; logged out
الرئيسية / إيران تعول على متغيرين: التفاهم مع تركيا وروسيا حول سوريا والتوافق مع أنقرة لدعم قطر

العدد 124

إيران تعول على متغيرين: التفاهم مع تركيا وروسيا حول سوريا والتوافق مع أنقرة لدعم قطر

الأحد، 22 تشرين1/أكتوير 2017

منذ إعلان إقليم كردستان عن اتجاهه لإجراء استفتاء على الانفصال عن العراق في 25 سبتمبر 2017م، سعت إيران إلى الحيلولة دون حدوث ذلك، وسارعت إلى التلويح بخيارات عديدة يمكن أن تستخدمها لدفع الأكراد نحو إلغاء هذا الاستحقاق أو على الأقل تجميد استحقاقاته، تراوحت بين المقاطعة الاقتصادية والعمل العسكري. لكن هذه المساعي لم تنجح في النهاية في منع إجراء الاستفتاء الذي أسفرت نتائجه عن تأييد 92% من المقترعين (نحو 72% ممن لهم حق الانتخاب) للانفصال عن العراق، وهو ما دفع طهران إلى البحث عن خيارات أخرى من أجل التعامل مع الارتدادات الداخلية والإقليمية المتوقعة لنتائج الاستفتاء.

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن إيران كانت حريصة على عدم إغلاق قنوات التواصل بشكل كامل مع أكراد العراق، وفضلت عدم تصعيد حدة ضغوطها على الإقليم انتظارًا لما سوف تؤول إليه التطورات، أو بعبارة أدق ما سوف يتخذه الإقليم من خطوات لترجمة نتائج الاستفتاء إلى إجراءات على الأرض، خاصة أن أي خيار سوف تستند إليه في النهاية قد يفرض تداعيات عديدة على مصالحها وحساباتها في ملفات أخرى، على غرار تصعيدها المستمر مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الاتفاق النووي ودورها في المنطقة.

اعتبارات عديدة

يمكن تفسير السياسة الإيرانية المعارضة لانفصال إقليم كردستان عن العراق في ضوء اعتبارات عديدة داخلية وخارجية.

فعلى صعيد العوامل الداخلية، تبدي إيران تخوفات عديدة من الانعكاسات المحتملة لإجراء الاستفتاء ثم الانفصال عن العراق على تماسكها الداخلي، خاصة أنه يمكن أن يحفز أكراد إيران على المطالبة بالحصول على حكم ذاتي، أو على الأقل توسيع هامش الحريات السياسية والاجتماعية التي نص عليها الدستور لكنها لم تفعَّل بسبب السياسات التي تبنتها الحكومات الإيرانية المتعاقبة.

وهنا، فإن إيران تضع في اعتبارها في مقاربتها لتداعيات الاستفتاء الكردستاني أن أبرز تجارب تأسيس دولة كردية كانت على أراضيها، وهي دولة "مهاباد" التي أعلنها قاضي محمد بدعم من جانب الاتحاد السوفيتي في 22 يناير 1946م، إلا أنها لم تدم أكثر من أحد عشر شهرًا، حيث سرعان ما انهارت واجتاحتها القوات الإيرانية بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من إيران.

ومن دون شك، فإن ما يكسب هذه التخوفات مزيدًا من الزخم هو التوتر المتواصل الذي يمثل سمة رئيسية في علاقات النظام الإيراني مع الأكراد على مدى العقود التي تلت تأسيسه في عام 1979م. إذ يواجه الأكراد، الذين يمثلون 7% من إجمالي سكان إيران، أزمات عديدة على الأصعدة كافة، بسبب تراجع الاهتمام الحكومي بتطوير المناطق التي يعيشون بها وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية فيها، فضلاً عن حرمانهم من تولي مناصب رئيسية في الدولة، في إطار سياسة "التفريس" التي تتبناها الأخيرة.

