; logged out
الرئيسية / نفط كردستان: الانفصال يعني الانهيار وآثار سلبية وخيمة

العدد 124

نفط كردستان: الانفصال يعني الانهيار وآثار سلبية وخيمة

السبت، 21 تشرين1/أكتوير 2017

صحيح أن منطقة كردستان العراق غنية بالنفط، غير أن لعنة الجغرافيا تجعل اقتصاد هذه المنطقة وصادراتها النفطية إلى الخارج تحت رحمة الجيران. وبالتالي فإن الانفصال، إن حدث في الوقت الحالي، في ظل المعارضة الشديدة من جانب الحكومة المركزية في بغداد وباقي القوى الإقليمية، خاصة تركيا وإيران، فإنه لن يعني سوى الانهيار الاقتصادي بالنسبة لمنطقة يتحكم في شرايينها الاقتصادية الريع النفطي.

فمن الواضح أن تطلعات الانفصال في منطقة كردستان العراق يغذيها بقوة قطاع الطاقة. حيث تقول حكومة إقليم كردستان أن المنطقة تحتوي على 45 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام (و70 مليار برميل إذا ما تمت إضافة حقول كركوك)، وهو أكثر مما تمتلكه بعض الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، مثل نيجيريا. كما أن بعض التقديرات تشير أيضًا إلى أن المنطقة تحتوي على 54 تريليون قدم مكعب من الغاز، معظمها في الأجزاء الوسطى والجنوبية من المنطقة. وقد أنتجت منطقة كردستان العراق حوالي 545 ألف برميل من النفط يوميًا في عام 2016م، ومن المتوقع أن يتزايد هذا الإنتاج إلى حوالي 602 ألف برميل يوميًا هذا العام، وفقًا لما ذكرته مؤسسة ريستاد للطاقة الاستشارية في أبريل الماضي. وقد شكل إنتاج النفط في منطقة كردستان العراق في العام الماضي حوالي 12 % من إجمالي الإنتاج العراقي من النفط[1]، استنادًا إلى البيانات التي جمعتها بلومبرج نيوز. ويضع هذا الإنتاج حكومة إقليم كردستان على قدم المساواة مع دولتي إكوادور وقطر، وهما دولتان عضوتان في أوبك.

إنتاج النفط في منطقة كردستان العراق (في الفترة من 2003 إلى 2025)

 

إنتاج النفط في منطقة كردستان العراق (في الفترة من 2014 إلى 2017)

ومن جهة أخرى، بلغ إجمالي صادرات النفط من منطقة كردستان العراق، وهي منطقة حبيسة تصدر إنتاجها النفطي عبر خط أنابيب إلى ميناء جيهان في تركيا، حوالي 515 ألف برميل يوميًا في العام الماضي، وفقًا لوكالة بلومبرج نيوز. بينما بلغ حجم هذه الصادرات في العام الحالي حوالي 584 ألف برميل يوميًا في السنة حتى كتابة هذه السطور. وعلى ضوء أسعار النفط الحالية تتراوح قيمة المبيعات اليومية لمنطقة كردستان العراق بنحو 50 إلى 60 مليون دولار يوميًا.

 

خط أنابيب تصدير النفط من منطقة كردستان العراق

 

معارضة قوية للانفصال

بمجرد إجراء كردستان العراق لاستفتاء "حق تقرير المصير"، الذي أسفرت نتائجه عن تصويت أكثر من 92 % من الأكراد المشاركين في الاستفتاء لصالح الانفصال، تراوحت ردود الأفعال بين الرفض الشديد والاستهجان من قبل حكومة بغداد ودول الجوار، التي لجأت إلى اجتماعات مشتركة للوقوف جنبًا إلى جنب في مواجهة تقسيم العراق، مستنكرين بذلك الاستفتاء الذي اعتبروه باطلاً. حيث وصف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الاستفتاء بأنه خطوة "غير شرعية وغير دستورية". كما رفض البرلمان العراقي في بغداد الاستفتاء، وطلب من رئيس الحكومة العراقية اتخاذ كل الإجراءات الضرورية للحفاظ على وحدة العراق في مواجهة خطوة الأكراد الانفصالية. كما وافق البرلمان العراقي أيضًا على ضرورة وقف عمل الشركات ‏الأجنبية العاملة في مجال التنقيب عن النفط في منطقة كردستان العراق ومقاضاتها دوليًا إذا لم تلتزم ‏بالتعامل مع الحكومة المركزية. وطالب البرلمان العراقي ‏أيضًا بأهمية التنسيق مع دول الجوار لإيقاف تصدير النفط من إقليم كردستان، ‏وحصر ذلك الأمر بالحكومة المركزية في بغداد.‏

ومن ناحية ثانية، عارضت كلا من تركيا وإيران الاستفتاء على الانفصال في منطقة كردستان العراق، واعتبرته أنقرة بمثابة "خطأ تاريخي"، بينما قالت طهران إنه "خطوة خطيرة". وقد رفضت الدولتان الاستفتاء بصورة أساسية خوفًا من تأثيره على الأقليات الكردية الموجودة لديهما وعددها في الواقع أكبر من عدد الأكراد في العراق.

