; logged out
الرئيسية / التحالف السعودي المصري انتظر رحيل أوباما الأقرب للمشروع التركي القطري اليمن في قلب الأمن الاستراتيجي للخليج...منظومة أمنية إقليمية واحدة

العدد 122

التحالف السعودي المصري انتظر رحيل أوباما الأقرب للمشروع التركي القطري اليمن في قلب الأمن الاستراتيجي للخليج...منظومة أمنية إقليمية واحدة

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2017

العلاقة بين الفرس والعرب متوترة تاريخيًا، انتصر العرب في أول معركة على الفرس في معركة ذي قار بالعراق عام 609م، عندما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأول مرة ينتصف العرب وبي انتصروا.

كانت تحاول فارس أن تسيطر على جزيرة العرب من خلال تواجدها في اليمن، فحينما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كتابه لكسرى مزقه، فقال الرسول الكريم اللهم مزق ملكه، فأرسل كسرى إلى عامله في اليمن باذان بأن يبعث برجلين شديدين ليحملا له ابن عبد المطلب رسولنا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والقصة معروفة كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حبس الرجلين إلى اليوم الثاني وأخبرهما بمقتل كسرى على يد ابنه كان سببًا في إسلام باذان في اليمن وأسلم معه حشد كبير من أتباعه من اليمنيين.

اليمن يحتل موقع استراتيجي في شبه الجزيرة العربية وخزان بشري للحضارات العربية، فالأوس والخزرج الذين سكنوا المدينة المنورة وناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم هاجروا من اليمن، والغساسنة والمناذرة الذين سكنوا على أطراف الجزيرة العربية وكونوا حاضرتين هاجروا من اليمن، واليمن كان مصدر اقتصادي لشبه الجزيرة العربية ضمن رحلتي الشتاء والصيف، أي أن اليمن يمتلك بالنسبة للجزيرة العربية ثلاث مميزات: موقع استراتيجي، وخزان بشري، ومصدر اقتصادي، وعلى الصعيد الجيوبولتيكي يربط شبه الجزيرة العربية بإفريقيا.

محاصرة السعودية:

يتكرر التاريخ تحت غطاء تصدير الثورة الخمينية للمنطقة ومحاصرة السعودية بشكل خاص القوة التي حلت محل الدولة العثمانية، حتى أتى غزو العراق من قبل الولايات المتحدة ولم تقدم أي دولة لا عربية ولا إسلامية خدمات لوجستية لأمريكا في هذا الغزو سوى إيران.

 لذلك كافأت واشنطن إيران بالسماح لها بالدخول إلى العراق بعد تسريح الجيش العراقي، وهو تحالف خفي بين الجانبين على العرب والمسلمين، مثلما تحالفت الدولة الصفوية مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية.

بدأت إيران تشكيل قوات الباسيج في العراق وسوريا وقاتلت المعارضة السورية بـ 42 لواء و38 كتيبة مكونة من مقاتلين طائفيين إيرانيين وأفغان ولبنانيين وعراقيين.

 تزامن هذا التقدم مع تصريحات صادمة من الهمداني رئيس الحرس الثوري والباسيج بقوله أصبحت القوة الإيرانية القوة الضاربة الأكثر في العراق ولبنان وسوريا، تزامنت أيضًا مع تصريحات أخرى صادرة من يونسي مستشار روحاني بأن بلاده أصبحت إمبراطورية عاصمتها بغداد كما كانت عبر التاريخ وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت في الماضي، في إشارة للتواجد العسكري في العراق، وقال يونسي إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وأن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية، و سنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية.

 واستثمرت إيران المفاوضات النووية بالتركيز على اليمن وفي الوقت نفسه الضغط على السعودية في سوريا حتى تضمن واشنطن زمن أوباما تحقيق تقدم في المفاوضات النووية مع إيران، وكانت تصدر عنها تصريحات متناقضة تسترضي فيها السعودية وفي نفس الوقت تفتح الباب مشرعًا أمام استكمال النفوذ الإيراني لمجرد التوقيع على الاتفاقية النووية بين الجانبين من أجل ضمان أمن إسرائيل.

