; logged out
الرئيسية / الإخوان يسعون لبث الشكوك بين أطراف التحالف خاصة بين السعودية والإمارات الدور العسكري الإماراتي في اليمن بين العقيدة السياسية والأطماع الاقتصادية

العدد 122

الإخوان يسعون لبث الشكوك بين أطراف التحالف خاصة بين السعودية والإمارات الدور العسكري الإماراتي في اليمن بين العقيدة السياسية والأطماع الاقتصادية

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2017

الدور العسكري الإماراتي في اليمن هو من أكثر الأدوار التي ثار بشأنها الجدل منذ انطلاق حرب عاصفة الحزم في مارس 2015م، فقد أسهب البعض في الحديث عن طبيعة المصالح التي دفعت دولة الإمارات للتدخل العسكري، ومدى اختلاف هذه المصالح مع المصلحة الكلية للتحالف والمملكة العربية السعودية، وأكد آخرون أن للإمارات أجندتها الخاصة التي تعمل عليها، كما روج نفر ثالث لأخبار وشائعات تصل أحيانًا إلى حد الحديث عن صراع وربما "خيانة" من الإمارات للمملكة العربية السعودية، وأن الإمارات تعمل للإضرار بالمملكة في حرب اليمن.

أبرز الاتهامات للدور العسكري الإماراتي في اليمن:

فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية فإن الجدال لا نهاية له؛ حيث يجري الحديث عن الأطماع الاقتصادية للإمارات، وبينما تحدث البعض عن سعي الإمارات للاستيلاء على ميناء عدن تحدث آخرون عن رغبتها بتدميره لكي لا يبقى صالحًا لمنافسة موانئ دبي، وتحدث آخرون عن رغبة الإمارات بالسيطرة على المواني الاستراتيجية على السواحل اليمنية على البحر الأحمر غرب اليمن، كموانيء ميدي والمخا والحديدة، وعن أطماع الإمارات بنفط الجنوب، ورغبتها باكتساب نفوذ اقتصادي وأمني وعسكري في باب المندب، وعلى نحو يجعلها مسيطرة على الملاحة التجارية الرابطة بين أهم مضيقين بالمنطقة وهما مضيقا هرمز وباب المندب. بل عزا البعض مشاركة الإمارات إلى رغبتها في التنافس مع المملكة، بعد التقارير عن نية المملكة إنشاء مدينة النور الممتدة بين اليمن وجيبوتي عبر جسر النور أو قناة سلمان الرابطة بين اليمن وجيبوتي، وأن الإمارات تحركت ليكون لها اليد الطولى في عدن، لأن تنفيذ هذا المشروع سيؤمن للمملكة مرور بترولها عبر القناة والاستغناء عن مضيق هرمز التي تتحكم الإمارات في ممراته، على حد ما يقولون.

ومن الناحية السياسية، يؤكد البعض تحرك الإمارات وفق خطة تستهدف في النهاية فصل الجنوب وتقسيم اليمن إلى يمنين شمالي وجنوبي، وأنها بينما تسيطر على الجنوب من خلال قوات "الحراك"، فإنها ليست بعيدة عن الشمال من خلال سعيها لإعادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى الواجهة عبر نجله أحمد، سفير اليمن في الإمارات، الذي تؤهله أبوظبي – وفق ما يقولون-  للعب دور في مستقبل اليمن الشمالي، وفي سياق ذلك تسعى الإمارات إلى عزل حزب الإصلاح (الإخوان) وإبعاده عن السلطة، وضرب التنظيمات السلفية وتنظيمات العنف الإسلامي، وتعيين قيادات سياسية محابية لها في المواقع السياسية والأمنية، لتنتهي بإطاحة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي. بل ذهب البعض إلى  أن الإمارات هي التي عرقلت خطة تحرير الحديدة، التي كانت على وشك الانطلاق، وأنها اشترت جزيرة سوقطرة، والخلاصة هي ذهاب البعض فعليًا إلى حد الحديث عن "احتلال" أو "استعمار" إماراتي لليمن.

