array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 124

موقف تركيا من انفصال أكراد العراق: استفتاء برزاني خيانة للدعم التركي

الأحد، 22 تشرين1/أكتوير 2017

الشعب الكردي جزءٌ أساسي من الشعوب والقوميات المسلمة، أقام إمارات ودولا كثيرة في التاريخ ([1])، والشعب المطالب بالدولة الكردية اليوم له حقوق إنسانية واجتماعية وسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ومواجهة هذه الحقوق السياسية اليوم، سواء كانت من الأكراد أنفسهم أو من دول المنطقة، قد يكون هدفه حماية الكرد، وليس نفي حقوقهم ولا محاربتهم، ومن ثم حماية دول المنطقة وشعوبها من حروب جديدة يكون الأكراد وقودها الأول في المشاريع الاستعمارية الحديثة، وهذا لا يعفي شعوب المنطقة ودولها من البحث الصحيح لبناء مستقبل جديد لشعوب المنطقة بأمن وسلام وتعاون، وبدون إراقة دماء، لمجرد أن القوى الاستعمارية تجد فيهم ورقة قابلة للاشتعال، وأما الحديث عن مسمى "كردستان" التاريخية، فإن من أصعب الأمور أن نضع حدًا معينًا لكردستان([2]).

لذا كان إعلان مجموعة أحزاب سياسية عراقية ذات أصول كردية في شهر يونيو الماضي لإجراءاستفتاء على انفصال إقليم شمال العراق باسم "كردستان" في 25 سبتمبر بمثابة إعلان قنبلة في المنطقة، حيث بدأت كافة التحركات المتخوفة من هذا التفجير بالتحذير منه، والتهديد باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنعه ومنع نتائجه، بالطرق السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، وضد كل القائمين عليه، ممثلة برئاسة مسعود برزاني وحكومة وبرلمان إقليم شمال العراق، ومنذ ذلك التاريخ كانت المواقف التركية رافضة ومعارضة لهذا الاستفتاء، و طالبت بعدم إجرائه، بدون استجابة من رئاسة إقليم كردستان مسعود البرزاني، فجرى الاستفتاء بتاريخه، بنسبة مشاركة 72% من سكان الإقليم، واعلنت الهيأة العليا للاستفتاء في الإقليم أن نسبة المؤيدين للانفصال كانت 92%.

وبدأت ردود الفعل والتصريحات والإجراءات العقابية متوالية وسريعة، الرئيس التركي أردوغان اعتبر إجراء الاستفتاء خيانة لتركيا من حكومة إقليم شمال العراق ومسعود البرزاني شخصيًا، لأن الحكومة التركية صادقت رئاسة الإقليم الكردي ودعمته، ودخلت في خلافات مع حكومة العراق بغداد بسبب دعمها له، ولكن الحكومة التركية اضطرت بعد الخيانة أن تعيد علاقاتها الدبلوماسية الاعتيادية والقوية مع بغداد، والدعوة إلى التنسيق الكامل معها ومع الحكومة الإيرانية، باعتبار أن هذه الأطراف الثلاثة أكثر الأطراف الدولية المتضررة من انفصال إقليم الشمال وتقسيم العراق بإقامة دولة كردية؛ لأنها ستقع تحت التهديد المباشرة في وحدتها الوطنية، وسوف تفتح فتنًا وحروبا أهلية لا تنتهي لعقود قادمة من الزمن، وخشية أن تصبح المسألة الكردية النار المشتعلة في المنطقة لعقود بأيدي اللاعبين بخرائط الشرق الأوسط([3])، وهذا فيما لو تمكن الانفصاليون وداعموهم في الانفصال من تحقيق مخططهم بالتقسيم وإقامة دولة كردية مستقلة عن العراق.

محددات الموقف العراقي من الاستفتاء دستوريًا:

يُشكل إقليم شمال العراق كإقليم كردي وحكم ذاتي بموجب الدستور العراقي الموضوع عام 2005م، الذي أشرف عليه الحاكم العسكري الأمريكي بريمر بعد احتلال أمريكا للعراق، وعلى أساس ذلك الدستور تشكل برلمان الإقليم وحكومته ورئاسته على أساس الدستور الاتحادي للعراق، والتنظيمات الاتحادية السياسية والقضائية والأمنية والعسكرية، بما فيها تنظيم الانتخابات الديمقراطية الخاصة بالإقليم التي تشمل ثلاث محافظات أسياسية ، هي أربيل عاصمة الإقليم والسليمانية ودهوك، بينما بقيت كركوك ذات الأغلبية التركمانية والعربية لا تتبع الإقليم، إضافة إلى بعض الأماكن التي توصف بالمناطق المختلف عليها بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية ببغداد، مثل مناطق في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، وبحسب دستور 2005م، لا يحق للإقليم اتخاذ أية إجراءات تؤدي إلى انفصال الإقليم ، فالدستور العراقي الذي يخضع له إقليم كردستان يمنع الانفصال، ولذلك وقفت الحكومات العالمية إلى جانب الحكومة العراقية المركزية ولم تعلن تأييدها للاستفتاء ولا الانفصال؛ لأن ذلك يتعارض مع القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، ولم تقف إلى جانب الاستفتاء والانفصال إلا إسرائيل.

رفضت الحكومة المركزية في بغداد مبدأ الاستفتاء من أصله، واعتبرته غير دستوري كما أعلن رئيس الحكومة حيدر العبادي:" إن الحكومة المركزية لا تعتقد بوجود إطار دستوري أو رسمي لاستفتاء الاستقلال"، وبالتالي رفض نتائج الاستفتاء مسبقًا، وعليه بقي إجراء الاستفتاء مجرد مغامرة أو خطوة تقريبية ليس لمشروع تقسيم العراق فقط، وإنما خطوة على طريق تقسيم سوريا وتركيا والعديد من الدول العربية الكبيرة بحسب المخططات الاستعمارية.

الحكومة العراقية تدرك المخاطر الحقيقية لتقسيم العراق على العراق وبنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها، وكذلك هي أمام ضغوط تتمثل بالموقف الإيراني لمخاطر التقسيم على إيران والمحور الذي تشترك به دولة العراق مع الحكومة الإيرانية في المنطقة، وليس في العراق فقط، فالحكومة الإيرانية تعتبر الانفصال وإقامة كيان أو دولة كردية على حدودها تهديدًا مباشرة للثورة الإيرانية، وقد " حاولت طهران، وعلى أكثر من صعيد ومن خلال قنوات عدة، أن تحول دون إجراء الاستفتاء، ووظفت علاقاتها ونفوذها للحيلولة دونه، وسعى قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، إلى استثمار نفوذه في كردستان لثني الأكراد ، لكن الخطوات الإيرانية جاءت سابقة ولاحقة لإعلان مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان عن قرار عقد الاستفتاء في فبراير 2016." ([4]).

فمشروع الانفصال الكردي شمال العراق تهديدٌ للمكون السياسي الطائفي في العراق وحليفه الإيراني، وبالأخص أن الموقف الإيراني يقرأ المخاطر القادمة من التأييد الإسرائيلي لهذا الانفصال، فمرشد الثورة الإيرانية يصف الكيان الانفصالي بأنه إسرائيل الثانية، ولكن المخاوف الإيرانية الحقيقية هي أن تاريخ الأكراد الأصلي على الأراضي الإيرانية، ولذلك ستتخذ الحكومة العراقية مؤيدة بالسياسة الإيرانية كافة الإجراءات التي تفرض على رئاسة إقليم شمال العراق التراجع عن الاستفتاء ومنع تحقيقه على أرض الواقع، مهما كانت التطمينات والاغراءات الدولية وبالأخص من الولايات المتحدة الأمريكية، فالقراءة العراقية والإيرانية لانفصال إقليم شمال العراق بمثابة استشعار لانفصال أجزاء من شمال سوريا وإعلانها إقليمًا أو حكمًا ذاتيًا مستقلاً، طالما أن مؤتمر جنيف للشأن السوري ينتظر نجاح اتفاقيات مؤتمرات أستانا لوقف التصعيد في الشمال والوسط والجنوب، وهذا مبعث تهديد للمشروع الإيراني في سوريا والعراق مرحليًا وإيران لاحقًا.