لكن بعدما صدرت تصريحات من إيران عمقت الأزمة في اليمن، ولتخويف الدول الخليجية ودول التحالف التي تحارب ضد داعش عقابًا لها بسبب أنها استبعدت إيران من هذا التحالف، وبسبب تخوف  إيران من استبعادها من هذا التحالف يكون مرحلة بأن تفقد مع الاستبعاد مصالحها في سوريا وبيروت، بعدما غيرت داعش الخارطة السياسية في العراق، وهي ترى أنها خسرت مكاسب في العراق، رغم أن القيادة السياسية في العراق أرادت تطمين إيران من خلال زيارة العبادي إلى طهران في أول زيارة خارجية له بالتنسيق مع إيران لمواجهة داعش رغم ذلك لم تهدأ مخاوفها مع أنها تمتلك 41 فصيلا ميليشياويا في العراق تأتمر بأمرها ورغم ذلك تخشى من التقارب بين العراق والسعودية خصوصًا بعد الزيارة التي قام بها العبادي للسعودية بعد دحر داعش في الموصل والتي توجت بفتح الحدود بين البلدين والتنسيق بينهما حول محاربة الإرهاب.

توقيت تلك التصريحات له دلالات لإرباك المشهد السياسي في المنطقة، وتريد الضغط لمراجعة قرار استبعاد لإيران، وهي خطوة من أجل الضغط على تلك الدول من أجل إبرام اتفاقات مع إيران حتى تشارك في حل سياسي في سوريا حتى تضمن بقاءها في المنطقة.

حيث جاء تصرح علي أكبر ولايتي مستشار المرشد بأنه متأكد من لعب أنصار الله في اليمن بنفس الدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان، هذا التصريح كان له دلالة على دعم أنصار الله سياسيًا من أجل استمرار تحركهم الشجاع، وتعتبر إيران أن مشروع أنصار الله مشروع مدروس ومستلهم من مشروع حزب الله، أي يصبح أنصار الله على رأس الحربة للمشروع الإيراني في البحر الأحمر.

تعتبر إيران التنسيق والعمل المشترك بين العراق ودول الخليج وعلى رأسها السعودية خسارة استراتيجية لها، قد تقود إلى خسائر أخرى لها في المنطقة، فركزت على اليمن باعتراف طهران على لسان مساعد وزير الخارجية في الشؤون العربية والإفريقية في 10/12/2014 قوله أن بلاده ( اليوم الأكثر نفوذًا في المنطقة، وتستخدم هذا النفوذ لضمان أمنها القومي ومصالحها القومية وأمن المنطقة)، بل أكدت وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية (إرنا) عن عبد اللهيان أن إيران استخدمت نفوذها في تطورات اليمن لما يضمن الوحدة الوطنية والوفاق بين الفصائل اليمنية، إيمانًا منها بأن الأمن المستدام في اليمن له تداعيات مباشرة على الأمن المستدام في منطقة الخليج برمتها.

رعت إيران اتفاقية مخالفة للمبادرة الخليجية في اليمن تماشيًا مع العقيدة الدفاعية التي تعتمد على القوة البحرية:

إيران كانت ترعى اتفاقية مخالفة للمبادرة الخليجية التي تتكون من ست محافظات فيدرالية: إقليمين للجنوب، وأربعة للشمال، لكن تحفظ الحراك الجنوبي على مخرجات الحوار، وكذلك الحوثي لأنه يريد ضم حجة باعتبارها ميناء على البحر الأحمر والجوف إلى محافظة ازال.

 بينما الاتفاقية التي ترعاها إيران يمن كونفيدرالي مكون من محافظتين، خصوصًا مع سالم البيض الجنوبي الذي يتبع إيران، وبذلك تكون هناك سيطرة تامة لإيران على اليمن وهو ما لم توافق عليه السعودية أيا كان الثمن.

إيران ترى في المنطقة منطقة حيوية إيرانية لذلك نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن قائد القوة البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سياري قوله (مشروعنا لصنع المدمرات بدأ قبل فترة بأمر من قائد الثورة الإسلامية ونشهد اليوم منجزات جديدة، علمًا بأن المدمرة (سنهد) أكثر تطورًا من المدمرة (جماران) بنسبة 30 %) وتابع أن (أمن منطقة خليج عدن وباب المندب مهم جدًا لمصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث قمنا بإرساء الأمن على بعد 3 أو 4 آلاف كيلو متر من البلاد).

