; logged out
الرئيسية / التوازن الاستراتيجي والعسكري في الخليج: 3 تكتات رئيسية في المنطقة

العدد 126

التوازن الاستراتيجي والعسكري في الخليج: 3 تكتات رئيسية في المنطقة

الإثنين، 15 كانون2/يناير 2018

يوحي النشاط في تطوير الصواريخ والبرنامج الفضائي الإيراني، والتقدّم في مجال تخصيب اليورانيوم بأن إيران تسعى لتكون قوة دولية فاعلة. وحتى لو كان الإيرانيون يغالون في الإعلان عن قدراتهم الاستراتيجية والتكنولوجية، في إطار حرب نفسية مفهومة، فإن ذلك لا ينفي عزمهم الدؤوب على تطوير قدراتهم في سبيل حماية مصالحهم، وتوسيع نفوذهم الإقليمي والدولي. وفي تهديد صريح لقائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري قوله: " إن إيران مصمّمة على الاستمرار في طريق تطوير قدراتها الصاروخية، إنّ صواريخنا أصبحت أكثر دقة وذات قوّة تدميرية كبيرة، وسيزداد عددها أكثر من أي وقت مضى". وعلى طريق طموحاتها الاستراتيجية لتصبح القوّة الإقليمية المهيمنة، والمؤثرة في موازين القوى في محيطها فإن إيران لم تكن في الماضي، ولن تكون في المستقبل، على استعداد للخضوع لقيود يفرضها المجتمع الدولي.

التكتلات الرئيسية في المنطقة

يمكن الحديث عن ثلاثة محاور رئيسية بقيادة إيران، والمملكة العربية السعودية، وتركيا تتنافس في المنطقة، وهي تعبر عن أهدافها ومصالحها بشكل مختلف، مما يؤدي إلى زيادة المنافسة والنزاع.

يتألف المحور الأول من إيران وسوريا، ومعهما حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن وقوات الحشد الشعبي في العراق. والقوة الرئيسية المسيطرة في هذا المحور هي إيران التي يدعمها الاتحاد الروسي سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.

ويتألف المحور الثاني من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين واليمن (تحت قيادة هادي)، ومعهم (الجبهة الإسلامية). ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية هي القوة الرئيسية ومعها مصر باعتبارها الركيزة الثانية. وهذا المحور مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية.

ويتألف المحور الثالث من تركيا وقطر ومعهما عدد من الجماعات السلفية التكفيرية الراديكالية، ويشكل الفائض التركي مع الموارد المالية القطرية هيكل قيادة متكاملة.

وقد ظهر نوع من التعاون والمشاركة بين هذه التكتلات في قضايا معينة، فقد برز التقارب الإيراني ـ التركي في قضايا جيوسياسية في المنطقة، مثل مكافحة الإرهاب واستفتاء الاستقلال الكردي والجهود الدولية المبذولة لتهدئة الحرب في سوريا، وقد شجع على ذلك تزايد الدور الروسي في المنطقة حول سوريا والأكراد والعلاقات الاقتصادية.

أما بالنسبة للتقارب الإيراني-القطري، فقد ارتبط بمصالح مشتركة شملت الطاقة والعمليات العسكرية والمواد الغذائية، وأهمها إدارة وتقاسم أكبر حقل للغاز في العالم.كما قدمتإيران الغذاء إلى قطر أثناء ألمقاطعة وفتحت مجالها الجوي للطائرات القطرية.

أما الخلاف، مع قطر فقد وضع الولايات المتحدة في مأزق خطير، لأن العمل بقوة لصالح أي من الجانبين يجب موازنته بالعواقب المترتبة على عشرة آلاف من العاملين الأمريكيين في قاعدة العديد الجوية في قطر، أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.

يقع العراق في وسط المحاور الثلاثة: إيران من الشرق، المملكة العربية السعودية من الجنوب الغربي، وتركيا من الشمال. ولكل رؤيته من المنظور الجغرافي والاستراتيجي، ليتعامل مع العراق كشريك مؤثر أو كمنطقة عازلة. ولا شك أن تعزيز النزاهة المؤسسية وكفاءة الدولة وتلاحم المجتمع بعيدًا عن النزعات الطائفية والإيديولوجية والمادية يجعل من الصعب تدخل القوى الأجنبية المعادية والواقع أن هناك فرصة سانحة في أعقاب تحرير الموصل لتعزيز المكاسب ووحدة الشعب العراقي.

