array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 124

معوقات الدولة الكردية: ليس لكردستان مقومات اقتصادية وتكون تحت رحمة دول الجوار

الخميس، 26 تشرين1/أكتوير 2017

عندما نريد أن نخوض في القضية الكردية وتعقيداتها فإننا نقف على الجذور التاريخية لها، فهي تعد من القضايا الشائكة سواء على مستوى العراق وعلى منطقة الشرق الأوسط، اذ أن الفرادة التاريخية لجذور المشكلة تخبرنا بأن القومية الكردية كغيرها من القوميات كانت مندمجة ضمن الدولة العثمانية آنذاك وكانوا القوة الضاربة في جميع الحروب التي خاضتها الأخيرة فهم رقم صعب في المعارك.

حتى جاءت الثورة العربية في عام 1916م، ومن ثم اتفاقية سايكس بيكو ليتم تقسم المنطقة بطريقة عشوائية من جهة ومدروسة من جهة أخرى، ومن بين المناطق المدروسة بعناية هو تفتيت الأكراد فيما بين 4 دول هي تركيا وسوريا والعراق بالإضافة إلى إيران، لأنهم كانوا قوة ضاربة ذات طابع ديني صوفي اعتمد عليهم الأتراك في حروبهم والحفاظ على امبراطورتيهم. ومن هنا جاءت النزعة القومية على حساب النزعة الدينية لاسيما أن الثورة العربية الكبرى آنذاك كانت تشكل نزوعًا قوميًا بارزًا، وبقى الحلم الكردي الذي تحقق في "دولة مهاباد" في عام 1946م، على الأراضي الإيرانية التي لم تستمر سوى 11 شهرًا، ولم يحصل الأكراد على ما يريدوه إلا في العراق عندما تم إعطاؤهم الحكم الذاتي في بيان 11 آذار 1970م، ورغم ذلك فإن النزعة القومية بقت تشكل خطرًا على وحدة العراق وكأن المفتاح الأول لحلم الدولة هو مع وضع خطوط العرض من قبل الولايات المتحدة الأميركية بحجة حماية الشعب الكردي والشيعي من النظام العراقي إبان حرب الخليج الثانية في عام 1991م، اذ تم وضع خطوط حظر طيران على الجيش العراقي، وهي الثغرة الأولى في قيام وتأسيس التقسيم على أساس المكونات، وكان الأكراد في هذه المرحلة في أسوأ الأحوال اقتصاديًا ويعتمدون بشكل رئيس على المعونات والمساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية والدول الكبرى إلى جانب الاعتماد على التهريب في سد حاجاتهم الرئيسية لاسيما وأن العراق آنذاك كان يعيش مرحلة الحصار الاقتصادي الذي أثر على كل الشعب العراقي وليس الكردي فحسب. ولم يكن تحت سيطرة العراق سوى كركوك الغنية بالنفط التي تعد الشريان الثاني بعد البصرة من حيث الاحتياط والإنتاج.([1])

وبعد عام 2003م، دخل الكرد المشهد السياسي العراقي بقوة وفرضوا أنفسهم كشركاء في إدارة البلد وحصلوا على شبه استقلال في جميع حقوقهم فهناك 17% من الميزانية مخصصة لمحافظات إقليم كردستان أربيل، سليمانية، دهوك. وجميع المطارات والمنافذ الحدودية هي خارج سيطرة الحكومة المركزية بل أن جميع الثروات النفطية في المحافظات الثلاث غير خاضعة لرقابة الحكومة المركزية، بالإضافة إلى ذلك فإن رئيس الجمهورية من الأكراد الذي أصبح منصبًا مخصصًا للقومية الكردية عرفًا وليس دستوريًا، فضلاً عن أن أكثر من 3 وزارات في حكومة بغداد من الأكراد إلى جانب وكيل كردي في كل وزارة عراقية ناهيك عن أن رواتب البيشمركة (القوى المكلفة بحماية الإقليم) غير خاضعة لإمرة وزارة الدفاع العراقية ولا تأتمر بأمرها وهي تستلم كمؤسسة رواتبها من حكومة المركز.

