array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 123

مع العقدية لا مجال للحل السياسي وإسرائيل تريد فرض الأمر الواقع المسجد الأقصى .. والسلام المستحيل بين العرب وإسرائيل

الأربعاء، 20 أيلول/سبتمبر 2017

تمثل مدينة القدس جوهر الصراع العربي –الإسرائيلي لما تحمله من قدسية عند المسلمين واليهود ، فمنذ أن طرحت فكرة تجميع اليهود في كيان سياسي، حتى وقبل عقد المؤتمر الصهيوني الأول في  بازل 1897م،  كانت القدس تحظى باهتمام كبير في كتابات المفكرين الغربيين الذين دعوا  لتأسيس مجتمع لليهود، فقد  أصدر موشي هس كتابه " روما والقدس" عام 1862م، وعندما أصدر ثيودور هيرتزل كتابه " الدولة اليهودية " 1896م، كان البعد الديني مهمًا في الدعوة إلى تجميع اليهود في فلسطين، على اعتبار مكانة القدس عند اليهود، فاليهودي الذي يعيش في أوروبا والولايات المتحدة لا يدفعه للهجرة لفلسطين إلا بإثارة البعد الديني عنده،  تحت شعار العودة  للقدس عند اليهود، وفي الجانب الآخر فإن الشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية تعتبر القدس مدينة لها أهميتها الدينية باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وأرض الإسراء والمعراج. وكما جاء في سورة الإسراء  سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. وبسبب البعد الديني كان تأجيل قضية القدس في المفاوضات العربية الإسرائلية حتى المرحلة الأخيرة من المفاوضات لحل الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة لأن قضية القدس ليست قضية فلسطينية فقط فبعدها الديني عن المسلمين واليهود جعلها قضية إسلامية مسيحية للدفاع ضد تهويد المدينة.

القدس في حرب 1948

تعتبر اتفاقية سايكس بيكو مايو 1916م، الخطوة الثانية بعد المؤتمر الصهيوني الأول في سبيل السيطرة على فلسطين وعاصمتها القدس، فقد جاء في المادة الرابعة من الاتفاقية منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا وأن تخضع الجزء الباقي من فلسطين لغدارة دولية، وأصدرت في الثاني من نوفمبر 1917م، وعد بلفور لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبررت سيطرتها على فلسطين واحتلت القوات البريطانية القدس في ديسمبر 1918م، وبذلك أصبحت فلسطين تحت الحكم العسكري البريطاني يلتقي مع الأحلام الصيونية في إقامة الدولة اليهودية، وبدأت سياسة تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد قدر عدد اليهود في القدس عام 1867م، ما بين أربعة إلى خمسة آلاف يهودي وأغلب سكان المدينة هم من المسلمين والنصارى، ومع الهجرة اليهودية أخذ عدد سكان المدينة يزداد حيث بلغ عدد سكان المدينة عام 1922م، 52000 وارتفع العدد 165000 عام 1948 م، وبالتالي زاد عدد اليهود في المدينة مما أدى إلى الصدام بين المسلمين واليهود  في عامي 1920 و1929م ، فيما عرفت بثورة البراق التي قتل فيها عدد من المسلمين واليهود وتشكلت على أثر ذلك لجنة دولية لتحديد حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق، وكانت اللجنة برئاسة وزير خارجية السويد الأسبق " أليل لوفغرن"، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية الأسبق السويسري " تشارلز بارد "، وبعد تحقيق قامت به اللجنة واستماعها إلى وجهتي النظر العربية الإسلامية واليهودية، وضعت تقريرًا في العام 1930 م، قدمته لعصبة الأمم أيدت فيه حق المسلمين، الذي لا شبهة فيه بملكية حائط البراق، ولم يتخذ اليهود حائط البراق ( الذي يسمى عندهم بحائط المبكى ) في أي وقت من الأوقات مكانًا للعبادة إلا بعد صدور وعد بلفور عام 1917م، ولم يكن الحائط جزءَا مما يسمى الهيكل اليهودي، الذي لم يثبت تاريخيًا وجوده أصلاً ، عندما صدر قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947م، كان ينص على أن تخضع القدس إلى إشراف دولي، ولكن مع نشوب حرب 1948م، وإعلان إسرائيل، قسمت القدس إلى شطرين القدس الغربية تحت سيطرة اليهود والتي تشكل 84.13% من مساحة القدس بينما أصبحت  والقدس الشرقية تحت سيطرة الأردن وتشكل 11.48% من القدس ومع توحيد الضفتين الشرقية والغربية أصبحت القدس الشرقية جزءًا من المملكة الأردنية الهاشمية. ومع حرب الخامس من يونيو 1967م، وسيطرة إسرائيل على الضفة الغربية أصبحت القدس كاملة تحت الاحتلال كما هو حال الضفة الغربية، وبالتالي أصبحت فلسطين تحت الاحتلال. وهرول الجنود الاسرائليون بدخولهم القدس يبكون عند حائط البراق، وقامت إسرائيل بتوسيع حدود المدينة بعد إنتهاء الحرب، وبناء عدد من الأحياء السكنية والمستعمرات اليهودية شرق الخط الأخضر (خط الهدنة)، وأخذت تعمل على تهوديد المدينة، وسخرت وسائل الإعلام الإسرائيلية للتركيز على أن هناك أماكن أثرية يهودية وتردد على وجود الهيكل اليهودي.

