; logged out
الرئيسية / القوة الناعمة لدول الخليج: المكانة الدولية والتوظيف السياسي والاستراتيجي

العدد 126

القوة الناعمة لدول الخليج: المكانة الدولية والتوظيف السياسي والاستراتيجي

الإثنين، 15 كانون2/يناير 2018

شكلت القوة الناعمة إحدى مناط التركيز الرئيسية في دول مجلس التعاون الخليجي عام 2017، وسوف تبقى محط اهتمام أساسي من جانب الحكومات في 2018م، وما يليه. وتشير النظرة الأولية لدول مجلس التعاون إلى قدر من السباق بينها لأجل حيازة مظاهر وأشكال القوة الناعمة، والتنافس على ما يرفع ترتيبها في التصنيف العالمي. وبالمقابل، وعلى الجانب السلبي، شهد عام 2017م، تسخير وتوظيف أدوات وصور القوة الناعمة الخليجية -بشكل غير مسبوق-في الإجراءات العقابية البينية في سياق أزمة قطر مع الرباعي العربي، وهو ما برز جليًا في التوظيف السيئ لأدوات الدعاية والإعلام القطرية.

ويمكن تعريف القوة الناعمة بأنها كل ما يضيف إلى قوة ومكانة الدولة بخلاف القوة العسكرية. وعلى الرغم من أن هذا تعريف واسع، إلا أنه المعنى ذاته الذي ركز عليه صاحب المفهوم نفسه عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي في كتاباته المتعددة التي دفع من خلالها بهذا المفهوم إلى أجندة السياسة الدولية. ففي كتاباته منذ أوائل التسعينيات من القرن العشرين تناول كل مظاهر القوة غير العسكرية باعتبارها ملامح للقوة الناعمة للدولة، وهي بالتحديد ما ركز عليها كتابه المعنون "القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية".

أولاً: السباق الخليجي على القوة الناعمة 2017:

كانت الإشارة الأكثر بروزًا في اتجاه دول المجلس نحو تعظيم أصول وموارد القوة الناعمة في 2017م، إقدام دولة الإمارات العربية المتحدة على إنشاء مجلس تحت مسمى "مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة"، لتكون بذلك أول دولة في العالم تنتقل بمفهوم "القوة الناعمة" من إطار المفهوم إلى عالم التطبيق والواقع والتخطيط والمأسسة، وعلى الأرجح أن دولاً عدة في المستقبل، سوف تنهج نهج الإمارات. ولم يكن غريبًا أن يشكل هذا المجلس -مع وزارتي السعادة والتسامح الإماراتيتين-منظومة مبادرات وأفكار حصرية تنفرد بها دولة الإمارات. وكانت الإمارات قد اعتمدت ميثاقًا وطنيًا للسعادة والإيجابية التزامًا بخلق البيئة الأسعد لمجتمع الإمارات، وجرى تسمية رئيس تنفيذي للسعادة والإيجابية في جميع المؤسسات، ومجالس للسعادة المؤسسية والإيجابية في الوزارات الاتحادية، كما جرى اعتماد برامج لتصنيف أكثر بيئات العمل سعادة وإيجابية في القطاع الحكومي والخاص.

وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية، لم تعلن بعد عن إنشاء مجلس مماثل للمجلس الإماراتي، إلا أن خطواتها نحو الإصلاح والتغيير عام 2017م، دفعت البعض إلى الدعوة إلى إنشاء مجلس سعودي مماثل للقوة الناعمة؛ فقد ركزت خطوات الإصلاح السعودية على إحداث نقلة جديدة في واقع المملكة وصورتها في الداخل والخارج، وهو ما اتجه بالأساس إلى تعزيز آليات وصور القوة الناعمة، خاصة مع السعي لإبراز تراث الاعتدال الديني والاجتماعي والثقافي، وإصلاح أوضاع المرأة، والتوجه نحو الإعلان عن مشروعات جديدة في سياق رؤية المملكة 2030، تستهدف تغيير المجتمع ليهجر تقاليد وأنماط سلوك سطت على المجال العام في العقود الماضية فقلصت مساحات الحركة والحرية، وحدّت من مساحات الاختيار، وأدخلت مفاهيم حرمت الناس من الاستمتاع بمباهج الحياة، ومنعتهم من الترفيه والانفتاح على الثقافة والفن والأدب والإبداع لعقود.