جميع هذه الحقوق التي حصل عليها الأكراد في هذه المرحلة استطاعوا بناء مقومات دولة واستقطاب كبرى الشركات في مختلف المجالات الطاقوية والانشائية والسياحية، مما جعل من إقليم كردستان نموذجًا حضاريًا مهمًا قياسًا بباقي المحافظات التي تعاني من الإهمال والفساد وهذه الأمور جعلت من الإقليم محطة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في تطوير البنى التحتية وملاذًا آمنًا لكل المهمشين والمطلوبين من قبل حكومة المركز لاسيما وأن حكومة بغداد قد انتهجت نهجًاً خاطئًا في التعامل مع فئات المجتمع ولم تستطع تذويب الخلافات المذهبية ولم تستطع خلق روح المواطنة.

وعلى مدى العقدين الماضيين أقام الأكراد منطقةً مستقرة ومسالمة لا تطرح تهديدًا على الدول المجاورة. وبالفعل، كان «إقليم كردستان العراق» واحةً من الاستقرار وسط أعمال العنف، حيث واجهت العراق وسوريا ودولاً أخرى في المنطقة حروبًا وإرهابًا. كما شكّل «إقليم كردستان» ملاذًا لنحو مليوني لاجئ -معظمهم من العرب وليس من الأكراد -ومن جهتهم أثبتت القوات الكردية أنها رقم صعب يعتمد عليه في مواجهة التنظيمات المتطرفة.([2])

وإذا ما أردنا دراسة مقومات قيام الدولة الكردية فيجب أن نميز كيان الإقليم بدون كركوك، فكركوك من المناطق المتنازع عليها وتقطنها مكونات ثلاثة رئيسية الكرد والتركمان والعرب فضلاً عن العامل المذهبي السني والشيعي الذي يندمج في هذه القوميات الثلاث.

صناعة

الخدمات

زراعة

Time by year

عرض قوة العمل

والحقيقة التي يعرفها كل مختص أن قيام أي دولة وبناءها يحتاج بعد الشعب والإقليم والسلطة مقومات اقتصادية، هذه المقومات لا يمكن أن تبني دولة دون وجود التسلسل في بناء قطاعات الاقتصاد الثلاثة وهي: قطاعات الزراعة، الصناعة، والخدمات، أما قطاع الطاقة فيجب ألا يعتمد عليه لأنه قطاع ريعي يتأثر بأسعار الأسواق العالمية التي تعتمد على العرض والطلب وبالتالي تكون الدولة رهينة لها كحال الكثير من الدول النفطية.([3])

 

فهل الدولة الكردية مرت بهذه المراحل الثلاث في بناء اقتصادها ما بعد 2003 أم إنها اعتمدت على الموازنة الاتحادية الـ 17% وعلى النفط في بناء اقتصادها؟

للإجابة على هذا التساؤل فإنه من المهم أن نعالج تلك المسألة بطريقة علمية وفق الأدوات الاكاديمية وهي دراسة الاقتصاد بطريقة جزئية لتحليل كل قطاع ودوره في تحقيق النتاج القومي المحلي الإجمالي والوقوف على مدى قدرته في رفد زخم إقامة الدولة الكردية.

أولاً: القطاع الزراعي:

