; logged out
الرئيسية / العلاقات السعودية - التركية متوترة والعلاقات التركية - الإماراتية في طريقها إلى التجميد ..

العدد 126

العلاقات السعودية - التركية متوترة والعلاقات التركية - الإماراتية في طريقها إلى التجميد ..

الثلاثاء، 09 كانون2/يناير 2018

بدأ عام 2017 م، وهو يبشر بعلاقات حسنة ومتطورة بين كل دول مجلس التعاون الخليجي مع الجمهورية التركية، حيث كانت العلاقات قد توثقت باتفاقيات استراتيجية بين تركيا ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي مثل؛ السعودية وقطر في السنوات السابقة، وكانت في حالة توثيق العلاقات السياسية والاقتصادية بين تركيا والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان، في اتفاقيات منفردة من ناحية، ومع مجلس التعاون الخليجي بصفة جماعية من ناحية أخرى، وكانت القوة الدافعة لذلك هي رغبة الشعب التركي وشعوب دول الخليج العربي كله، وهي التي كانت تحلم وتأمل أن تزداد العلاقات قوة وأخوة وتعاونًا وتجارة وربحًا في السنوات القادمة، وقد توثقت هذه العلاقات من خلال مؤتمرات قمة بين الرئيس التركي أردوغان وكل زعماء دول مجلس التعاون الخليجي، ومن خلال الزيارات الكثيرة لكبار مسؤولي هذه الدول في العاصمة التركية وعواصم دول مجلس التعاون الخليجي كلها، وشهدت السياحة المتبادلة نموًا كبيرًا بين الشعبين التركي والعربي، ولكن ومنذ منتصف عام 2017م، وقعت بعض هذه العلاقات ضحية اختلاف في وجهات النظر حول العديد من القضايا من أهمها الأزمة الخليجية، التي من أهم أسباب الرغبة بإنهائها هي عودة العلاقات التركية ـ الخليجية كسابق عهدها، بل وأحسن منها.

 

نقاط الاتفاق التركي الخليجي:

بداية لا بد من القول بأن نقاط الاتفاق واللقاء التركي ــ الخليجي أقوى بكثير من نقاط الاختلاف، بل من المرجح أن تمثل لحظات الاختلاف غمامة صيف عابرة، لأن أصول وثوابت اللقاء كفيلة بالتغلب على بعض نقاط الاختلاف البسيطة والعابرة، وبساطتها من حيث أن ما يربط شعوب الخليج العربي والمنطقة أقوى بكثير من أي اختلاف سياسي بينها.

لقد عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق التركي السعودي يومي 7-8 شباط/فبراير 2017 م، في أنقرة، بين وفدي البلدين اللذين رأسهما السيد مولود شاويش أوغلو وزير خارجية الجمهورية التركية والسيد عادل بن أحمد الجبير وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وهذا المجلس انبثق بموجبه "وثيقة تفاهم حول تأسيس مجلس التنسيق التركي السعودي" التي وُقِّعت خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لتركيا في الفترة ما بين 11-14 نيسان/أبريل 2016م، والذي كان امتدادًا لاتفاق التعاون الاستراتيجي الذي وقع في الرياض بين الرئيسين التركي والسعودي في نهاية عام 2015م، فقد شهد عامي 2015 و2016م، عشرات اللقاءات التركية والسعودية والخليجية، منها خمس قمم تركية سعودية، ولقاءات أخرى مع ولي العهد السعودي آنذاك الأمير محمد ابن نايف، والوزراء السعوديين مع نظرائهم الأتراك، ولا شك أن هذا الاجتماع الأول لمجلس التنسيق التركي ـ السعودي له أهمية كبرى، وبالأخص أنه جاء قبل أربعة أيام من زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى الرياض لعقد قمة جديدة مع العاهل السعودي أولاً، وقبل اللقاءات الثانية بين تركيا والسعودية منفردتين مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