وفي ضوء ذلك، تسارعت الأحداث وتأزمت بإعلان الحكومة العراقية، بالتنسيق مع نظيرتيها في أنقرة وطهران، عزمها على استعادة أربعة معابر حدودية مع منطقة كردستان العراق (اثنان مع تركيا وآخران مع إيران)، وكذلك بدأت بغداد فرض حظر جوي على الرحلات من وإلى المنطقة. كما أجرت القوات التركية مناورات عسكرية في 18 سبتمبر الماضي، على بُعد ثلاثة كيلومترات عن معبر "خابور" الحدودي مع العراق، ثم انضمت إليها وحدات تابعة للقوات المسلحة العراقية في 26 سبتمبر. وفي اليوم الأخير من شهر سبتمبر، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية العميد مسعود جزائري أن القوات المسلحة الإيرانية قررت إجراء مناورة مشتركة خلال الأيام المقبلة مع وحدات من الجيش العراقي على الحدود المشتركة بينهما. كما اعتبر عدد من الخبراء الإيرانيين أن ما يحدث في منطقة كردستان العراق محض مؤامرة إسرائيلية لتقسيم العراق وتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة. ومن ناحية أخرى، شرعت طهران في اتخاذ إجراءات عقابية ضد كردستان، منها حظر حركة شحن المنتجات النفطية من وإلى المنطقة حتى إشعار آخر.

أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فوصل به الأمر إلى حد تهديد سكان منطقة كردستان العراق بالمجاعة عبر منع الشاحنات والنفط من العبور عبر الأراضي التركية. كما أعلن الرئيس التركي أن بلاده لن تسمح مستقبلا بتصدير النفط العراقي إلا عن طريق الحكومة المركزية في بغداد وأنها ستسلم المعابر الحدودية المشتركة مع الإقليم إلى بغداد وستلجأ إلى إجراءات عسكرية إذا لزم الأمر.

ومن جهته، حذّر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة من التأثير المحتمل للاستفتاء الخاص بانفصال كردستان العراق على زعزعة استقرار المنطقة، معربًا عن اعتقاده بأن هذا الاستفتاء قد يعرقل جهود مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، التي تضطلع فيها القوات الكردية بدور بارز، وعودة النازحين العراقيين، البالغ عددهم ثلاثة ملايين شخص، إلى ديارهم.

 

تداعيات مهمة على قطاع النفط

تثير المعارضة العراقية والإقليمية والدولية لقيام منطقة كردستان العراق بإجراء "استفتاء الاستقلال"، في 25 سبتمبر الماضي، تداعيات مهمة بشأن مستقبل قطاع النفط والغاز في هذه المنطقة، التي شهدت اكتشافات كبيرة من هذه الموارد منذ عام 2004م، مما جعل لها مكانة مهمة في سوق النفط العالمي. حيث يؤكد كثير من الخبراء على إن نفط منطقة كردستان العراق سوف يعاني، على الأرجح، من مستقبل غامض خلال الفترة المقبلة، رغم الثروات الهائلة في المنطقة، في ظل عدم قدرة حكومة كردستان العراق على إدارة علاقاتها السياسية مع أربعة قوى أساسية، وهي الحكومة المركزية في بغداد، وتركيا، والولايات المتحدة ، وروسيا، خاصة وأن هذه العلاقات أساسية وحاسمة من أجل إنتاج وتصدير النفط، ومن أجل طمأنة شركات النفط الدولية بشأن الحصول على مستحقاتها، ومن ثم الاستمرار في الاستثمار لتطوير احتياطات النفط والغاز في منطقة كردستان العراق.

