; logged out
الرئيسية / تبلور شرائح مجتمعية جديدة خرجت عن أطر نظام ثورة الخميني داخليًا

العدد 126

تبلور شرائح مجتمعية جديدة خرجت عن أطر نظام ثورة الخميني داخليًا

الثلاثاء، 09 كانون2/يناير 2018

ماذا جرى في إيران، ولماذا اتسعت الاحتجاجات لتشمل العديد من المدن الإيرانية، وما الذي ترتبه هذه الاحتجاجات على طبيعة النظام الإيراني، وما هي المواقف الإقليمية والدولية تجاه هذه الاحتجاجات.

هذه بعض الأسئلة التي سوف تسعى هذه الورقة للإجابة عليها للإنطلاق منها إلى تقدير هل ينعكس ذلك كله على المواقف الإقليمية للنظام الإيراني سواء في الخليج العربي، أو في الأزمات المثارة في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن، وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تداعيات ذات شأن على الحضور والقدرات الإيرانية بمقياس القوة الشاملة للدولة وهو ما يمكن أن يؤثر على معادلة التوازن الإستراتيجي القائم في منطقة الخليج بصورة أساسية.

طبيعة الحدث الإيراني:

مع نهاية العام الماضي شهدت إيران احتجاجات شعبية غير مسبوقة بدأت من مدينة مشهد وامتدت إلى أكثر من أربعين مدينة من بينها العاصمة طهران، فهي على هذا النحو بدأت في بعض المحافظات الطرفية وانتقلت إلى العاصمة، وهي المحافظات الأكثر فقرًا وبطالة وتهميشًا، فضلاً عن المحافظات العرقية (الأحواز- كردستان)، ومن الواضح أن هذه الاحتجاجات قد اندلعت في بدايتها لأسباب اقتصادية وبناءً على إحساس قطاعات شعبية في تلك المدن بأبعاد الأزمة الاقتصادية خاصة ارتفاع مستويات البطالة، ورفع الدعم عن بعض السلع الاستراتيجية، وإدراك تلك القطاعات عدم نجاح حكومة الرئيس روحاني في تنفيذ وعودها لرفع مستويات المعيشة وتوفير فرص العمل، وزاد من حدة الأزمة إفلاس بعض المؤسسات المالية والبنوك الصغيرة التي قامت بتوظيف مدخرات الأفراد وعدم تدخل الحكومة للمحافظة على حقوقهم.

 ومن ناحية اخرى فإن هناك إحساس شعبي عام في إيران أن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول الكبرى والذي بموجبه يتم إنهاء المقاطعة والافراج عن الأرصدة المجمدة لم ينعكس على الاقتصاد الإيراني أو وضع المواطنين، فحدثت هوة كبيرة بين سقف تطلعات المواطن الإيراني وتداعيات ذلك بصورة كبيرة.

الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة إذن ليس لها توجه أيديولوجي، بدأت كثورة للذين يعانون من أعباء المعيشة ويرفضون بذخ النظام على الميليشيات في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولكنها تحولت بعد ذلك إلى احتجاجات على أركان النظام، وما أجج هذه الاحتجاجات التي وصلت مدينة "قم" معقل رجال الدين الشيعة والحوزة الأكبر، هو خليط من ارتفاع تكلفة المعيشة والفساد والقمع، ولا شك أن الأزمة الإيرانية التي عكستها تلك الاحتجاجات أعمق من المطالب المعيشية التي فجرتها، وأنها جاءت حصيلة من تراكم فقدان الثقة بين جانب قطاعات شعبية في أداء وممارسات النظام وتحركاته الخارجية، وكانت هتافات بعض جموع المحتجين بسقوط المرشد الأعلى تطورًا له دلالاته الكبيرة وتهز الثقة والقدسية التي يتمتع بها شاغل هذا المنصب منذ الخميني وحتى الآن، بل أن المحتجين عبروا عن افتقادهم الثقة في كافة مكونات النظام، متشددين ومعتدلين.

ورغم أن هذه الاحتجاجات لم تصل إلى حجم ومستوى الاحتجاجات التي شهدتها إيران عام 2009م ـ  والتي كانت سياسية بالدرجة الأولى وفجرها تزوير الانتخابات الرئاسية آنذاك - إلا أن هذه الاحتجاجات تميزت كذلك بسمات جديرة بالوقوف أمامها من أهمها غلبة العنصر الشبابي على جموع المحتجين، وهو الجيل الجديد الذي لم يرتبط بمبادئ الثورة الخمينية، وهو ما يشير إلى أن غالبية الشعب الإيراني ليس على نفس أرضية التشدد الديني والمذهبي للنخبة الحاكمة، خاصة الأجيال القادمة، ومن أهم هذه السمات المشاركة الواسعة للمرأة الإيرانية التي تعاني من عمليات القمع منذ عام 1979م، وحتى الآن، وهو متغير اجتماعي يفرض الاهتمام والمتابعة، ويعبر بوضوح عن أزمة اجتماعية قوية داخل المجتمع الإيراني، ومن السمات التي يجب التوقف عندها كذلك في هذه الاحتجاجات هو قيام المحتجين بإحراق مؤسسات ومكاتب الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يعتبر للمرة الأولى تخط للخطوط الحمراء في إيران.