كان أحد أبرز القرارات السعودية التي اتجهت إلى تعظيم واستثمار القوة الناعمة للمملكة عام 2017 على الجانب الثقافي والترفيهي، القرار بإنشاء الهيأة الوطنية للترفيه، التي أخذت تمارس عملها وفق برامج محددة؛ فأقامت الحفلات الموسيقية، وقدمت المسرحيات والعروض الفنية وحفلات الغناء لأشهر المطربين والمطربات العرب والعالميين، ثم كان القرار بمنح المرأة رخصة قيادة السيارة في سبتمبر 2017م، الذي أعاد المرأة السعودية إلى وضعها الطبيعي ويتوقع أن تكون له انعكاسات إيجابية كثيرة في الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وأخيرًا وافقت وزارة الثقافة في ديسمبر 2017 م، على إصدار تراخيص لفتح دور للسينما، وينتظر فتح 50 صالة عرض سينمائية في مدينة جدة، ومثلها في الرياض، خلال بضعة أشهر. وكان إعلان المملكة عن مشروع نيوم أقصى ما يمكن أن تشير إليه توجهات الدولة السعودية فيما يتعلق بتعزيز مصادر القوة الناعمة.

ومن الاستحداثات اللافتة لأشكال ومظاهر القوى الناعمة في المملكة عام 2017م، إنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) الذي جرى تدشينه خلال القمة الخليجية الإسلامية بالرياض في مايو 2017م، وإعلان وزارة الثقافة والإعلام السعودية عن إنشاء مركز التواصل الدولي، ليكون بمثابة همزة الوصل بين الوزارة ووسائل الإعلام العالمية؛ ومختلف مراكز الأبحاث والمؤسسات الثقافية، ووفق ما أعلن سيقوم المركز ببث المعلومات والبيانات الموثقة عن الأحداث والوقائع والأعمال الإنسانية والخدمات التي تنهض بها المملكة بلغات عدة، في مقدمتها الإنكليزية والفرنسية والألمانية، وذلك ليضطلع المركز بمهمة إبراز صورة المملكة ومنجزاتها الحضارية والتنموية والكشف عن حركة النمو والتطوير التي تشهدها في شتى المجالات في إطار تنفيذ رؤية 2030م، ويهدف المركز إلى إيصال معلومات صحيحة وواقعية عن السعودية، وسيعمل على تعزيز عمليات الاتصال الإعلامي، إلى جانب ترويج برامج ومبادرات للتواصل الدولي.

وكان أحد مظاهر القوة الناعمة الخليجية، التي تبدت وسط الأزمة مع قطر 2017م، الدبلوماسية الكويتية، حيث برز الملمح الناعم لدولة الكويت في مساعي الشيخ صباح الأحمد الجابر للوساطة بين أطراف الأزمة (دول الرباعي وقطر)، وشكلت جولات الأمير بين أطراف الأزمة ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض إحدى الصور الأساسية التي عززت مكانة الكويت العالمية كدولة تتبنى نهج الوساطة والدبلوماسية في تسوية الأزمات، ولها إسهاماتها في استضافة مؤتمرات المانحين الدولية الخاصة بسوريا واليمن في السنوات السابقة.

وعلى جانب آخر -وعلى الرغم من الاختلاف مع قطر-إلا أنها عملت على إدارة أزمتها الخليجية مع الرباعي العربي عام 2017م، من خلال توظيف قدراتها في مجال القوة الناعمة، ويمكن القول بأن محصلة أصول وأرصدة قطر في القوة الناعمة عملت معها طوال العام بشكل فاق عمل الجيوش المسلحة والقوى الخشنة، حيث ساعدت استثماراتها الطويلة في تلك الأصول والأرصدة في فرض أسوار حماية لعبت أدوارًا لا مثيل لها لمصلحة قطر. ولم يكن أداء قناة الجزيرة والقنوات القطرية الرديفة في تركيا والمنصات الإلكترونية الهائلة التابعة لقطر أقل من أداء الجيوش المسلحة، حيث عملت أطقمها ككتائب قتال عسكرية مارست كل صنوف الهجوم على دول المجلس الثلاث ومصر، مع ذلك فقدت قطر بالمقابل الكثير من رونقها وقوتها الناعمة حينما دمغت بتهمة دعم الإرهاب الدولي وتسخير العمل الخيري لأغراض دعم الجماعات الإرهابية.