إن العلاقات الاستراتيجية والتاريخية الإيرانية مع القوى السياسية الشيعية تغري إيران باستمالة الشعب العراقي نحوها فضلاً عن أن لديها العديد من الوسائل للتأثير على القرار السياسي العراقي، وخاصة من خلال الجهات الفاعلة غير الحكومية.

يمكن بلورة التهديد الإيراني في عنصرين رئيسيين: البرنامج النووي الإيراني، والحرس الثوري الإيراني.

البرنامج النووي الإيراني: إن سلوك النظام الإيراني يقوض بشدة أي مساهمة إيجابية في "السلام والأمن الإقليمي والدولي" بل إنه يسعى إلى استغلال الثغرات والالتفاف على قرارات المجتمع الدولي. فقد أعلن القادة العسكريون الإيرانيون علنًا أنهم سيرفضون السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مواقعهم العسكرية. وتُطرَح هذه التصريحات في مواجهة التزامات إيران بموجب خطة العمل المشتركة والبروتوكول الإضافي. ومنذ وقت ليس ببعيد قامت هذه المنظمات نفسها بإخفاء المنشآت النووية في المواقع العسكرية.

الحرس الثوري الإسلامي: يعتبر الأداة الرئيسية لإعادة تشكيل إيران كدولة مارقة من خلال عناصره المتشددة، والغرض المعلن له هو تخريب النظام الدولي. ومن الصعب أن نجد حالة من الصراعات أو المعاناة في الشرق الأوسط لا تنهشها مخالب الحرس الثوري الإيراني.

وينسب إلى الحرس الثوري الإيراني تسليحه لقوات بشار الأسد وتوجيهه إلى تقطيع شعبه في سوريا، وتغاضيه عن استخدام الأسلحة الكيميائية، وسعيه إلى تقويض المعركة ضد داعش بدعم الجماعات المسلحة الموالية له في العراق.

أما في اليمن، فقد حاول الحرس الثوري الإيراني استخدام الحوثيين كدُمًى لإخفاء دور إيران في استخدام صواريخ متطورة وقوارب متفجرة لمهاجمة المدنيين الأبرياء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلا عن تقييد حرية الملاحة في البحر الأحمر.

التوازن بين القدرات العسكرية

يبين جدول الإنفاق العسكري[1] السنوي لدول المنطقة تعاظم إنفاق دول الخليج بالنسبة لإيران، ولكن تقييم التوازن العسكري يعتمد على درجة الاستعداد القتالي ممثلة في كفاءة القوات وفاعلية العتاد وعمليات الإمداد والصيانة.

الدولة

الإنفاق على الدفاع

 بالمليون دولار

الإنفاق على الدفاع

 دولار / فرد

الإنفاق على الدفاع
كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي

قوات بالخدمة
بالألف

قوات احتياط بالألف

قوات شبه عسكرية بالألف

 

2014

2015

2016

2014

2015

2016

2014

2015

2016

2017

2017

2017

البحرين

1,335

1,525

1,523

1,023

1,138

1,110

4.03

4.93

4.81

8

0

11

مصر

5,451

5,335

5,330

75

72

70

2.24

2.01

1.93

439

479

397

إيران

15,801

14,174

15,882

195

173

192

3.81

3.63

3.85

523

350

40

العراق

18,868

21,100

17,900

524

573

476

8.48

12.87

11.61

64

0

145

إسرائيل

20,152

15,400

15,878

2,935

2,298

2,322

7.53

6.18

6.09

177

465

8

الأردن

1,268

1,320

1,448

198

210

214

4.37

4.54

4.43

101

65

15

الكويت

4,803

4,313

؟

1,751

1,547

؟

2.95

3.78

؟

16

24

7

لبنان

1,270

1,495

1,740

229

255

292

2.69

3.11

3.51

60

0

20

عمان

9,623

9,883

9,103

2,991

3,008

2,714

11.77

15.42

15.26

43

0

4

قطر

5,088

4,749

4,404

2,397

2,164

1,950

2.42

2.85

2.81

12

0

0

السعودية

80,762

81,853

56,898

2,953

2,949

2,021

10.71

12.67

8.92

227

0

25

سوريا

؟

؟

؟

؟

؟

؟

؟

؟

؟

128

0

150

الإمارات

؟

؟

؟

2,564

؟

؟

3.59

؟

؟

63

0

0

اليمن

؟

؟

؟

؟

؟

؟

؟

؟

؟

20

0

0

 