أما على الصعيد العسكري الأمني، فيدور الحديث عن تشييد قواعد عسكرية إماراتية في مينائي المخا وميدي وجزيرة ميون. وعن التركيبة العسكرية للمشاركة الإماراتية يتحدثون عن مشاركة مرتزقة عسكريين من كولومبيا وشيلي ودول أخرى في أمريكا الجنوبية تابعين لشركة "بلاك ووتر" ضمن قوات الإمارات باليمن. وفي سياق البعد الأمني والعسكري أيضًا تحدث البعض عن خطة خاصة بالإمارات وتحركها في سياق عقيدة دفاعية وعسكرية مختلفة، وأنها انتهكت اتفاقها المسبق مع المملكة بخصوص طبيعة الدور وحدوده، وأنها بعملية الرمح الذهبي التي انطلقت في يناير 2017م، خرقت الاتفاق الذي شاركت بمقتضاه في الحرب، والذي تضمن النص على أن يقتصر دورها على تحرير عدن، وأنها تلعب دورًا مستقلا خارج مصالح التحالف ومنفصلة عنه، وأنها غير معنية بالصراع مع الحوثيين وأنصار صالح، بل يصل البعض إلى حد إيجاد أرضية تفاهم مشتركة بين الإمارات وإيران والحوثيين.

ومهما كانت المساحات بين الصحيح وغير الصحيح من تلك الروايات، فعلى كل هذه التحليلات يمكن إيراد ثلاث ملاحظات أساسية:   

أولها: أنه من خلال الاطلاع على عناوين الكتابات والفيديوهات الشائعة بشأن الدور العسكري للإمارات في اليمن يلاحظ اتجاه إلى "شيطنة" هذا الدور، بشكل يؤكد أن الأمر يتجاوز مسألة النقاش العلمي والسياسي عن حقيقة الدور الإماراتي، وأنه على الأرجح يجري كجزء من معركة كبرى تخوضها قوى مضادة للإمارات، وهي بالأساس قوى التيار الإسلامي وخصوصًا الإخوان المسلمين في اليمن وفي عموم الإقليم. وهذا التيار يتجه إلى رفض كل شيء يأتي من الإمارات بتأكيد أنه لا يأتي منها إلا كل شر، ومن ثم يسعى هذا التيار دائمًا إلى تشويه كل خطوة إماراتية وبث الشكوك بين أطراف التحالف وخصوصًا بين الإمارات والسعودية، والدليل على ذلك أنه برغم كل هذه الشكوك التي يسعى لبثها فإن المملكة لم تعر اهتمامًا كبيرًا لها، وفي المرات القلائل التي سئل فيها المسؤولون السعوديون عن الدور الإماراتي وحقيقة ما يثار عنه، كان الرد مؤكدًا على الدور الإيجابي لدولة الإمارات والذي يقدم مساندة أساسية للمملكة والتحالف، ولذلك لا يزال الدور العسكري الإماراتي مستمرًا، رغم وجود فترات برز فيها اختلاف النهج بين البلدين، على نحو عكسه إعلان الإمارات على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية د. أنور قرقاش في يونيو 2016م، إن مشاركة بلاده في حرب اليمن "انتهت عمليًا".، حيث يشير استمرار الدور الإماراتي والمساهمة العسكرية للإمارات رسوخ قناعة كل من الإمارات والمملكة بأهمية هذا الدور والتوافق السياسي بينهما.

وثانيًا يتضح أن أغلب التقارير والتحليلات والآراء عن الدور العسكري لدولة الإمارات، تنصرف إلى محاكمة النيات، وليس إلى واقع التصريحات أو المواقف السياسية المعلنة للدولة، حيث أنه لا أحد من المسؤولين الإماراتيين تحدث عن مصالح اقتصادية أو مشروع استعماري للإمارات في اليمن ولو حتى على نحو مستتر، وفيما هو أبعد من هدف عودة الشرعية ومنع اختطاف بلد عربي من قبل إيران أو تنظيمات القاعدة والإخوان، ليس هناك هدف إماراتي آخر مطروح، وذلك ما يبرزه تأكيد الشيخ محمد بن زايد -خلال استقباله رئيس الوزراء اليمني في أغسطس 2016م، وقوف الإمارات إلى جانب الشعب اليمني حتى يتمكن من تجاوز التحديات ويحقق التطلعات الوطنية في إعادة بناء ما دمره المتمردون على الشرعية، وأن دولة الإمارات مع كافة خطى قوات التحالف بقيادة السعودية في سعيها لعودة الأمن والشرعية لليمن، ودحر الكيانات المتمردة والانقلابية وفتح آفاق التسوية السلمية.