ويعتبر رصد تطورات الأفكار وتفاعلات القوى الناعمة في دول مجلس التعاون الخليجي -على نحو ما تبدت في الرؤى الاستراتيجية والخطاب السياسي في دول مجلس التعاون في 2016 – 2017م، في سياق الجدل السياسي والاجتماعي الخليجي حول مستقبل المنطقة ما بعد النفط-أحد أهم الزوايا التي يمكن من خلالها فهم التطورات في دول المجلس. وقد أكدت تلك التفاعلات أن دول الخليج تعمل على استكشاف البدائل وتقليب الخيارات لأجل التفاعل مع تحديات تراجع عصر النفط واستشراف استعدادها لمواجهة تحديات المستقبل من دونه، وهنا برز تفاعل القوى الناعمة الخليجية كبديل مثالي يجري التعويل عليه في استدامة النمو والازدهار.

ثانيًا: ملامح القوة الناعمة الخليجية وفوائدها:

من أهم ملامح القوة الناعمة الخليجية تعدد مصادر هذه القوى؛ فعلى الرغم من ملامح التماثل بين دول الخليج العربية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا أنها تتمايز فيما بينها فيما تحوزه من أشكال القوة الناعمة، فتميل دولة الإمارات إلى الدفع بنموذج وصورة ذاتية تعزز تمسكها بروح الاقتحام والتنافسية وتأكيد قدرتها على السباق الدولي، وهو ما يجعلها تطلق مبادرات سنوية جديدة في مجال القوة الناعمة، ومنذ سنوات أعلنت عن مشروع "مسبار الأمل" الهادف للوصول إلى المريخ بحلول 2021م، والمشاركة في السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، كما حرصت منذ عامين على الإعلان عن تشكيلات حكومية تتضمن الإعلان عن وزارات بمسميات غير تقليدية، من ذلك إعلانها في فبراير 2016م، عن إنشاء وزارة للسعادة ووزارة للتسامح، ثم إعلانها في أكتوبر 2017م، عن تشكيل حكومي يتضمن ثلاث وزارات جديدة هي: وزارة الذكاء الاصطناعي، ووزارة العلوم المتقدمة، ووزارة الأمن الغذائي المستقبلي، مع تعيين شباب وشابات الإمارات في مناصب وزارية وقيادية من مستوى رفيع.

وفي 2017م، برز اتجاه المملكة العربية السعودية لإبراز وجهها الجديد، الساعي إلى الخروج من إسار الانغلاق وتأكيد الانفتاح على العالم من خلال المبادرات الشبابية الجريئة، التي تسعى إلى إعادة اكتشاف كل شيء داخل المملكة وإعادة تعريف الذات وتقدير الأصول والثروات، وقد تمثل ذلك في القرارات التي تعاملت بسرعة مع مشكلات وضعت أمامها العراقيل لعقود، وكان لافتًا التوجهات السعودية للتفاعل الفكري والسياسي مع تحديات عصر ما بعد النفط، والسعي إلى إبراز كنوز وثروات المملكة غير النفطية وتاريخها وتراثها العريقين، بل والعمل على نفض الصورة التاريخية السلبية التي علقت بعصور ما قبل الإسلام، التي يجري تصويرها بأنها عصور الجاهلية، والتأكيد على أن نقطة تميز المملكة الأساسية هي في البشر.

وكان لافتًا ما أقدمت عليه الهيأة الوطنية للترفيه من برامج وحفلات أدخلت روحًا جديدة على الحياة العامة، كما كان فارقًا القرار بمنح المرأة رخصة قيادة السيارة، ثم في ديسمبر 2017 م، التصريح بإقامة دور السينما. ولم يكن تفاعل المملكة مع قضايا الفساد، والإعلان عن مشروعات مستقبلية عملاقة كمشروع نيوم، إلا رغبة في التنافس والسباق مع الخليج والعالم. وهكذا سيظل عام 2017م، عامًا مميزًا في تاريخ السعودية التي اتجهت خلاله إلى حيازة وتفعيل مختلف أصول وأرصدة القوة الناعمة.