إن الحكومة العراقية ترفض الحوار مع رئاسة الإقليم ما لم يلغ الاستفتاء، وأعلن العبادي أنه يرفض أي حوار على نتائج الاستفتاء، وكل تعاون بين بغداد وأربيل سوف يكون معطلاً، بل سيكون سلبيًا من باب العقوبات العلنية من الحكومة العراقية، إن الموقف الأهم بين الردود الرافضة للاستفتاء ونتائجه هي حكومة بغداد؛ لأن قرار الانفصال الناتج عن الاستفتاء ليس ملزمًا لها دستوريًا وقانونيًا، وصاحب الحق الوحيد بذلك هو قرار البرلمان العراقي ببغداد، علمًا بأن الدستور العراقي لا يجيز الانفصال ولا تقسيم أراضي العراق إطلاقاً، ومع ذلك فإن الجهة الأولى المعنية بمنع الانفصال هي الحكومة المركزية في بغداد؛ لأن الانفصال يعني تقسيم العراق وتغيير بنيته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية وغيرها، لذلك فردود الفعل الأخرى الرافضة للانفصال بقوة وهما تركيا وإيران لن تستطيعا التحرك بفاعلية وتغطية قانونية دولية إلا بالتفاهم والتعاون مع الحكومة العراقيةً.

إن المجتمع الدولي وكل الهيآت ذات الصلة - في مقدمتها الأمم المتحدة - معنية أن تتعامل مع نتائج الاستفتاء من خلال الحكومة العراقية والبرلمان العراقي صاحب الصلاحية التشريعية، فلا يمكن فرض الأمر الواقع بالقوة، علمًا بان موازين القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية هي بيد الحكومة العراقية حتى الآن، وما لم يحصل متغيرات فإن الحكومة العراقية وحدها قادرة على إلغاء نتائج الاستفتاء ، معتبرة الاستفتاء ضربًا من الخيال لا أكثر ، لكن الحكومة العراقية مع ذلك بحاجة إلى أهم دولتين للتأثير المباشر على الإقليم وهما تركيا وإيران، لأن لكلتا الدولتين حدودًا على إقليم "كردستان"، وإغلاق حدودهما يعني انقطاع الإقليم عن العالم، فاقتصاد الإقليم كان يعتمد اعتمادًا كليًا على علاقاته الاقتصادية مع إيران وتركيا والتي كانت تقدر بعشرات المليارات سنويا، والحكومة العراقية في بغداد طالبت سلطات الإقليم تسليم المطارات والمعابر الحدودية، بل إن البرلمان العراقي قد خوّل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نشر قوات على حقول النفط بكركوك وفي الأراضي المتنازع عليها، وفي نفس الوقت عرضت إيران مساعدة الجيش العراقي للسيطرة على الحدود العراقية ـ الإيرانية، وهو ما يمكن أن تقوم به القوات التركية على حدودها أيضًا.

الموقف الأمريكي الغامض من الاستفتاء والانفصال:

ما تعلنه الولايات المتحدة هو أنها لا تدعم توجه الانفصال وأنها تؤيد سيادة العراق ووحدة أراضيه، وذهب الموقف الأميركي إلى رفض الاستفتاء في بعض تصريحاته، لكنه تصاعد في حدَّته من التعبير عن القلق إلى الاعتراض على التوقيت إلى إصدار بيان من البيت الأبيض يعتبر الاستفتاء تهديدًا غير ضروري للاستقرار وللإنجازات التي تم تحقيقها في الحرب ضد تنظيم الدولة، خصوصًا إن تم إجراؤه في المناطق المتنازع عليها، وقد طرح وفد يضم ممثلين عن الولايات المتحدة وبريطانيا وممثلا عن الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، على بارزاني، تأجيل الاستفتاء والشروع بمفاوضات مع الحكومة العراقية تحت إشراف المنظمة الدولية، ولكن ذلك لم يمنع إجراء الاستفتاء ما يثير شبهة عدم الضغط الدولي القوي على إقليم شمال العراق، لاسيما أن السياسة الأمريكية تحتاج إلى الأحزاب الكردية في العراق وسوريا، وهي مطمح آمال مستقبلية في تركيا وإيران، فهذه المواقف قابلة للتغيير بعد الاستفتاء وإن لم تظهر حتى الآن، ولذا فإن موقف أمريكا غامض لدرجة أن مسعود برزاني اعتبر الموقف الأمريكي من نتائج الاستفتاء غير مقنع ومخالف للوعود الأمريكية السرية بينهما. 