 ثالثًا: على الرغم من أنه لا مشكلة في أن يكون للإمارات مصالح سياسية واقتصادية، إلا أنه من المؤكد أنها تدرك خريطة الصراع المعقدة والوضع الراهن من عدم الاستقرار، وأن أي حكومة يمنية حالية أو محافظين ومسؤولين أمنيين ومدنيين ممن يوالون دولة الإمارات، ليس بإمكانهم التوقيع على اتفاقيات ذات حجية إزاء القانون الدولي، تمنح الإمارات امتيازات اقتصادية أو أمنية تالية في الجزر أو الموانئ، فأي حديث عن أطماع للإمارات في اليمن يدور على جغرافيا قلقة، وفي مساحة من الرمال المتحركة، لا يمكن أن تضمن مصالح دائمة لدولة الإمارات في يمن المستقبل، ولن يكون العائد من أي امتيازات تجنيها خلال فترة الاضطراب بمقدار الخسارة فيها، وذلك لا يشجع أي قيادة سياسية، خاصة وأن بيئة وخريطة الاستثمار الإماراتية مفتوحة على العالم، وليس هناك حافز يدفعها للانخراط في بيئة مضطربة. ومن ثم فإن الرهان على مصالح اقتصادية تحققها الإمارات من اليمن في وضعه الراهن غير ممكن، وكدولة على دراية بأنشطة المال والأعمال، تدرك الإمارات استحالة الرهان على مصالح في ظل أوضاع قلق واضطراب. وهذا الحديث عن مصالح وأطماع اقتصادية في اليمن، يقفز على مرحلة طويلة ما بعد التحرير ونجاح التسوية والاستقرار السياسي وإعادة البناء. فاليمن لم يصل بعد إلى مرحلة الاستقرار الذي يجعله محطة تنافس وصراع على المصالح، وإنما هو حتى الآن مستنقع حرب وجغرافيا صراع مضطربة، وهو أمر بالتأكيد أن القيادة السياسيون ليسوا غافلين عنه.

وبشكل عام، فقد عانت الإمارات كثيرًا منذ الثورات العربية، من نمط دعاية سياسية يعتنق أنصاره نظرية المؤامرة وينطلق من تصوير الحياة الدولية على أنها غابة تسودها اللصوصية، على نحو ما جسدته المدرسة الإخوانية التي تضرب بعنف كل ما يختلف معها. ويصور أنصار هذا التيار الإمارات على أنها دولة متعطشة لثروات اليمن وتتحين الفرصة للانقضاض على الفريسة وأنها تقوم بعملية من السطو والسرقة في وضح النهار. والاقتناع بمقولات هذه المدرسة يعني الاقتناع بأن اليمن الذي يبلغ عدد سكانه 30 مليونًا أصبح دولة مستلبة الإرادة. ومن الملاحظات المهمة، أن هذا النمط التصويري لدور الإمارات في اليمن ازداد بشكل مكثف منذ الأزمة القطرية التي تفجرت في مايو 2017م، وأصبح مجال تركيز ودعاية مستمرة من جانب قناة الجزيرة والقنوات الإخوانية، وهو ما يؤكد دوران الصراع مع الدور الإماراتي في اليمن في حلبة الصراع بين قطر ودول المقاطعة العربية.

ولا يعني ما تقدم أنه لم تثر خلافات بين الإمارات والحكومة الشرعية اليمنية، أو أنه ليس هناك مصالح سياسية واقتصادية خاصة بدولة الإمارات، أو أنه ليس هناك اختلاف بين مواقف الإمارات والسعودية في اليمن، فكل ذلك موجود، ولكن تتم إدارته بشكل طبيعي يضخم منه أنه يجري في ظرف أزمة وصراع تتسلط عليه الأضواء، على نحو ما تشهده كل الأزمات الدولية، ولكن بمجرد أن تنتهي الأزمة ويعود جنود الإمارات من اليمن وتنتهي مهمتهم العسكرية، سوف يتضح أن أغلب الأفكار صاغتها عقول مأزومة ومهجوسة بالمؤامرة، ولم يكن لها أساس كبير من الواقع.     