موقف النظام الإيراني

حاول أركان النظام المتشددون في البداية الهروب من المسؤولية بتحميل أسباب الأزمة الاقتصادية لحكومة الرئيس روحاني واخفاقها في تحقيق وعودها الإنمائية، وقد اتهم المرشد الأعلى أعداء الثورة بإثارة الاضطرابات، ولم يبدي أي تفهم لمطالب المحتجين كما أن بعض أركان النظام حاولوا تحميل الحكومة المسؤولية وذلك بالتأكيد على أن مطالب المحتجين معيشية وليست سياسية للنأي بقيادات النظام بعيدًا عن المسؤولية، ومن جانبه أدرك الرئيس روحاني وحكومته ذلك، حيث صرح بتفهمه للمطالب الاقتصادية للمحتجين، وكان النائب الأول للرئيس "اسحق جهانكيري" أكثر وضوحًا عندما صرح بأن تحسين الحالة المعيشية للشعب مرهون بإصلاحات تدريجية من خلال خطط تنموية وأطر قانونية، وذلك في محاولة للإستفادة من  التطورات لإقرار برامج الحكومة التي تواجه عقبات من المتشددين.

أما التيار الإصلاحي الذي قاد احتجاجات 2009م،  فقد التزم بموقف النظام، حيث اعتبرت جمعية رجال الدين المناضلين التي يتزعمها الرئيس السابق محمد خاتمي، أن مثيري الاضطرابات استغلوا التجمعات والاحتجاجات السلمية لتدمير الممتلكات العامة، وإهانة القيم الدينية والوطنية المقدسة، وأن أعداء الشعب الإيراني وفي مقدمتهم الولايات المتحدة يدعمون مثيري الاضطرابات، وهكذا لم يكن موقف الإصلاحيين مفاجئًا بعد انحسار دورهم وثقلهم داخل الحياة السياسية، والواضح أن الاحتجاجات قد خرجت عن إطار الحركة الإصلاحية، وتجاوزتهم ووضعتهم مع المتشددين الأصوليين في خانة واحدة.

أجهزة النظام من جانبها، اتخذت مواقف مدروسة بعناية، فأجهزة الأمن تعاملت بهدوء في البداية مع الاحتجاجات، وعندما ارتفعت نغمتها السياسية وتعرضت لرموز النظام ومؤسساته تعاملت معها بخشونة، ودخل الحرس الثوري في المواجهة، وذلك عبر عدة مراحل، بدأت بتسيير مسيرات حاشدة مضادة من أنصار النظام ومؤسساته في مواجهة مسيرات المحتجين إلى عمليات الاعتقالات ومحاصرة المظاهرات، وأعلن قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري أنه تم تحريك قوات من الحرس إلى عدد من الأقاليم حيث تم إخماد هذه الاحتجاجات، وهو ما يعني حسم النظام لموقفه وأعاد للأذهان تدخل هذه القوات لقمع المظاهرات 2009م.

الموقف الإقليمي والدولي من التطورات الإيرانية

لم تتبلور مواقف إقليمية مؤثرة تجاه التطورات الداخلية الإيرانية يمكن دراستها باستثناء الموقف التركي والذي عبر عن درجة عالية من النفاق السياسي، فتركيا التي تبنت الاحتجاجات الشعبية السورية، وكذلك المظاهرات المناهضة للحكم في عدد من دول المنطقة انحازت بوضوح لموقف النظام الإيراني، وقد عبر عن ذلك بيان الخارجية التركية الذي عبر عن القلق بما يجري في إيران، وحذر من التصعيد والتدخلات الخارجية التي تحرض عليه، وحثت المتظاهرين على تجنب العنف وعدم الانجرار إلى الاستفزازات، وكذلك تصريحات عدد من كبار المسؤولين الأتراك، وهكذا يعبر الموقف التركي عن الحرص على العلاقات مع النظام كأولوية استراتيجية، ومن ناحية أخرى جاءت مواقف كل من سوريا والعراق وحزب الله معبرة عن صيغ التحالف القائم بينها وبين النظام الإيراني.