إسرائيل : القدس عاصمة موحدة أبدية

أعلن الكنيست الإسرائيلي في 23 يناير 1950م، أن القدس عاصمة دولة إسرائيل، وكان حاييم وايزمان قد أدى اليمين القانونية كأول رئيس لدولة إسرائيل في القدس في 17 فبراير 1948م، ونقلت الكنيست للقدس وبقية الوزارات ما عدا الخارجية والدفاع  وأعيد نقل وزارة الخارجية للقدس عام 1953م، وتوسعت إسرائيل في الحدود الغربية لمدينة القدس الغربية، ولكن عدم اعتراف دول العالم بضم إسرائيل القدس كعاصمة لها فقد رفضت الدول أن يكون مقر سفاراتها في القدس أو تقديم أوراق الاعتماد في القدس مما اضطر إسرائيل إعادة نقل وزاراتها إلى تل أبيب، ويظهر أنه منذ الهجرة اليهودية لفلسطين وقيام الحركة الصهيونية، فإن القدس كانت في جوهر سياسة التهويد والسيطرة على المدينة كاملة، ورغم ما يقال حول حرب 1967م، فإن إسرائيل خططت منذ إنشائها على السيطرة على القدس واحتلال فلسطين كاملة، وافتعلت أزمة 1967م، لتنفيذ سياسة التوسع، ودخل موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي للقدس 1967م، وإثر هزيمة الدول العربية أخذت إسرائيل في التهويد وإعلان القدس العاصمة الأبدية للدولة اليهودية. وقد صدر قرار الكونغرس الأمريكي في 13 أكتوبر 1995م، بالاعتراف بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ويقضي القانون بنقل السفارة الأمريكية للقدس ولكن رؤساء الولايات المتحدة منذ 1995م، كانوا يؤجلون تنفيذ قرار النقل لحساسية الموضوع وخوفًا من ردود الفعل العربية والإسلامية على ذلك، حتى أن دونالد ترامب الذي وعد في حملته الانتخابية عام 2016م، بنقل السفارة الأمريكية للقدس تراجع عن ذلك عندما تولى الرئاسة واتخذ قرار التأجيل لحساسية القدس للمصالح الأمريكية في العالم الإسلامي وخاصة ردود الفعل الشعبية.

