; logged out
الرئيسية / الأزمة يمكن أن تتفاقم ونكتشف مشروعات الفيل الأبيض .. والحلول في خطط التنمية الاقتصاد والمجتمع في الخليج بعد العصر النفطي:صعوبات الانتقال من مرحلة الوفرة إلى مرحلة الترشيد!

العدد 119

الأزمة يمكن أن تتفاقم ونكتشف مشروعات الفيل الأبيض .. والحلول في خطط التنمية الاقتصاد والمجتمع في الخليج بعد العصر النفطي:صعوبات الانتقال من مرحلة الوفرة إلى مرحلة الترشيد!

الأحد، 07 أيار 2017

كثرت في المرحلة الأخيرة الكتابات و الندوات الخاصة بالنظر إلى مرحلة ( ما بعد الطفرة النفطية الثانية) في دول الخليج أو ( انحسار عائدات النفط) وأثر ذلك السلبي على مجتمعات الخليج العربي اقتصاديًا واجتماعيًا، وهو هاجس بدأ يشعر به كثيرون في المنطقة ( دول مجلس التعاون) وخارجها. كما بدأت التباشير الأولى لتأثيراته تلمس من قبل المواطن العادي والمقيم، من خلال تخفيض في المرتبات و الميزانيات العامة وتراجع الفرص المتاحة للاستثمار. النفط واستخراجه في المنطقة فتح مسارًا مختلفًا منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن، اختلف الوضع الاقتصادي الاجتماعي كليًا عما كان سائدًا في المنطقة لقرون ،من مجتمع يعيش تقريبًا على الكفاف، إلى مجتمع الوفرة، واعتمدت الدولة ( في الخليج ) على هذا المصدر كليًا لعقود ، وخلق هذا الاعتماد الكثير من الممارسات و التوقعات، الاقتصادية والاجتماعية، بل وفرز قيم لها علاقة بالاستهلاك ، أصبحت تلك القيم والممارسات للبعض تحصيل حاصل، حتى ظهر الاحتمال الجدي لتناقص المداخيل من النفط و(تراجع أسعاره ا)واعتراف بعض القياديين والرسميين بذلك الاحتمال، وتأثير ذلك على مجمل خطط التنمية ، ونجد أن هناك شيء من الخرافة( حول أسعار النفط)  استمرت لفترة و تحكمت في عقول كثيرين وهي أن ( أسعار النفط تهبط لترتفع، وتتراجع لتعود إلى الصعود من جديد!) وهي خرافة أكد احتمالها تاريخ من الانخفاض والارتفاع في الخمس عقود الماضية، إلا أن الدراسات الجادة اليوم ترجح أن يبقى سعر برميل النفط في الخليج في حدود ( أو يراوح حول) خمسون دولار للبرميل في المتوسط، وإن ارتفع فإنه سوف يلامس بين 60 إلى 70 دولار لا أكثر ،تلك الحقيقة  سوف تكون بعيدة تمامًا عن الأسعار التي وصل إليها سعر النفط في سنوات قليلة ماضية، حيث لامس المائة والخمسون دولار للبرميل . وعلى إثرها فإن دول الخليج (من منهم من ينتج النفط بشكل وافر مثل السعودية والكويت و الإمارات وقطر(بجانب الغاز) أو من يعتمد على شيء منه و على مساعدات الأخوة في الجوار  من أصحاب المداخيل النفطية أو من دونها)، كلا المجموعتين اتجها إلى إنفاق كبير سواء في الميزانيات التي لها علاقة بالباب الأول ( الوظائف والأجور  ) للمواطنين أو غيرهم، أو ميزانيات التشغيل ( الصرف على الخدمات المختلفة والبنية التحية)  و كذلك على مشروعات كبرى رؤي أن المجتمع والدولة بحاجة إليها . ومن جراء تلك السياسيات التي تسمى عادة سياسة (دولة الرفاه) بالمعنى العام، تشكلت ممارسات وبنيت سلوكيات وراجت توقعات مفادها أن(القائم دائم) و أن كل تلك (الامتيازات) الاقتصادية و الخدمية التي وفرها سعر النفط المرتفع والسياسات التي بنيت عليه للمواطن الخليجي ، يمكن أن تستمر، دون التفكير في اليوم التالي.