مواقف الحكومة التركية:

في تصريحات كثيرة لمسؤوليها اعتبرت الحكومة التركية قرار الدعوة للاستفتاء خاطئًا وخطيرًا منذ البداية، ودعت إلى وحدة الأراضي العراقية، بالرغم من علاقاتها الجيدة مع إقليم كردستان ورئيسه مسعود برزاني، وكذلك كان الموقف الإيراني المعلن، فهو ضد الاستفتاء على الانفصال، ويدعو إلى وحدة الأراضي العراقية، وأما أمريكا فقد أعلنت رفضها للانفصال وكذلك معظم الدول الأوروبية وروسيا، ولو عن طريق مطالبتها بوحدة العراق، ومع ذلك ذهبت حكومة إقليم كردستان لإجراء الاستفتاء بنفس التاريخ المحدد، وقد أصدر وزراء خارجية العراق وتركيا وإيران بيانًا مشتركًا بعد اجتماعهم في أنقرة في 21 سبتمبر/أيلول 2017م، يشير إلى أن البلدان الثلاثة ستتخذ إجراءات مضادة منسقة في حالة إجراء الاستفتاء.

إن هذه المواقف الصارمة والجادة من الحكومة التركية يعني أن مستقبل الإقليم سيكون متأزمًا بعد الاستفتاء، وأشارت أنقرة إلى أنها تدرس كل الخيارات للرد على الاستفتاء بما فيها العقوبات السياسية والاقتصادية، وهذه العقوبات بدأتها تركيا فعلاً، وهي تستند إلى كلمة حازمة من الموقف التركي لخصها أردوغان: وهي أن كل المساعدات التي قدمتها تركيا لإقليم شمال العراق ولمسعود البرزاني قد قابلها بالخيانة، فتركيا ترى أن خطوة الإصرار على استفتاء الانفصال هي خيانة سياسية للتحالف الذي كان بينها وبين رئاسة الإقليم ومع مسعود برزاني شخصيًا، وإصرار برزاني على الانفصال سيعني تقويض مستوى العلاقات السياسية بين أنقرة وأربيل، ويعود بها إلى ما قبل تأسيس تلك العلاقات القوية، وسوف يدفع تركيا إلى إجراء مباحثات مع الإدارة المركزية في بغداد حيال مصير الإقليم عوضًا عن إدارة بارزاني، إضافة إلى تشكيل موقف سياسي مشترك بين أنقرة وبغداد وطهران تجاه الإقليم، إضافة إلى العقوبات الدبلوماسية التي قد تعيد تركيا إلى اتفاقيات ترسيم الحدود مع العراق خلال القرن العشرين الماضي، حول اتفاقية رسم الحدود مع العراق عام 1926م، والتي أعيدت هيكلتها عام 1946م، والعقوبات الاقتصادية ستكون ذات تأثير كبير بالنظر إلى أن المنافذ التركية كانت هي الوحيد لبيع النفط من الإقليم لخارجه، وهو ما أثار العديد من المشكلات بين تركيا والعراق في السنوات القليلة الماضية، ولكن حكومة الإقليم جازفت بذلك وكأنها تراهن على دعم دولي أكبر من العقوبات الإقليمية من العراق وتركيا وإيران.

إن القرار الأول الذي اتخذته الحكومة التركية بعد إعلان نتائج الاستفتاء أعلنه نائب رئيس الوزراء التركي "بكر بوزداغ" فقال:" إن بلاده أوقفت جميع أشكال التعاون مع إقليم شمال العراق، بما في ذلك المساعدات وتدريبات قوات الإقليم في تركيا، مشيرًا أنه "لا عودة لممثل الإقليم إلينا، وجدد بوزداغ التأكيد أن أنقرة لن تتعامل سوى مع الحكومة المركزية في بغداد، حول جميع شؤون العراق، بما في ذلك ما يتعلق بإدارة إقليم شمال العراق، والمواطنين المقيمين فيه، والحدود، وتأشيرات الدخول، والمعابر الحدودية والمواصلات، وأضاف: أن تركيا تظهر اهتمامًا بتكثيف التنسيق مع بغداد خلال هذه المرحلة، بالإضافة إلى دول المنطقة، وخصوصًا إيران، وقال: "وُضعت كافة الخيارات على الطاولة، وتم اتخاذ خطوات بالفعل، منها المناورات العسكرية على الحدود مع العراق، والمستمرة حتى الآن بمشاركة قوات عراقية"([5]).