فمن ناحية، سوف يكون لعلاقة أربيل المستقبلية مع بغداد تأثير مهم للغاية بالنسبة للإنتاج المشترك من حقول منطقة كركوك؛ واستخدام خط الأنابيب الكردي لتصدير النفط العراقي عبر تركيا. إلا أن نتائج الاستفتاء الأخير، واستمرار اختلاف الجانبين على "المناطق المتنازع عليها"، وعلى تقاسم الميزانية الاتحادية سوف يزيد من التوتر بين الجانبين في الأيام القادمة. وفي هذا السياق، يرى كثير من المراقبين أن النفط هو المصدر الأول للنزاع بين بغداد وأربيل. ففي أكتوبر 2011م، وقّع الأكراد اتفاقًا مع شركة النفط الأمريكية العملاقة "اكسون موبيل" -التي كان يترأسها في هذا الوقت وزير الخارجية الأمريكي الحالي ريكس تيليرسون - للتنقيب في ست كتل نفطية في كردستان من دون الرجوع إلى بغداد، وكان بعضها في الأراضي المتنازع عليها. وهذا ما شكل أول مواجهة رسمية بين أربيل والحكومة المركزية في بغداد. وقد أدى ذلك إلى تقويض سياسة بغداد في عزل أربيل، كما أنه أعطى إشارة واضحة بأن الولايات المتحدة لا تمانع تشجيع الاستقلال الذاتي المتنامي في المنطقة. ومنذ ذلك التاريخ، تمتنع كردستان عن تقديم أي حسابات لبغداد، وتمنع عنها المراقبة المالية التي تتعلق بمراجعة واردات النفط التي استلمتها أربيل. ومنذ ذلك الحين تمتنع بغداد عن دفع 17 % من إجمالي عائدات النفط حيث تشير التقديرات إلى أن أربيل تبيع وتتصرّف بـحوالي 25 % من إجمالي عائدات النفط العراقي.

وبناء على ذلك، خلصت أنقرة، وهي الفاعل الرئيسي الثالث في تشكيل مستقبل النفط في منطقة كردستان العراق، بعد الحكومة المركزية في بغداد والولايات المتحدة، إلى أنه من الأفضل تحويل إقليم كردستان العراقي إلى شريك يمكن الاعتماد عليه بدلا من دفعه لكي يصبح محورًا للمشاعر القومية الكردية في دول الجوار. وفي هذا الإطار، أبرمت تركيا اتفاقًا استراتيجيًا مع منطقة كردستان العراق في عام 2013م، يمنح الأكراد طريقًا موثوقًا فيه لتصدير النفط إلى العالم الخارجي للمرة الأولى. وعندما تم قطع حصتهم من الميزانية الاتحادية في عام 2014م، نتيجة النزاع حول صادراتهم النفطية، قدمت تركيا مبالغ كبيرة لأكراد العراق، بلغت حوالي 3 مليارات دولار من الحكومة التركية ومبلغ آخر من البنوك الخاصة. ومن جهة أخرى، كشفت تركيا عن رغبتها في دخول شركة الطاقة التركية Turkish Energy Company، التابعة للدولة من أجل التنقيب عن النفط في عدد من حقول النفط في كردستان. وفي ضوء ذلك، يتوقع كثير من المراقبين ألا تستمر تركيا طويلا في تهديدها بإغلاق خط الأنابيب الذي ينقل نفط كردستان من أجل التصدير عبر ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. حيث تعاني تركيا من ارتفاع أسعار النفط عالميًا، لكونها مستوردة كبيرة للطاقة، مما يجعلها تعاني من عجز كبير في الحساب الجاري. وفي الوقت نفسه تستفيد الميزانية التركية من عبور النفط القادم من إقليم كردستان العراقي، كما يرتبط رجال الأعمال الأتراك بقوة مع منطقة كردستان العراق من الناحية التجارية. حيث صدرت تركيا سلعا بقيمة 4.5 مليار دولار عبر معبر خابور الحدودي في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، ويقوم المقاولون الأتراك بأعمال تفوق قيمتها 5 مليارات دولار سنويًا في كردستان العراق التي تشكّل ثاني أكبر سوق للمقاولين الأتراك بعد تركمانستان. وفضلا عن كل ذلك، نشر موقع "ويكيليكس" وثائق سريّة في ديسمبر الماضي عن وجود صفقة بين حكومة المنطقة وتركيا لبيع حقول نفطية في إقليم كردستان إلى تركيا مقابل 5 مليارات دولار.