وتصاعدت حدة التوتر في معظم المناطق التي يقطنها الأكراد في إيران، خاصة مدينة مهاباد، بداية من 7 مايو 2015م، عقب انتحار فتاة كردية تجنبًا لاغتصابها من جانب أحد ضباط الأمن، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات واسعة بين الشرطة والمحتجين الأكراد.

ووصل هذا التوتر إلى درجة اندلاع مواجهات مسلحة بين القوات الإيرانية وبعض الجماعات المسلحة التي تنتمي إلى القومية الكردية، تجاوزت، في بعض الأحيان، الحدود الإيرانية، على غرار ما حدث في 21 ديسمبر 2016م، عندما اتهم "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" طهران بالمسؤولية عن الهجوم الذي أدى إلى مقتل 7 وإصابة 15 في مدينة كويسنجق في مدينة أربيل بشمال العراق، ردًا على المواجهات التي اندلعت بين مقاتلي الحزب والحرس الثوري في مايو ويونيو من العام نفسه وأدت إلى مقتل عدد من عناصر الحرس.

وقد بدت مؤشرات التوتر بين إيران وأكرادها في الاحتفالات التي شهدتها مناطقهم بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء في كردستان، بشكل يشير إلى أن الخطوات التي اتخذها الإقليم حظيت بدعم عابر للحدود من جانب القومية الكردية الموجودة في أكثر من دولة.

أما على مستوى العوامل الخارجية، فيمكن القول أن تأسيس دولة كردية في شمال العراق قد يتسبب في تهديد الجهود الحثيثة التي بذلتها إيران خلال الفترة الماضية من أجل تأسيس ممر استراتيجي يصل بينها وبين حلفائها في سوريا ولبنان عبر العراق، وهو الممر الذي بات يحظى باهتمام دولي بالغ، في ظل السياسة الأمريكية الجديدة التي تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتقوم على عدم حصر الخلافات مع إيران في الملف النووي فقط، رغم أهميتها، والتركيز، بالتوازي مع ذلك، على الأدوار التي تقوم بها إيران على الساحة الإقليمية وأدت إلى دعم نشاط التنظيمات الإرهابية وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

فضلاً عن أن ثمة تصورات عديدة تتبناها دوائر صنع القرار ووسائل الإعلام التابعة لها في طهران، وتقوم على أن دولة كردستان المفترضة في شمال العراق سوف تساعد في تكريس وجود لإسرائيل بالقرب من حدود إيران، وذلك بهدف موازنة نفوذ الأخيرة في جنوب لبنان، ومن ثم تحويل كردستان إلى نقطة انطلاق لهجمات إسرائيلية أو أمريكية محتملة قد يتم شنها ضد إيران في مرحلة لاحقة، في حالة ما إذا تحول التصعيد الحالي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى إجراءات عسكرية على الأرض بين الطرفين، في ظل المسارات الغامضة التي يتجه إليها الاتفاق النووي الذي قد يتم تجميده في نهاية الأمر، بكل ما يعنيه ذلك من عودة إيران إلى تطوير برنامجها النووي المثير للجدل من جديد وتعزيز احتمالات نشوب مواجهة عسكرية في المنطقة بسبب ذلك.

واللافت هنا أن الجهات التي تتبنى هذه التصورات تستند إلى اعتبارين رئيسيين لتبرير تحذيراتها المستمرة من التداعيات الإقليمية التي يمكن أن يفرضها انفصال كردستان: يتمثل أولهما، في تصاعد الدور الكردي في محاربة تنظيم "داعش" داخل كل من سوريا والعراق، وهو الدور الذي بات يحظى بدعم من جانب بعض القوى الدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

فقد تأسست ما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) داخل سوريا، في حين شكل إقليم كردستان "قوات البشمركة"، حيث تحولت تلك الميليشيات إلى أطراف رئيسية في المواجهات المسلحة مع "داعش" في العراق وسوريا، وباتت تحصل على دعم عسكري من جانب واشنطن، بشكل لم يحظ بقبول من جانب تركيا، التي تصنفها على أنها تنظيمات إرهابية، وقوبل بتوجس وحذر من جانب إيران وحلفائها، التي ترى أن ذلك يمكن أن يقوض الجهود التي تبذلها من أجل توسيع مساحة المناطق التي سيطر عليها النظام السوري خلال الفترة الأخيرة.