سياسة تهويد المدينة المقدسة

اتبعت إسرائيل سياسة تهويد القدس من احتلالها للقدس الشرقية عام 1967م، سواء من الاستيلاء على الأراضي، أو الاستيلاء على أملاك الغائبين وإقامة المستوطنات حول القدس أو تشجيع اليهود للسكن بالقدس وتفريغها من سكانها العرب، فقد ضمت إسرائيل من جانب واحد 72 كيلو مترًا مربعًا إلى بلدية القدس، من ضمنها الجزء الشرقي من القدس و28 قرية محيطة بالقدس في الضفة الغربية، وهذه المنطقة يطلق عليها بشكل عام القدس الشرقية، تضم تقريبًا 66 الف فلسطيني، أي 24% من سكان البلدية الجديدة، وتطبق إسرائيل قوانينها المدنية الخاصة على القدس الشرقية، ونقلت إسرائيل منذ عام 1967م، الالاف من اليهود إلى القدس الشرقية، وهذا يعد جريمة حرب في القانون الدولي. وتتبع إسرائيل أيضًا سياسة هدم المنازل، فمنذ عام 2012م، تم هدم 617 مبنى منها منازل لعدم وجود تصاريح وفقًا لما ذكره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وألغت إسرائيل قرابة 80% من الإقامات الدائمة خلال فترات الاحتلال على مدار الخمسين عامًا الماضية وفقًا لأرقام الحكومة الإسرائيلية، التي بدأت بالتوثيق مع بدء وزارة الداخلية بناء على قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية لعام 1988م، بمطالبة الفلسطينيين ببرهنة أن " محور حياتهم " في القدس الشرقية للحفاظ على إقاماتهم.

وتسيطر دولة الاحتلال على سجل السكان الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل فعال . وتصدر السلطة الفلسطينية وثائق هوية للفلسطينيين في هذه الأراضي، لكنها لا تستطيع فعل أكثر من ذلك إلا بالتنسيق مع إسرائيل التي ألغت طلبات التسجيل ومبادرة لم شمل العائلات ورفضت طلبات أكثر من 230 ألف فلسطيني منذ عام 1967م، وكثير منهم على أساس بقائهم خارج الضفة الغربية وغزة لفترة طويلة.

ويدفع الأثرياء اليهود مبالغ خيالية للاستيلاء على المنازل الفلسطينية وتحاول الإغراء بالمال لدفع المقدسيين بيع منازلهم وأحيانًا تتم هذه عن طريق صفقات من سماسرة من ذوي النفوس الضعيفة وبطرق ملتوية على اعتبار أن الذي يشتري ليس يهوديًا، وتفرض الرسوم العالية على تصاريح البناء بل غالبًا ما ترفض البناء بحجج واهية بينما تسهل عملية استيلاء اليهود على المنازل العربية في القدس بكل الوسائل ولكنها تواجه بصمود الفلسطينيين وعلى رأسهم أهل القدس، فالقدس بالنسبة للفلسطينيين ليست باعتبارها مدينة مقدسة للمسليمن والمسيحيين بل باعتبارها أيضا هوية وطنية لأهل فلسطين وحماية المسجد الأقصى الذي تريد إسرائيل الهيمنة عليه أو تقسيمه على غرار ما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل .

الموقف العربي والإسلامي بعد حريق المسجد الأقصى

كانت حادثة إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969م، مدبرة، فالمسجد الأقصى يعد هدفًا لليهود منذ القدم، فقد أقدم أحد المسيحيين المتصهين يحمل الجنسية الأسترالية ويدعى دنيس مايكل روهان على إشعال النار في الجانب القبلي من المسجد الأقصى والتهم الحريق أجزاء واحترق منبر نور الدين زنكي. وادعت إسرائيل على عادتها أن الجاني مصاب مختل عقليًا وهي سياسة إسرائيلية متواترة باعتبار من يرتكب المجازر ضد العرب مصاب بالجنون، وتم تحويله إلى مصحة عقلية للتضليل، أصدرت محكمة إسرائيلية بأن الفاعل غير مذنب وتوصي بوضعه في مستشفى للأمراض العقلية، ثم أطلق سراحه ويعيش في أستراليا. وقد أكد مفتي القدس آنذاك الشيخ سعدالدين العلمي أن السلطات الإسرائيلية أخذت منه بالقوة مفتاح أحد أبواب المسجد، في فترة سابقة، وثبت أن الفاعل الأسترالي قد دخل إلى المسجد الأقصى من ذلك الباب بعد فتحه، وأن تعدد أمكنة الحريق في المسجد يدل على أن هناك آخرين مشاركين في حادثة الحريق وذكر شهود عيان أنهم خمسة وليس الاسترالي لوحدة كما ادعت إسرائيل، وخاصة تأخر سيارات الإطفاء متعمدة حتى أن سيارات الإطفاء العربية من الخليل ورام الله وصلت قبل سيارات الإطفاء من بلدية القدس التي تسيطر عليها سلطة الاحتلال.