العقيدة الدفاعية لإيران تعتمد على القوة البحرية والقدرة الصاروخية وصرح روحاني للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي زار طهران للمرة الثانية في 17/8/2014م، بأن قدرتنا الصاروخية غير قابلة للتفاوض ولا تزال القوات البحرية تتحرش بالقوات البحرية الأمريكية في الخليج العربي في 28/7/2017 م، ولا تزال تتحدى الإدارة الأمريكية في تجربة الصواريخ البالستية.

نظرة السعودية إلى أمن البحر الأحمر:

في المقابل، السعودية ترى أن أمن شواطئ الخليج العربي مطروحًا لدول الخليج منذ فترة طويلة، وظل الاهتمام به متزايدًا لكن برزت إلى السطح أهمية أمن البحر الأحمر كجزء مهمل من أمن الخليج لأن سير التطورات في البحر الأحمر في ظل التعقيدات والمتغيرات على الأرض يجعل المواجهة بين الاستراتيجيتين الإسرائيلية والإيرانية مرجحة جدًا التي تستهدف محاصرة الأمنين السعودي والمصري.

يمر عبر البحر الأحمر 45 % من ناقلات النفط المحملة بنفط الخليج العربي، وتشاطئه تسع دول تشكل دوله عمقًا استراتيجيًا مهمًا يحتاجه الأمن الإقليمي بالإضافة إلى قواعد أميركية وأوربية وإيرانية متواجدة في المنطقة.

الرياض والقاهرة استشعرا خطورة الوضع، فشكلا تحالفًا ثنائيًا، وقررت مصر إطلاق مشروع مصري لقناة سويس جديدة بكلفة أربعة مليارات دولار، لتتمكن مصر من التحكم بأمن القناة في المستقبل، وفي نفس الوقت تحقق أبعاد اقتصادية لمشروع قناة السويس الثانية التي لا تنفصل عن الأمن الإقليمي للمنطقة، باعتبار القناة أهم شريان مائي في العالم يربط شمال الكرة الأرضية بجنوبها.

لكن مع وجود نفوذ إسرائيلي إيراني في المنطقة، فإن ضعف القدرات العسكرية العربية خصوصًا السعودية ومصر في البحر الأحمر من حيث محدودية الأساطيل البحرية يضعها تحت طائلة النفوذين الإسرائيلي والإيراني، خصوصا وأن إيران بدأت لها يد طولى في اليمن عن طريق أنصار الله الحوثيين لأن اليمن يمسك بعنق البحر الأحمر وفمه.

صياغة تحالف استراتيجي سعودي ـ مصري لحماية أمن البحر الأحمر والمنطقة:

حماية أمن الخليج والبحر الأحمر بحاجة إلى صياغة استراتيجية تفاعل عربية خصوصًا بين مصر والسعودية كنواة للأمن العربي التي تشاطئ البحر الأحمر.

لكن مرت المنطقة العربية بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي 2011م، بينما البديل لم يكن جاهزًا لتطبيق الديمقراطية بل كان البديل في تذويب القرار العربي عبر مشاريع وتنظيمات مدعومة إما إيرانيًا أو تركيًا.

التحالف السعودي المصري تأخر حتى نضوج متغيرات دولية بسبب أن المجتمع الدولي في عهد أوباما كان أقرب للتصور التركي ـ القطري في اعتماد صيغ توفيقية تقرن بين إشهار القبول بالنظم القائمة وبين الدعوة إلى ترتيب سياسي اجتماعي قائم على مفهومها للدين من جهة، وبين التوجهات الإسلامية القطعية الرافضة للنظام السياسي القائم برمته، سواء بشكله المحلي أو بامتداداته العالمية واستبداله بآخر صارم أساسه الانصياع والطاعة باسم الدين، كانت تعتبره أمريكا البديل الأفضل والذي من وسعه تحقيق الاستقرار ومنع التطرف من استقطاب الجمهور المنتفض، وإعادة تشكيل النظام السلطوي في المنطقة.

 لكن ما حدث هو العكس عندما انتفض المجتمع المصري بكامل مكوناته في ثورته على تلك الجماعة بدعم السعودية التي كانت سباقة في دعم ثورة الشعب المصري ضد جماعة الإخوان المسلمين بدعم الجيش المصري الذي استعاد الاستقرار في مصر حتى مجيء إدارة ترامب التي اقتنعت بأن مصالحها مرتبطة باستعادة القرار العربي في المنطقة.

