; logged out
الرئيسية / استعادة متوسط دخل الفرد كما كان قبل الانقلاب يحتاج 7 سنوات من الجهد المتواصل مستقبل التنمية الاقتصادية في اليمن بعد انقاب الحوثي/ صالح

العدد 122

استعادة متوسط دخل الفرد كما كان قبل الانقلاب يحتاج 7 سنوات من الجهد المتواصل مستقبل التنمية الاقتصادية في اليمن بعد انقاب الحوثي/ صالح

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2017

 

أصاب الصراع في اليمن جميع الجوانب الحياتية لليمنيين، وأدى إلى الحد من إمكانية حصولهم على المواد الغذائية والمياه والرعاية الصحية، كما عمق من هوة الفقر، وأجبر ملايين الأطفال على ترك مدارسهم والتشرد داخل وخارج بلادهم، ولقي أكثر من ألفي شخص مصرعهم وجُرح أكثر من 30 ألفًا، وتشرد أكثر من 15 % من اليمنيين أو فروا خارج ديارهم.

المرصد الأقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.البنك الدولي. إبريل 2017م.

 

الصراع في اليمن ودول الجوار

تشهد بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمنطقة العربية منها، بصفة خاصة، أوضاعًا غير مسبوقة في تاريخها المعاصر، ما بين اندلاع ثورات ما عرف بالربيع العربي في عدد من البلدان العربية، (تونس، ومصر، واليمن، وسوريا)، وما بين تراجع حاد في أسعار النفط والغاز الذي تعتمد عليه عدد من الدول العربية خاصة دول الخليج العربية.

ولم يقف الأمر، في عدد من بلدان المنطقة، على عدم توفر الأمن والاستقرار، وهما شرطان ضروريان للتنمية، بل اندلعت في بعضها صراعات داخلية لا تزال مستمرة لفترة طويلة، وأدت إلى تدمير الكثير من عناصر البنية الأساسية ومؤسسات الخدمات الاجتماعية، ومنشآت الأعمال، مما أفقد عملية التنمية مقومات قيامها واستمرارها.  

ويعتبر عام2017م، من أشد الأعوام صعوبة على المنطقة العربية، حيث تواجه حكومات المنطقة تحديات جسيمة في تحقيق الأمن والاستقرار، والمحافظة على زخم التنمية واستمرار خططها، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، الذي يمثل أكبر التحديات للبلدان المصدرة للبترول في إدارة شؤونها المالية، وتنفيذ استراتيجيات تنويع مواردها الاقتصادية، مع انخفاض سعر النفط إلى 54 دولارًا للبرميل، إضافة إلى تورط البلدان الأربعة النامية المصدرة للبترول – سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا – في حروب أهلية، وصراعات عنيفة بتكلفة إنسانية هائلة.

هكذا تعيش المنطقة العربية حالة من عدم الأمن وفقدان الاستقرار، كما تعاني بعضها من ويلات الحروب وأعمال العنف وانخفاض أسعار النفط معًا، الأمر الذي أثر سلبًا على معدلات النمو الاقتصادي في المنطقة كلها، فتراجعت إلى 2.6% عام 2017م، مقارنة ب 3.5% عام 2016م، وذلك وفقًا لتقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يصدره البنك الدولي.

أبعاد الأزمة الإقتصادية في اليمن

رغم أن اليمن له تاريخ طويل في الصراع السياسي وعدم الاستقرار الاقتصادي، إلا أن الصراع الأخير الذي بدأ عام 2011م، بعد انقلاب الحوثي/ صالح، ولم ينته بعد، كان الأطول والأكثر تأثيرًا سلبيًا على حياة الناس واحتياجاتهم الإنسانية والمعيشية الذين يتطلعون لحياة أفضل.

فإنتاج البلد من السلع والخدمات التي يتعايش عليها الناس، وتتحدد في ضوئها دخولهم ومستوى معيشتهم، يتراجع بمعدلات مخيبة للآمال بلغت (-28.1%) عام 2015م، كنتيجة مباشرة لتعطل الأنشطة الاقتصادية، وفقدان الوظائف، كما بلغ معدل البطالة أكثر من 16% عام 2016م، بحسب مؤشرات التنمية، البنك الدولي.