 كان رد الفعل الشعبي ثائرًا في العالم العربي والإسلامي، أدت إلى عقد أول مؤتمر قمة إسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حاليًا) في مدينة الرباط في سبتمبر 1969م، وكان خطاب الملك فيصل بن عبد العزير في مؤتمر القمة مؤثرًا حيث خاطب القمة قائلا " إن القدس يناديكم، ويستغيث بكم أيها الإخوة لتنقذوه من محنته، ومما ابتلي به، فماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موتة أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهدًا في سبيل الله؟"، وكانت جولدا مائير قلقة من رد الفعل فقالت " عندما أحرقنا المسجد الأقصى لم أنم طوال الليل كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجًا من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أنه باستطاعتنا أن نفعل أي شئ نريده". وصرحت في لندن  حول موقف إسرائيل  من القدس بقولها " لن نتنازل عن القدس مهما كانت الأحوال ، وقد يكون من الجائز أن نتنازل  عن تل أبيب، ولكن من غير الجائز أن نتنازل عن مدينة القدس"؟ وهذا هو الموقف الإسرائيلي الذي لم يتبدل بل الآن هم يريدون السيطرة على المسجد الأقصى نفسه.

إتفاقية أوسلو والقدس

يعتبر اتفاق أوسلو الذي وقع في واشنطن 13 سبتمبر 1993م، نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي، فالاتفاق وقع بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، حيث اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن مكاسب إسرائيل الاستراتيجية والسياسية أهم، فإسرائيل كانت تواجه الانتفاضة الشعبية الأولى التي بدأت في ديسمبر 1987م، وأصبح الجندي الإسرائيلي المعد لقتال الجيوش النظامية يواجه النساء والأطفال والشيوخ  حتى تعرض الجنود لأمراض نفسية وإثارة الرأي العام الدولي ضد إسرائيل، فكان اتفاق أوسلو مخرجًا لإسرائيل من أزمة داخلية في  إدارتها للاراضي المحتلة، وباتفاق أوسلو حققت إسرائيل اعترافًا من الدول الإفريقية والآسيوية التي ما كانت تعترف بها رسميًا ، ولكنها في أوسلو همشت القضايا الأساسية والهامة في الصراع العربي الإسرائيلي بالنسبة للقضية الفلسطينية، مثل قضية القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه، واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود وقراري مجلس الأمن الدولي 242 و338، وتم الاتفاق أن يتم بحث القضايا المهمة والرئيسية مع حلول عام 1995م، وتنسحب إسرائيل من غزة وأريحا ويتم تشكليل سلطة وطنية فلسطينية فيهما أولاً ، والجدير بالذكر أن إسرائيل لم تذكر عملية انسحاب القوات الإسرائيلية ولكنها كانت تعول بإعادة انتشار القوات وهذا يعني أنها لا تعترف بأنها انسحبت من الأراضي الفلسطينية وكانت المعابر والحدود في يد إسرائيل ولا يتم الدخول والخروج للأفراد إلا بالموافقة الإسرائيلية، وعندما عقدت الاتفاقية الإسرائيلية ـ الأردنية عام 1994م، اتفقت إسرائيل مع الأردن على رعاية الأماكن المقدسة في القدس والرعاية غير الوصاية، ورغم الراعية لا يتم تعيين الموظفين في القدس إلا بالموافقة الإسرائيلية، وكأنها رعاية شكلية تضرب إسرائيل بها عرض الحائط أحيانا وتستمر في التهويد والاستيطان في القدس ومحاولة تفريغها من أهلها العرب والفلسطينيين، خاصة أنها منحتهم الجنسية الإسرائيلية، فبعد أوسلو تضاعف الاستيطان في القدس حتى تضع العرب والفلسطينيين والمجتمع الدولي أمام الأمر الواقع، وأخذ اليهود يترددون على المسجد الأقصى، وكانت الانتفاضة الثانية عام 2000م، عندما اقتحم أريل شارون زعيم حزب ليكود ورئيس وزراء إسرائيل السابق مع اليهود المتطرفين ساحة المسجد الأقصى تحت حماية الجيش الإسرائيلي مما أدى للانتفاضة الثانية، وقال أثناء اجتياحه :إن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية.