وعلق رئيس الوزراء التركي ابن علي يلدرم على نتائج الاستفتاء قائلاً:" إن قيادات إقليم شمال العراق لم تتردد في زج ملايين الناس في المغامرة (استفتاء الانفصال الباطل) من أجل تحقيق أطماعها واستمرار حكمها"، والمغامرة هي في زج المواطنين العراقيين الأكراد في حروب قومية مع أخوتهم العراقيين، وزجهم في مغامرة حروب قومية مع دول المنطقة، حيث تطمع الدول الاستعمارية تكرار تجربة الانفصال فيها على أسس قومية مثل سوريا وإيران وتركيا فيما لو نجح انفصال إقليم شمال العراق.

أما الرئيس التركي أردوغان فقد كان أكثر حزمًا وقال بعد صدور نتائج الاستفتاء :" إن إدارة إقليم شمال العراق ستدفع ثمن إقدامها على إجراء الاستفتاء"، مجددًا عزم بلاده مواجهة ما يترتب على هذه الخطوة الباطلة بكل حزم، وأضاف "أبلغنا دول الجوار بأننا مستعدون لمواجهة التطورات السلبية المحتملة (الناجمة عن الاستفتاء)، ولن نسمح بحدوثها في العديد من المناطق السكنية بالخريطة التي رسمتها إدارة الإقليم كما يحلو لها"، وتابع "هناك عرب وتركمان ومجموعات أخرى في تلك المناطق وبعضهم يشكل فيها غالبية، وبموجب القانون الدولي هي مناطق متنازع عليها، بما فيها كركوك"، وقال إن بلاده "لا يمكن أن تقبل استفتاءً أُجري في مناطق أحرقت فيها مبان لإدارات النفوس والسجلات العقارية، وأخرى هُجّر فيها من لم يخضعوا (لحكومة الإقليم)، عبر الضغوط والعنف وطرق غير قانونية"([6])، والمناطق المتنازع عليها هي محافظة كركوك وأجزاء من محافظات نينوى وصلاح الدين (شمال) وديالى (شرق)، وطالب رئاسة الإقليم بالتراجع عن قرار الاستفتاء بالانفصال.

إن الخطورة التي يقدم عليها إقليم كردستان لا تتوقف على فتح بؤرة صراع قومي جديد في العراق أو في المنطقة، وإنما هي خطورة على مشاريع التقسيم التي تتعرض لها المنطقة، وكأن أكراد العراق يريدون أن يكونوا السباقين لتقسيم دول المنطقة وفق المشاريع الغربية والأمريكية المعدة لذلك من أكثر من قرن من الزمان، فالمشاريع الأولى لتقسيم المنطقة بدأت بمخططات بريطانية منذ القرن التاسع عشر، بما فيها إقامة دولة كردية، وإن تأخير تحقيقها لأكثر من قرن ونصف، ولكنها تبقى على أجندة الدول الاستعمارية أهدافًا مستقبلية مهما تأخرت، لذلك فإن الدول الغربية ومعها أمريكا وروسيا لن تكون كثيرة التأثر بمنع نشوب الأزمات التي ستنشأ من جراء إصرار كرد العراق على الانفصال، حتى لو أدّى ذلك إلى نشوب حروب قومية قاتلةٍ ومدمرة لإقليم كردستان.

إن الحكومة التركية لن تتخذ قرارًا انفراديًا في مواجهة قرار الاستفتاء وتبعاته، وهذا ما عبر عنه المسؤولون الأتراك بأن خطواتهم سوف تكون بالتنسيق مع الحكومة العراقية، سواء كانت عقوبات سياسية بإغلاق المعابر مع تركيا، أو عقوبات اقتصادية بجعل التعاملات الاقتصادية الكبرى مع الحكومة المركزية في بغداد، وبالأخص بمسألة استيراد النفط العراقي، من محافظ كركوك على وجه التحديد، وهذا الموقف بالتنسيق مع الحكومة العراقية هو موقف الحكومة الإيرانية أيضًا، فإيران سوف تعوِّل على القوى العراقية المتحالفة معها لمواجهة الخطوة الكردية، وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية الإيراني الأسبق د. علي أكبر ولايتي، بقوله: "إيران حليف استراتيجي للعراق وتدعم أي قرار تتخذه الحكومة المركزية تجاه الاستفتاء"، مكررًا أقوال المرشد خامنئي بأن إنشاء دولة كردية يصب ضمن الأهداف الصهيونية لإيجاد إسرائيل ثانية وثالثة في المنطقة.