الحقيقة أن اقتصاد إقليم كردستان اقتصاد ريعي يعتمد على النفط كمصدر رئيسي في تأمين متطلبات الإقليم، لكن الأزمة الاقتصادية التي تواجهه منذ عامين دفعت به إلى البحث عن مصادر أخرى لتعويض ما نقص بسبب انخفاض أسعار النفط، فكانت الزراعة في مقدمة هذه المصادر وقد وضع خطة استثمارية في عام 2015م، لدعم قطاع الزراعة بيد أن الأزمات المالية لم تكن بمستوى الخطة. وبحسب إحصائيات وزارة الزراعة في حكومة الإقليم، فالقطاع الزراعي يساهم حالياً في تأمين 10% من وارداته المالية، وهي مساهمة ضعيفة جدًا مقارنة بالثروة الزراعية التي يمتلكها الإقليم فيما إذا فُعلت بالشكل المطلوب.كما إن 90% من المواد الغذائية في إقليم كوردستان تستورد من الخارج، وإذا ما أراد الإقليم عند الاستقلال الاعتماد على الاكتفاء الذاتي في سد المتطلبات الأساسية من المواد الغذائية فإنه سيحتاج للخمس سنوات المقبلة ثلاثة ترليونات و30 مليارًا و200 مليون دينار" لكي يستطيع سد الحاجات الأساسية، ناهيك أن الإقليم يعاني من نقص السيولة النقدية من العملة الأجنبية في ظل الأزمات الاقتصادية الداخلية.([4])

ثانيًا: القطاع الصناعي:

القطاع الصناعي في إقليم كردستان، يعاني من تدني بالغ في المستوى العلمي في الهيآت والمؤسسات الحكومية التي تقوم بإدارة النشاط الصناعي، إذ لا يتجاوز حملة الشهادات الجامعية فما فوق أكثر من (7.60%) عام 2007م، في حين يشكل حاملو الشهادة الابتدائية فما دون نسبة (52.57%)، ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للمشاريع الصناعية للقطاع الخاص، ويرتبط بالمؤشرات أعلاه تدني إنتاجية العامل في القطاع الصناعي في إقليم كردستان.

وبخصوص مساهمة القطاع الصناعي في توليد الناتج المحلي الإجمالي فإنه لا يساهم سوى 2%، ونستطيع أن نقارن بمدى مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي في كل من مصر والأردن وتونس، 25.9%، 15.7%، 18.6% على التوالي. ويعاني القطاع الصناعي من تدني القدرة التنافسية مقابل المنتجات المستوردة، لأن القدرة التنافسية تعتمد على العديد من العوامل كالجودة والسعر والترويج وكفاءة الإنتاج والتكنلوجيا والقدرات الفنية والمهنية للعاملين.([5])

ثالثًا: قطاع الخدمات:

إقليم كردستان يقع في دائرة العراق الذي يعد من الدول النامية وعادة ً ما تصنف الدول النامية بأنها تعاني من فجوة كبيرة فهناك قفزة في مراحل التطور لبناء الاقتصاد، وما نريد الوصول إليه هو الفجوة ما بين القطاعات،  فقطاع الخدمات في كردستان مؤشر للتخلف، ويرجع ذلك إلى تمركز قوة العمالة في القطاع الخدمي الذي لم يكن نتيجة لهذا التطور التدريجي الذي يبدأ بالزراعة ثم ينتقل إلى الصناعة فقطاع الخدمات، بمعنى أنه لم يكن تحصيل حاصل المساهمات في قطاعي (الزراعة والصناعة) في الناتج القومي (GNP)، بمعنى آخر, إن مشاركة القوى العاملة في قطاع الخدمات الذي جاء بصورة مباشرة دون أن تمر في قطاع الصناعة ضمن نظرية التطور التي طرحها (كولاين كلارك) على تحقيق العدالة في التوزيع بما يتناسب مع منحنى العمل كما في الشكل (1) فإذا كان مؤشر قطاع الخدمات للدول المتقدمة مؤشر قوة لأنه مر بهذه المراحل الثلاثة ، فإنه يعني العكس للدول النامية أو من تريد أن تكون دولة.([6])

 

 

 