اليوم التالي:  لم يكن هناك نقص أو قلة في الدراسات التي كانت تحذر من ( اليوم التالي) أي تراجع أسعار النفط أو إيجاد بدائل للطاقة، أو اكتشاف احتياطيات غنية في أماكن أخرى من العالم، تقلل من اعتماد السوق العالمي على نفط الخليج ولكن الأمر لم يكن يؤخذ بالجدية اللازمة لعدد من الأسباب، أولا الخرافة المعتمدة على تاريخية صعود الأسعار وانحسارها من ثم صعودها مرة أخرى، كما بينا سابقًا ،والثانية لم يكن قد توفر ( القرار) لشد الأحزمة ، لأن رأس المال السياسي لم يكن  متوفرًا أو قادرًا بشكل عام أو راغبا في دول الخليج أن يتحمل سياسات مالية واقتصادية ترشيدية، قد  تزيد من مخاطر ( الصدمة) في المجتمع الممكن حدوثها عندما  تتخذ تلك القرارات ،و قد تنتج توترًا اجتماعيًا ما لا قبل للدولة، وكان الإرجاء هو سيد الموقف ،فأصبح هذا القرار (الترشيد) غائب حتى الساعة بشكله المرجو علميًا ! لقد قررت الدراسات الكثيرة أن حقبة ما بعد الاعتماد على النفط قادمة، حتى لو بدا أن هناك أمل في إطالة زمن تأخيرها، فهي إن لم تأت عاجلة في مكان، فهي بالتأكيد قادمة أجلاً في مكان آخر ،كما شكلت محاولات تنويع مصادر الدخل في الدولة الخليجية النفطية معضلة، سياسية\ اقتصادية، وإن كانت الفكرة جذابة، إلا أنها صعبة التنفيذ في الواقع العملي، بسبب محدودية الميزات النسبية المتوفرة للخيارات الاقتصادية الأخرى في دول الخليج ،وقدرتها المحدودة ( كدول منفردة) على المنافسة في الساحة العالمية في الكثير من النشاطات الاقتصادية، وكذلك بسبب موقف (ثقافي) عام يمنع هذه المجتمعات اليوم من الدخول في اقتصاد خدمات حيوي .كما أن التحول إلى الاقتصاد المعرفي، وإن يكن نظريًا متاح، إلا أن عدم كفاءة التعليم من حيث  المعرفة  والعمق تقلل من الاستفادة من هذا العنصر ،لهذه الأسباب فإن البعض يزعم  ويروج إلى أن الدولة الخليجية الحديثة ( انتقلت من فشل نسبي في التوزيع إلى فشل نسبي في التنويع) .