 وأسفر الصراع عن تدمير جانب كبير من عناصر البنية الأساسية وعلى نطاق واسع، كما توقفت صادرات البلاد من النفط، والغاز، وتراجعت الواردات بشكل كبير، باستثناء السلع الأساسية من الغذاء والطاقة، أما التضخم فقد قفز إلى معدلات غير مسبوقة، بلغت 40% عام ،2015م، متزامنا مع اتجاهات انكماشية حادة، وانخفضت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، إلى ما يعادل أقل من شهرين من الواردات المنخفضة بفعل الأزمة.

 

ورغم ما طرأ من تحسن على مؤشرات التعليم والصحة، بقي معدل الفقر مرتفعًا. فقد ارتفعت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر البالغ 1.9 دولار في اليوم (عند تعادل القوة الشرائية) من  44.9% عام 1990م، إلى 46% عام 2010م، وعند 4 دولارات في اليوم (عند تعادل القوة الشرائية) كان أكثر من 85 % من السكان يعيشون دون خط الفقر عام 2010م. وسجل اليمن أيضًا أحد أعلى معدلات سوء التغذية في العالم، ففي عام 2012م، كان 60 % تقريبًا من الأطفال دون الخامسة يعانون من سوء التغذية المزمن، و35 % من نقص الوزن، و13 % من سوء التغذية الحاد.

كما كانت المؤشرات الاجتماعية في اليمن ضعيفة قبل عام 2010م، لكن تصاعد الصراع دمر ما تحقق من تقدم خلال العقدين الماضيين. في تقرير التنمية البشرية 2016م، جاء ترتيب اليمن في المركز 168 بين 188 بلدًا، منخفضًا من المركز 154 الذي احتله عام 2014 م. وقد تراجع مؤشر التنمية البشري بنحو 12% خلال الفترة2010 – 2015م. كما كان تأثير الصراع مأساويًا على الشعب اليمني حيث يقدر عدد القتلى المدنيين بما يتجاوز6 آلاف قتيل، إلى جانب حوالي 29 ألف جريح. وفي نهاية عام 2015م، كان هناك نحو 2.5 مليون شخص مشرد داخليًا في اليمن.

 والفقراء هم الأكثر معاناة، فهناك 21.2 مليون يمني، أو أكثر من 80 % من السكان، في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة؛ و14.4مليون يمني يواجهون انعدام الأمن الغذائي المزمن، بزيادة 30 % منذ بداية الصراع؛ و19.3 مليون يمني بدون مياه الشرب المأمونة أو الصرف الصحي.

 وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون إلإنسانية، فقد أدى ذلك إلى زيادة حادة في عبء سوء التغذية والأمراض حيث أن الاعتماد على المياه من مصادر غير محمية يجعل المواطنين، وبخاصة الصغار منهم، عرضة للأمراض.

 من ناحية أخرى، أدى الصراع إلى وضع إنساني حرج، في ظل ازدياد محصلة الوفيات والإصابات بين المدنيين، والتشريد الواسع للسكان، والنقص الحاد في الغذاء،فحتى سبتمبر 2016م، قتل نحو 44 ألف شخص، وتشرد أكثر من 3 ملايين نسمة، وتهدمت مبان ومؤسسات حكومية وخاصة، منها 325 مدرسة ومستشفى وأسواق تجارية وطرق، وأصبحت مؤسسات هامة مثل البنك المركزي معطّلة في أواخر عام 2016م، كما هدمت المدارس والمستشفيات، وفقد الكثير من اليمنيين وظائفهم، وأصبحوا يواجهون أوضاعًا إنسانية صعبة، وحالات نزوح واسعة النطاق، وتعطلت سبل الاتصال بعد تدمير واسع لأهم عناصر البنية الأساسية من الطرق والكباري ووسائل الإتصال الحيوية، مما أدى إلى أن تطلق الأمم المتحدة مؤخرًا نداءً إنسانيًا (2.1 مليار دولار) لمساعدة 8 ملايين يمني يعانون من تزايد انعدام الأمن الغذائي.