لقد بادرت الحكومة التركية بالاستجابة إلى دعوات التنسيق مع الحكومتين العراقية والإيرانية لمواجهة انفصال الإقليم أو محاولات فرض التقسيم على العراق، وبتاريخ 15أغسطس 2017م، زار رئيس الأركان الإيراني، محمد حسين باقري تركيا بدعوة من نظيره التركي خلوصي أكار، فجاء على رأس في زيارة هي الأولى من نوعها منذ الثورة الإيرانية، واستمرَّت ثلاثة أيام. وكان من أهم أهدافها بلورة موقف موحَّد من استفتاء (كردستان) العراق؛ لما له من انعكاسات سلبية على الملف الكردي في كلا البلدين؛ وقد حذَّر وزير الخارجية التركي من أن يؤدي الاستفتاء إلى حرب أهلية عراقية، كما أكد باقري رفض طهران وأنقرة له، واعتباره بداية توتر جديد في المنطقة، ومن المؤكد أن تركيا تربط بين الانفصال الكردي في العراق مع مشروع الانفصال الآخر في سوريا وتعمل على تأييد الحكومة الإيرانية لوجهة نظرها برفض الانفصالين معًا.

وأما ما يقال بأن لتركيا مصالح اقتصادية من انفصال أكراد العراق، وأنه في حالة مقاطعة العراق وإيران لهذا الإقليم المنفصل فسوف تكون نافذته العالمية هي البوابة التركية بما تحمله من مصالح اقتصادية كبيرة لتركيا، فإن ذلك كان متحققا في الوضع السابق دون مخاطر أمنية على الأمن القومي التركي، فما سوف يترتب على هذا الانفصال من وجهة نظر تركيا خطير جدًا على المدى القريب والبعيد، حيث أن خشية تركيا من إقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية من جهة العراق سيفتح عليها بابًا من المخاطر الداخلية والخارجية، فالمخاطر الداخلية من جهة تزايد الجهود الداخلية التي يتبناها حزب العمال الكردستاني داخل تركيا لإقامة حكم ذاتي في جنوب شرق تركيا، سوف يتحول إلى بؤرة صراع عسكري كبير أخطر مما كان في العقود الماضية أضعاف المرات.

إن تركيا تعاني منذ عام 1985م، من العمليات الإرهابية التي يشنها حزب العمال الكردستاني التي أودت بحياة أكثر من أربعين ألفًا من مواطني تركيا، إضافة إلى خسائر مادية ومالية تقدر بعشرات مليارات الدولارات، ولم تتوقف هذه العمليات الإرهابية إلا بعد اتفاقات مبدئية بين الحكومة التركية وممثلين من حزب الشعوب الديمقراطي التركي، الذي كان ينوب عن حزب العمال الكردستاني في عامي 2013 و2014م ([7])، ولكن الحزب تراجع عن تلك  الاتفاقيات أو التفاهمات بضغوط خارجية ، إثر ظنون كانت واهية بأن حزب العدالة والتنمية سيفقد السلطة السياسية بعد انتخابات 7يونيو 2015م، ولكن الحزب عاد إلى السلطة في انتخابات نوفمبر 2015م، وشكل حكومته بدون الحاجة إلى حكومة ائتلافية، وظل حزب العمال الكردستاني يواصل استغلال الظروف في العراق وسوريا بإثارة المشاكل للدولة التركية، سيما في جنوب شرق تركيا، ووضع المتاريس وحفر الخنادق في الشوارع ومهاجمة دوريات الشرطة، لفرض إدارة حكم ذاتي فيها، ولكن أهالي تلك المحافظات أفشلوا جهوده، وكان في مقدمتهم وغالبيتهم أبناء القومية الكردية، الذين يعلمون أن مستقبلهم الآمن والمزدهر سيكون وهم مواطنون أتراك، وليس مع مشروع انفصالي يحمل الموت والمغامرة السوداء في مستقبله، ما فرض على الحكومة التركية أن تقف إلى جانبهم ودعمهم بإفشال مشروع الانفصال في تركيا في تلك الأيام الغابرة.