لم تغب إسرائيل عن تلك التطورات، حيث تعددت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذا الخصوص التي تدعم الاحتجاجات، وتدعو إلى تواصلها لاستقالة النظام، ومع أن هذا الموقف يتسق مع طبيعة العلاقات الإسرائيلية الإيرانية إلا أن المبادرة بهذه التصريحات لم تخدم الاحتجاجات الإيرانية وجاءت في صالح النظام الإيراني الذي اتهم إسرائيل بالترويج لها والعمل على إشعالها.

ولم يختلف الموقف الأمريكي عن الموقف الإسرائيلي ولاسيما تصريحات  الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ورئيسة الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة التي أيدت الاحتجاجات وأدانت موقف مؤسسات النظام الإيراني منها، وهكذا حاولت الولايات المتحدة دعم الاحتجاجات الإيرانية على أمل تكرار تجربة الربيع العربي مع دول المنطقة وإسقاط النظام الإيراني، إلا أن هذا الموقف لم يمثل مساندة للاحتجاجات الإيرانية، ولكنه شأن الموقف الإسرائيلي قدم هدية للنظام الإيراني الذي اتهم الاحتجاجات بالعمالة للخارج واتهم أمريكا واسرائيل بمحاولة إسقاط النظام بدعمها.

وعلى العكس جاء الموقف الروسي معبرًا عن الحرص عل صيغة التحالف القائم بين موسكو وطهران، منتقدًا الموقف الأمريكي بهذا الخصوص.

وفي تمايز عن هذه المواقف، كان الموقف الأوروبي الذي جاء حذرًا بصورة كبيرة، حيث أعربت الدول الأوروبية عن قلقها من تلك الأحداث، ودعت إلى الحياد، فقد عبر الاتحاد الأوروبي عن الحرص على احترام حقوق الإنسان والقلق إزاء الضحايا. ووصف البعض هذا الموقف الأوروبي بأنه يعبر عن حكمة تتسق مع توجهات التطبيع التي تحكم العلاقات الأوروبية الإيرانية، وتكشف عن تقدير أوروبي لأن فرص نجاح هذه الاحتجاجات في إسقاط النظام ضعيفة، وأن الموقف الأمريكي لم يكن صائبًا ويصب في النهاية في مصلحة الأصوليين المتشددين الإيرانيين.  

تداعيات التطورات الإيرانية

رغم اتساع الاحتجاجات الإيرانية وعفويتها، وتبنيها من قطاعات شبابية بالدرجة الأولى، إلا أن التقييم يشير إلى قدرة النظام على احتوائها بالنظر إلى قوة هياكله التنظيمية ومؤسساته وأجهزته الأمنية وبالتالي ليس من السهل إزاحته من خلال احتجاجات شعبية، إلا أنه من الواضح في نفس الوقت أن إيران تعرضت لاهتزاز داخلي واضح سوف يترك تأثيرات ملموسة، وأن هذا الحراك الشعبي ربما يدفع النظام إلى نوع من المراجعة، ويكون دافعًا لبعض التغييرات في مواقفه الداخلية والخارجية.

 وإذا كانت هذه الاحتجاجات لم تنجح في إحداث تغيير مباشر فإنها تكون – على الأقل – قد كشفت عن تبلور شرائح مجتمعية جديدة خرجت عن الأطر التي فرضها نظام ثورة الخميني داخليًا، ولديهم توقعات متصاعدة في حياة كريمة تقترب من مستويات المعيشة في بعض دول الجوار التي تشهد طفرة تحديثية على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية ومستويات من الحريات السياسية غير مسبوقة، كما أن هذه الاحتجاجات تكشف كذلك عن مسار للتأثير الخارجي لإسقاط النظام من خلال حراك شعبي ولم يقدر له النجاح خلال هذه الجولة، ويمكن الترتيب له مستقبلاً في ظل حماية دولية مستفيدة من تحجر وتصلب القيادات الإيرانية وعدم تجاوبها مع تطلعات الشرائح الشعبية الجديدة والصراعات داخل بعض مكونات النظام ذاته خاصة بين رئيس الدولة والسلطة القضائية وهي خلافات يمكن أن يستفيد بها تربص بعض القوى الدولية التي يزعجها التمدد الإيراني في قضايا الإقليم وبالتالي فإن أي حراك شعبي قادم – وهو أمر تتوافر له الأسباب الكافية – سوف يجد ما يدعمه دوليًا وإقليميًا لمحاولة تصدير الأزمة إلى داخل إيران والتأثير على أذرعها في قضايا المنطقة، أي أن هذه الاحتجاجات التي تم القضاء عليها قياسًا بما يجري إلا أنها وضعت نبتة أو بذرة تؤسس لتغيير سياسي في إيران وأن هناك بداية لتبلور مناخ معارض أكثر قوة للنظام بعيدًا عن صيغ المعارضة السابقة يمتد بجذوره إلى شرائح شعبية تطالب بمطالب تتجاوز الخطوط الحمراء لنظام الثورة الخمينية.