ورغم شح التقارير الإحصائية الرسمية المتاحة فإن جهود منظمات الأمم المتحدة وخبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يعدون تقديرات لا تبعد كثيرًا عن الواقع، وتشير البيانات التي تم إعدادها إلى أن إجمالي الناتج المحلي لليمن انكمش منذ عام 2015م، بنسبة تقارب 40%، كما تراجع متوسط دخل الفرد حلال عامي 2015-2016م، بنسبة 30%، وذلك بشكل تراكمي، مما يضع اليمن في قائمة الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة بمتوسط دخل فردي بلغ 1040 دولار أمريكي سنويًا، حسب تقديرات مؤشرات التنمية الأخيرة 2017م.

وقد أشارت دراسة مشتركة أجراها البنك الدولي والأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الأوروبي إلى أن التقدير الأولي لتكاليف الأضرار المادية للحرب في اليمن يبلغ نحو 15 مليار دولار من بينها خسائر اقتصادية بقيمة تبلغ حوالي 7 مليارات دولار وخسائر في الإنتاج والخدمات بقيمة تتجاوز 3.7 مليار دولار.

ويزداد الأمر تعقيدًا إذا علمنا أن إعادة الإعمار واستعادة مستويات الحياة والمعيشة سوف تتطلب جهودًا مكملة على المستوى التنظيمي والمؤسسي، بجانب تنفيذ قدر كبير من الاستثمارات لا يقل عن 25% من الدخل الوطني، حتى يمكن رفع معدل نمو الناتج بنسبة 5% على الأقل سنويًا، مما يشير إلى أن مجرد استعادة نفس مستوى متوسط دخل الفرد الذي كان سائدًا قبل اندلاع الأزمة يحتاج إلى 7 سنوات على الأقل من الجهد التنموي المتواصل.

 وتشمل الاحتياجات الانسانية المفتقدة في اليمن خمسة أبعاد رئيسة هي: الأمن الغذائي والزراعة، المياه النقية والصرف الصحي، الرعاية الصحية، التغذية ورعاية الأطفال حديثي الولادة، المأوى والتشرد displacement.

فبينما قدر عدد السكان بنحو 27.4 مليون نسمة 2016م، يقدر عدد السكان الذين يواجهون الحرمان من الحاجات الأساسية، ويطلق عليهم السكان المحتاجون (People in Need) نحو 18.8 أي بنسبة تبلغ نحو 68%، يحتاجون نوعًا ما من المساعدات الإنسانية، والحماية، ويتضمن هذا العدد 10.3 مليونًا من السكان في حاجة حادة للمساعدة، وهو ما ظهر بشكل أساسي منذ اندلاع الصراع في مارس 2015م، وخلق أزمة حادة في سبل الحماية الإنسانية، حيث تزايدت أعداد السكان الذين يواجهون أخطار فقدان الأمان والحقوق الأساسية ويصارعون من أجل البقاء.

أما عن الاحتياجات الأساسية، فإن نحو 14 مليون يعانون من عدم الأمن الغذائي، منهم 7 ملايين يواجهون نقصًا حادًا في الحصول على الغذاء، وعدد 14.7 مليون نسمة يعانون من نقص حاد في سبل الرعاية الصحية، وعدد 3.3 مليون نسمة يواجهون سوء تغذية، منهم 462 ألف طفل يعانون من أنيميا حادة، ونحو 18.8 مليون يحتاجون نوعًا ما من المساعدات الإنسانية، منهم 10.3 في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.

ومن ناحية الخدمات الأساسية والبنية التحتية، فقد تدهورت بشكل خطير، حيث لم يبق من منشآت الرعاية الصحية إلا 45% فقط تقدم خدمات فقيرة، حيث تواجه بنقص حاد في الأدوية والمعدات الصحية والمستلزمات والأجهزة الطبية، والموارد البشرية، كما يوجد نحو 1600 مدرسة تأثرت بالتدمير وأصبحت غير صالحة للإستخدام، مما تسبب في تشرد نحو 2 مليون طالب من مدارسهم، كما يعاني موظفو الحكومة من عدم انتظام الحصول على مرتباتهم بشكل منتظم، ويشكلون هم وأسرهم نحو 30% من السكان.