وينصرف ثانيهما، إلى اتساع نطاق الاهتمام الدولي، ولا سيما الأمريكي، بقضية القوميات في إيران، وهو ما انعكس في تنديد المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، في 18 أبريل 2017م، بانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وتحذيرها من اندلاع نزاعات في ثلاث دول بسبب تلك الانتهاكات هى إيران وكوريا الشمالية وكوبا، وذلك خلال الاجتماع الخاص بحقوق الإنسان في مجلس الأمن والذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية.

كما بدا ذلك جليًا في التقرير السنوي الأخير لمنظمة العفو الدولية، عن حالة "إيران 2016-2017"م، الذي أشار إلى أن المنتمين للأقليات الدينية والقوميات العرقية يواجهون تمييزًا في إيران، حيث استخدمت السلطات الإيرانية عقوبة الإعدام على نطاق واسع، كما تناول القيود المفروضة على فرصهم في الحصول على وظيفة وسكن مناسب وتولي مناصب وممارسة حقوقهم المدنية والثقافية.

خطوات متعددة

منذ إعلان رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني في 8 يونيو 2017م، عن تحديد موعد الاستفتاء على الانفصال عن العراق في 25 سبتمبر 2017م، تحركت إيران لمنع الأكراد من استكمال الخطوات التمهيدية لإجراء الاستفتاء.

إذ وجه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني تهديدًا ضمنيًا للإقليم بقوله، في 17 يوليو 2017م، أن "الاستفتاء سوف يؤدي إلى فرض عزلة على الإقليم وفرض الضغوط على الأكراد وإضعاف كردستان وفي النهاية جميع العراق". وأعاد شمخاني توجيه تهديداته مجددًا قبل إجراء الاستفتاء بنحو أسبوع، حيث قال: " إن الاتفاقيات العسكرية والأمنية بين إيران والإقليم ستعتبر ملغاة في حالة إجراء الاستفتاء وانفصال الإقليم عن العراق"، واعتبر أن "المعابر الحدودية بين إيران والإقليم لها طابع شرعي فقط في ظل وجود الإقليم جزء من العراق"، في إشارة إلى أن إيران سوف تتجه إلى إغلاق المعابر الحدودية في حالة الانفصال أو على الأقل تسليمها للحكومة العراقية.

كما قام رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري بزيارة تركيا، في 15 أغسطس 2017م، حيث التقى الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الدفاع نور الدين جانيكلي ورئيس الأركان الجنرال خلوص آكار، الذي قام بدوره بزيارة طهران في 2 أكتوبر 2017م، قبل يومين من الزيارة التي أجراها الرئيس أردوغان إلى طهران، حيث كان الملف الكردي هو أحد المحاور الرئيسية في المحادثات بين المسؤولين الأتراك والإيرانيين.

وقد حرص المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، خلال لقائه مع أردوغان، على تأكيد أن "الاستفتاء يمثل خيانة للمنطقة وتهديدًا لاستقرارها"، معتبرًا أن "على إيران وتركيا الإقدام على أى خطوة لمواجهة هذا الحدث".

ووجه محمد باقري تهديدًا آخر للإقليم، في 6 أكتوبر 2017م، بـ"حرب قد تستمر عشرات السنين إذا طبقت نتائج الاستفتاء على الاستقلال"، متسائلا عن مغزى توقيت الإقدام على تلك الخطوة، في إشارة إلى المزاعم الإيرانية الخاصة بوجود علاقات قوية بين إسرائيل والإقليم مكنت الأولى من ممارسة ضغوط على الثاني من أجل اتخاذ تلك الخطوة، لتعزيز قدرتها على موازنة نفوذ إيران في سوريا وجنوب لبنان بالقرب من حدودها.

