; logged out
الرئيسية / التحولات الاقتصادية.. والحلول المبتكرة

العدد 119

التحولات الاقتصادية.. والحلول المبتكرة

الأحد، 07 أيار 2017

تعايشت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العامين الأخيرين مع تبعات انخفاض أسعار النفط، كما تعايشت من قبل في فترات سابقة مع مثل هذا الظرف عندما انخفض فيها سعر النفط لمستويات متدنية أكثر من المرحلة الحالية قبل أن تعاود ارتفاعها  مرة أخرى ولمستويات أكثر من ذي قبل، لكن هناك فرق بين الانخفاض الحالي والسابق. دول مجلس التعاون تعاملت مع تبعات الأزمة الحالية بحلول اختلفت عن الحلول القديمة، فقد اعتبرت في السابق تدني أسعار هذه السلعة الرئيسية للاقتصادات الخليجية على أنها أزمة طارئة، بينما اعتبرتها في المرحلة الحالية أزمة ممتدة، بل تعتبر العديد من دوائر صناعة القرار والمراكز البحثية أن العصر الذهبي للنفط قد انتهى ولن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه قبل عام 2015م، وذلك بناءً على أدلة وبراهين وحسابات واقعية، لذلك اتجهت دول مجلس التعاون إلى رسم سياسات اقتصادية طويلة الأمد لمواجهة (مرحلة ما بعد النفط)، وتبنت حلولا واقعية مدروسة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا أفل نجم النفط وبدأ التعامل مع مرحله ما بعد مرحلته التي امتدت لحوالي نصف قرن كان فيها عصب الاقتصاد الخليجي ثم بناء استراتيجيات اقتصادية لا يمثل فيها النفط عصب الاقتصاد والممول الرئيسي للموازنات الخليجية كما كان في السابق، والإجابة على ذلك معروفة لدى الدول المنتجة والمصدرة للنفط والمستهلكة معًا، وتتمثل فيما يلي:

**النفط قابل للنضوب ومخزونه يتناقص مع استمرار الإنتاج والاستهلاك حيث أن الاحتياطات معروفة تقريبًا وتخضع للقياس والتقدير، وغير متجددة بصورة تتوازى مع الإنتاج.

**حملت السنوات الأخيرة بدائل للنفط الأحفوري التقليدي ومنها النفط الصخري والطاقة الجديدة والمتجددة بكل أنواعها.

**دخول منتجون جدد أو عودة إنتاج بعض الدول  إلى سوق النفط بعد أن تعطل إنتاجها لسنوات كثيرة لأسباب الحروب والأزمات أو بسبب العقوبات الدولية.

**ضعف معدلات النمو في بعض الدول المستهلكة للنفط نتيجة للظروف الاقتصادية العالمية غير المحفزة على النمو والإنتاج ومن ثم قلة استهلاك الطاقة.

**توجد نوايا أو خطط استهداف سياسية من بعض الدول المؤثرة في العالم لتطويق الدول المنتجة والمصدرة للنفط لإضعاف موقفها الاقتصادي من خلال التأثير على أسعار النفط.

لذلك أدركت دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للثروة ؛ حقيقة هذه التحولات الاقتصادية، ومن ثم اتجهت إلى بناء خطط اقتصادية بعيدة المدى تعتمد على توسيع القاعدة الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل، وبالفعل حققت الكثير من دول المجلس نجاحات مشهودة في تنويع مصادر الدخل من خلال تنفيذ هذه السياسات الناجحة ؛ تمثلت في التوظيف  الأمثل لاستثماراتها في الداخل والخارج لتحقيق العوائد المجزية سواء في المشاريع الإنتاجية بمختلف أنواعها صناعية منها أو زراعية، وأيضًا في قطاعات الخدمات، والسياحة، أو غير ذلك، كما عززت الصناديق السيادية لهذه الدول  دورها في تمويل الاستثمارات المتنوعة، كما  تحركت بعض الدول الخليجية بخطوات جادة من أجل اللحاق بهذا الركب فاتجهت إلى تحسين البيئة التشريعية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، بشكل أكثر فاعلية مما يساهم بصورة أفضل في تحقيق التنمية، وكذلك دعم القطاع الخاص وتطويره ودفعه إلى الأمام، بل خصخصة المشروعات الكبرى بما يزيد من دور القطاع الخاص وفاعليته.