وعلى مستوى الاحتياجات الإنسانية الأساسية تشير تقديرات البنك الدولي في مارس 2017م، إلى أن 17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي أي نحو 63% من مجموع السكان عام 2016م، بالإضافة إلى 7 ملايين آخرين يعانون من الانعدام الشديد في الأمن الغذائي.

وقد ارتفعت معدلات سوء التغذية بمعدل 57% منذ عام 2015م، وتؤثر الآن على ما يقرب من 3.3 مليون شخص -462 ألفًا منهم من الأطفال دون سن الخامسة، وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة– اليونيسف أن هناك طفلاً واحدًا يموت كل عشر دقائق في اليمن بسبب أسباب يمكن الوقاية منها.

كما تدهورت الأحوال المعيشة لنسبة كبيرة من السكان، ناهيك عن التراجع الحاد في أنشطة القطاع الخاص، وتأثرت الواردات بشكل أساسي، وتدهورت المعاملات المالية وتأثر نشاط القطاع المالي والمصرفي بشكل كبير، مما أثر سلبًا على نظم الدفع، وقد أسفر ذلك عن اتجاهات تضخمية شملت مختلف السلع والخدمات، وتدهورت القوة الشرائية للنقود بشكل كبير وأسفر عن تدهور حاد في مستويات المعيشة.

وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن 2.8 مليون يمني قد اضطروا إلى النزوح قسرا داخل البلاد، ويحول النقص المزمن في الأدوية، وما يتصل بالصراع من دمار، دون حصول 14 مليون يمني، بينهم 8.3 مليون طفل، على خدمات الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ذلك، تسرب أكثر من 1.8 مليون طفل آخرين من المدارس منذ تفاقم الصراع، ليصل بذلك إجمالي عدد الأطفال المحرومين من الدراسة إلى أكثر من 3 ملايين طفل، ولا تزال أكثر من 1600 مدرسة مغلقة بسبب غياب الأمن، وما لحقها من أضرار مادية، أو استخدامها كملاجئ للمشردين والنازحين.

جهود البنك الدولي في مواجهة الأزمة الاقتصادية

ما من شك أن المنظمات الدولية وعلى رأسها مجموعة البنك الدولى تتحمل مسؤليات كبيرة في مواجهة الأزمة في بلاد اليمن، ومع ذلك فقد تأثرت عملية تقديم المعونة بالعنف الدائر والمخاوف الأمنية، مما دفع البنك الدولي إلى إيقاف كافة بعثاته إلى اليمن في سبتمبر 2015م، وتم إيقاف جميع عمليات الصرف للمشاريع التي تمولها المؤسسة الدولية للتنمية والصناديق الائتمانية التي يديرها البنك الدولي اعتبارًا من 11 مارس 2015م.

 غير أن البنك واصل التنسيق مع الأطراف ذات الصلة في اليمن وكذلك الشركاء للاستجابة للأوضاع سريعة التطور والتدهور هناك، وفي ديسمبر 2015م، وبالنظر إلى الاحتياجات الصحية بالغة الأهمية في اليمن، قام البنك برفع قرار الإيقاف على أساس استثنائي وصرف أموالا لاثنين من مشاريع الصحة، وهما مشروع مكافحة البلهارسيا ومشروع الصحة والسكان، وذلك بغية السماح بوضع ترتيبات مع اثنتين من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة لتوريد وتوزيع الأدوية والإمدادات الطبية الضرورية، وما يتصل بذلك من أنشطة.

وتشير تقارير المتابعة في البنك الدولي إلى أنه تم صرف أكثر من 89% من الأموال المخصصة لهذين المشروعين (مشروع الصحة والسكان ومشروع مكافحة البلهارسيا) وتقدر المصروفات بنحو (15.1 مليون دولار).

كما تشير تلك التقارير إلى أن نحو 1.5 مليون طفل دون سن الخامسة حصلوا على تطعيم ضد شلل الأطفال، واستفاد 150 ألفا من برامج معالجة سوء التغذية والتخلص من الديدان وأمراض الأمهات والأطفال، وجرى توزيع أدوية لما يبلغ 0.4 مليون طفل في سن الدراسة في 20 مديرية وذلك حتى نوفمبر/ 2016م.