 إن جهود الانفصال التي تتبناها الأحزاب الكردية في المنطقة ليست وليدة الاستفتاء الأخير في العراق، وإنما هي قديمة بقدم الجهود الاستعمارية لتقسيم الدولة العثمانية ومن بعدها تقسيم العراق وسوريا وتركيا وإيران، ولا تنظر تركيا للأمر على أنه شأن عراقي فقط، فنجاح الانفصال في العراق يعني الانتقال إلى الخطوة التالية في مشروع الانفصال في تركيا، الذي سيجد من إقليم شمال العراق المنفصل الدعم السياسي العسكري، إن لم يكن رسميًا فمن خلال القوى والأحزاب التي تخدم مشاريع تقسيم تركيا والمنطقة، من تكوين دولة كردية على حدودها تكون نواة للدولة الكردية الأم وتشمل أكراد تركيا، فتركيا لا تستطيع أن تراهن على أن الانفصال الكردي في العراق سيكون محصورًا في العراق، فالقوى الاستعمارية تعمل على نفس المخططات في شمال سوريا الآن، ولن تنتظر تركيا أن تسمح لها بالتمكين لتكوين جوار مهدد لأمن القومي التركي والعربي والإيراني.

إن تركيا تراهن على أن المواطنين في تركيا بكل قومياتهم لن يسمحوا للقوى الاستعمارية أن تجد أدواتها المحلية من خلال الأحزاب الكردية المغامرة، فأبناء القومية الكردية لا يؤمنون بهذه المشاريع الانفصالية أولاً، ولا يجدون أن مصالحهم القومية تتحقق بإيجاد دول ضعيفة لهم، فالعلاقات بين أبناء القوميات المختلفة في تركيا قوية جدًا، ولا تقوى أحزاب مغامرة على نزع هذه الوحدة الوطنية، وإذا وجد لأكراد العراق من حجة للانفصال وهي عدم وجود دولة سياسية ديمقراطية، فهي حجة قد تكون مقبولة ولكنها غير كافية لتدمير الشعب الكردي في العراق على أيدي ميليشيات الحرس الثوري والحشد الشعبي وقاسم سليماني وغيره، فالحل هو التفاوض مع الحكومة العراقية بدعم تركي وإيراني ودولي لتحقيق كل مصالح الشعب العراقي دون استثناء ولا انفصال.

إن الحروب التي خاضتها الحكومة العراقية ضد التنظيمات الإرهابية في السنوات الأخيرة مؤشر على جدية الحكومة العراقية باتخاذ تدابير عسكرية جدية لمنع الانفصال، وإذا راهنت زعامة كردستان على الضغوط الأمريكية على حكومة العبادي، فإنها لن تستطيع المراهنة على الموقف الإيراني الذي يشعر بخطر أكبر من الحكومة العراقية ومن الحكومة التركية أيضًا، فإن إيران الثورية لن تتوانى عن خوض حرب مصيرية ضد الدولة الكردية؛ لأنها ترى فيها خطرًا مصيريًا، فالأراضي الأصلية التاريخية للقومية الكردية هي في إيران وليست في العراق ولا في تركيا ولا في سوريا، وإيران تملك قدرة على إدخال الحكومة العراقية في حرب فعلية مع كردستان أكثر من قدرة تركيا، كما أنها لن تصبر عليها كما يمكن أن تفعل تركيا، فهل يتوقف الكرد عن هذه المجازفة القاتلة؟!

موقف كركوك من الاستفتاء والانفصال:

كان من اللافت قبل الاستفتاء بأشهر عديدة صدور قرار مجلس حكم محافظة كركوك برفع علم إقليم كردستان على المباني الحكومة، ما يعني أن الاستفتاء سيشمل محافظة كركوك التي لا يشملها تقسيم الأقاليم في العراق، فالقرار صدر بشهر أبريل الماضي، أي قبل خمسة أشهر تقريبًا من الاستفتاء، وهذا بحد ذاته فتح مسألة خلاف أساسية بين الإقليم والحكومة العراقية وتركيا أيضًا، بالرغم من أن خطوة رفع علم إقليم كردستان في كركوك جاءت بعد توافق بين جلال طالباني ومسعود برزاني أقوى قطبين كرديين في العراق، ما يدل على أن الحركة تعني أول ما تعني السعي لتوسيع إقليم كردستان ليشمل محافظة كركوك، وأما أسبابها فليست توسع في الجغرافيا فقط، وإنما لما في كركوك من مخزون نفطي كبير، فالمسألة مسألة نفط يحتاج إقليم كردستان إلى عائداته المالية لإدارة الإقليم أو الدولة الكردية القادمة بعد تقسيم العراق،  رغم أن كركوك ليست مدينة خالصة للأكراد إطلاقًا، فلديها أغلبية عربية وتركمانية ترفض هذا الإجراء وتوابعه السياسية والاقتصادية، وخطورة الاستفتاء والانفصال قد تؤدي إلى تغير في البنية الديمغرافية في كركوك في المستقبل القريب. لذلك رفضت الحكومة العراقية رفع العلم الكردستاني على مباني كركوك،