لذلك لم تكن مقاطعة الدول الأربع لقطر سوى مرحلة لتحييد الدورين الإيراني والتركي لأن كلاً منهما يبحث عن وسطاء للتغول في المنطقة العربية، فتركيا رأت في قطر منصة لإدارة مشروعها الإخواني رغم اختلاف نموذجها عن النموذج العربي الذي يعتبر أكثر عصرنة وتماشيًا مع الحداثة، لكن اغترت تركيا بأن الإخوان العرب يريدون تنصيب أردوغان خليفة للمسلمين باعتبار أن تركيا دولة إقليمية كبرى، فيما إيران تمكنت من استخدام وسطاء أكثر عددًا من تركيا إضافة إلى قطر حيث هناك مليشيات تود أن تتحول إلى دويلة داخل الدول بقيادة حزب الله الذي نجح نموذجه في لبنان وأن تستنسخه في البحرين واليمن وسوريا بالطبع العراق توجد فيها مليشيات عديدة باعتبار أن العراق دولة عريقة لا تستطيع الهيمنة عليه عبر مليشيا واحدة التي يمكن أن تسيطر عليها الحكومة وتفككها.

اعتبرت قطر منصة ورأس حربة لمشروعين هما لتركيا وإيران في آن واحد وليس لدى إيران مانع من أن تحارب قطر إلى جانب السعودية في اليمن وسوريا من أجل تمرير مشاريعها عبرها خصوصًا المشاريع التي لا يمكن تمريرها عبر مليشياتها كما في البحرين واليمن، وهو ما جعل السعودية ومصر بالتحالف مع دولة الإمارات والبحرين باتخاذ قرار جرئ بمقاطعة قطر من أجل مرحلة جديدة تستعيد فيها القرار العربي لترتيب أوراق المنطقة في اليمن وسوريا وليبيا ولا يتم ذلك إلا بالتحالف مع أمريكا الجديدة التي هي حريصة على تثبيت مصالحها مع حلفائها التقليديين بعدما فشلت تجربة أوباما في اختبار السلوك الإيراني الذي لم يحقق لها ما تصبو إليه الولايات المتحدة في تمرير مشاريعها عبر الدور الإيراني وهو ما أخر تحرير اليمن بسبب خيانات سمحت بتهريب الأسلحة، وقد كشفت خطط دول التحالف التي تقودها السعودية إلى جانب تفكيك الجبهات وخلق الصراع بينها وشراء ولاءات لم يكن التمويل معروفًا ولم يكن تحديد من يقف وراء هذه الفوضى حتى اتخذت الدول الأربع قرار مقاطعة قطر وإخراجها من التحالف حتى تتضح الصورة في اليمن وتتوحد الجهود.

المرحلة الجديدة التي تقودها السعودية ومصر لن تقبل لدولة عربية صغيرة مثل قطر التي استثمرت لسنوات في شراء ولاءات أفراد ومنظمات حقوقية بل وظفت الأدوات الحقوقية في معارك غير الأخلاقية من خلال نسج علاقة مبهمة مع صناع المحتوى الحقوقي ومنظماته، لذلك لابد من قيام المنظمات الحقوقية العربية بدورها في رصد وتوثيق جرائم النظام القطري التي تتعارض مع حزمة من الصكوك الدولية، ليس من المقبول أن يسمح لنظام مراهق سياسيًا استخدام فوائضه المالية في دهس منظومة حقوق الإنسان وانتهاكها.

ومن المهم أن تحوز المكانة الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي المكانة ذاتها التي تحوزها دول حوض النيل بالنسبة لمصر خصوصًا بعدما تعرض مصنع اليرموك في السودان لضربات الطائرات الإسرائيلية تلاه تقديم إيران الحماية للأجواء السودانية والسواحل بسبب غياب منظومة أمن دفاعية عربية.