وإثر انهيار النظام الإقليمي العربي مع احتلال الولايات المتحدة للعراق والحرب الأهلية وتراجع الاهتمام العربي والدولي بالوضع الفلسطيني، تمادت إسرائيل في اقتحام المسجد الأقصى وتجرأ اليهود إلى الدخول لساحته تحت حماية الجيش والشرطة الإسرائيلية وفي ظل الانتفاضات العربية وما تبعها من عدم إستقرار ، زادت وتيرة الانتكاسات بشكل كبير في عام 2014م، حيث تعرض المسجد الأقصى إلى أكثر من 450 اقتحامًا من قبل المستوطنين والجماعات اليهودية، كما تم الإعلان عن إضافة 100 حفرية في محيط الأقصى، تمهيدًا لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضة . وفي عام 2015م، قاد الزراعة الإسرائيلي، أوري آرائيل، مجموعة من المستوطنين اليهود لاقتحام المسجد الأقصى، فيما اعتدت قوات الاحتلال الخاصة على حراس المسجد الأقصى والمصلين بالضرب وطردتهم بسبب تصديهم للاقتحامات اليهودية؟ وفي ظل هذا الصلف الإسرائيلي الذي مس مشاعر المسلمين والمسيحيين كان الانفجار المقدسي، علمًا بأن منظمة اليونسكو قد أصدرت قرارها رقم 200/25 لعام 2016م، تؤكد فيه على أن المسجد الأقصى تراث إسلامي مخصص للعبادة، وجزء لا يتجزأ من التراث العالمي الثقافي، كذلك قرار مجلس الأمن الدولي 2334 لسنة 2016م، الذي أكد صراحة عدم شرعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، ولكن إسرائيل تضرب تلك القرارات عرض الحائط.

انتفاضة أهل القدس للمسجد الأقصى

إن سياسة الأمر الواقع التي تفرضها إسرائيل وتقسيم المكان خلق حالة من الإحباط لدى الشارع الفلسطيني في ظل ضعف السلطة الفلسطينية والانقسام الفلسطيني والهرولة الإقليمية للتطبيع والوضع الدولي وانتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يمثل التيار اليميني المتطرف في الولايات المتحدة والمؤيد لإسرائيل. لذلك أخذ الشباب المقدسي وبشكل عفوي مقاومة تهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى، ويكون الرئيس الأمريكي ترامب أول رئيس أمريكي يصلي كما يقول اليهود عند حائط البراق (المبكى) عند اليهود، والإحباط في الأفق السياسي وفقدان الأمل في حل الدولتين، كانت المواجهة بالسكاكين والدهس وغيرها من المقاومة التي في أغلبها فردية، وتواجهها القوة العسكرية الإسرائيلية بالتعسف بالقمع والقتل والاعتقال والسجن.

