; logged out
الرئيسية / تشجيع زيارة القدس ضرورة لربط الأمتين العربية والإسلامية بمقدساتهم أحداث القدس الأخيرة: جولة حاسمة في إطار معركة ممتدة

العدد 123

تشجيع زيارة القدس ضرورة لربط الأمتين العربية والإسلامية بمقدساتهم أحداث القدس الأخيرة: جولة حاسمة في إطار معركة ممتدة

الأربعاء، 20 أيلول/سبتمبر 2017

تمتلك مدينة القدس المحتلة صاعق التفجير السريع والكبير في تصعيد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ويمتد تأثيرها إلى أوسع نطاق عربيًا وإسلاميًا وعالميًا باعتبارها مدينة مقدسة ترنو للسلام في كل العصور.

الأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى المبارك ومحيطه حملت دلالات كبيرة في إطار ما يمكن تسميته "التدافع الفلسطيني الإسرائيلي"، بعد حادثة قيام ثلاثة فلسطينيين من مدينة أم الفحم بالداخل المحتل عام 1948م، يحملون الجنسية الإسرائيلية بمهاجمة مجموعة من جنود وشرطة الاحتلال الإسرائيلي قرب أحد أبواب المسجد الأقصى، مما دفع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة للإقدام على خطوات غير مسبوقة منذ احتلال المدينة في الرابع من حزيران عام 1967م، أبرزها إغلاق المسجد لمدة يومين لم تقم فيها الشعائر الإسلامية وصمت صوت الأذان في أهم ثالث مسجد للمسلمين وأول قبلة لهم.

الإدانة الفلسطينية للحادثة عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعدم تبني أي فصيل فلسطيني الهجوم، وكذلك عدم تنفيذها من قبل فلسطينيين من سكان القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة أفرغ الذرائع الإسرائيلية من مبررات كثيرة، لكنه لم يحد من تغول الحكومة الإسرائيلية التي طالما شجعت مجموعات من المستوطنين اليهود على اقتحام ساحات المسجد الأقصى المبارك في أبرز مظاهر استفزاز الفلسطينيين وتحدي إدارة وحراس المسجد الأقصى، حيث تزايدت عمليات الاقتحام بشكل كبير خلال العام الجاري شارك فيها نحو 19 ألف مستوطن، جراء الدعم والحماية الرسمية الإسرائيلية لهذه الاعتداءات بغية تغيير الواقع المستقر في المدينة المقدسة، ومحاولة فرض تقسيم زماني ومكاني في المسجد الأقصى وباحاته بخلاف المتفق عليه بين إسرائيل والجانبين الفلسطيني والأردني أصحاب الوصاية على أهم ثالث بقعة للمسلمين في العالم.

 

إصرار سلطات الاحتلال على سياستها بعد إغلاق المسجد الأقصى ليومين، وتركيب بوابات الكترونية على مداخله وتثبيت كاميرات متطورة استفز الفلسطينيين وزاد من غضب المقدسيين وشكل تحدٍ للوصاية الأردنية المعهودة على المسجد الأقصى وفرض واقع جديد يشكل خطرًا على إدارة وزارة الأوقاف الفلسطينية، ومس بشكل غير مسبوق حرية العبادة للمسلمين وأشعل مخاوف المسيحيين من إجراءات مستقبلية تمس كنائسهم في مدينة القدس، الأمر الذي شجع مرجعيات دينية مسيحية وأفراد على مشاركة المسلمين اعتصاماتهم بل وصلواتهم أحيانًا.

موقف القيادة الفلسطينية:

دعمت القيادة الفلسطينية قرارات المراجع الدينية في مدينة القدس بموقف صلب من خلال إسنادها في مواجهة بلدية الاحتلال والحكومة الإسرائيلية، واتخذت قرارات هامة سياسية واقتصادية غير مسبوقة وعاجلة مثل وقف الاتصالات مع الحكومة الإسرائيلية على كافة المستويات، إلى حين العودة للوضع السابق في المسجد الأقصى، فضلا عن ضخ 25 مليون دولار كدعم مباشر للمقدسيين من طلبة الجامعات إلى التجار بهدف إسناد المظاهرات والمسيرات والاعتصامات السلمية التي نفذها الفلسطينيون من القدس والداخل المحتل على مدار الليل والنهار طوال أسبوعين رفضًا للبوابات الالكترونية، وللمطالبة برفعها والسماح بحرية العبادة داخل المسجد الأقصى، وتمكنت المقاومة السلمية من كبح قدرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على تنفيذ مخططات الحكومة السياسية، رغم تحويل مدينة القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية وقتل 8 شبان وإصابة مئات المتظاهرين واعتقال العشرات وإقامة عشرات الحواجز المتحركة والثابتة ومنع وصول المصلين من الضفة الغربية والداخل المحتل ومحاصرة الأحياء الفلسطينية داخل مدينة القدس المحتلة.

