في المدن والأراضي التي تخضع لسيطرته (مثل مدينة الموصل، مدينة الرقة، وبعض المدن الأخرى في العراق وسوريا). 

ولكن القضاء على المكون الأول والمكون الرابع، من مكونات التنظيم الأساسية سيشكل مهمة صعبة، وطويلة المدى. فتنظيم داعش بمكونه الأساسي كمنظمة إرهابية سيشهد توسعًا لتعويض خسارة المكون الثاني والثالث (القوة العسكرية النظامية، وكيان الدولة). لذا فإن التنظيم سيركز على دعم المكون الإرهابي في هيكليته، ومحاولة تفعيل نشاط هذا المكون على المستوى الدولي ليشمل جغرافية واسعة تتخطى منطقة الشرق الأوسط، وتتخطى مجال النشاط الإرهابي الراهن رغم سعته.

أما المكون الأساسي الرابع، وهو المكون الفكري، فهناك حاجة ماسة لجهود طويلة من أجل القضاء عليه. وإيجاد القوة الفكرية ذات البعد المنطقي والعقلاني التي تتمكن من تعرية المكون الفكري الداعشي، واحتواء أثاره السلبية على ذهنية جيل الشباب المسلم الذي تمكن التنظيم من التغرير به. وهذا الهدف يتطلب استراتيجية فكرية طويلة المدى، ومتعددة الوسائل.

أخيرًا القضاء على تنظيم داعش، أو حتى مجرد "احتواء" وتحجيم نشاط التنظيم، لن يتم بمجرد حشد الجهود الأمنية والعسكرية مهما عظم تأثيرها. لذا يجب الإدراك بوجود حاجة ماسة لتغير الواقع السياسي في بعض الدول التي تمكن التنظيم من تأسيس قواعده فيها، واستغلال أزماتها السياسية. فدون تغيير الواقع السياسي المأساوي في العراق وسوريا، ووضع حد للتدخلات الإيرانية في شؤون هذين البلدين العربيين، وإنهاء سياسة الاستثمار في الورقة الطائفية، وجهود قتل عنصر الانتماء الوطني والقومي لدي المواطن العربي، فإن اقتصار التعامل مع الموقف بوسائل عسكرية وأمنية لن يجلب علاجًا ناجعًا للأزمة قابل للديمومة، هذا إن تم إهمال البعد السياسي للأزمة والصراع.

داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى تبحث عن بيئة سياسية حاضنة تمكنها من البقاء والاستمرار والتوسع . استمرار البيئة السياسية السلبية، وسياسة الإقصاء والعزل والاضطهاد الطائفي المبرمج، والتسلط والنفوذ الخارجي، وتفشي الفساد وسرقة المال العام، والتضحية بالمصالح الوطنية والقومية وتهديد الأمن القومي العربي، وسيطرة المليشيات الطائفية المسلحة المدعومة من الخارج على زمام السلطة الحقيقية، جميعها ظواهر قائمة اليوم ساهمت بشكل مباشر بتعزيز دور وقدرات تنظيم داعش ومنحته فرصة البقاء والازدهار. لذا فإن أنصاف الحلول لن تحقق هدفنا الأسمى بالقضاء على تنظيم داعش الإرهابي. 

مجلة آراء حول الخليج