يعتمد الإقليم في قطاع الخدمات على السياحة الداخلية وعلى قطاع العقارات والاتصالات والانترنيت والنقل البري والجوي، فالإقليم يضم 500 فندق و50 مرفأ سياحي متنوع ويضم أيضًا شركات انترنيت ضوئي قادم من الأراضي التركية وهي شركة نوروز في أربيل وشركة أي كيو في السليمانية، وبالإقليم مطاران للرحلات الجوية في أربيل والسليمانية يشكلان رافدًا مهمًا للاقتصاد في الإقليم والمخرج الجوي الوحيد إلى العالم، أما النقل البري وسكك الحديد فهي رغم إعادة بنائها إلا أنها ما زالت متقادمة، ولم تستطع حكومة الإقليم أن تضيف إليه خطوط مترو أو سكك حديد لتساهم في رفد الاقتصاد والتجارة من جهة وتحقيق نوع من أنواع الرفاهية للمواطن من جهة أخرى، والحقيقة التي نؤكد عليها أن الإقليم اعتمد في بناء هذا القطاع على العوائد المالية النفطية مما يجعل تطوره ونموه رهين أسعار النفط ورهين تصديره والذي سنتحدث عنه في الفقرة القادمة.

وبعد توضيح البنى التحية لقطاع الخدمات يبقى الرافد الرئيس فيه وهو قطاع السياحة الذي تعرض إلى نكسة كبيرة مع سيطرة وهيمنة تنظيم داعش على المحافظات المحاذية له الموصل وصلاح الدين وأجزاء من ديالى إذ انخفضت واردات السياحة إلى 60% عما كانت عليه في ما قبل حزيران 2014م،([7]) فقد كان عدد السياح من داخل العراق يقدر بأكثر من مليون و نصف أما السياح من الخارج  فيصل إلى 60 الف سائح سنويًا في نفس المدة، كل هذه العوامل الأمنية  وصعوبة الدخول إلى أراضي الإقليم على سياح الداخل بسبب التشديد الأمني كان عائقًا أمام نمو هذا القطاع فكيف إذا استقل الإقليم فإن المرافئ السياحية ستكون عبارة عن بنايات مهجورة لاسيما وإن السياحة تعتمد بشكل كبير على الأمان والاستقرار.([8])

رابعًا: القطاع النفطي:

تقدر احتياطيات الإقليم من النفط بما يقارب 45 مليار برميل إذا ما تم ضم كركوك إلى خريطة الإقليم من إجمالي احتياطيات العراق التي تقدر بحوالي 150 مليار برميل، أي 30% من احتياطات النفط توجد في الإقليم، أما احتياطي الغاز الطبيعي فإن ما نسبته 81% من إجمالي احتياطات العراق موجودة في الإقليم التي تقدر بأكثر من 2.8 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي ، كما يقدر مساهمة إقليم كردستان في الناتج القومي الإجمالي العراقي بحوالي 26 مليار دولار سنويًا في موازنة كلية تقدر ب 203 مليار دولار ، وينتج الإقليم ما بين 550 الى 650 الف برميل يوميًا والعراق ينتج ما يقارب 4.2 مليون برميل يوميًا، بمعنى أن انفصال الإقليم عن العراق سيؤدي إلى خسارة العراق لما يقارب 13% من الناتج المحلي و15% من إنتاج النفط.([9])