الأسباب الهيكلية في محدودية القدرة على التنوع الاقتصادي: أحد أهم الأسباب الأساسية في عدم القدرة على التحول إلى نشاطات إنتاجية اقتصادية بعيدًا عن النفط، هو أن الدولة في الخليج ( بشكل عام) سيطرت على السوق الاقتصادية، فالعملية الاقتصادية برمتها داخل حيز الدولة الخليجية النفطية التي احتكرت النشاط الاقتصادي ،بسب طبيعة الإنتاج النفطي الذي أضحى المصدر الأوحد للدخل في المجتمع ،وهو ملك للدولة!، فكانت هي إما المنتجة للسلع والخدمات ( التعليم، الصحة، البنية التحتية)أو المستهلكة للنشاطات الأخرى ( من خلال المناقصات) وحتى ملكت بعض المصانع الإنتاجية القائمة على مادة النفط، مثل معامل التكرير أو الشركات القائمة على الصناعات التحويلية أو الصناعات المصاحبة للإنشاءات، أو حتى شبكات التوزيع ، هذه السيطرة جعلت من القطاع الخاص إما تابع أو معتمد على الدولة( من خلال المناقصات) فلم تتكون تاريخيًا طبقة وسطى كبيرة وفاعلة ومستقلة تستطيع أن تقود التحول الاجتماعي وقبله الاقتصادي إلى مكان ما يضع المجتمع في مرحلة ( الإقلاع) الاقتصادي المرجو ، حتى الشريحة الرقيقة من الطبقة الوسطى التي تشكلت إبان الاقتصاد التقليدي ( الغوص، الزراعة، التجارة) تآكلت واضمحلت  بعد التوسع في خدمات الدولة النفطية ( دولة الرفاه) وبدأت تظهر بشكل مطرد طبقة اجتماعية متعددة الدرجات هي الطبقة ( المأجورة) أو المعتمدة على الرواتب والمكافآت، التي تعطيها الدولة للمواطنين، منها ظهر استخدام مفهوم جديد في كتابات المتابعين سُمى ( الاقتصاد الريعي) وما ينتجه هذا الاقتصاد في الغالب من ممارسات اجتماعية معتمدة اعتمادًا كليًا على الدولة، ومن سمات المجتمع الريعي ( وهو هنا معتمد على الميزانيات التي تقدمها الحكومات) مظاهر اجتماعية هي اعتماد المواطن كليًا على الدولة، وضعف الإنتاج و سلوك استهلاكي واسع ،وقيم مناقضة للإنتاج، وأصبح هناك شبه ( عقد اجتماعي غير مكتوب ( بين المواطن والدولة) قائم على تقديم خدمات وتسهيلات للمواطن من قبل الدولة، في مقابل تقديم المواطن الولاء والانتماء) وهذا العقد الاجتماعي غير المكتوب يمكن أن يتعرض للتأثير ، مما يؤدي إلى شيء من التوترات الاجتماعية التي تظهر بعضًا من إشاراتها في المجتمع الخليجي اليوم بدرجات متفاوتة، هذه التوترات تظهر على شكل تساؤلات حول ( شكل ونوع  وطريقة التوزيع، وشكل ونوع تحمل الأكلاف).ودون النظر بجدية إلى دور الدولة في السيطرة والتحكم في ( العملية الاقتصادية) التي أصبحت قاعدة للإنتاج في دول الخليج مع معاناة موارد الدولة إلى الشح في تصاعد ملامة المواطنين، إما إعادة النظر في ذلك العقد غير المكتوب فتتطلب إصلاحات، لا يبدو أن الدولة الخليجية بعامة تستطيع في هذه الفترة بتقديمها، مما قد يضع قطار (الترشيد) و قطار ( الإصلاح) على سكة متقاطعة!

توزيع الموارد : هناك ملاحظات حول ( توزيع الموارد وإدارتها) في الدولة الخليجية المعاصرة، وحساب مصادر الدخل في الميزانية العامة، كما أن الدخل بشكل عام غير محدد بشكل مؤسسي، وما نسب و أنواع التوزيع لتلك الموارد، غير ما يظهر في الميزانية العامة، هذا الغموض في بعض دول الخليج يثير انتباه المراقبين والدارسين.

في دول الخليج لا يوجد نظام عام للضرائب بالمعنى المتعارف عليه، هناك ضرائب على الشركات المملوكة للأجانب والعاملة في الدولة الخليجية ( في بعض الدول) و هناك بعض الرسوم و ( الطوابع) على بعض الخدمات التي تقدمها الدولة، كما تقدم الدولة خدمات أساسية إما مجانًا أو بأثمان مخفضة أو (مدعومة) أي أقل من التكلفة، بعض الدول حتى تقدم بعض تلك الخدمات ( مجانًا) سواء في التعليم أو العلاج! وهو نوع من أنواع توزيع الموارد، إلا أن الدولة الخليجية اليوم تفكر في إعادة النظر في هذا الأمر ( من منطلق الترشيد أو منطلق التشارك في تحمل الأعباء أو حتى من منطلق المساواة) لأن بعض الخدمات التي تقدم تساوي بين المواطن المحتاج و المواطن القادر على دفع التكلفة! إلا أن هذه السياسات حتى وإن أقرت في بعض الدول ،تواجه مراجعة بل ومعارضة لقد ظهر جليًا أن مؤشرات الاقتصاد الخليجي في قطاعات كثيرة تواجه التراجع، فعلى سبيل المثال تراجعت سوق الإنشاءات الخليجية بشكل عام 19% في عام 2016م، مقارنة ب2015م، بنسب تراجع تتراوح بين 62% في ترسيه المشاريع ( في السعودية) إلى  سلطنة عمان 52%  وتراوح بقية الدول بين الرقمين، حيث لم ينج من هذا التراجع أي بلد خليجي، كما تتأخر الدولة في صرف مستحقات المقاولين إلى درجة أن بعض العاملين الأجانب اضطر إلى التوقف عن العمل! ذلك مؤشر من جملة مؤشرات تقول لنا إن الوضع الاقتصادي ( ليس مريحًا) ولكن الخيارات حتى الآن لم تطرح بجدية أو تناقش بعمق ، رغم كل التحذيرات المعلنة .