الفصائل الفلسطينية:

رغم أهمية المواقف الرسمية الفلسطينية حيال الإجراءات الإسرائيلية في القدس، وإطلاق منظمة التحرير الفلسطينية "نداء القدس" من أجل استعادة الوحدة الوطنية ورأب صدع الانقسام لمواجهة التحديات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ومقدراته ومقدساته، اتخذت الفصائل الفلسطينية مواقف انفعالية لم تخرج عن التهديد والإدانة خاصة حركة حماس التي تبسط سيطرتها على قطاع غزة، ولم تتجاوز المواقف دائرة المناشدة وتنظيم مسيرات احتجاجية دون التلويح إلى الخيار العسكري، مع الإفراط في كيل الاتهامات للسلطة الفلسطينية وحكومتها، واستغلال الأوضاع كأدوات سياسية وإعلامية على قاعدة استمرار الانقسام الداخلي، فيما اكتفت حركة الجهاد الإسلامي بالمشاركة في المسيرات مع حركة حماس والإيحاء بتهديد عسكري من خلال مواد دعائية مصورة.

الموقف الأردني:

تحركت القيادة الأردنية على كافة المستويات الدولية للضغط على الحكومة الإسرائيلية ودفعها للتراجع عن قراراتها التي مست الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، واستفزت مشاعر الشعب الأردني، وزاد غضب القيادة والشعب الأردني بعد حادثة الاعتداء على مواطنين أردنيين داخل السفارة الإسرائيلية بعمان، وموقف الحكومة الخارجية الإسرائيلية الممعن في الاستفزاز ومخالفة الأعراف الدبلوماسية، فاتخذت القيادة الأردنية موقف أكثر حدة اتجاه إسرائيل وأكثر انسجامًا مع القيادة الفلسطينية من خلال تشكيل تحرك ثنائي فاعل لإبطال الإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، واستعادة الوضع السابق إلى حين حل قضايا الوضع النهائي التي تشمل وضع مدينة القدس المحتلة.

 

إسرائيل لن تتوقف

الخيبة التي منيت بها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعد اضطرارها للعودة إلى الوضع السابق في المسجد الأقصى، ورفع البوابات الالكترونية، شكل إخفاق إسرائيلي هام لا يمكن الاستهانة به أو الاستكانة له، بل يجب العمل على تعزيز الدور الفلسطيني في حماية الأرض والإنسان الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية، لأن الإجراءات الإسرائيلية بدأت مبكرة منذ احتلال المدينة وتسير في السنوات الأخيرة بوتيرة متسارعة لحسم الصراع في المدينة المقدسة لصالح الرواية الإسرائيلية باعتبار مدينة القدس كاملة عاصمة دولة الاحتلال، رغم القرارات الدولية المتعاقبة التي تقر بفلسطينية القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة، ومن المعلوم أن الإجراءات الإسرائيلية لا تنحصر في محاولة ترسيم الرواية اليهودية في المسجد الأقصى وخاصة حائط البراق وباب المغاربة رغم قرار اليونيسكو الأخير بدحض الرواية الإسرائيلية وتثبيت الأحقية الفلسطينية، ومن أبرز الإجراءات الإسرائيلية لفرض التهويد والاحلال:

-       حفر أنفاق تحت المسجد الأقصى والبلدة القديمة مما أدى إلى تصدع المقدسات والمباني الأثرية الشاهدة على عروبة وإسلامية المدينة، بالتوازي مع بناء مدينة يهودية أسفل المسجد الأقصى.

-       إقامة جسور وطرق ومباني إسرائيلية وكنس يهودية بهدف تغيير هوية مدينة القدس وتهويدها.

-       ممارسة ضغوط متزايدة ودائمة ذات صبغة أمنية واقتصادية لتهجير وإزاحة الفلسطينيين المقدسيين ودفعهم للهجرة والرحيل.

-       سن قوانين جوهرها التضييق وإجراءات طاردة للفلسطينيين المقدسيين بهدف خفض نمو السكان وتهديد أسباب الاستقرار.