وبعد استعراض المقومات الاقتصادية الطاقوية للإقليم المتمثلة بالنفط والغاز ومساهمته في الناتج الإجمالي المحلي العراقي فإن هذه المعطيات الرقمية لا يمكن قراءتها بتجرد دون أن يكون العامل السياسي والجيو -سياسي بمعزل عنها، بالتالي هذه الأرقام في حال قيام الدولة الكردية لا يعني أنها ستحقق مكاسب وأنها "مسألة الانفصال" ستكون كحال الدول التي انفصلت،  ففي ظل المتغيرات الإقليمية والداخلية نجد أن إقليم كردستان محاط ب بثلاث دول ترفض الانفصال لانه سيؤثر على أمنها القومي لاسيما وأن القومية الكردية متوزعة على دول الجوار كما أسلفنا في مقدمة ورقتنا البحثية ،إلى جانب الدولة الأم، وبالتالي فهو لا يمتلك أي منفذ بحري أو بري لتصدير نفطه فمنفذ تسويق النفط الوحيد هو ميناء جيهان التركي إلى جانب المنفذ البري إلى إيران، ففي ظل الرفض التركي والإيراني لا يكون للنفط أي قيمة تذكر، كما أن العوائد المالية من النفط المصدر من إقليم كردستان تودع في البنوك التركية مما يعني أن هذا القطاع  تحت رحمة الدول المحيطة التي أخذت إجراءات جديدة بوقف تصدير النفط عبر منافذها البحرية والبرية، ومن المعلوم أن العراق وقع اتفاقية مع إقليم كردستان في عام 2014م، لحل النزاع ، تنص على أن يسلم الإقليم إلى بغداد العوائد المالية لـ( 550 ) الف برميل نفط يوميًا - (300 ) من حقل نفط كركوك و(250 ) من إنتاج نفط الإقليم مقابل حصوله على حصته البالغة ( 17% ) من الموازنة الاتحادية. ولكن الإقليم تخلى عن الاتفاق وأعلن الإقليم بأنه مضطر لبيع جزء من نفطه مباشرة إلى الجهات الخارجية عن طريق الشركات الأجنبية وذلك لتدارك الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لا سيما مع تدني أسعار النفط العالمية من 100 دولار للبرميل الواحد عام 2014 إلى أقل من (50) دولار في الوقت الحاضر، أي بتراجع مقداره حوالي النصف للبرميل الواحد.([10])

صحيح أن حكومة كردستان استطاعت من إبرام حوالي 50 عقدًا مع الشركات الأجنبية معظمها عقود مشاركة في الإنتاج، وكثير منها عقود استكشاف نفط مغرية للشركات في حالة الاكتشاف، إلا أن الحكومة المركزية ما بعد الاستفتاء في 25 سبتمبر/ أيلول 2017م، اتفقت مع تركيا وإيران بإيقاف الصادرات عبر منافذها البحرية والبرية، فضلاً عن ذلك الحكومة العراقية خاطبت الشركات الرئيسية التي تستثمر في باقي الحقول في جنوب ووسط العراق بوقف عمل شركاتها على الأراضي الكردية منها شركة شفيرون، وجينل إنرجي، وروس نفط تريدينغ أس إي". ولا يمكن إغفال أن الإقليم في ورطة مع كبرى الشركات النفطية في دفع مستحقاتها قبل الاستفتاء فكيف إذا استقل عن العراق في ظل الانغلاق الجغرافي، فعلى سبيل المثال قامت "شركة (غلف كي ستون) وهي إحدى الشركات الرئيسة بتعليق صادرات النفط إلى تركيا بسبب المستحقات المترتبة لها بذمة حكومة كردستان، وكانت الشركة أعلنت أن لها 100 مليون دولار كمستحقات على الإقليم". في حين الحكومة الاتحادية في العراق تطالب ببيع النفط عبر شركة تسويق النفط سومو([11]) وبموافقتها وأن تكون العائدات المالية في الميزانية الاتحادية.([12])

أما التجارة إذا ما قامت الدولة الكردية فإنها لا تملك أي منفذ للتجارة للاستيراد والتصدير، فالإقليم تابع تجاريا لثلاث دول، إذ تسيطر الجارتين تركيا وإيران وكذلك الصين على (90%) من سوق إقليم كردستان، أي بنسبة (35%، 25%،30%) لكل منها على التوالي. إن حجم التبادل التجاري (الذي يتألف من مجموع قيم الواردات والصادرات) بين العراق وتركيا لعام 2013م، بلغ (12) مليار دولار، كان (70%) منه مع إقليم كردستان أي (8.4) مليار دولار. أما مع إيران فقد بلغ (12) مليار دولار، نصفه تقريبًا 50% مع الإقليم، أي (6) مليار دولار.([13])

أما العراق فإنه سيقطع علاقاته التجارية ولن يتخلى عن كركوك في أبسط الأحوال بل سيكثف جهوده الدبلوماسية والسياسية واخيرًا العسكرية إلى استرجاع كركوك، وحتى مع سوريا المضطربة فإنها ترفض أي قيام لهذه الدولة، فهناك عائق بشري في منفذ ربيعة العراقي متمثل بقبيلة شمر العربية التي تدين بالولاء إلى الحكومة المركزية فضلاً عن جذورها العربية لذلك فإن قيام دولة كردية يجعلها في وضع المانع البشري في وجه الدولة الكردية في أي تجاه