ومن ناحية أخرى، فإن الحدث الداخلي الإيراني المذكور تزداد أهمية وخطورة تداعياته إذا ما تذكرنا أن إيران مقبلة على مرحلة خلافة لرأس النظام الولي الفقيه والمرجع السياسي الأعلى خامنئي في ظل انقسامات تتبلور ملامحها بشدة ليس من الأصوليين المتشددين والإصلاحيين ولكن داخل تيار الأصوليين ذاتهم وكذلك بين كل منها وتيارات شبابية خارج النخبة التقليدية التي عرفتها إيران منذ 1979م، وهذا كله بمثابة بيئة خصبة ومناخ موات لمرحلة جديدة تشغل النظام بتطوراته الداخلية ومحاولة تحصينه.

نصل إذن إلى التساؤل هل هذا الحدث الإيراني بعناصره المختلفة ودوافعه المتعددة سوف يفرض تغييرًا في توجهات النظام ويدفع إلى انشغال أكبر بالداخل بصورة ولو نسبية على حساب التركيز على عملية تصدير الثورة والإنخراط الجاري في أزمات المنطقة، وهل يؤدي ذلك إلى تغيير التوازن الإستراتيجي في المنطقة والخليج بصورة أساسية.

إن الإجابة على هذا التساؤل يتطلب بداية الاتفاق على مفهوم التوازن الإستراتيجي، وتوصيف للقدرات الإيرانية بمعايير القوة الشاملة لقياس مدة تأثير هذا الحدث الداخلي على عناصر هذا التوازن وتلك المعايير.

المقصود بالتوازن، كما سبق أن أوضحته في عدة مقالات في مجلة (آراء الخليج) هو حالة الاستقرار أو التعادل فيما يتعلق بقياس العناصر الرئيسية لقدرات القوة الشاملة للدول بأبعادها المختلفة، ويقصد بالإستراتيجي هنا وباختصار شديد في استخدام هذه القدرات لتحقيق أقصى قدر ممكن من أهداف وسياسات الأطراف الفاعلة سواء في زمن الحرب أو زمن السلم.

والتوازن الإستراتيجي طبقًا لذلك هو الحالة التي تتعادل أو تتوازن فيها قدرات الدول المتنافسة في إقليم محدد أو قدرة كل منها في مواجهة أية تهديدات من الطرف الآخر، والتوازن هنا يقتضي التكافؤ فيما يتعلق بالقدرات المختلفة ونركز هنا على ثلاثة معايير أساسية تقاس بها القدرة الشاملة للقوى الفاعلة. وفي حالة إيران وتطوراتها فإن ما جرى من تطورات داخلية والذي تقدر دوائر متعددة أنه سوف يترك تأثيرات واضحة على المعايير التي تمثل جوهر القوة الشاملة لإيران وهي التماسك الداخلي ودرجته والقدرات الاقتصادية والعسكرية وتقدير ذلك كله على طبيعة التأثير الإستراتيجي القائم في منطقة الخليج، والحضور الإيراني بصفة عامة في أزمات المنطقة التي تشهد امتدادًا إيرانيًا واضحًا، وفي هذا المجال نشير إلى عدد من الإعتبارات المهمة:

أولاً: أن الحراك الشعبي الأخير في إيران بغض النظر عن قدرته في الضغط المباشر على النظام، إلا أنه كشف عن عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها إيران، وأن شرائح شعبية جديدة نادرًا ما كانت تشارك في الأحداث والتطورات السياسية في إيران في السنوات الأخيرة ومعظمها فقدوا الأمل في التغيير الحقيقي من خلال الإصلاح، قد بدأ صوتهم يرتفع، بل أن هناك تقارير تشير إلى نسبة كبيرة من المشاركين في تلك الاحتجاجات هم من يميلون إلى عدم التصويت في الانتخابات ولم يكونوا محور التغيير السياسي في إيران منذ الثورة الخمينية، ولا شك أن هذه ظاهرة الجديدة تحمل في طياتها الكثير من التوقعات وتفرض على النظام مقاربة مختلفة وتغيير في أساليب التعامل.