أما اللاعب الرئيسي الرابع في تشكيل مستقبل النفط في منطقة كردستان العراق، بعد بغداد والولايات المتحدة وتركيا، فهو روسيا، التي أعطت الاستجابة الأكثر غموضًا للاستفتاء على الانفصال الكردي من بين جميع القوى الكبرى المعنية، ولم تعلق على ما إذا كانت ستعترف بالنتيجة. وربما يفسر هذا الغموض قيام وزارة الموارد الطبيعية الكردية مؤخرًا بالاتفاق مع شركة روسنيفت الروسية العملاقة، وعدد من الشركات الروسية التجارية الأخرى، للحصول على قرض بقيمة حوالي 3 مليارات دولار. وقد تم استخدام هذا القرض في تسوية قضية تحكيم طويلة الأمد رفعتها شركة دانة غاز، وشركة نفط الهلال، وعدد آخر من الشركات لتعويضهم عن خسائرها في حقول الغاز التي يعملون بها في منطقة كردستان العراق. كما تم استخدم جزء من هذا القرض أيضًا في إعادة هيكلة ديون الحكومة الكردية المستحقة لشركتي دنو آسا DNO ASA النرويجية وجينيل إنيرجي التركية، وهما من أكبر شركات النفط المستثمرة في النفط الكردي وتنتجان معظم النفط في منطقة كردستان العراق (أكثر من 110 ألف برميل يوميًا من حقل تاوكي). وتجدر الإشارة إلى أن علاقات الطاقة القوية بين موسكو وأربيل قد اتضحت بقوة قبل استفتاء 25 سبتمبر. ففي فبراير الماضي، أعلنت شركة روسنيفت العملاقة النفطية الروسية أنها ستمول مقدمًا اتفاقًا مدته سنتان ابتداء من هذا العام لشراء النفط الكردستاني. وفي مطلع يونيو الماضي، وقعت شركة روسنيفت أيضًا اتفاقًا لمدة 20 عامًا لشراء النفط الكردستاني، واتفاقًا آخر لاستكشاف وتطوير خمسة حقول نفطية "ذات إمكانات جيولوجية كبيرة" في كردستان العراق. وفي 18 سبتمبر الماضي، أعلنت شركة روسنيفت مجددًا عن مشروع لتمويل بناء البنية التحتية لخطوط أنابيب الغاز في كردستان العراق، لرفع القدرة التصديرية المتوقعة بحلول عام 2020م، إلى 30 مليار متر مكعب (أكثر من تريليون قدم مكعب) سنويًا. ويرى كثير من المراقبين أن توثيق العلاقات بين موسكو وأربيل في الآونة الأخيرة يأتي في إطار حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تحقيق أرباح كبيرة من الاستثمار في قطاع الطّاقة الكردي، فضلا عن كسب المزيد من النفوذ السياسي في الشرق الأوسط، وذلك من خلال مشروعات النفط والغاز الضّخمة مع دمشق، وطهران، وأنقرة، وبغداد إلى حدّ ما، وأربيل. وفي ضوء ذلك، يرجح كثير من الخبراء أن يناشد الرئيس بوتين نظيره التركي أردوغان ليسحب تهديده بإغلاق خطّ أنابيب كركوك - جيهان. فشركة النفط الروسية روسنفت المملوكة للدولة، تتوقع أن يكون خط الأنابيب مفتوحًا، لكي تستطيع الحصول على مقابل استثمارها في منطقة كردستان العراق. فإغلاق هذا الخط سيشكل كارثة من وجهة النظر الروسية.

ولن يتوقف مستقبل نفط منطقة كردستان العراق على لعنة الجغرافيا المتعلقة بمسار صادراته النفطية فقط، أو على صعوبة إدارة العلاقات السياسية بين أربيل والقوى الأربع المذكورة، وإنما أيضًا على المشاكل المالية المتزايدة لحكومة المنطقة بسبب تراجع أسعار النفط عالميًا، والفساد الذي ينخر مفاصل إدارات المنطقة التي تهيمن عليها بشكل واسع عائلتان تقليديتان هما عائلة برزاني في أربيل وطالباني في السليمانية. ويزيد الوضع سوءا بطء الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الإقليم مسعود البرزاني لمكافحة المحسوبية والرشوة والاستيلاء على المال العام. يضاف إلى ذلك أن السيد برزاني يواجه معارضة داخلية متزايدة بسبب تمسكه بالسلطة بشكل غير دستوري، وهو الأمر الذي يعكر المناخ السياسي ويسمم المناخ الاستثماري، خاصة أمام شركات النفط الأجنبية التي ترغب في الاستثمار في مشروعات استخراج النفط وتصديره في منطقة كردستان العراق. ويشار إلى أن الحكومة الكردية تشعر بمأزق في تعاملها مع شركات النفط العالمية منذ أوائل عام 2015م، نتيجة استنزاف مواردها من النفط بفعل تراجع أسعار النفط عالميًا (من 115 دولار في يونيو 2014 إلى أقل من 60 في الوقت الحالي) والحرب مع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين كانوا على مقربة من أربيل بحوالي 30 كيلومترا فقط. وقد أدى ذلك إلى تعثر الحكومة الكردية في دفع مستحقات شركات النفط العاملة في إقليم كردستان مما أدى إلى خسائر فادحة لهذه الشركات، مثل جينيل، وشركة الخليج كيستون للبترول المحدودة، وشركة ويسترنزاجروس ريسورسز المحدودة، والتي فقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها. وهذه التجربة والمنازعات بين الحكومة الكردية والسلطات الوطنية العراقية أبقت معظم شركات النفط الكبرى بعيدًا ودفعت بعض المستثمرين إلى الانسحاب.