فأطراف المعادلة السياسية هي متساوية ولاسيما في ضعف النظام السياسي الريعي في الإقليم وبمستوى لا يختلف عن نظيره الكبير في المركز. فوحدة النظام المالي من الناحية التاريخية هي التي ولدت الوحدة السياسية وليس العكس. فخلق قوة مالية من نفط الإقليم ممزوجة بمبدأ تقرير المصير self determination هو لوحده غير كاف لولادة كيان سياسي ريعي صغير في وسط رفض داخلي وخارجي لاسيما وأن السياسة هي من تتحكم في بناء هذه الدولة المنتظرة وليس الاقتصاد.

من نافلة القول نؤكد ونستنتج ما يأتي:

1-       المقومات الاقتصادية لإقليم كردستان سواء بوجود محافظة كركوك أو بدونها لن تحقق قيام الدولة فهي دولة حبيسة ليس لها منفذ بحري أو بري وحتى جوي إلى العالم الخارجي.

2-       هناك من يستعين بتجربة 1991 -2003 م، بقدرة الأكراد الاعتماد على الاكتفاء الذاتي، وهذا الأمر غير منطقي الآن، لاسيما أن الرفاهية التي حصل عليها المواطن ستجعله يرفض ترك الحياة الاقتصادية المرفهة وهذا الرفض سيشكل ثغرة في رفض القرار السياسي في حال ازدياد قرارات حكومة بغداد في فرض قيود اقتصادية تجاه الإقليم ناهيك علن إيران وتركيا.

3-       لم يكسب الإقليم من أي دولة أي اعتراف رسمي في قيام دولته سوى قبول وتأييد معلن من قبل (إسرائيل) وبالتالي فإن عدم الاعتراف يعني عدم تعامل المنظمات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي معه في رفده الإقراض والمنح والمساعدات التي تعينه في بناء دولته.

4-  لا يمكن أن تقوم الدولة الكردية ويكون من ضمنها كركوك فهي تعد الشريان الثاني للنفط بعد البصرة والشريان الأول للغاز في العراق وبالتالي فإن تخلي العراق عن كركوك يعني خسارته الكبيرة التي لم يتخلى عنها من المنظور الاقتصادي في أحلك الظروف.

5-  المقاطعة التجارية وغلق الحدود كأحد وسائل الضغط السياسي تخلق خسائر كبيرة في الاقتصاد، وهنا نأخذ نموذج بسيط لمقاطعة ثلاث دول هي السعودية والإمارات ومصر لقطر فنجد أن الأخيرة خسرت أكثر من 100 مليون دولار في أقل من ثلاثة أشهر رغم أن المنفذ البحري والجوي قائم، فكيف بالإقليم الذي سيغلق بوجهه كافة المنافذ في حال قيام الدولة الكردية.

6-       فقدان الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة التي تعد أحد ركائز قوة الإقليم لأنها عامل من عوامل جذب رؤوس الأموال الأجنبية. وبالتالي فإن التوتر الأمني والعسكري ما بين المركز والاقليم والتحركات العسكرية التركية والإيرانية على الحدود سيؤدي إلى هروب رؤوس الأموال إلى المناطق الأكثر أمنا.

7-    سياسيًا ممكن قيام الدولة الكردية في حدودها القديمة سليمانية أربيل دهوك بدون المناطق المتنازع عليها بعد تفتيت وضعف دول الجوار تركيا وإيران في المدى المتوسط أو البعيد فهناك مشاريع أميركية و(إسرائيلية) لتقسيم المنطقة تستشرف هذا التقسيم في عام 2026م، تحت مسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يقسم 5 دول إلى 14 دويلة دينية وعرقية وقومية منها العراق وسوريا وإيران.