لقد كان الاجتماع الأول لمجلس التنسيق أمام تحديات أمنية خطيرة على مستوى الأوضاع الأمنية للبلدين والأوضاع الأمنية للمنطقة كلها، وبالأخص في سوريا، الجرح العربي والإسلامي النازف لأكثر من ست سنوات، وقد رحب رئيس الجمهورية أردوغان ورئيس الوزراء التركي يلدرم بنتائج الاجتماع الأول لمجلس التنسيق التركي السعودي، لأنه حدّد المواقف بوضوح، ووضعها في إطار مؤسساتي، حيث أعلن وزير الخارجية السعودي في أنقرة على العلن بأن حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب الكردي منظمات إرهابية، وهذه مواقف إيجابية ومؤثرة في مسامع الأتراك وهم يستعدون لمناقشة الادارة الأمريكية الجديدة حول أخطاء الإدارة السابقة في الشأن السوري، وبالأخص فيما أعطته إدارة أوباما لإيران من امتيازات في العراق وسوريا واليمن والخليج والمنطقة على حساب الدول العربية، وبما أن ترامب يريد تغيير سياسة أمريكا مع إيران، فإن ذلك مؤشر حسن لتحجيم إيران بحجمها الطبيعي وداخل حدودها الجغرافية، فإذا كان الرئيس ترامب جادًا في مواجهة التمدد الإيراني في البلاد العربية وإعادتها إلى حجمها الطبيعي داخل حدودها فإنه من مصلحة تركيا والسعودية التعاون مع أمريكا في هذا الاتجاه، ولذلك جاء الجبير إلى أنقرة وفي أول اجتماع تنسيق مع الأتراك ليؤكد أن المنظمات التي ترعاها إيران في العراق وسوريا من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وأمثالهم من الميليشيات الطائفية هي منظمات إرهابية، ينبغي مواجهاتها من المجتمع الدولي مثلما تواجه الحركات الإرهابية الأخرى مثل داعش وحزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب.

والأمر المهم جدًّا في لقاء أنقرة للمجلس التنسيقي كان ما أعرب عنه السيد الجبير باستعداد بلاده تقديم مشاركة عسكرية للقوات الخاصة السعودية في أعمال مكافحة الإرهاب في العمليات التي تقوم بها تركيا شمال سوريا، سواء لتحرير الباب أو الرقة، كقوة عربية وتركية بديلة عن قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تراهن عليها أمريكا لعمليات تحرير الرقة، فقضية معالجة الإرهاب شمال سوريا هي قضية سورية يتولاها الجيش السوري الحر، وهو يجد الآن مشاركة تركية عسكرية ساعدته على استرداد العديد من المدن السورية من أيدي داعش، وحال دون وقوعها بأيدي الأحزاب الإرهابية الأخرى مثل حزب العمال الكردستاني أو ميليشيات قوات حماية الشعب؛ فالمشاركة السعودية العسكرية ولو كانت رمزية فإنها ستوفر دعمًا سياسيًا كبيرًا للقضية السورية، وبالأخص عند بدء التفاهم حولها مع إدارة ترامب.

ولم تتوقف عمليات تحسين العلاقات الخليجية ـ التركية على الأمور السياسية والاقتصادية والسياحية بل امتدت إلى المشاريع المشتركة في المشاريع الصناعية والعسكرية على الأراضي التركية والخليجية، فالنقلة النوعية التي كانت ترجوها الشعوب والقيادات هي التعاون الحقيقي والفعّال في مجال الصناعات العسكرية المشتركة، وخاصة أن تركيا ودول الخليج قد شاركوا في مناورات عسكرية مشتركة في تركيا وفي المملكة العربية السعودية، وبالأخص بعد أن اضطرت تركيا ودول الخليج العربي الدخول في حروب ومعارك عسكرية خارج حدودها؛ في اليمن بالنسبة إلى السعودية ودول الخليج العربي وغيرها، وفي سوريا بالنسبة إلى تركيا في عملية "درع الفرات" وغيرها، فقد شاركت القوات الجوية السعودية في تمرين "النور 2016" بقاعدة قونيا العسكرية وسط تركيا، في يونيو/حزيران 2016م، وكانت ثالث مناورة عسكرية تشارك فيها الرياض وأنقرة خلال شهرين، وقد جاء هذا التمرين بعد نحو أسبوعين من اختتام تمريني "نسر الأناضول 4- 2016"، و(EFES 2016)، اللذين أجريا في تركيا، مايو/أيار الماضي، وشاركت بهما السعودية، و"نسر الأناضول 4-2016" هو أعرق وأكبر المناورات العسكرية المشتركة القتالية الجوية في العالم، كما يعتبر (EFES 2016) أحد أكبر التمارين العسكرية في العالم من حيث عدد القوات المشاركة، واتساع مسرح الحرب للتمرين بين مدينتي أنقرة وإزمير، كذلك شاركت تركيا في مناورات "رعد الشمال" شمالي السعودية، بين يومي 27 فبراير/شباط، و11 مارس/آذار الماضيين، بمشاركة قوات من 20 دولة، إضافة إلى قوات "درع الجزيرة"، وهي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي أنشئت عام 1982م، وفي 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت شركة "أسيلسان" التركية للصناعات العسكرية والإلكترونية أنها بدأت بالتعاون مع شركة "تقنية" السّعودية للتنمية والاستثمار التقني، تأسيس شركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة، برأسمال 6 ملايين دولار، وما كان يبشّر بالخير أكثر في ذلك الوقت هو وجود اتفاقات عسكرية بين تركيا وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء سلطنة عمان، وبالأخص مع دولة قطر والكويت والبحرين.