وفي النهاية، يمكن القول أن الغالبية الساحقة من الخبراء تقر بأن مساعي انفصال منطقة كردستان العراق عن بغداد سوف تكون لها آثار سلبية وخيمة على مستقبل قطاع النفط في هذه المنطقة في ظل الرفض الإقليمي والدولي لهذا الانفصال. فجغرافيًا لا تملك الدولة الكردية المنتظرة منفذًا بحريًا، وهي محاطة بالكامل من دول مجاورة تعادي خطوتها الانفصالية، أما اقتصاديًا فيعتمد اقتصاد حكومة كردستان على النفط الذي يُنقل عبر أنابيب تمر بتركيا أو يصدّر عبر الحكومة المركزية، وكل هذه الموارد سيتم إيقافها إذا ظلت الأوضاع متوترة بين الإقليم والحكومة المركزية وأيضًا تركيا، وبالتالي لن تستطيع أربيل، على الأرجح، أن تؤسس دولة دون القدرة على تصدير نفطها وهو مصدر القوة الوحيد والأبرز للإقليم.

ومن ناحية أخرى، إذا ما أصرت حكومة منطقة كردستان العراق على المضي قدمًا في مساعيها الانفصالية، ربما نشهد تعاونًا عراقيًا إيرانيًا أكبر في مجال تصدير النفط العراقي من المناطق الشمالية. حيث أعلن وزير النّفط الإيراني بيجن زنكنة في اليوم الأول من عام 2017م، عن رغبة بلاده في تعزيز التعاون مع العراق، خاصة فيما يتعلق بمشروع مد أنبوب النفط من محافظة السليمانية في شمال شرق العراق، وضمن حدود إقليم كردستان، إلى الأراضي الإيرانية. وكانت إيران قدمت في وقت سابق عرضًا إلى سلطات إقليم كردستان العراق لإنشاء أنبوب لنقل نفط الإقليم إلى الأسواق العالمية عبر الأراضي الإيرانية، أسوة بالخط التركي القائم حاليًا بين المنطقة وميناء جيهان التركي. ومن شأن هذا المشروع أن ينهي السلطة شبه الكاملة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود البرزاني في تصدير نفط الإقليم عبر تركيا. ومما يدعم من هذا الاحتمال عدم توافر بدائل كثيرة لتصدير النفط من منطقة كردستان العراق، خاصة في ظل استمرار الحرب الأهلية في سورية، وبالتالي صعوبة الوصول إلى منفذ ملائم على البحر الأبيض للوصول إلى الأسواق العالمية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس برنامج دراسات الطاقة وخبير العلاقات الدوليةـ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

 

[1]ذكر جبار اللعيبي وزير النفط العراقي، أن إنتاج بلاده النفطي يبلغ حاليًا 4.32 مليون برميل يوميًا بصادرات تصل إلى 3.23 مليون برميل يوميًا، مضيفًا أن "صادرات النفط الكردية تبلغ بين 300 و350 ألف برميل يوميًا".وحجم الصادرات الذي أعلنته الوزير يمثل الشحنات من الحقول الخاضعة لإشراف الحكومة المركزية في بغداد ولا يتضمن الشحنات من إقليم كردستان العراق شبه المستقل في شمال العراق.ووافق العراق على خفض إنتاجه بمعدل 210 آلاف برميل يوميًا، التزامًا باتفاق خفض الإنتاج الذي تقوده "أوبك" ومنتجون مستقلون، الذي بدأ في يناير، حتى مارس 2018.

مقالات لنفس الكاتب