ما العمل : ربما أول خطوات العمل المستحق هو ( الاعتراف بالأزمة) وعدم تجاهلها وتركها حتى  تتفاقم تحت أي ظرف من الظروف،وليس أمام الدولة الخليجية اليوم إلا مواجهة هذه المصاعب، ووضع خطط متوسطة وطويلة الأمد، من أجل هدف عام هو (تنويع مصادر الدخل في الدولة الخليجية الحديثة) و لكن الأمر سهل في القول، صعب في التطبيق، لأن التطبيق يحتاج إلى سياسيات تبدأ اليوم ولا تنتظر إلى الغد، وهي مشكلة من حزمة اقتصادية\ سياسية\ ثقافية متسقة ومتزامنة, سوف  أشير  إلى بعض الاقتراحات حولها، وهي في نظري ستة محاور أساسية:

التفكير في الخيارات الأخرى :

لا أشك أن لدينا في هذه المنطقة من العالم (عقول) تستطيع أن تقدم الحلول لما نواجه، ولكن ما ينقص حتى الآن هو ( الإرادة) التي تستطيع أن تتحمل ثمن الخيارات الممكن التفكير فيها، وسوف أعرض هنا حزمة من التفكير بصوت عال لما يمكن أن يكون خيارًا ممكن للعبور من الأزمة، وهي خيارات قلت إنها ( حزمة) الانتقاء منها قد يكون مضرًا أكثر مما هو نافع. هذه الخيارات هي اقتصادية\ اجتماعية\ سياسية\ ثقافية (وهي عناصر مجتمعة يمكن أن تضعنا على سكة معقولة للخروج من الأزمة) وهي في رأيي ذات محاور ستة : مجملها كالتالي :

1-      تقليص اليد العاملة: كتابات كثيرة ودراسات منذ على الأقل خمسة عقود تتحدث عن ( الخلل في التركيبة السكانية في دول الخليج ) ولكن هذه التركيبة تزاد خللا سنة بعد أخرى ( في كل دول الخليج) وليس لأن الدولة لا ترى هذا الخلل، ولكنه خلل بنيوي، سهل الحديث عن إيجاد بدائل له، ولكنها صعبة التنفيذ، مثلا عدد الأجانب الذين يقودون السيارات الخاصة  في بعض الدول الخليجية ( هو  قطاع كبير) ،وسوف يستمر وجود هذه الشريحة ( على سيبل المثال) تلك ظاهرة ثقافية، فإن هذا العدد من السائقين لا يمكن أن ينقص! بمثل ذلك فإن بعض الأعمال (البسيطة) يأنف المواطن الخليجي بشكل عام القيام بها ( عدى ما هو ظاهر إلى حد ما في عمان والبحرين) فالعمال الأجانب يقومون بتلك الأعمال ( ظاهرة اقتصادية\ ثقافية) من جانب آخر فإن شريحة كبيرة من العمال الأجانب تعمل لدى القطاع الخاص، بسبب عدم وجود بديل محلي ( رخيص) أو مؤهل كما هو العامل الأجنبي، ذلك قطاع واسع من الأعمال الخاصة يقوم بها عمال ( موظفين) غير محليين، في قطاع العمل الداخلي ( في المنزل) نجد أن هناك ضغوط كبيرة من الأسرة الخليجية من أجل أن يعمل لديها ( منزليا) عدد يتراوح بين 2\5 فأكثر من العالمين في المنازل، وهي ظاهرة ثقافية اقتصادية, وليس من السهل أن تقدم حلول في هذا القطاع عشوائية أو عاطفية، مثلا  فإن إحلال ثلث العمالة في الحكومة في الكويت ( وهي غير محلية) يعني تضخم سلم الرواتب والأجور، كما أن إحلال عمال ( موظفين) في القطاع الخاص يرفع تكلفة الخدمات المقدمة ،ويصبح المشروع الاقتصادي غير تنافسي . من المهم هنا الإشارة إلى تجربة الإمارات العربية المتحدة ، وهي من دول الخليج ذات الخلل السكاني الواضح، فقد قررت منذ سنوات لإصلاح جزئي لهذا الخلل، تشغيل أوسع للمرأة الإماراتية في قطاعات كثيرة، حتى منها  الأعمال العسكرية الكتابية، وبعد سنوات وجد، رغم أن الفكرة متميزة ، أن سن الزواج قد تأخر في المتوسط، كما أن عدد أفراد الأسرة تناقص ( بسبب عمل المرأة و تأخر سن الزواج) فجاءت النتيجة النهائية أن عدد السكان المحليين تباطأ في النمو! ذلك مثال على أن هناك عدد من (النتائج غير المحسوبة) لأي خطوة في محاولة تعديل التركيبة السكانية، ثم كيف يمكن أن نفعل ذلك وبعض الدول تقوم بتشجيع المشروعات السكنية الكبرى (مدن جديدة) من أجل بيعها على ( الأجانب)! ذلك عامل واحد من المشهد الاقتصادي\ الاجتماعي الذي لا يبدو أن حلاً ممكنًا له، مع استنزافه لموارد ضخمة، ولكنه أصبح(مزمنًا)!بسبب تضارب في السياسات الكلية للدولة الخليجية!