في إطار المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات، تم صرف 23.3 مليون دولار (47%)، وقد تم تحويل 16.7 مليون دولار منها إلى مشاريع فرعية ومستفيدين. ويجري حاليًا تنفيذ 170 مشروعًا فرعيًا (من إجمالي 288 مشروعًا فرعيًا يعتزم البنك تنفيذها)، بإجمالي 19 مليون دولار.

 ويزيد عدد الأشخاص المشاركين في مشاريع الأشغال كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة ضمن كلا المكونين على 15300 كما يلي: 30% من النساء، و 35% من الشباب، و40% من النازحين داخل البلاد.

وأدت مشاريع البنك إلى إتاحة حوالي 106800 يوم عمل وفرت دخلاً لما يبلغ 50 ألف شخص (أفراد الأسر المشاركة)، بالإضافة إلى ذلك، تتلقى حاليًا 4222 امرأة فقيرة وأطفالهن دون سن الخامسة مساعدات نقدية، ويستفيدوا جميعًا من الإجراءات التدخلية في مجال التغذية، بما في ذلك تيسير حصولهن على خدمات العلاج من سوء التغذية.

وفي إطار المشروع الطارئ للصحة والتغذية، الذي وافق عليه البنك الدولي مؤخرًا، تم تنفيذ حملة للتطعيم ضد شلل الأطفال في كافة أرجاء اليمن، وحققت الحملة نجاحات ملحوظة في الوصول إلى نحو 5 ملايين طفل يمني في جميع المحافظات. بالإضافة إلى ذلك، حصل 375 ألف طفل في الفئة العمرية 6 – 24 شهرًا، و 132 ألف امرأة حامل ومرضعة على مساعدات غذائية هامة.

كما تلقت نحو 17 ألف امرأة حاملاً تطعيمًا ضد التيتانوس، وتمت معالجة أكثر من71 ألف طفل من أمراض الطفولة، وتلقت نحو16 ألف امرأة خدمات صحة الأمهات وحديثي الولادة، وقد صرف البنك حوالي 80 مليون دولار (40%) إلى اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، حتى أبريل 2017م.

كما وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي في يوليو 2016م، على مذكرة مشاركة مع اليمن للسنتين الماليتين 2017 و2018م، من أجل تقديم المساندة العاجلة عن طريق أجهزة تقديم الخدمات المحلية، ومساندة الأسر والمجتمعات المحلية المتضررة من الصراع والإعداد للتعافي وإعادة الإعمار فيما بعد انتهاء الصراع بالشراكة مع الأمم المتحدة. وعلاوة على ذلك، فقد وافق البنك على المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات بقيمة 50 مليون دولار أمريكي من أجل مساندة الأسر والمجتمعات المحلية الأشد تضررًا من جراء الأزمة المستمرة. واستنادًا إلى التجربة الإيجابية المتمثلة في تنفيذ حافظة مشاريع الصحة للبنك من خلال اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، ستمول المنحة المقترحة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مساعدات طارئة لتخفيف حدة آثار الصراع على رفاهة ومعيشة الأسر والمجتمعات المحلية المتضررة في اليمن، مع التركيز بوجه خاص على النساء والشباب، ومن أجل استعادة القدرة على تقديم الخدمات.

وافق البنك الدولي على تقديم منحتين جديدتين من المؤسسة الدولية للتنمية لليمن بإجمالي 450 مليون دولار عام 2017م، لتقديم دعم طارئ للفئات الأكثر ضعفًا ومعاناة من السكان في جميع محافظات اليمن الاثنتين والعشرين، وستمول هاتان المنحتان مشروعين ينفذان على الصعيد الوطني ويهدفان إلى تزويد النساء والأطفال الأكثر ضعفًا بسبل الحصول على الخدمات الضرورية في مجالات الرعاية الصحية والتغذية وفرص الحصول على الدخل للأسر الأكثر فقرًا، والخدمات الاجتماعية الأساسية التي يعتمد عليها ملايين اليمنيين.