أي يجب أن ينظر إلى الأمن الإقليمي كمنظومة أمنية إقليمية واحدة، ومن الخطأ تجزئته ويجب أن يكون ممتدًا من الخليج العربي إلى أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

 لذلك يمكن توسيع رقعة مجلس التعاون الذي يشمل التعاون الخليجي والبحر الأحمر لأن أمن البحر الأحمر يشكل عمقًا استراتيجيًا لأمن الخليج ولا يمكن الفصل بين الأمنين لتقليص النفوذ غير العربي في المنطقة، وهي فرصة لتعزيز التكامل الاقتصادي بين الجانبين الخليجي والإفريقي.

فقد حان الوقت في تبني حاجات إقليمية تدفعها الضرورات الاقتصادية والضرورات الأمنية من أجل أن تحمي إمكانات ومكتسبات المنطقة ،واعتبارها كتلة واحدة في ظل التهديدات الإقليمية وتأمين المجرى التجاري والنفطي الذي يمر بها .

اليمن يمتلك عوامل وحدة واندماج أكثر منها عوامل انفصال:

يمتلك اليمن موارد كبيرة جدًا، فالنفط في الجنوب، والغاز في مأرب يتم تصديره عن طريق شبوة في الجنوب، ويمتلك اليمن 200 جزيرة بحدود بحرية أكثر من 2500 كيلو متر ،وهي عوامل وحدة أكثر منها عوامل انفصال، تجمع عليه معظم القوى السياسية في اليمن، لأن اليمن يقع في منطقة استراتيجية، فاستقراره مصلحة للمنطقة الإقليمية وللعالم بأسره، فلن تقبل السعودية أن تلعب إيران في منطقة إستراتيجية، خصوصًا بعدما ضمنت حفظ الأمن الخليجي وتماسكه بعدما ضربته رياح التفكيك، فستعود السعودية إلى اليمن لإدارة الأزمة فيه بعد نهاية عاصفة الحزم وتحقيق كامل أهدافها.

السعودية ترى أن منظومة الأمن في اليمن منظومة خليجية، ولا يختلف عن الأمن الخليجي، فمثلما تحرك درع الجزيرة لحماية البحرين من إيران فتحركت السعودية بقيادة عاصفة الحزم.

السعودية تمتلك 1800 كيلو مترا مع اليمن، بينما تمتلك إيران 1500 كيلو مترا مع العراق، تمكنت من غزوه بالتحالف مع حلفائها القتلة والمفسدين الذين يريدون أن يحموا أنفسهم من المجتمع العراقي بالمليشيات، بينما بقية العراقيين شيعة وسنة تضجروا من تصريح خمسة مسؤولين كبار من الإيرانيين باعتبار أن بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية.

عاصفة الحزم أثبتت بل فاجأت إيران والعالم بتحركات سعودية سريعة خصوصًا بعد تمدد طهران المتزايد من خلال وكلائها الحوثيين في اليمن، لأن إيران تريد انتصارًا طائفيًا على الإرهاب والتحالف في العراق وعلى الدولة في اليمن.

تدرك السعودية أن المادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يسمح بتدخل الدول للدفاع عن النفس خصوصًا وأن القرارات الدولية لم تردع اليد الطولى لإيران الممثلة في الحرس الثوري في اليمن لأنها منقسمة بسبب الملف النووي الإيراني.

عاصفة الحزم لحظة استثنائية مدعومة بتحالف عربي:

عاصفة الحزم لحظة استثنائية تاريخية استعادت الزخم الشعبي بعد أن سادت مشاعر عربية وخليجية وسعودية بالإحباط لتراجع الدور السعودي الذي تزامن مع تراجع الدور الأمريكي ملأته إيران في العراق وفي لبنان وسوريا وأخيرًا في اليمن لكن عاصفة الحزم استعادت زمام المبادرة الحقيقية وليست الوهمية وتعيد ترسيم سياساتها الخارجية من منظور واقعي لأنها اعتبرتها معركة مصير داخليًا وخارجيًا ولن تقبل التهاون أو التراخي أو الوصول إلى منتصف الطريق ولن تستمع أو تستجيب للمعارضين التي تستثيرهم إيران ضد عاصفة الحزم، بل أحيت عاصفة الحزم قدرة النظام العربي في مواجهة التحديات والأخطار ولن تركن إلى رسم خرائط نفوذ على حساب الأمن العربي.