-       سن ضرائب متعددة وتصاعدية باهظة على المواطنين والحرفيين ورجال الأعمال تمس حقهم في السكن والعمل، وتطال كل نواحي الحياة لدرجة تصل الى فرض ضريبة على مشاهدة التلفزيون.

-       إغلاق كل المؤسسات الفلسطينية الحكومية وغير الحكومية والتضييق عليها لنزع أشكال الوجود الفلسطيني الرسمي أو المؤسساتي وتغييب الطابع السياسي الفلسطيني عن المدينة.

-       ممارسة سياسة إغلاق وتنكيل بالتجار الفلسطينيين خاصة في البلدة القديمة لمراكمة خسائرهم مع توفير عروض لاستبدالهم بتجار إسرائيليين يتلقون الدعم من مستثمرين إسرائيليين متشددين في داخل إسرائيل وخارجها.

-       زيادة عمليات الشحن الديني والتطرف من خلال نشر وزارة  التربية والتعليم الإسرائيلية والوكالة اليهودية آلاف النسخ لخرائط البلدة القديمة في القدس وضع فيها صورة لمجسم الهيكل المزعوم مكان قبة الصخرة.

-       عمليات واسعة لنشر المخدرات والرذيلة بين شباب الأحياء المقدسية أو مطاردة واعتقال النشطاء منهم.

معلومات لا بد منها

تبلغ مساحة المسجد الأقصى 144 دونمًا (144 ألف متر مربع) ويشمل نحو 200 معلم تضم العديد من المصليات والمتاحف والمدارس والمآذن والقباب، إلخ، ويتواجد في مدينة القدس الشرقية قرابة 340 ألف فلسطيني رغم كل الإجراءات الممنهجة ضدهم.

توصيات

تحقيق إنجاز فلسطيني واضح وتراجع إسرائيلي في هذه الجولة القصيرة والمكثفة من المواجهة الفلسطينية المتكاملة بين الرسمي والشعبي، يستوجب التوقف وتقييم الأحداث، وحسنًا فعل العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين عندما زار مدينة رام الله مؤخرًا لدعم موقف القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس وتشكيل خلية أزمة مشتركة للتعامل مع تطورات الأوضاع في مدينة القدس ومواجهة المخططات والإجراءات الإسرائيلية في المدينة.

كما تجدر الإشارة الى أن الحادثة زادت من المشاعر الوطنية والانتماء الديني لدى الشباب الفلسطينيين خاصة المقدسيين الذين حققوا حالة ممانعة في مواجهة إجراءات التغييب والقمع والاستهداف الإسرائيلي المتواصلة، ومن هنا يجب تقديم عدد من التوصيات كالتالي:

أولاً: الرهان على الشعب الفلسطيني باعتباره المدافع عن حقوقه والحاضن للمسار الفلسطيني التحرري.

ثانيًا: التأكيد على أن المقاومة الشعبية السلمية قادرة على تحقيق نتائج هامة في مقابل معادلة القوة والبطش الإسرائيلي.

ثالثًا: أهمية التعاضد الإسلامي المسيحي في فلسطين عمومًا وفي مدينة القدس المحتلة، وضرورة تنميته وتطويره، خصوصًا في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية ومشاريع التهويد والإحلال استنادًا على العهدة العمرية والمصير المشترك والترابط الوطني والاجتماعي.

رابعًا: أهمية التنسيق المشترك بين الرعاية الفلسطينية والوصاية الأردنية للحد من الممارسات الإسرائيلية غير الشرعية والمتعنتة خارج القوانين والمعاهدات الدولية.

خامسًا: دعم صمود الفلسطينيين وتعزيز سبل بقائهم في مناطق الاستيطان و الإحلال خاصة في مدينتي القدس والخليل وقرى مواجهة المستوطنات وجدار الفصل العنصري.

سادسًا: السعي بكل السبل لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وطي صفحة الانقسام السوداء إلى غير رجعة.

سابعًا: تفعيل اللجان المشتركة مع العمق العربي والإسلامي والمؤسسات الإقليمية الإسلامية والعربية باعتبارها جدار إسناد سياسي وقانوني للحقوق الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة.

ثامنًا: تشجيع زيارة القدس لربط الأمتين العربية والإسلامية بمقدساتهم الإسلامية، وتعزيز الزيارات المسيحية للمقدسات المسيحية في مدينتي القدس وبيت لحم لكشف الإجراءات الإسرائيلية العنصرية ودعم الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وصحفي فلسطيني

مقالات لنفس الكاتب