جهود المنظمات الدولية الأخرى في مواجهة الأزمة الاقتصادية

يشارك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقديم المساعدات المالية والعينية لليمنين في مواجهة آثار الأزمة على تفاقم الاحتياجات الإنسانية، وزيادة أعداد المحتاجين، وحدة تلك الإحتياجات، حيث قدم منحة بقيمة 250 مليون دولار بغرض توسيع نطاق ما يعرف بالمشروع الطاريء للاستجابة للأزمات، بغرض توفير فرص تحقيق الدخل لعدد 2 مليون من السكان المحتاجين للمساعدات الإنسانية، والذين يعانون من الحاجة الإنسانية الشديدة، بما في ذلك النساء والشباب والنازحين داخل البلاد، وتستهدف المساعدات دعم موارد الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة، وهما مؤسستان يمنيتان أساسيتان تقدمان خدمات على المستوى المجتمعي وتلعبان دورًا مهمًا الآن في بناء قدرة اليمنيين على مواجهة الآثار السلبية للأزمة.

كما تقدم منظمة الصحة العالمية واليونيسف منحة بمبلغ 200 مليون دولار من خلال ما يعرف بالمشروع الطاريء للرعاية الصحية والتغذية، والذي يستهدف الحفاظ على قدرة المنشآت  الصحية التي لا تزال تعمل في أرجاء اليمن، مع توفير الخدمات الصحية والتغذية لحوالي 7 مليون من السكان، ودعمًا للمساندة التي قدمتها المؤسسة الدولية للتنمية إلى قطاع الصحة على مدى 15 عامًا الماضية.

وترجع أهمية هذه المساعدات النوعية لخطورة تدهور الأوضاع الصحية في اليمن حيث أسفر الصراع عن توقف أكثر من نصف منشآت الرعاية الصحية اليمنية عن العمل، مما ترتب عليه تزايد انتشار الأمراض خاصة الأمراض التي كان يمكن الوقاية منها، فضلاً عن الارتفاع الشديد في معدلات سوء التغذية بصورة غير مسبوقة.

أزمة اقتصادية محلية وحلول عالمية

اندلعت الحرب الأهلية في اليمن( كما كانت في كل من سوريا وليبيا)  مع اندلاع احتجاجات الربيع العربي، لكنها تحولت منذ ذلك الحين إلى صراعات طائفية، كما تحولت إلى حروب بالوكالة حيث يتم تغذيتها من أطراف وبلدان أجنبية، وعادة ما تستمر الحروب بالوكالة لفترات أطول من الحروب الأخرى نظرًا لاستمرار التمويل وعرقلة الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سلمية عن طريق المفاوضات.

وبالتالي فإن إحلال السلام وإعادة الإعمار في اليمن يمثلان تحديًا اقتصاديًا كبيرًا على اليمنيين ودول الجوار والمجتمع الدولي، كما أن حجم الدمار وتدهور مؤشرات التنمية يدلان على أن عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع ستتطلب موارد طائلة، حيث يتطلب الأمر ليس فقط أن تعيد بناء البنية التحتية، بل مؤسسات الخدمات الاجتماعية ومنشآت الأعمال التي طالها الدمار.

 من ناحية أخرى، فكما أن الدمار لم يصب فقط الأصول المادية وإنما طال الجوانب النفسية والاجتماعية، وأثر بالضرورة على منظومة القيم والمباديء، وأحدث نوعًا من الشعور بالإقصاء الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في المقام الأول وصراعات طائفية، فإن أي تسوية بعد انتهاء الصراع يجب أن تتصدى لتلك التصدعات تجنبًا لحدوث انقسامات أو نزعات استقلالية، أسس طائفية، كما أن عليها أن تعيد إنشاء ماهو أكثر من البنية التحتية بإقامة مؤسسات كان غياب دورها سببًا رئيسيًا في اندلاع الصراع.

 وكما يشير تقرير البنك الدولي فإن إحلال السلام في المنطقة يُعد من السلع ذات النفع العام العالمية، ومن ثم يجب على المجتمع الدولي التكاتف للمساعدة في تمويل برامج إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراعات في المنطقة، والمساعدة في تنفيذها.