كم كانت هناك محاولات حثيثة في فصل التكامل السعودي ـ المصري تحت ذرائع بأن الثقل العربي والسياسي والمادي انتقل إلى الخليج وعليه أن يتحالف مع الدور التركي بدلا من الدور المصري خصوصًا عندما كان الأمريكيون شبه خاضعين لشروط الابتزاز الإيرانية فقد فشلوا في الحد من سيطرة طهران على مفاصل السلطة في بغداد الطريق المؤدي إلى البحر المتوسط عبر سوريا الدولة الفاشلة بدعم روسي وهو ما أخر إدارة التحالفات العربية-العربية إلى المستوى المطلوب من التعامل مع الأمن الإقليمي العربي بالكفاءة المنشودة.

السعودية لم تكن مقتنعة بتلك المحاولات التي تقودها خصوصًا من قبل دولة قطر المتحالفة مع تركيا التي تدعم جماعة الإخوان المسلمين وتعتبر أن السيسي انقلب على الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي لم يتمكن من إدارة التعددية الحزبية في مصر، واستطاع الجيش المصري استرداد السلطة بعد فشل الحكم الإخواني بدعم ثورة شعبية، بذلك استطاع الجيش حماية مصر من الاضطرابات العربية، وأثبت قدرته الفائقة في إدارة الأزمة لأن الجيش المصري ليس الجيش السوري بل هو نتاج مؤسسة مصرية عريقة متداخلة في صميم المجتمع المصري، حيث يعتبر مؤسسة وطنية مستقرة وليست مؤسسة انقلابية مشبوهة على غرار الجيش السوري الذي رضي بدخول مرتزقة إيران إلى سوريا لقصف الشعب السوري.

لذلك تحتفظ السعودية بمكانة مصر العربية والإقليمية باعتبارها كبرى الدول العربية والإقليمية، ورغم الصراع السعودي المصري زمن الملك فيصل وجمال عبد الناصر دعمت السعودية بناء القوة العسكرية المصرية التي ألحقت هزيمة مريرة بإسرائيل واستعادت قناة السويس عام 1973م.

تأخرت السعودية في تحقيق مثل هذا التكامل حتى تنضج الظروف السياسية العالمية، وهي تراقب بحذر تحركات دولة قطر التي ضغطت عليها بالتوقف عن التغريد خارج السرب والإضرار بأمن أكبر دولة عربية وهي مصر، وتعهدت دولة قطر في عام 2014 م، بالتوقف عن التغريد خارج السرب والإضرار بمصالح الدول العربية، لكنها لم تلتزم بذلك، وبعد تنفيذ السعودية عام 2016 م، حكم الإعدام على 47 شخصًا على رأسهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، وتصاعدت الأزمة بين الرياض وطهران التي سمحت لمهاجمين استهداف السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد ليأتي الرد السعودي الحاسم عبر قطع كامل العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

وفي الوقت الذي كانت تجهز الرياض من أجل القمة العربية الإسلامية الأميركية بحضور الكثير من الملوك ورؤساء العالم العربي والإسلامي بحضور دونالد ترامب من أجل مناقشة ملف الإرهاب وخاصة ملف الإرهاب الإيراني كانت صحيفة العربي الجديد المحسوبة على النظام القطري ويشرف عليها مستشار تميم، عزمي بشارة تستقبل مقالا لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 20 مايو 2017 م، الذي تم نشره صبيحة يوم انعقاد المؤتمر تحت عنوان مستعدون لإهداء السلام إلى المنطقة وقدم ظريف بأن دولته قادرة على قيادة المنطقة إلى السلام ولم يكتف بذلك بل تندر على لقاء القمة المنعقدة في السعودية معتبرًا أنها قمة تثير الانتباه، وألمح ظريف إلى بعض دول المنطقة يقصد السعودية تثير برامج تخويف من طهران في المنطقة كما كان يفعل الكيان الصهيوني منذ سنين ضد طهران.

كان مقال ظريف ترويجي ودعائي لطهران من قلب إحدى دول مجلس التعاون الخليجي وهي قطر التي يحضر أميرها القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض في تناقض واضح أنه لعب على المتناقضات يمكن أن تلعبها دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا ضد بعضها ولكنها لا تلعب على التناقضات داخل أي منظومة تشترك فيها.