وبالاضافة إلى الاعتداءات على الأراضي يتزامن ذلك مع صدور قرارات عنصرية وخطيرة من قبل ما تسمى لجنة التشريع  الوزارية في الحكومة الإسرائيلية وخاصة قانون القدس الموحدة الذي ينص على أنه لا يجوز التنازل أو الانسحاب من أي جزء من القدس في المفاوضات أو أي تسوية سياسية من دون تأييد 80 عضوًا من أعضاء الكنيست الإسرائيلي ، وهذا يعني أن سلطة الاحتلال تريد تكريس واقع قانوني يحول دون تمرير أي اتفاق سياسي أو تسوية سلمية تقوم على الانسحاب الإسرائيلي من القدس. وفي ظل السعي المتواصل لسلطة الاحتلال للانقضاض على المسجد الأقصى ، فهو يسعى من خلال قراراته الكثيرة التي تنتظر التنفيذ . وهي سياسة اتبعها في المسجد الإبراهيمي في الخليل الذي تعرض لعملية تقسيم واستيلاء بعد العملية الإرهابية التي نفذها اليهودي المتطرف " جولدشتاين" بحق المصلين في المسجد الإبراهيمي، وأثبتت الحادثة أن التقسيم كان مخططًا له.

وكشف موخرًا عند عملية تهويد للمسجد الأقصى مثل بناء طابق جديد تحت باحة حائط البراق، إضافة للمسيرات الليلية والمهرجانات المتتالية واستباحة آلاف من عناصر المستوطنين للقدس القديمة، والترديد المتكرر لبناء الهيكل الذي لم يوجد له أثر. واستغلت الحكومة الاسرائيلية حادثة الشبان الفلسطينيين الثلاثة في ساحة المسجد الأقصى، فأعلنت في 14 يوليو 2017م، بإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين المسلمين، ونصبت الكاميرات الالكترونية والبوابات الالكترونية والكاميرات التجسسية على أبواب الحرم الشريف، وهي المرة الأولى منذ خمسين عامًا يغلق المسجد، وكأنه استعداد للتقسيم المكاني والزماني على غرار المسجد الإبراهيمي في القدس.

ويظهر أن إسرائيل شعرت بامكانية تنفيذ مخططها في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية، ولكنها تفاجأت برد فعل أهل القدس والمجتمع الفلسطيني (المسلمين والمسيحيين) الذين رفضوا كل إجراءات إسرائيل الجديدة ورفضوا الدخول للمسجد إلا بعد إزالة كل الإجراءات الجديدة واستمر الرفض أسبوعين كاملين كان الضغط الشعبي والرسمي من خطورة الوضع لحرب دينية أدى في النهاية لتراجع إسرائيل عن مخططها الجديد، وإن كانت تتحين فرصًا أخرى.

الجديد بالنسبة لانتفاضة الأقصى بروز قيادة محلية من العلماء في القدس ووجدوا الطاعة من الجماهير لقرارات القيادة المحلية، وهذا أعطى بعدًا سياسيًا ونفسيًا أنه يمكن هزيمة الاحتلال من خلال التضامن والتكافل بين أهل القدس وفلسطين عامة في ظل ضعف السلطة والانقسام الفلسطيني.

لقد مر على إعلان إسرائيل 70 عامًا وعلى احتلال القدس كاملة 50 عامًا وما زال الصراع قائمًا ويأخذ كل يوم بعدًا دينيًا، وخاصة بعد سيطرة اليمين المتطرف منذ 2009 م، على الحكومة، وحيث أن إسرائيل قامت على تجمع ديني وليس قوميًا، ففيها يهود من مختلف الأجناس من اليهود الروس للأوروبيين ويهود المشرق والفلاشا فهي متحف للأجناس البشرية، ومع تكريس الاستيطان والاجتياحات المتكررة للمسجد الأقصى يصعب تصور حل سياسي، فلا يستطيع أي زعيم فلسطيني أو عربي أو  غيره أن يتنازل عن القدس والمقدسات الإسلامية، وإسرائيل تكرر أن القدس عاصمتها الموحدة، وفي ظل هذه المواقف العقدية لا يمكن أن يكون حلاً سياسيًا بل تريد إسرائيل فرض سياسة الأمر الواقع، إنه السلام المستحيل ؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ العلوم السياسية –جامعة الملك عبد العزيز

مقالات لنفس الكاتب