وبالتوازي مع ذلك، بدا جليًا أن إيران حرصت على رفع مستوى التنسيق الأمني والسياسي مع الحكومة العراقية، حيث قام رئيس الأركان العراقي الفريق أول الركن عثمان الغانمي بزيارة تركيا ثم إيران يومى 23 و27 سبتمبر على التوالي، وأجرت القوات الإيرانية والعراقية، في الفترة من 2 إلى 5 أكتوبر 2017م، مناورات مشتركة بالقرب من معبر باشماق على الحدود الإيرانية مع الإقليم.

 كما قامت إيران بإغلاق مجالها الجوي مع الإقليم قبل يوم من إجراء الاستفتاء ونشر عشرة دبابات تساندها وحدات مدفعية على الحدود. ومنعت أيضًا نقل المشتقات النفطية من الإقليم وإليه، وتعمدت خلال المناورات إغلاق المعابر الحدودية مع الإقليم لمدة يومين قبل فتحها من جديد، في إشارة تهديد تفيد أن إيران تمتلك أوراق ضغط يمكن أن تستخدمها في حالة اتجاه مسؤولي الإقليم إلى اتخاذ خطوات أخرى أكثر تصعيدًا خلال المرحلة القادمة.

عقبات متداخلة

ومع ذلك، فإن أية خطوات تصعيدية من جانب إيران قد تواجه عقبات عديدة. فعلى الرغم من التهديدات التي يطلقها المسؤولون الأمنيون والعسكريون الإيرانيون، إلا أن الخيار العسكري لا يبدو واردًا في المرحلة الحالية لاعتبارات عديدة، يتمثل أهمها في أن ذلك يمكن أن يفرض تداعيات عكسية على مصالح وحسابات إيران، باعتبار أنه سوف يضفي وجاهة خاصة على الاتهامات الموجهة لها، لا سيما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الإقليمية في المنطقة، بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط ودعم التنظيمات الإرهابية.

بل إن ذلك سيوفر فرصة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل العمل على استقطاب تأييد كثير من القوى الدولية لسياستها إزاء الاتفاق النووي، الذي تربط فيها بين الاتفاق وبين الدور الإقليمي الإيراني، لتأكيد أن إيران "تنتهك روحه"، بسبب التأثيرات السلبية لتدخلاتها المستمرة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة على الاستقرار والأمن الإقليمي.

فضلا عن أن أى تحرك مباشر من جانب إيران في هذا الصدد ربما يمكن اعتباره انتهاكًا لقرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي صدر في 20 يوليو 2015م، وأضفى شرعية دولية على الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة "5+1" في 14 من الشهر نفسه، لكنه فرض حظرًا على بيع أو نقل الأسلحة أو العتاد ذي الصلة من إيران.

بدائل محتملة

وعلى ضوء ذلك، ربما تسعى إيران إلى اختبار بدائل أخرى في التعامل مع احتمال انفصال كردستان يتمثل أبرزها في:

1-  محاولة إحداث انقسام كردي-كردي: من خلال استقطاب بعض القوى السياسية الكردية وتوسيع مساحة خلافاتها مع رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني، على غرار حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، من أجل عرقلة أية جهود قد يبذلها الأول لتوحيد سياسات الأكراد بهدف احتواء الضغوط الإقليمية المتوقعة خلال المرحلة القادمة، وربما تعزيز فرصه في تولي منصبه لفترة جديدة، بعد الانتخابات الرئاسية التي أعلن أنه سيتم إجراءها في بداية نوفمبر القادم، سواء عن طريق التمديد له في حالة عدم تقدم أى مرشح للمنافسة في الانتخابات، أو عبر إجراء تعديل في الدستور ليسمح له بذلك.