لقد قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحدود منتصف شباط/ فبراير من العام الماضي بزيارة تاريخية إلى ثلاث دول خليجية هي البحرين والسعودية وقطر، وكانت تلك الزيارات بالغة الأهمية، وبالأخص زيارته لمملكة البحرين، ليس فقط بسبب اتفاق الرئيسين والحكومتين على التعاون والعمل المشترك في مجالات الاقتصاد، والصناعة، والطاقة، والزراعة، والبنية التحتية، وعدد من المجالات الأخرى، وإنما بسبب توقيتها وما تجلبه من مسؤولية مشتركة في حماية أمن البلدين أولاً، والدفاع عن الأمن الإقليمي بمواقف مشتركة مع باقي دول الخليج ثانيًا، وضمن اتفاقيات استراتيجية في الدفاع المشترك بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث أنها جاءت في وقت تزايدت فيها التهديدات الإيرانية نحو مملكة البحرين، فخلال لقاءات الرئيس التركي أردوغان مع ملك البحرين يوم الأحد 12 فبراير الماضي في المنامة تناولت المباحثات قضايا عديدة منها قطاع الطاقة والصناعة والزراعة والاقتصاد والبنية التحتية، ولكن مصادر رئاسية قالت إن القضايا المتعلقة بأمن واستقرار البحرين، كانت من بين الموضوعات التي ناقشها أردوغان مع مسؤولي المنامة، فقد أكّد اردوغان لملك البحرين "وقوف بلاده إلى جانب الحكومة البحرينية، ومواصلة التعاون معها لإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة"، وأنه تم في هذه الزيارة توقيع أربع مذكرات تعاون في المجالات الدبلوماسية، والصناعات الدفاعية، والتعليم.

وبالتزامن مع تلك الزيارة المهمة أجرى رئيس هيأة الأركان التركية، خلوصي أكار، زيارة رسمية إلى الإمارات العربية المتحدة لبحث مسائل التعاون العسكري بين البلدين، وبحسب بيان الأركان التركية استمرت الزيارة ما بين 18- 20 فبراير/شباط الماضي، وأن الزيارة دارت حول مسائل التعاون العسكري بين البلدين، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية، هذه الزيارة لا بد من ربطها بالزيارات التي قام بها رئيس الأركان آكار في الأسبوع الذي سبق زيارة الرئيس إلى البحرين والسعودية وقطر، والتي حققت نجاحًا كبيرًا ولقيت ارتياحًا شعبيًا كبيرًا في تركيا والخليج العربي والأمة الإسلامية؛ لأنها تأتي في ظل توترات إقليمية، وسفك للدماء المسلمة، وقتل للمسلمين غير مسبوق من قبل، ومن دولة تدعي أنها وليدة ثورة إسلامية في إيران، ولكنها تقتل من المسلمين أكثر من أعدائهم ودون رادع، فكانت ضحاياها في سوريا وحدها نحو مليون مسلم، وكذلك الحال في العراق واليمن، والخطورة من الآتي أكبر، وهو ما استدعى وضع حد لهذه الجرائم والأخطار من قبل تركيا والدول العربية عامة، ودول الخليج العربي خاصة، لأنها غير بعيدة عن الأطماع الإيرانية الفارسية، التي تحتل ثلاث جزر عربية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي الكلمة التي ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معهد السلام الدولي بالبحرين، بتاريخ 12 فبراير/شباط الماضي، قال فيها: "إن منطقتنا الجغرافية تمثل قدرًا مشتركًا، كما فيها ماضينا ومستقبلنا المشترك، وليس هناك أي ضمانة ألا يصيبنا مستقبلاً ما يصيب إخوتنا في سوريا والعراق وليبيا اليوم، لذلك يجب علينا التحرك عاجلاً وليس أجلاً"، وبين موقف تركيا ورؤيتها في المبادئ التالية:

1-التزام تركيا بدعم جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

2-عدم ترك تحديد مصير المنطقة للآخرين.

3-التعاون على حمايتها يحتّم على دول المنطقة بحث قضايا التحديات والأزمات في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

4-ضرورة توثيق العلاقات في مجالي الأمن والتعاون الاقتصادي.

5-استخدام التعاون الأمني والاقتصادي لمزيد من الانفتاح على العالم وعدم الانغلاق.

6 -دعم تركيا للمبادرات الرامية لإيجاد حلول لأزمات البحرين، والعراق، وسوريا، واليمن وباقي الدول.

7 ـ رفض تركيا لتوجهات البعض لتقسيم سوريا والعراق.

8 ـ ضرورة التصدي للقومية الفارسية في العراق وسوريا.

9 ـ عدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الظلم الحاصل في سوريا والعراق وغيرها.

هذه المبادئ تعمل عليها تركيا ودول الخليج منذ عشر سنوات تقريبًا، وبالأخص في مجالات الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والسياحة، وقد بدأت في الآونة الأخيرة بالتعاون العسكري والصناعات الدفاعية، والأمل أن تصل إلى مستوى معاهدات الدفاع المشترك، للحيلولة دون تمدد الأطماع الخارجية الطائفية إلى دول الخليج بعد العراق وسوريا واليمن، مهما كانت حججها، بحسب التهديدات الإيرانية المتكررة لها، وبالأخص بعد تصاعد تهديدات العمل المسلح في البحرين، فتركيا تدرك الأخطار التي تهدد البحرين، وتدرك أهمية دعم الموقف الإماراتي باستعادة جزرها الثلاث المحتلة من إيران، كما تؤمن بضرورة وقف التدخل الإيراني بالشؤون العراقية والسورية واليمنية وغيرها.

في تلك المرحلة ضحت تركيا بقسم من علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إيران، حتى ظهرت شائعات في بدايات عام 2017م، باحتمالية وقوع حرب بينهما، فالموقف التركي الداعم لدول مجلس التعاون الخليجي رأت فيه إيران تهديدًا لها ليس في الخليج فحسب وإنما في سوريا والعراق والمنطقة كلها، وتركيا كانت صادقة في تطوير علاقاتها بمجلس التعاون الخليجي على حساب علاقاتها مع إيران المتجاوزة لحدودها، فقد رأت إيران وهي تمارس في السنوات الخمس الأخيرة سلوكًا عدوانيًا ضد العديد من الدول العربية والخليجية، كما أن إيران عملت على صناعة محور سياسي وعسكري ذو صبغة طائفية في المنطقة لا مكان لتركيا فيه، وهذا المحور الحربي الإيراني أدى إلى توتير الأوضاع وزعزعة استقرار دول المنطقة، وقتل ملايين المسلمين، وكل ذلك بسبب القراءة الإيرانية الخاطئة للأحداث والأوضاع في المنطقة.