2-      ترشيد الإدارة:

أحد أهم  وسائل الإصلاح المبتغى في إدارة الموارد في دول الخليج (الاقتصادية والإنسانية) إصلاح الإدارة، وهي إدارة تحمل مشكلاتها، فهي (تقليدية\ و حديثة) في نفس الوقت ، بمجرد أن ظهرت مداخيل النفط الأولى حتى ( اقترحت) بريطانيا التي كانت مهيمنة على الأمن في الخليج وتربطها علاقات تعاقدية مع دول الخليج  ( ما عدا المملكة العربية السعودية) على الحكام في أوقات مختلفة، تمتد من العشرينات حتى الأربعينات من القرن الماضي، تعين مستشارين أو خبراء إداريين وماليين بريطانيين للمعاونة في رسم سياسيات إدارة ومالية للدول الخليجية كان هناك بعض الإصلاحات، إلا أن الإدارة قد تطورت بعد الاستقلال ( ستينات وسبعينات) القرن الماضي والتجأ معظم الدول إلى الاستعانة بالأنظمة والقوانين المصرية ، وليس هناك عيب في ذلك، إلا أن القوانين المصرية مستندة على وجود فائض بشري ، وفي الخليج هناك نقص بشري ، فكثرة القوانيين و الأنظمة تضاربت مع بعض الأفكار السائدة قبل الدولة، وتسرب الفساد إلى قطاعات كثيرة جراء احتمال الدولة عبئ التنمية (الانفجارية) إن صح التعبير ، فأصبح الفساد بمظاهره المختلفة ( ظاهرة) مقلقة للمجتمع إلى درجة أنه في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، اضطرت معظم الدول الخليجية لخلق مؤسسات سميت  هيآت ( مكافحة الفساد) بسبب تعثر الإدارة العامة عن القيام بما يتوجب القيام به، ربما بسبب أيضًا عدم وضوح في المهمات العامة و انتفاء وجود ، أو ضعف في مؤسسات المتابعة والرقابة، أصبحت الدولة النفطية الخليجية و مجتمعاتها تشتكى من الإدارة البيروقراطية التي تسمح بتجاوز الخلل، حيث القوانين تسن ويسن معها دون تمحيص تجاوزاتها من خلال ما يعرف بالاستثناءات ! المتروكة كليا لهوى واقتناع البيروقراطي نفسه، دون خطوات لترشيد الإدارة، إصلاح الإدارة أو ( ترشيدها) أحد عوامل الإصلاح المرجو من أجل التحول الاقتصادي الناجح وإطلاق مبدأ التنافس والجودة في الخدمات.