وتعول إيران في هذا السياق على الخلافات العالقة بين القوى الكردية حول تفعيل البرلمان المعطل، حيث كانت بعض تلك القوى، مثل حركة التغيير والجماعة الإسلامية التي أبدت تحفظات عديدة تجاه إعلان رئيس الإقليم وزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني عن موعد الاستفتاء، قد ربطت بين هذا الموقف وبين خلافاتها مع برزاني حول البرلمان المعطل والتمديد له بعد انتهاء ولايته الثانية.

وفي هذا السياق، أكدت حركة التغيير والجماعة الإسلامية أنهما ترفضان إجراء الاستفتاء إلا وفق تشريع يصدره البرلمان، وأن شرعيته ستكون محل شك في حالة إجراءه في عهد برزاني.

وانطلاقًا من ذلك سعت إيران إلى استقطاب تأييد بعض تلك القوى لموقفها، خاصة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي قام وفد يضم قياديين فيه برئاسة الأمين العام الأول للحزب كوسرت رسول بزيارة إيران، في 17 يوليو 2017م، سبقتها زيارة غير رسمية قام بها رئيسه السابق جلال طالباني، في 12 يوليو 2017م، والذي توفى في3 أكتوبر 2017م.

وقد كان لافتًا أن إيران حرصت على المشاركة في مراسم تشييع جثمانه، بوفد برئاسة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي أكد أن "إيران لا تضع أخطاء بعض الأشخاص الاستراتيجية في حساب كرد العراق"، في إشارة إلى أن الأولى لا تتعامل بسياسة واحدة مع كل المكونات الكردية في العراق، وأنها تعول على أن الانقسام العالق فيما بينها سوف يتحول إلى متغير مهم في تحديد مدى قدرة مؤيدي الانفصال على اتخاذ خطوات إجرائية من أجل تفعيله.

لكن إيران لا تستطيع التعويل على هذا الخيار بشكل كامل، خاصة أنه لا يمكن استبعاد وصول القوى الكردية إلى حلول وسط للقضايا الخلافية العالقة فيما بينها خلال المرحلة القادمة.

2-  فرض ضغوط اقتصادية: على غرار إغلاق المعابر الحدودية أو تسليمها للسلطات العراقية، فضلاً عن مواصلة إغلاق المجال الجوي أمام الإقليم، بالتعاون مع تركيا والحكومة العراقية، حيث تهدف إيران من خلال ذلك إلى إقناع قادة الإقليم ومؤيدي الانفصال بالتراجع عن تفعيل النتائج التي أسفر عنها الاستفتاء، على أساس أن تلك الإجراءات التي يمكن أن تواصل استخدامها خلال الفترة القادمة، لن تخصم من قدرة الإقليم على إدارة شؤونه فحسب، وإنما ستؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي قد يواجهها في مرحلة ما بعد الانفصال.

لكن هذه الآلية ربما لن تفرض تداعيات قوية على موقف الإقليم، باعتبار أن الخيارات المتاحة أمام إيران قد لا تكون متعددة في هذا السياق، في ظل الأهمية التي توليها للعلاقات الاقتصادية مع الإقليم، إذ أن الإقليم تحول إلى أحد المنافذ التي سعت إيران لاستخدامها من أجل الالتفاف على العقوبات الدولية التي فرضت عليها قبل الوصول إلى الصفقة النووية، في منتصف عام 2015م.

 وربما يدفع ذلك إيران مرة أخرى إلى التريث في تبني هذا النهج المتشدد انتظارًا لما سوف يؤول إليه التصعيد الحالي مع الإدارة الأمريكية، والذي قد ينتهي بالعودة إلى المربع الأول من الأزمة النووية، بكل ما يفرضه ذلك من تعزيز احتمالات العودة إلى فرض عقوبات دولية على إيران أو اندلاع مواجهة عسكرية جديدة في المنطقة.