الخاتمة:

  الإشكالية التي تواجه شعوب المنطقة من العرب والأكراد والتركمان في العراق وسوريا وإيران وتركيا هي المشاريع الدولية، فالأحزاب الكردية لا تتحرك إلا بوجود ترتيبات دولية معينة، ولو من باب المحاولات الأمريكية لإيجاد تقسيمات سياسية كبيرة بالمنطقة في المستقبل، فأمريكا عملت على تدمير العراق منذ عام 1980م، فاستغلت الحرب العراقية الإيرانية أولاً، ثم أزمة الكويت عام 1990م، وتابعتها بالحصار ثلاثة عشر عاما حتى عام 2003م، ثم انقضت على العراق، ولا زالت تعمل على تدميره بمزيد من الحروب الطائفية والقومية والعرقية، وقضية الاستفتاء جزء من الخطة الأمريكية الإسرائيلية لمستقبل العراق وتقسيمه، والمساعدات العسكرية التي قدمتها أمريكا لإقليم شمال العراق أو لميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري تكفي لبناء جيوش من مئات الألوف، وهذا يهدد المنطقة بحروب قومية طويلة الأمد لا تبقي ولا تذر ، فالصراعات في المنطقة لن تكون بين الأكراد والعرب والأتراك والإيرانيين فقط، وإنما هي صراعات بين مشاريع سياسية دولية ذات خلفية صليبية.

لذلك فإن المواقف التركية الرافضة للاستفتاء ليست ضد الأكراد إطلاقاً، وإنما من أجل مصالح شعوب المنطقة وقومياتها، فالموقف التركي يدرك الاندفاع الكردي لإقامة كيان سياسي خاص، ولكن هذا التقسيم الذي تشرف عليه وتنفذه الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل لن يكون في مصلحة الأكراد ولا في مصلحة شعوب المنطقة، فتقسيم 1916م، لم ينقذ شعوب المنطقة مما كانت تشكو منه، وإنما إبقاها قرنًا كاملاً في حالة ضعف، فالتقسيم الذي يسعى له الغرب الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي لشعوب المنطقة المسلمة هو لإضعافها وإبقائها في حالة صراع سياسي وعسكري مع بعضها، وليس من أجل تحررها ولا نهضتها ولا تقدمها ولا استقلالها، وتركيا تحذر وتنذر من تحول هذه المشاريع الانفصالية لقتل الأكراد لبعضهم بعضاً أولاً، ودخولهم في حروب مع أخوتهم من العرب والأتراك والإيرانيين، وتحذر وتتخوف من زيادة  معاناة الشعب الكردي والعربي والعراقي، وزيادة تشريدهم من مدنهم وقراهم، فالرفض هو لجعل الأكراد انفسهم جنودًا مرتزقة للمشاريع الغربية الاستعمارية، ولن تسلم دول الجوار من مخاطرها.

 

 

المراجع:

([1]) انظر: تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي، محمد أمين زكي، طبعة 1364هـ ـ 1945.

([2])خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، محمد أمين زكي، الناشر حسين قاسم، بيروت، طبعة 1405هـ ـ 1985، ص9.

([3]) انظر: القضية الكردية في تركيا، د. حامد محمود عيسى، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الاولى 2002، ص 129. وكتاب: تركيا وكوردستان العراق الجاران الحائران، بيار مصطفى سيف الدين، دمشق، الطبعة الاولى 2009، ص182.

([4]) انظر: إيران و"الدولة الكردية": مخاوف أمنية وتحديات استراتيجية، د.فاطمة الصمادي رابط الكتروني http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2017/09/170921091221610.html.

([5]) انظر: رابط الكتروني: بتاريخ 29/9/2017

 http://www.akhbarturkiya.com/%D8 -19311

([6]) انظر: رابط الكتروني: بتاريخ 30/9/2017

 http://www.akhbarturkiya.com/%D8 --19321

([7]) انظر: المسألة الكردية في تركيا، إعداد قسم الدراسات موقع تركيا بوست، الطبعة الاولى 2016، ص 17.

مقالات لنفس الكاتب