ليس هذا الملف الذي يخص دول مجلس التعاون الخليجي فقط ويتشابك مع علاقاتها، فهناك ملفات أخرى على رأسها موقف الدوحة من ملف الإخوان المسلمين في مصر واستغلال منبر الجزيرة من أجل الهجوم على النظام السياسي القائم في مصر باعتباره غير شرعي وأن محمد مرسي ما زال الرئيس الشرعي للبلاد، وفتح المجال للمحسوبين على تنظيم الإخوان من أجل ممارسة نشاطهم السياسي والإعلامي ضد دولة مصر وهو الموقف الذي يتعارض مع توجهات مجلس التعاون الخليجي الداعم للنظام المصري واستقراره السياسي، بجانب وقوف قطر بجانب تنظيمات سياسية ومسلحة في سوريا وليبيا خلاف ما ترنو إليه السعودية ومصر.

إيران تلعب بالنسيج القومي والديني للمجتمعات العربية في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وحتى في دول الخليج خصوصًا في البحرين فيما تركيا تدخلها ليس معاديا للعرب في العراق وسوريا المهددة بالتقسيم والتفتيت لكنها تلعب بورقة الإخوان التي تضر بالأمن المصري وحتى العربي وكلا البلدين إيران وتركيا يستخدمان دولة قطر رأس حربة لتحقيق مشاريعها خصوصًا تركيا.

ليس فقط تركيا وإيران بل حتى روسيا كل هذه الدول تقف أمام التكامل السعودي المصري عن أداء دورهما القومي والحفاظ على الدولة وعروبة سوريا ودولة ليبيا فيما أن القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي تقاطعت مع مصالح الولايات المتحدة دعمت التكامل السعودي المصري لانتشال النظام الإقليمي العربي ما بعد العواصف الرملية التي مرت بالدول العربية عام 2011 م، والذي بات يواجه توازنًا استراتيجيًا مختلاً بدول فاشلة في سوريا وليبيا واليمن ومن قبل في العراق والتي يمكن أن تصل إلى لبنان بعدما اقتنع الغرب بأن الدول الفاشلة هي حواضن للإرهاب والتي أنتجت موجة اللاجئين إلى أوربا بشكل خاص وتصاعد الأحمال الاقتصادية والإرهابية وبزوغ الشعبوية في تلك الدول التي هددت بتفكيك الاتحاد الأوربي.

حقق التحالف العربي بقيادة السعودية بعد تلك التغيرات على صعيد الرمح الذهبي أهدافها على صعيد تخليص ممر الملاحة الدولية من خطر المعسكر الذي استخدمه الانقلابيون لاستهداف سفن الممر الملاحي الدولي، بعد سيطرة التحالف على معسكر خالد بن الوليد بالكامل في غرب تعز وهو نقطة انطلاق مهمة للبدء بعمليات تحرير مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي وهي منطقة تعتبر في غاية الأهمية الاستراتيجية التي تغير من المعادلة الاستراتيجية على المسرح العسكري في كل الجبهات الذي كان معسكر خالد يمثل مركز تحكمها.

يعد هذا المعسكر على غرار معسكر العند الذي تأسس في بداية سبعينات القرن الماضي وتعداد منتسبي هذه القاعدة نحو 30 ألف عسكري استخدمت قبل الوحدة عام 1990 وبعدها حيث كانت تنطلق منها حراسات بين الشمال والجنوب في خطوط التماس المطلة على باب المندب والوازعية وجبل الشيخ سعيد الواقع بين جنوب اليمن وشماله.

بعد تحقيق انتصار السيطرة على هذا المعسكر لم تعد هناك قواعد ولا معسكرات على امتداد الساحل الغربي من باب المندب حتى مدينة ميدي شمالاً مع الحدود السعودية وهو ما أدى إلى تراجع خطوط مليشيات الحوثي وصالح في صعدة وحجة والبيضاء بعد إعلان تحرير معسكر خالد بن الوليد، وقائد المنطقة السادسة صرح بأن الجيش اليمني يحاصر صعدة من 3 جهات وهناك 12 لواء تستعد لتحرير المنطقة، وهو ما جعل قائد المنطقة العسكرية الرابعة يعترف بأن المليشيات الانقلابية لن تجد ما هو متاح إلا الاستسلام أو الفرار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  *أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

           

مقالات لنفس الكاتب