مستقبل التنمية الاقتصادية في اليمن

تعتمد التوقعات الاقتصادية والاجتماعية لعام 2017م، وما بعده بشكل حاسم على التحسينات السريعة على الصعيدين السياسي والأمني، وفي نهاية المطاف على ما إذا كانت نهاية الصراع الجاري ستسمح بإعادة بناء الاقتصاد والقدرة الإنتاجية والنسيج الاجتماعي لليمن.

 وإذا أمكن إرساء السلام بحلول منتصف عام 2017م، يُقدّر عجز الموازنة بالانخفاض إلى 6% من إجمالي الناتج المحلي. ويمكن استئناف التمويل الأجنبي في النصف الثاني من السنة (مع تقدير المساعدات الطارئة بنسبة 4% من إجمالي الناتج المحلي). وفي الوقت نفسه، يمكن معاودة تحصيل الضرائب مع استئناف إنتاج النفط، مع انتعاش عائدات الضرائب النفطية إلى حوالي 6% من إجمالي الناتج المحلي، من بينها 2/3 مرتبط بزيادة الاستهلاك المحلي للطاقة. وتُقدر الإيرادات الضريبية غير النفطية بنحو 8% من إجمالي الناتج المحلي ضمن هذا السيناريو.

لم تعد التقارير الإحصائية الرسمية متاحة. ومع ذلك، تشير البيانات التي تم جمعها إلى أن إجمالي الناتج المحلي لليمن انكمش منذ عام 2015م، بنسبة تقارب 40%، وذلك بشكل تراكمي.

وتعتمد التوقعات الاقتصادية والاجتماعية لعام 2017م، وما بعده بشكل حاسم على التحسينات السريعة على الصعيدين السياسي والأمني، وفي نهاية المطاف على ما إذا كانت نهاية الصراع الجاري ستسمح بإعادة بناء الاقتصاد والقدرة الإنتاجية والنسيج الاجتماعي لليمن، وإذا أمكن إرساء السلام بنهاية عام 2017م، يقدر عجز الموازنة بالانخفاض إلى 6% من إجمالي الناتج المحلي. ويمكن استئناف التمويل الأجنبي مطلع العام 2018م، (مع تقدير المساعدات الطارئة بنسبة 4% من إجمالي الناتج المحلي)، وفي الوقت نفسه، يمكن معاودة تحصيل الضرائب مع استئناف إنتاج النفط، وانتعاش عائدات الضرائب النفطية إلى حوالي 6% من إجمالي الناتج المحلي، المرتبطة بزيادة الاستهلاك المحلي للطاقة، وتقدر الإيرادات الضريبية غير النفطية بنحو 8% من إجمالي الناتج المحلي ضمن هذا السيناريو.

التحديات الحاضرة واحتمالات نجاح التنمية الاقتصادية مستقبلاً

يتعرض مستقبل التنمية الاقتصادية في اليمن لتحديات بعضها في الأجل القصير والآخر في الأجل الطويل، أما التحديات في الأجل القصير فمن بينها شدة تقلبات أسعار النفط، وتصاعد حدة الحرب واستمرار أعمال العنف في المنطقة، وما ترتبه من حالة عدم اليقين بشأن اتجاهات التسوية، والتي بدونها لا يتصور أن تبدأ جهود إعادة الإعمار والتنمية في اليمنكذلك هناك مخاطر متعددة أمام تحقيق نمو طويل الأجل في المنطقة، فالصراع وانعدام الاستقرار السياسي، وانتشار الفساد، وسوء نظام الحوكمة يمكن أن تكون لها آثار معوقة على إمكانات التنمية واستمرارها حتى مع انتهاء الصراع العسكري.