في ضوء ما سبق، يمكن النظر إلى الدور العسكري للإمارات في اليمن من ثلاث زوايا أساسية:  

أولاً: الموقف الرسمي المعلن بمساندة السعودية وتأكيد فاعلية مجلس التعاون الخليجي: وذلك ما أكدت عليه جلسة مجلس الوزراء الإماراتي بتاريخ 29 مارس 2015م، الذي تحدث عن هدف ترسيخ الأمن والاستقرار في اليمن وحفظ الشرعية الدستورية ومؤسساتها وصيانة المسار السياسي المعترف به دوليًا ومكوناته الأساسية، وعلى رأسها المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وما يتفق عليه اليمنيون، وتحدث عن تعزيز أمن دول الخليج العربي من خلال ضمان أمن واستقرار اليمن. وثمن المجلس الدور القيادي للمملكة العربية السعودية انطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية ودورها الريادي في المنطقة. ويبدو أن المجلس استهدف تأكيد فاعلية دولة الإمارات ومجلس التعاون الخليجي ومسؤوليته في العالم العربي على نحو ما جرى تصوره في مارس عام 2015م، (وقت صدور القرار بالمشاركة في عاصفة الحزم)؛ وهو ما يتضح من حديث المجلس عن الدور التاريخي لدولة الإمارات في الوقوف إلى جانب اليمن، وسعيها ضمن إطار مجلس التعاون، ومن إحساس كبير بالمسؤولية تجاه المنطقة وأمنها واستقرارها، إلى ضمان التوافق السياسي الذي عبرت عنه المبادرة الخليجية، وكانت استجابة قادة دول التحالف إيمانًا وإحساسًا قويين بأهمية التضامن العربي والعمل الجماعي مما يمثل مرحلة جديدة ونشطة في العمل العربي المشترك.  

ثانيًا: عقيدة الإمارات الخاصة بالموقف من الإخوان المسلمين ومحاربة الإرهاب: فلا شيء ضمن مكونات العقيدة السياسية لدولة الإمارات الآن، أقوى من مواجهة الإخوان المسلمين وتيارات العنف القاعدية والجهادية، وتجد جذور هذه العقيدة السياسية خلال حكم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، الذي كان له موقف مناهض للإخوان، كما تشكلت هذه العقيدة من تحليل الدولة الإماراتية للخطاب السياسي للجماعة بشأنها، وهم الذين دخلوا في تناوش إعلامي مع الإمارات خلال سنة وجودهم على رأس السلطة في مصر، وما أشيع عن سعيهم للسيطرة على دولة خليجية غنية والانطلاق منها في تحقيق مشروعهم الأممي، فضلاً عن سلوك إخوان الداخل بالإمارات والذين مثلوا حالة من خصخصة الولاء العابر للحدود للجماعة ومرشدها العام في مصر، مع القبض على خلية للتنظيم السري لجماعة الإخوان بالإمارات أواخر 2012م، تضمنت عناصر مصرية على ارتباط بقيادات إخوانية في مصر. ومن خلال تحليل السلوك العسكري الإماراتي في اليمن يتضح الخلاف مع حزب الإصلاح (الإخوان)، والسعي الإماراتي إلى إجهاض إمكانية استيلاء هذا الحزب على الحكم، إدراكًا لخطورته على أمن الإمارات وأمن مجلس التعاون الخليجي. 

ثالثًا: تعزيز المكانة السياسية للإمارات والنموذج الإماراتي إقليميًا: فقد دفعت حالة العزوف العربي عن التدخل العسكري في اليمن بدولة الإمارات إلى الطموح بلعب دور أساسي وتحمل المسؤولية توظيفًا لقدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية المتنامية، وإثباتًا لدورها كدولة صغيرة الحجم، لكنها تضطلع بدور إقليمي هام في إعادة الاستقرار الداخلي لدولة عربية مهددة بالفشل، وعلى نحو يقدم نموذجًا مغايرًا للنموذج العسكري التدخلي المباشر وغير المباشر لدولة قطر، التي قامت بدعم جماعات مسلحة جهادية وسلفية لإسقاط الأنظمة الوطنية في سوريا وليبيا وتونس ومصر، وإسناد وصول الإخوان والتيارات الإسلامية للسلطة، عل نحو انتهى بالفشل في مختلف التجارب التي شهدت تدخلا قطريا. ولقد سلط التدخل العسكري الإماراتي الضوء على الكفاءة القتالية للقوات المسلحة الإماراتية خصوصًا في معارك تحرير عدن والمكلا ومأرب، وفي عملية الرمح الذهبي التي استهدفت تحرير الساحل الغربي لليمن. فمن المؤكد أن عين الإمارات تتجه إلى ما بعد الحرب ومردوداتها على مكانتها الإقليمية، وامتلاك موقع تأثير في مساحة استراتيجية حيوية للعالم على مداخل وسواحل ونقاط التقاء بحر العرب والمحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، ليس بالسيطرة عليها (بشكل استعماري على نحو ما تطرح التحليلات التآمرية)، وإنما من خلال عمليات الإعمار والبناء وإعادة تأهيل البنى التحتية، وتعزيز شراكات اقتصادية مع مراكز النفوذ والمفاصل الأساسية في الدولة اليمنية الجديدة، التي سيعود الفضل في تحريرها إلى السعودية ثم الإمارات، التي تدخلت بشكل بري  كثيف وجعلت عملية التحرير ممكنة عمليًا.