8-    بعد تحرير المحافظات من تنظيم داعش في صلاح الدين والموصل والأنبار وأخرها أجزاء كركوك العربية خيب آمال الكرد لاسيما وأن رئاسة الإقليم أكدت بعد الانهيار الكبير في نكسة حزيران الثانية 2014م، أن الحدود ترسم بالدم، بيد أن القوة العسكرية المتجحفلة الآن تقدر ب 8 فرق عسكرية إلى جانب قوات الحشد الشعبي عكس وجهة النظر السابقة إلى القدرة في فرض السلطة الاتحادية على كركوك.([14])

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلاقات الاقتصادية ـ كلية العلوم السياسية ـ جامعة تكريت

 

([1]) ينظر: جاريت ستانسفيلد، الانتقال إلى الديمقراطية: الإرث التاريخي والهويات الصاعدة والميول الرجعية، في:مجموعة مؤلفين، المجتمع العراقي: حفريات سيو سيولوجية في الاثنيات والطوائف والطبقات ،بغداد وبيروت، مركز الدراسات الاستراتيجية،2006، ص 350-356.

([2])Michael Knights, David Pollock, and Bilal Wahab,After the Kurdish Referendum: Regional Implications,Washington institute,October 3, 2017,pp1-3.

([3])سيف نصرت توفيق، دور الاقتصاد في بناء الدولة العراقية، أوراق اقتصادية، المركز الأكاديمي العراقي، بغداد-العراق، 2014م، ص 3.

([4])ينظر موقع روداو ، 90% من المواد الغذائية في إقليم كوردستان مستوردة، على الرابط الآتي :

http://www.rudaw.net/arabic/business/241120151

([5])ينظر: فيصل علي، واقع التنوع الاقتصادي في إقليم كردستان العراق، على الرابط الآتي:

http://www.pukmedia.com/AR_Direje.aspx?Jimare=9844

([6])سيف نصرت توفيق الهرمزي، دور الاقتصاد في بناء الدولة العراقية، الحوار المتمدن، 15\7\2014 على الرابط الاتي:

http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=423981&r=0

([7]) قطاع السياحة في كوردستان يتراجع 60٪ بفعل الأزمة المالية وداعش ، شفق نيوز على الرابط الاتي :

http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/2e2139f8-1d13-4206-9c97-ebfc0b4c36db

([8])ينظر: عبد اللطيف شهاب زكري وتغريد سعيد حسن، الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع السياحي دارسة عن اقليم كردستان العراق، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، الجامعة المستنصرية، العدد الحادي والأربعون، 2014 م، ص/ص 13-18.

([9])ـ ينظر: صباح قدوري و حسن عبدالله بدن ،بعض التصورات حول الاصلاح الاقتصادي في اقليم كردستان العراق، الحوار المتمدن-العدد: 4911 - 2015 / 8 / 31 على الرباط الاتي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=482798

ايضاً: نشرة وزارة التخطيط/الجهاز المركزي للإحصاء. ومديرية هيأة الإحصاء في اقليم كردستان العراق.22 كانون الثاني/-يناير2014.

([10])صباح قدوري وحسين بدن، مصدر سبق ذكره.

([11])ينظر: الموقع الرسمي لشركة سومو، على الرابط الاتي:

http://www.somooil.gov.iq/index.php/2015-11-14-05-40-7/46-2017-02-23-07-48-01

([12])علي مرزا، العراق: الواقع والآفاق الاقتصادية، ورقة مقدمة للمؤتمر الأول لشبكة الاقتصاديين العراقيين، بيروت-لبنان، 30 آذار/مارس-1 نسيان/أبريل 2013 م، ص/ ص 21-22.

([13])صباح قدوري، بعض التصورات حول الاصلاح الاقتصادي في اقليم كردستان العراق، الحوار المتمدن-العدد: 4911 -2015 / 8 / 31 على الرباط الاتي:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=482798

([14])نقلاً عن مصدر أمنى في قوات الرد السريع العراقية في قضاء الحويجة بتاريخ 12\10\2017.

مقالات لنفس الكاتب