3-      محاربة الفساد:

ترشيد الإدارة مرتبط ارتباط مباشر مع ضبط معدلات الفساد في المجتمعات الخليجية، وهي آفة تعطل من الاستفادة الكاملة من الثروة المادية والبشرية المتاحة ، فبجانب هدر الموارد، وتضاعف كلفة الخدمات، يساعد الفساد على تخريب المشاريع المهمة للدولة الخليجية، وإضعاف الهمم، بل انتشار التوتر في المجتمع،  ويقف أمام محاربة الفساد (هلامية القوانين) والاستنسابية في تطبيقها، وطبيعة الإدارة ( التي تحبذ الولاء في الغالب قبل الخبرة) و قدرة البعض على التهرب من المسائلة القانونية، عدى تخريب الذمم، مما يترك انطباعا لدى المواطن العادي أن الثروة هي (مشاع). وتعج الصحف في الخليج وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي بما تعتبره (فضائح) مصدرها الفساد

4-      تجويد التعليم :

من الطبيعي أن لا يمكن العبور إلى مجتمع منتج دون تجويد وترقية التعليم بشكل عام في الخليج، وقد كتب الكثير عن هذا الموضوع، الذي يعتبره البعض عقبة كؤود في سبيل التطور الاقتصادي \ الاجتماعي ،وتشير الكثير من الدراسات التي يطلع عليها المسؤولون في الخليج إلى أن الأمم ( في الشرق والغرب) لم تستطع أن تصل إلى مرحلة ( الإقلاع) الاقتصادي إلا بعد أن نظرت بجدية إلى تطوير نظمها التعليمية، هناك فرق شاسع بين ( الكم) الذي حققته هذه الدول في حجم التعليم، وبين(الكيف) المبتغى للخروج من نفق التعليم التقليدي إلى مرحلة التعليم المُجود، الذي ينتج في النهاية قوة عمل قادرة على مواجه الصعاب السياسية والاقتصادية القادمة.

5-      مشاركة مجتمعية:

المشاركة المجتمعية ( تفعيل دور مجالس الشورى والبرلمانات) بالتخطيط و المتابعة و الرقابة على العمل العام، حتى لا يعتبر المواطن نفسه متفرجًا على ما يراه من تراجع في قدرته الاقتصادية، ومن خلال (شكل من أشكال المشاركة) يمكن أن يعرف الجمهور العام حجم المشكلات التي يوجهها المجتمع، ويتحمل ما يتوجب عليه من الأعباء وهو على معرفة بالأثمان المستحقة لملاقاة تلك الأعباء، فتجربة المشاركة تحتاج إلى ثقافة اجتماعية\ سياسية، وحتى الآن لم تشرع الدولة الخليجية في العمل تجاهها.

6-حل المشكلات المجاورة:

تستهلك الدولة الخليجية جزءً من الدخل لمواجهة الأعباء العسكرية والأمنية في الدولة الخليجية، نتيجة الاضطراب الهائل في الجوار، وهو أمر من الممكن أن يستمر لفترة قد تطول، من هنا فإن تلك الأعباء المادية الناتجة من تلك المشكلات، سوف تبقى معنا وتقلل من القدرة على تمويل البرامج الاجتماعية والتنموية الأخرى ,وهنا لا بد من التفكير لاستخدام الذراع الدبلوماسي و العلاقات الدولة للتقليل من المخاطر الناجمة في الجوار! حيث أن استمرارها سوف يزيد الضغوط على ميزانيات دول الخليج التي بدأت تستشعر العجز الحقيقي.

                                                                                 الخلاصة

لا يستطيع عاقل أن يتجاوز الحقيقة الشاخصة وهي أن هناك نقص في التمويل للمشروعات التنموية في دول الخليج، وأن الدولة تحاول اليوم جاهدة لتمويل بعض تلك البرامج من خلال الاقتراض الخارجي، من أجل التقليل من النتائج السلبية على برامج التنمية والإنسان في الدول الخليجية قاطبة، وهي تختلف في هذا الموضوع في الدرجة وليس في النوع، ودون التفكير بطرق جديدة وغير تقليدية لمواجهة احتمال قائم بأن تبقى أسعار النفط متدنية، فإن الأزمة الاجتماعية الاقتصادية يمكن أن تتفاقم، وتخلق في ذيولها توترات اجتماعية هي الآن تطل برأسها على الجميع، يمكن أن نجد في القريب ( المشروعات التي يمكن أن تسمى الفيل الأبيض) معطلة، فنجد عمارات دون سكان، و مدارس دون مدرسين،  وعطشى دون ماء ،وطرق دون سيارات مع خلل كبير في العقد الاجتماعي التقليدي، الحلول المطروحة ( خطط التنمية طويلة الأجل ) مكتوبة لكل دول الخليج بشكل جيد، الآن الخطط التفصيلية والأعباء الاجتماعية المطلوب تحملها، حتى الآن لم تناقش .

مقالات لنفس الكاتب