كما بدأت كافة دول  مجلس التعاون في وضع استراتيجيات ورؤى بعيدة المدى يصل مداها  إلى عام 2030 و2040 من أجل وضع الحلول العملية للنهوض بقطاع الاقتصاد وكل القطاعات التابعة له حتى يتسنى الترشيد في الإنفاق وإيقاف الهدر ووضع حلول للإصلاح الضريبي وزيادة فرص توطين الوظائف، والتوسع في قطاع السياحة والترفيه، ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة .

ومع هذه التحولات الاقتصادية الجادة لخوض غمار مرحلة ما بعد النفط والتعامل مع تداعياتها  وإيجاد اقتصاد قائم على أسس سليمة ومستقرة وغير مرتبطة بمؤثرات خارجية، أو غير ريعية ومعتمدة على سعر سلعة محددة،  والتعامل مع آليات  الاقتصاد الحديث الذي يعتمد على مرتكزات ثابتة تستطيع من خلالها المحافظة على معدلات النمو المرتفعة وكذلك على قدر مناسب من مستوى الرفاهية التي اعتادت عليها المجتمعات الخليجية، والدخول إلى المنافسة الدولية والإقليمية بخطى ثابتة وواثقة، ومن أجل المضي في ذلك تتطلب المرحلة المقبلة العديد من الضوابط التي من شأنها ترسيخ مفهوم ومردود الاقتصاد الحديث بدلا من الاقتصاد الريعي ويتمثل ذلك فيما يلي:

**توطين اقتصادات المعرفة وفقا لخطط مرحلية واضحة المعالم والأهداف.

**توسيع الشراكات الاقتصادية مع الدول ذات التجارب وكذلك دول الاقتصادات الناشئة، والانضمام إلى التكتلات الاقتصادية الناجحة.

**الاستفادة من هذه الشراكات في توطين التكنولوجيا المتطورة، وفي تأهيل العمالة الوطنية الخليجية، على أن تعتمد هذه الشراكات على تبادل المنافع , وألا تكون دول الخليج مجرد مصدرة للنفط فقط.

**الاستفادة من المزايا النسبية لدول مجلس التعاون الخليجي والعمل على تطويرها وتفعيلها.

**تطبيق التكامل الخليجي في الجانب الاقتصادي والاستفادة من المزايا الجماعية  لهذه الدول، والإسراع في  الدخول إلى  مرحلة تكامل اقتصادي حقيقي لا تنافس،  خاصة أن هناك الكثير من التماثل في الفرص والمقومات وأيضًا في الاحتياجات والمتطلبات.

**السعي حثيثًا إلى التحول من مرحلة (التعاون) إلى مرحلة (الاتحاد) وأن يكون ذلك مصحوبًا بتفعيل قرارات اجتماعات القمة لدول مجلس التعاون الخاصة بتوحيد العملة، والسوق الخليجية المشتركة، وكل ما له علاقة بإزالة الحواجز والقيود على التكامل الاقتصادي والتبادل التجاري خاصة أن الأخير يسير ببطء شديد.

** دعم القطاع الخاص ومنحه الحوافز التي تدفعه إلى زيادة استثماراته وتعزيز دوره في النهوض بالتنمية.

**زيادة الاستثمارات الخليجية في قطاع الصناعات بمختلف أنواعها، سواء الثقيلة أو التحويلية، أو الصناعات العسكرية لإيجاد قاعدة صناعية خليجية تستطيع المنافسة في الأسواق العالمية وتفتح الباب لتوظيف العمالة الوطنية.

** دعم قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وكذلك احتضان مشروعات الأسر المنتجة وتحفيزها وتطويرها ومساندتها بتقديم الخبرات ودراسات الجدوى.

** توطين التعليم التطبيقي الحديث والمتطور بدلاً من التعليم النظري، وإعادة تأهيل الخريجين بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، والتوسع في التدريب على رأس العمل.

في النهاية على دول مجلس التعاون الخليجي الاستعداد بسلة متنوعة للاقتصاد الحديث حتى تحقق معدلات التنمية المنشودة ولتأمين الاقتصاد من الهزات الاقتصادية الموجعة كتلك التي تعرضت لها العديد من دول العالم مع حلول الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت عام 2008م، وكانت لها نتائج كارثية على اقتصادات العديد من دول العالم. 

مقالات لنفس الكاتب