وبالنسبة للكويت، فقد برزت الدبلوماسية والوساطة كنقطة تميزها الأساسية وواجهة وعنوان قوتها الناعمة في 2017م، وهو ما حرصت الكويت على تأكيده حتى آخر لحظة من العام، حين تمسكت بعقد القمة الخليجية في نفس توقيتها وعلى أراضيها حتى لو كان التمثيل من مستوى أدنى من القادة، وهو أمر جعلها محل تقدير في الأوساط الشعبية ولدى النخبة الخليجية، حين بدت بمظهر الأمين والحارس على الكيان الخليجي. وتظل الشخصية العمانية بطابعها المميز والتي تنزع إلى الحياد أهم عنوان للقوة الناعمة للسلطنة، وهي أمر تعرضت السلطنة لاختبارات كثيرة بشأنه ولم تتغير. وتتميز البحرين بالثقافة والفكر، بينما تميزت قطر بالدور الذي لعبته على مدى السنين والذي حقق لها مكانة أكبر من حجمها، وهي الآن في منتصف الطريق، حيث لم تتكشف بعد نقاطًا للقوة الناعمة غير النقاط التي اعتادت العمل من خلالها على مدى عقدين، وقد خلف لها ذلك مشكلات كثيرة في إدارة أزمتها الخليجية في 2017م، ويتوقع أن يسبب لها مزيدًا من الأزمات مستقبلا.

وبشكل عام، أضاف عام 2017م، إضافات مهمة لأشكال القوة الناعمة الخليجية، حين انطلقت رياح التغيير الداخلي بالمملكة، واتجهت إلى ضبط الموازين والتوجه نحو الاعتدال الديني وإعادة فرض قيم التجديد والوسطية، على نحو ما أكدته مبادرات المملكة في الداخل ومع الخارج.

ولكن بقدر ما برز دور القوة الناعمة الخليجية في 2017م، فقد تراجعت أصول القوة الناعمة الخليجية مع الأزمة بين قطر ودول الرباعي العربي، حيث أهدرت منصات التواصل الاجتماعي والفضائيات قيمًا وأعرافًا مستقرة في الحياة الخليجية، فكانت الشخصية الخليجية تتمتع بأسرار خاصة، وكانت هناك حرمة لمكانة الأسر الحاكمة، بينما في عام 2017م،  أهدر الكثير من تلك القيم والأصول، فأخذت الفضائيات تتناول أدق أخبار الأسر والشعوب، على نحو لم يراع مكانة الكبير أو الصغير، وهكذا مارست أدوات التواصل الاجتماعي أدوارًا أضرت بصور القوى الناعمة لدول مجلس التعاون، وبدت القوى الناعمة في مواجهة بعضها بعضًا، على نحو ما برز في تهاوشات النخبة الثقافية والفكرية في الصحف وعلى نحو ما برز في بعض الأعمال الفنية.

وبالمثل أكد عام 2017م، أن توجه دول مجلس التعاون إلى القوة الناعمة ليس من باب حيازة هذه القوة لأجل التفاخر أو الوجاهة وإحراز المكانة، وإنما لتوظيفها في معركة التنمية والبناء الوطني الداخلي؛ فكافة المشاريع السعودية والإماراتية الجديدة، حتى منها مجالات الترفيه وصناعة السينما والمسرح والحفلات التي تعدها الهيأة الوطنية للترفيه السعودية أو تدشين متحف اللوفر أبوظبي واقتناء لوحات فنية عالمية مثل لوحة المسيح المخلص (سالفاتور موندي) للرسام ليوناردو دافينشي التي قامت دائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي بشرائها مقابل 450.3 مليون دولار، جميعها محسوبة بحسابات اقتصادية.

في ضوء ذلك، لم يكن غريبًا أن يترافق التصريح ببناء دور السينما في السعودية بتقديرات رسمية وغير رسمية بشأن العائد الاقتصادي المتوقع منها، حيث توقع البعض أن يسهم قرار بناء دور السينما بنحو "24 مليار دولار" في الناتج المحلي الإجمالي السعودي(وهو رقم يعتبره البعض كبير)، ويتوقع البعض أن تستحدث السينما بالمملكة أكثر من 30 ألف وظيفة دائمة وأكثر من 130 ألف وظيفة مؤقتة بحلول عام 2030م، وهو ما يعني أن دول المجلس تنظر للقوة الناعمة وتسعى لاقتناء أدواتها كجزء من الصناعة والتخطيط الوطني للمستقبل، وكرافد للتنمية والاقتصاد وليس كواجهة أدبية ومعنوية تعزز مكانتها العالمية وحسب، ومن ثم فإن الهدف بعيد المدى هو كيف يمكن استثمار أدوات ومظاهر القوة الناعمة بحيث تكون مصدر دخل لا أن تكلف ميزانية الدولة أعباء إضافية.