إن تركيا لم تكن تسعى إلى علاقات سيئة مع إيران، ولكنها لا توافق على السياسات الخاطئة والمتهورة لها، وبالأخص التدخل الإيراني في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي دول الخليج؛ لجعلها دولاً ضعيفة وتابعة لولاية الفقيه الإيراني في قم وطهران، وقد نصحت الحكومة التركية الحكومة الإيرانية كثيرًا بالتراجع عن هذه السياسات العدوانية دون جدوى، وقد كانت العلاقات المشبوهة بين الحرس الثوري الإيراني وتنظيم "داعش" والتي لم تكن تخفى على المتابعين لمسيرة معارك داعش في سوريا والعراق تثير المخاوف التركية والخليجية، كما أن الدور الأوروبي والأمريكي الذي شجع إيران على هذا السلوك العدواني في المنطقة كان يثر شكوكًا أخرى لدى قيادات تركيا ودول الخليج العربي، وبالأخص أن أهدافه معلومة لأمريكا وأوروبا وإسرائيل، فإيران قبلت أن تورط نفسها في العالم العربي بطريقة عدوانية سافرة، وقبلت أن تكون أداة بيد المشاريع الصليبية والصهيونية في المنطقة العربية، كما أن محاوﻻت إيران إرهاب السعودية بضربها أكثر من مرة بصواريخ باليستية، بأيدي الحوثيين أو بأيدي خبراء عسكريين إيرانيين موجودين في اليمن، أو بأيدي ميليشيات لحزب الله اللبناني في اليمن لن يكون في صالحها أمام تركيا، ولا أمام العالم الإسلامي كله.

وقد كانت المواقف السعودية الشجاعة برفض العدوان الإيراني ذات أهمية كبيرة لدفع المواقف التركية للتعاون معها لوقف العدوان الإيراني في المنطقة، ففي بداية شهر  أبريل / نيسان الماضي صرح سمو الأمير محمد ابن سلمان آل سعود "إن المملكة لن تلدغ مرة ثانية من إيران، وتدرك أنها هدف رئيسي للنظام الإيراني الذي يستهدف قبلة المسلمين"، واصفًا الإيرانيين: "إنهم يريدون السيطرة على العالم الإسلامي"، و "أن منطقهم تحضير البيئة الخصبة لحضور المهدي المنتظر"، ففي هذه القراءة لولي العهد السعودي تدخل الأحداث في المنطقة بمرحلة جديدة من التوتر والتهديد والتحذير؛ فهي تعبر عن شدة الامتعاض الذي تعاني منه السعودية من التصرفات الإيرانية العدوانية في البلاد العربية، ليس فقط في العراق وسوريا واليمن وإنما في المخاطر التي تتهدد السعودية أيضًا.

فالقراءة السعودية للتطورات التي حدثت في المنطقة في السنوات الماضية، وما يمكن أن يحدث في السنوات القادمة هي أن إيران تسعى للسيطرة على السعودية، وتضعها الهدف الأول، بهدف السيطرة على مكة المكرمة والمدينة المنورة كخطوة رئيسية للسيطرة على العالم الإسلامي كله، بمنطق التحضير العقدي من وجهة نظرهم لظهور المهدي المنتظر لدى الشيعة الاثنا عشرية، هذا الخطاب السعودي الواضح، وبتعبير أدق هذا التهديد السعودي لإيران وعلى لسان ولي العهد السعودي، كان ينبغي أن يكون معروفًا لدى إيران، لأن أي دولة يمكن أن تتبع سياسة دفاعية مع عدوها لمدة زمنية معينة، على أمل أن يغير سياسته العدوانية، وإلا فإنها سوف تغير سياستها الدفاعية، أي أن السياسة التركية والخليجية كانت متوافقة في تحديد التحديات المشتركة، ووضع الخطط المشتركة لمواجهتها حتى ذلك التاريخ.

نقاط الخلاف التركي ـ الخليجي:

العلاقات التركية الخليجية وجدت تراجعًا في بعض المجالات الأمنية والعسكرية مثل تجميد بعض الاتفاقيات العسكرية في الثلث الأول من هذا العام، نظر لها البعض بأنها لأسباب يرجع بعضها لادعاء الرئيس الأمريكي ترامب بقيادة تحالف دولي كبير ضد إيران وتحجيم نفوذها في الشرق الأوسط، وبالتالي تقليل أهمية التحالف مع تركيا بهذا الشأن بالنسبة لدول الخليج، كما نشبت خلافات بين تركيا وبعض دول الخليج العربي على خلفية الأزمة الخليجية بين الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والبحرين مع دولة قطر، منذ الخامس من حزيران 2017م، فقد جاء الموقف التركي المبدئي بمنع وقوع الأزمة السياسية أولاً، ومنع تطوراتها السلبية ثانيًا، وربما كانت السعودية والإمارات والبحرين يتوقعون أن تقف تركيا إلى جانبهم، وكذلك دولة قطر، ولكن تركيا اختارت منذ البداية الموقف الحيادي الذي يدعو جميع الأطراف إلى الحوار وحل الخلاف بينهم دون وساطة من أحد، كأي خلاف أخوي وداخل البيت العربي، كما انها عرضت وساطتها إذا طلب منها ذلك، وركزت تركيا تأييدها لمساندة الوساطة الكويتية باعتبارها أهم وأكبر وأقرب وساطة مقبولة لدى الأطراف المختلفة.

لكن هذا الموقف التركي كان موقفًا صادمًا من وجهة نظر سعودية، لأنها اعتبرت أن تركيا جعلت من نفسها طرفًا في الأزمة بعد إرسال بعض الجنود الأتراك إلى الدوحة، وهذا ما جعل العلاقات التركية تتراجع مع بعض الدول الخليجية بشكل كبير وملحوظ، فالعلاقات التركية الإماراتية في طريقها إلى التجميد، والعلاقات مع السعودية متوترة، وخاصة أن الإعلام التركي ينشر في إعلامه رؤى وتحليلات سياسية تبدو من وجهة نظر سعودية، وكأنها معادية للسعودية والإمارات، ويصفها البعض بطريقة مشابهة للإعلام القطري أو كما تفعل وسائل الإعلام القطرية نحو الأزمة، فهذا وإن اعتمد على حرية الإعلام في تركيا خصوصًا، ولكنه غير مقبول لدى المواقف السعودية والإماراتية عمومًا. 

وما يرسخ مقولة انحياز تركيا لمواقف معادية للسعودية والإمارات هو نقل وسائل الإعلام التركية الرسمية والخاصة الرواية الحوثية والإيرانية حول الصراع الدائر في اليمن، كما في بعض أخبار وكالة أنباء الأناضول، بعد أن كانت طوال السنوات السابقة لا تنقل إلا ما يصدر عن التحالف العربي فقط، بحسب مراقبين إعلاميين، كما بدأت بعد الأزمة الخليجية مع قطر النقل عن مصادر إعلام إيرانية، وعن أخبار بريطانية مشوهة مدعومة من قطر، بل إن بعض وسائل الإعلام المحلية باتت تترجم لكل ما يقوله حساب "مجتهد" وتنسج على منواله، وهذه مؤشرات خطيرة فيما وصلت إليه العلاقات.

إن كل متابع محب لتحسين العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربي يتمنى تغيير هذه السياسة الإعلامية، وبالأخص بعد التغيير الكبير الذي طرأ على موقف حزب المؤتمر اليمني ضد الحوثيين، بعد أن أدرك خطأهم وخديعتهم له وللشعب اليمني، فالأمنية اليوم أكبر أن تصحيح الأخطاء، وأن تصبح السياسة الإعلامية التركية أكثر حيادًا وتنأى بنفسها، كما تفعل الأردن والمغرب اللتان لديهما علاقات جيدة مع الدول الست الخليجية، ومن ناحية أخرى ومقابلة فإن الأمنية الحقيقة من إعلام دول السعودية والإمارات والبحرين دوام التواصل في إيصال وجهة نظرها فيما يخص سياساتها في المنطقة، وعدم الاسترسال باعتبار تركيا دولة معادية، فتركيا حريصة على تحسين علاقاتها مع كل دول الخليج قبل غيرها، فتركيا اليوم في علاقات متوترة مع أمريكا، والتنسيق التركي الأمني والسياسي مع روسيا وإيران قد لا يكون لتركيا مصلحة بعيدة المدى فيه، لأنه محكوم بالأزمات القائمة ومخاطرها على الأمن القومي التركي، ولذا لا يمكن أن تكون بديلاً عن العلاقات الوثيقة والمتينة والمفيدة مع كافة دول الخليج العربي، دون استثناء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وباحث وأكاديمي تركي 

مجلة آراء حول الخليج