القدرات الإيرانية: ربما وعت إيران الدرس من "حرب المدن"، وأدركت أنها لن تجاري القدرات المتنامية من الطائرات والدبابات التي بحوزة دول مجلس التعاون والقوات الأمريكية وإسرائيل. وكان اختيارها أن تتركز جهودها لبناء قدراتها العسكرية في بناء الصواريخ البالستية، والصواريخ المضادة للسفن، وفي تطوير البرنامج النووي. واعتمدت على روسيا والصين وكوريا الشمالية لنقل تكنولوجيا الصواريخ ومكوّناتها.

في إمكان الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى أن تصل إلى الموانئ البحرية والمطارات العسكرية والمدن داخل دول مجلس التعاون الخليجي وعلى سواحلها، وأن تستهدف قواعد تمركز قوات أمريكية وأوروبية. ولما كانت هذه الفئة من الصواريخ تفتقد إلى وجود نظام توجيه يقودها إلى إصابة الهدف بدقة، فيمكن توظيفها كسلاح سياسي أو لبث الفزع والرعب بين المواطنين.

تقوم الاستراتيجية الإيرانية الراهنة على ثلاثة أنواع من القوى: القوى الصاروخية، القادرة على شنّ عمليات هجومية ودفاعية ضد جميع دول المنطقة، والقوى البحرية، القادرة على مراقبة وازعاج القوات البحرية الأمريكية في الخليج، ومحاولة إغلاق ممر "هرمز" إذا لزم الأمر، والقوى المتحالفة مع إيران والتي يمكن أن تشنّ حروبًا بالوكالة لحساب طهران.

من الواضح أنّ إيران تسعى منذ فترة لبناء قدراتها لكي تكون القوّة الإقليمية الأبرز، ينافسها على هذا الدور كل من إسرائيل وتركيا والدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية.

أما الصواريخ البالستية متوسطة المدى وبعيدة المدى فهناك تقارير يكتنفها الكثير من الغموض وتضارب المعلومات حول مدى هذه الصواريخ وخصائصها. ولكن هذه الصواريخ ستعوّض إيران عن عجزها في الكم والكيف لقدرات قوّاتها الجوّية المهاجِمة مقارنة بقدرات القوّات الجويّة أو الصاروخية التي تمتلكها الآن دول مجلس التعاون الخليجي أو إسرائيل أو مصر.

وتطور إيران صواريخ طوافة (كروز) وهي يمكن أن تشكّل تهديدًا ليس فقط للدول المجاورة ولكن تهديدها قد يمتد للأسطول الأمريكي في الخليج وبحر العرب، ويعتقد أنّ أحد هذه الصواريخ قادر على نقل قنبلة نووية متوسطة.

القدرات الخليجية:تمتلك الدول الخليجية قدرات جوية حديثة ومؤثرة تتفوق على إيران، وقدرات صاروخية متنامية، ومع انخراط العديد من دول المنطقة في عمليات الأمن الداخلي ومهام مكافحة الإرهاب، أو المشاركة في النزاعات في بعض المناطق، فقد تصاعدت وتيرة شراء معدات القتال إما بدافع التحديث، أو لاستعواض المعدات والذخائر. وفى الوقت نفسه، وسط مخاوف مستمرة بشأن ترسانة الصواريخ البالستية الإيرانية، واصلت الدول الإقليمية خططها لتعزيز قدرات الدفاع الصاروخي. تم نشر أنظمة باتريوت السعودية للدفاع ضد صواريخ التي أطلقتها قوات المتمردين في اليمن.

ولدى دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر مؤسسات صناعات الدفاع تطورًا وطموحًا في الشرق الأوسط. ومهمتها توفير القدرة والدعم للقوات المسلحة الإماراتية والمساعدة في تطوير القدرات الهندسية والتصنيعية، وتتمثل المهام الرئيسية في أعمال الصيانة والإصلاح والتجديد؛ والتصنيع؛ والتجميع. وسيتعين على الإنتاج المحلي أن يحل محل الواردات الأجنبية.