 وعليه يمكن القول أن إعاد إعمار الاقتصاد اليمني، وبدء عملية التنمية، والسعي لتحقيق نمو مرتفع وشامل للجميع في اليمن، يتطلب بداية إنهاء الصراع المسلح، وتحقيق الاستقرار السياسي، والبدء في تحسين أوضاع الاقتصاد الكلي، خاصة على مستوى البنية التحتية،  وإجراء إصلاحات في السياسات والنظم الاقتصادية، وتنفيذ إصلاحات على مستوى الاقتصاد الجزئي لتهيئة مناخ أفضل لأنشطة الأعمال في القطاع الخاص، بما يسمح بالبدء في عمليات التنمية وتحقيق معدلات مناسبة من الاستثمارات الوطنية، والإنتقال إلى مسار نمو أعلى ومستدام في البلاد.

وتتمثل أهم السياسات المؤثرة على مناخ الأعمال والاستثمار في السياسات والنظم الضريبية، والتأمينات الاجتماعية، ونظم التراخيص والتقاضي، وإجراءات دخول الأعمال والخروج منها، بما يوفر بيئة أعمال مواتية ِّ لتعزيز أنشطة القطاع الخاص وجذب رؤوس الأموال الخارجية،  وتدعيم استثمارات القطاع  الحكومي والعام، كما أن تطبيق إصلاحات موجهة نحو تقليص التوظيف بالقطاع العام وتضييق الفارق في الأجور بين القطاعين العام والخاص سيشكلان عنصرين رئيسيين في استراتيجية النمو.

كما يمثل تطوير نظام التعليم وتحديثه، مدخلاً ضروريًا لنجاح خطط التنمية، وإقامة مشروعات عالية التقنية، بما يكفل تزويد الخريجين بالمعارف الحديثة وإكسابهم المهارات المتطورة، ومن ثم هناك حاجة إلى إحداث ثورة في نظام التعليم من أجل تحسين الجودة وتوفير فرص توظف عالية الانتاجية والأجر للمواطنين الشباب، وفي الوقت الحالي يعد التدريب المهني ضروريا في اليمن، كما أنه من المهم زيادة معدل مشاركة النساء، وتشجيع القطاع الخاص الرسمي.

كما أن تحسين بيئة أنشطة الأعمال والمضي قدمًا في عمليات الخصخصة مهمة أيضًا كوسيلة لتعزيز المنافسة في ظل الدور الكبير للقطاع العام في الاقتصاد اليمني.

ومما لا شك فيه أن تحسين التجارة البينية في المنطقة يعد عنصرًا رئيسيًا في تحسين آفاق التكامل الإقليمي الذي يمكن أن يؤدي إلى انفتاح تجاري مع الأسواق العالمية الكبرى مثل أوروبا وبما يحقق وفورات الحجم في البنية التحتية، وربما بناء الثقة فيما بين بلدان المنطقة التي ينخرط بعضها في حروب بالوكالة.

أخيرًا نشير إلى أهمية وجود إرادة سياسية وشعبية، للولوج إلى السلام وتحقيق الوئام بين الفصائل المتناحرة، وتوفر إدارة على مستوى عال من الاحترافية لتحقيق التنمية الشاملة واحتواء الفقراء وإدماجهم في عملية التنمية، فمن ناحية، يمكن لإدارة تنموية جيدة أن تساعد اليمن التي مزقتها الحروب على إعادة بناء اقتصادها المدمر، وإعادة توحيد شعبها بما يعود بالنفع على المنطقة بأسرها، وربما بقية بلدان العالم.

 ومن ناحية أخرى، يمكن لإدارة  تنموية سيئة أن تؤدي إلى مخاطر تجدد نشوب الصراع، واستمرار الركود والمعاناة، وديمومة أوضاع إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، وبالتالي، فإن الإدارة الاقتصادية لعملية التنمية تعد بالغة الأهمية للمستقبل الاقتصادي في اليمن.

 

ومثلما أسهم العنف والصراع في إبطاء النمو في المنطقة خلال الأعوام الستة الماضية،فإن آفاق إحلال السلام في اليمن لا تزال تمثل أحد العناصر الرئيسية لاستئناف النمو والخروج من ربقة الفقر، خلال العقد القادم، لكن تحقيق هذه الإمكانية يتوقف بشدة على كيفية إدارةعملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع.

   

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ الاقتصاد والمالية العامة ـــ جامعة المنوفية-مصر

 

مقالات لنفس الكاتب