ثانيًا: أن ما يمكن تسميته باحتجاجات الفقراء أو الشرائح المهمشة أو التي تعاني من البطالة، وهذا بشهادة قيادات النظام التي أكدت على الأسباب المعيشية للإحتجاجات تنتقص من الكتلة الموالية للنظام الذي يعلن منذ عام 1979م، أن ثورته هي ثورة الفقراء على الإستغلال والفساد والقهر، وكانت تؤكد دائمًا أنهم الداعم الأول للنظام، وهو أمر ينطوي على مخاطر للنظام فهذه الشرائح تختلف عن المحتجين الذين خرجوا عام 2009م، وينتمي معظمهم للطبقة المتوسطة والنخب السياسية في المدن.

ثالثًا: أن المحافظات التي تضم عرقيات خاصة عرب الأحواز والأكراد شاركت في الاحتجاجات وهو ما يكشف عن عجز النظام حتى الآن عن استيعابهم ضمن إطار الدولة المركزية، الأمر الذي ينذر بأن تكون تلك العرقيات مجالاً للحراك السياسي، انطلاقًا مما جرى، ودعمًا لأي حراك شعبي في التأثير على تماسك الدولة. وهذه أمور في مجملها تشير إلى بداية تبلور تغيير جوهري في بنية المجتمع الإيراني.

رابعًا: إن إيران  تواجه موقفًا أمريكيًا متصاعدًا تجاهها، وأن الحدث الإيراني الداخلي سوف يكون مجالاً للإستثمار الأمريكي والإسرائيلي – بغض النظر عما يمكن أن تكون تطوراته – وأن هناك نوع من التربص إلى جانب كل من واشنطن وتل أبيب من جانب قوى إقليمية تناهض إيران، ولها مواقف تتعارض مع الممارسات الإيرانية في قضايا المنطقة، وقد كشفت مصادر إسرائيلية مؤخرًا عن تفاهمات أمريكيةـ إسرائيلية أقرت نوعًا من الصياغة الإستراتيجية لأسلوب التعامع مع إيران تستهدف البرنامج النووي الإيراني وبرامج الصورايخ الباليستية ومحاصرة امتدادتها في أزمات المنطقة وسوف يكون عام 2018م، مجالاً للمواجهة بين الطرفين على هذا المستوى.

خامسًا: إن الرؤية الواقعية لأزمات المنطقة التي تشهد امتدادات إيرانية تشير إلى استمرار هذه الأزمات خلال العام الجديد دون تسوية، أي أن إيران ملزمة باستنزاف قدراتها الاقتصادية والمالية لتغطية دورها فيها، وإذا كان من المتوقع فرض عقوبات جديدة عليها بسبب برامجها الصاروخية فإن مجالات حركتها لتوفير القدرات المالية اللازمة سوف تواجه صعوبات.

الخلاصة إذن، أن الاحتجاجات الداخلية في إيران وإن لم تنجح في تغيير النظام، إلا أنها كشفت عن حجم الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعاني منها وأوضحت بداية اهتزاز في التماسك الداخلي للدولة الإيرانية، وفتحت الباب أمام خيار أساسي هو ضرورة وحتمية تحقيق التماسك الداخلي واستيعاب تطلعات الشرائح الجديدة وزيادة الإنفاق الاجتماعي وتوفير متطلبات التنمية بأبعادها المختلفة أو المراهنة على نفس نمط قمع المحتجين والتركيز على التمدد الخارجي والسعي لفرض الهيمنة والنفوذ وهو ما لن يكون في صالح النظام.

وفي تقديري، أنه رغم الفكر المتشدد والمتصلب لمعظم أركان النظام إلا أنهم يدركون المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بهم وهو ما يمكن أن يرجح مزيدًا من الإهتمام بالشؤون الداخلية وهو ما يستتبع تهدئة التورط والإندفاع الخارجي، وأن ذلك كله يمكن أن يجعل من معادلة التوازن الإستراتيجي في المنطقة لا تتوافق نسبيًا مع الطموحات الإيرانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية


المراجع:

1-   محمد السعيد إدريس، إيران تدفع إلى قوس الأزمات، الأهرام، 2 يناير 2018.

2-   محمد عباس ناجي، أزمة مشهد لماذا اندلعت الاحتجاجات، مركز المستقبل، 2 يناير 2018.

3-   محمد عباس ناجي، أزمة جديدة في إيران، الأهرا، 1 يناير 2018.

4-   جورج عيسى، ماذا يعني سقوط النظام الإيراني، موقع 24 الإلكتروني، 4 يناير 2018.

5-   متابعات قناة سكاي نيوز عربية منذ 28/12/2017 حتى 7/1/2018.

مجلة آراء حول الخليج