الخلاصة

كل ما طرح من أفكار بخصوص الدور الإماراتي، واتجه إلى ربطه بالمصالح الخاصة بدولة الإمارات، لم يقدم كامل الصورة، ولم يقف أمام الأسئلة الكبرى التي يمكن أن تطرح، مثلاً: هل يجري الدور الإماراتي بعيدا عن التوافق مع المملكة العربية السعودية، وبمعزل عن أهداف مجلس التعاون الخليجي والتحالف العربي؟ وماذا لو لم تشارك الإمارات ولم ترسل قواتها إلى اليمن؟ هل كانت أوضاع الدولة اليمنية ستكون أفضل من زاوية الاستقرار السياسي؟

فعلى الأرجح أن تدخل الإمارات عسكريًا ساعد على عدم استيلاء أنصار صالح والحوثيين على الجنوب، أو على الأقل خضوعه لحكم التيارات المتشددة والعنيفة كالقاعدة وأنصار الشريعة والإخوان، ولساد نموذج الإمارات الإسلامية والداعشية في مدن ومحافظات يمنية متعددة، وتمزقت الدولة المركزية تمامًا، وربما سقطت في أيدي هذه الجماعات المدن والمواني اليمنية الساحلية والهامة، ولاستمرت شراسة الحرب وتعطلت تنمية الجنوب والحياة المدنية ولتوقفت الخدمات في عموم اليمن، وتعرقلت أعمال الإغاثة الإنسانية أكثر، ولأصبح حال اليمن من السوء أضعاف ما هو عليه الآن. هنا فإن الوجود العسكري البري للإمارات سد فراغًا كان يمكن لقوى أخرى أن تملأه، سواء قوى التخريب السياسي في الداخل أو قوى المصالح الاقتصادية في الخارج.

ولم يكن لأي من القوى والأطراف التي تتحدث عن الأدوار السلبية للإمارات أن تضمن الاستقرار سواء في دولة جنوبية إذا انشطر اليمن، أو دولة الوحدة إذا بقيت الدولة المركزية، حتى لو كان الصراع في اليمن قد تأطر وانحصر بين الشمال والجنوب، على نحو ما كان في فترات سابقة، فإنه على الأرجح كان سيدخل في صراع كبير ودموي بين تكتلين كبيرين هما أنصار علي صالح والحوثيين وحزب الإصلاح، وهو الصراع الذي كان سيتطور ليأخذ شكلاً عقائديًا ومذهبيًا تحركه المصالح وصراعات النفوذ الإقليمي.

ولا يأخذ المعارضون للدورالإماراتي أيضًا أن قرار المشاركة العسكرية كان أحد أعقد القرارات في تاريخ دولة الإمارات، وهي تدرك ثقل المهمة ومخاوف التدخل العسكري البري، فضلاً عن الخسائر البشرية التي تحملتها ولا تزال، وسوف يكتب أن هذه من المرات القلائل التي تحركت فيها دولة عربية بقواتها العسكرية - في ظل أحلك فترات التاريخ العربي-لتؤكد إمكان بناء تحالفات عسكرية عربية -بقيادة عربية-بهدف إعادة الاستقرار والنظام في دولة عربية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية ومدير برنامج الخليج العربي

بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

 

مقالات لنفس الكاتب