فضلا عن أن هذه الإجراءات يمكن أن تؤثر على مصالح قوى دولية مثل روسيا، التي تتجه نحو توسيع نطاق تعاونها الاقتصادي مع الإقليم، بشكل يمكن أن ينعكس سلبًا على التفاهمات التي تتوصل إليها الدول الثلاث في سوريا.

3-  رفع مستوى التنسيق الإيراني-التركي: على المستويات المختلفة الأمنية والسياسية والعسكرية، وذلك بهدف توسيع نطاق العزلة الإقليمية المستهدفة على الإقليم لتتحول إلى عزلة دولية، تجنبًا لحصول الإقليم على دعم من جانب قوى أو أطراف لها تأثيرها على الساحة الدولية.

وهنا، فإن إيران ربما تعول على متغيرين: يتمثل أولهما، في وصولها إلى تفاهمات سياسية وأمنية مع تركيا وروسيا حول الملف السوري، من خلال المحادثات التي تجري جولاتها في الآستانة.

وينصرف ثانيهما، إلى توافقها مع تركيا حول دعم قطر في أزمتها مع دول المقاطعة العربية، حيث سعت الدولتان إلى التحول لظهير إقليمي للدوحة من أجل تعزيز قدرتها على التعامل مع الضغوط التي فرضتها قرارات المقاطعة، بل والترويج للموقف القطري على الصعيد الدولي.

لكن رغم أن هذا التوافق دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح إمكانية أن يساهم ذلك في دعم فرص تأسيس محور إقليمي يضم إيران وتركيا وقطر، إلا أن ذلك لا ينفي أن الخلافات القائمة بين الطرفين ليست ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة، وهو ما يمكن أن يضع حدودا معينة للتفاهمات التي تتوصل إليها الدولتان في الملفات الإقليمية المختلفة، وعلى رأسها الموقف من الأزمة مع قطر، ومن الصراع في سوريا.

4-  تبني سياسة "الحرب بالوكالة": من خلال دفع الميليشيات الإرهابية الموالية لها في العراق، على غرار "الحشد الشعبي" إلى الانخراط في مواجهات عسكرية ضد ميليشيا "البشمركة" الكردية، في إطار الضغوط التي يمكن أن تمارسها لمنع الإقليم من المضي قدما في تفعيل إجراءات الانفصال عن العراق.

لكن هذه الآلية تواجه بدورها صعوبات عديدة، خاصة أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تصاعد حدة التوتر الطائفي والعرقي الذي قد يتجاوز الحدود العراقية ويمتد إلى داخل حدودها، وهو ما قد يساهم في تصاعد حدة الاحتقان في المناطق التي تقطنها القوميات العرقية والأقليات المذهبية على عكس ما تسعى إيران إلى تحقيقه.

فضلا عن أن هذا التدخل يمكن أن يصب في مصلحة تنظيم "داعش"، الذي تمكن، وفقًا لتقارير عديدة، من تجنيد بعض الأكراد الإيرانيين، الذين قاموا بتنفيذ الهجمات التي تعرض لها ضريح الخميني والمبنى الإداري التابع لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في 7 يونيو 2017.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إنه رغم التهديدات الإيرانية المستمرة ضد إقليم كردستان، سواء قبل الاستفتاء أو بعده، إلا أن ذلك لا ينفي أن الخيارات المتاحة أمام إيران ليست متعددة، بشكل يبدو أنه سوف يدفعها إلى تبني خطوات تدريجيًا في التعامل مع التطورات التي سوف يشهدها الإقليم مستقبلا، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي سوف تجري في بداية نوفمبر القادم، والتي سوف يترتب عليها استحقاقات أخرى سوف تؤثر بدورها على اتجاهات السياسة الإيرانية من الإقليم خلال المرحلة القادمة، فضلا عن استمرار الجهود التي يبذلها بعض المسؤولين العراقيين، على غرار رئيس البرلمان سليم الجبوري ونائبي الرئيس أياد علاوي وأسامة النجيفي، من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة التي فرضها الاستفتاء.

مقالات لنفس الكاتب