وتتبدى فائدة إضافية استراتيجية من حيازة دول الخليج لأدوات القوة الناعمة في علاقاتها الخارجية، وعلى سبيل المثال، يمكن للقوة الناعمة أن تشكل أداة رئيسية لدول المجلس في صراعها السياسي والأيديولوجي مع إيران؛ فلا شك أن إحدى أهم جبهات المواجهة مع إيران تتمثل في القدرة على بناء جاذبية النموذج، بين إيران التي تبني نموذجًصا لدولة واقتصاد وجيش يجذب الساعين للشهادة وبعث صراعات الماضي السحيق المؤسس على الطائفية المذهبية والسياسية، وبين دول المجلس التي تقوم بتوظيف القوة الناعمة في تأسيس وبناء نموذج يؤكد فشل نموذج الأيديولوجيا القمعية للنظام الحديدي في إيران، وفي ضوء ذلك، فإن عمليات التحديث الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي تجري في المملكة، ومشروعات مثل "نيوم" والانفتاح الثقافي والاعتدال الديني في المملكة، ومسبار الأمل ومتحف اللوفر في الإمارات، هي أمثلة للحرب اللامتماثلة التي تخلق فجوة بين النظام الإيراني والشعب في الداخل، وتوضح الفارق بين ضفتي الخليج؛ بين نظام يسعى إلى نشر وتغذية ثقافة الاستشهاد والموت والتدخل العسكري المقيت في شؤون الجوار من خلال ممارسات الحرس الثوري، وأنظمة تتجه إلى عصرنة وتحديث مجتمعاتها، وتسعى إلى نشر ثقافة التسامح والحياة وإدامة أوضاع الرخاء والتقدم في الترتيب العالي.

إن استمرار الضغط على أعصاب النظام الإيراني من خلال المواجهة بـ"النموذج" وحرب النموذج، سيقود بالضرورة إلى "ربيع إيراني"، يتطور بهدوء ويحقق الغرض المنشود، دون طلعة جوية أو طلقة رصاص. ولعل المظاهرات التي شهدتها إيران أواخر ديسمبر 2017 تشكل فرصة يمكن استثمارها والبناء عليها، حيث طرحت شعارات داخلية تدعو النظام الإيراني للتركيز على البناء والتطوير في الداخل وليس المغامرات في سوريا والعراق ولبنان واليمن.      

أخيرًا

إذا كان التركيز هنا على مجالات القوى الناعمة التي يجري السعي إليها من خلال تخطيط ورؤية، وإذا كان مسار دول مجلس التعاون قد خطى خطوات مهمة في مجال التخطيط للقوة الناعمة، فإن هناك عشرات الأفكار التي يمكنها أن تثري توجهات دول المجلس في هذا المجال، فهناك مجموعة أعمدة للقوة الناعمة الخليجية يمكن التحرك لتعزيزها في 2018م، من وحي المسار التطوري الراهن في توجهات السعودية والإمارات بشكل خاص، وتتمثل في العمل على: استحداث مزيد من الهياكل المؤسسية والمجالس الساعية إلى التنسيق الاستراتيجي الثنائي أو المتعدد بين دول المجلس للتعامل مع الشؤون الثقافية والأدبية والفنية، واستحداث أجهزة أو وزارات لتعزيز الهوية الوطنية والشخصية الخليجية، وأجهزة أو وزارات للعناية بشؤون الوافدين، وأخرى للمبتعثين والدارسين، ومبادرات أخرى في مجال حيازة وتعزيز القوة الناعمة للأفكار وبنوك الأفكار والمعلومات، وأجهزة ووزارات للتجديد الديني، وأجهزة ووزارات للتراث والآثار التاريخية، وأجهزة أو وزارات للبحث العلمي والبحوث والتطوير.

مقالات لنفس الكاتب