لا تزال القوات المسلحة السعودية هي الأفضل تجهيزا لجميع الدول في المنطقة باستثناء إسرائيل. ويتمثل دور الجيش في حماية السلامة الإقليمية للدولة وضمان الأمن الداخلي. أظهرت العمليات ضد الحوثيين في اليمن منذ عام 2015م، تحسنًا في القيادة والسيطرة، واستمرت وحدات باتريوت باك-2 السعودية في التعامل بنجاح ضد عدد قليل من صواريخ سكود-B التي أطلقتها القوات الحوثية بشكل فردي. وقد أثبتت المملكة العربية السعودية قدرتها على دعم القوات المنتشرة على الأراضي داخل المنطقة. وكان هناك دعم أمريكي وبريطاني في صيانة الطائرات المقاتلة وغيرها من المعدات الحديثة. وهناك خطة طموحة تستهدف التصنيع المحلي لنسبة كبيرة من العتاد الحربي بحلول عام 2030م.

استراتيجية التعامل مع إيران

تشير النقاط التالية إلى تحديات حاسمة يمكن رصدها أمام دول المنطقة:

*قدرة إيران لاستغلال الخلافات بين الدول العربية، والاستفادة من جروحها الذاتية ممثلة في التطرف الديني، والحروب الأهلية والصراعات المتبادلة. ومالم يجتمع العرب على هدف التكامل والتوحد، فإن إيران ستظل قادرة على استغلال حقيقة أن الوحدة العربية أسطورة استراتيجية، وأن التحالفات العربية مثل مجلس التعاون الخليجي أصبحت مثل قذيفة هيكلية.

*قدرة إيران على استغلال عوامل الصراع الرئيسية، والانقسامات السياسية والطائفية والعرقية في لبنان وسوريا والعراق والبحرين والكويت. وتنشط قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيرانية وقوة القدس في عمليات التدريب والمعاونة، واستخدام المتطوعين الإيرانيين والعلاقات مع حزب الله اللبناني، وشحنات الأسلحة، وتمويل الجهات الفاعلة غير الحكومية، كل ذلك يعطيها نفوذًا واسعًا واستراتيجيًا للتدخل في دول أخرى.

*تبني إيران ترسانة متنوعة من الصواريخ المضادة للسفن تطلق من الجو، والقوات البحرية، والألغام الذكية، والغواصات والقوات الساحلية مما يشكل تهديدًا متزايدًا لكل حركة الملاحة البحرية في الخليج. ويشمل ذلك القوات البحرية العربية والأمريكية والبريطانية والفرنسية في الخليج، كما يمثل خطرًا على حركة النقل البحري ذات الأهمية القصوى لجميع الاقتصادات الخليجية، إذ تصدر نحو 18.5 مليون برميل من النفط يوميًا علاوة على صادرات رئيسية من الغاز السائل. وتعتبر هذه الصادرات حاسمة بالنسبة للاقتصاد العالمي والصادرات الآسيوية الرئيسية.

*تشكل الروابط الإيرانية مع الحوثيين والعناصر الأخرى في اليمن تهديًدا محتملاً متزايدًا للمرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس. تشمل الإمداد بالهجوم البري والصواريخ المضادة للسفن ومكونات القذائف، التي يجري تهريب بعضها الآن عبر عمان. وتشكل إيران تهديدًا محتملاً للشحن عبر باب المندب عند مدخل البحر الأحمر حيث يمكن أن يهدد موقع يسيطر عليه الإيرانيون جميع الشحنات تقريبًا عبر قناة السويس بما في ذلك حوالي 3.9 مليون برميل يوميًا من النفط والسوائل الأخرى (النفط الخام والمنتجات المكررة) والغاز الطبيعي المسال -الذي يمثل 17٪ و6٪ من إجمالي شحنات السويس. وبالإضافة إلى ذلك، تقول التقديرات أن 1.6 مليون برميل يوميًا من النفط الخام تم نقلها عبر البحر الأحمر إلى خط أنابيب سوميد الذي يتوازى مع قناة السويس إلى البحر المتوسط، ثم يتم تحميله على الناقلات من أجل التجارة البحرية، وقد بلغ مجموع إجمالي تدفقات النفط عبر خط سوميد وقناة السويس 5.5 مليون برميل يوميًا في عام 2016م، أي بزيادة قدرها 100،000 برميل يوميًا عن عام 2015م.

*مع مرور الوقت ستزداد إمكانيات إيران في مجال الأسلحة النووية إذا لم تلتزم بخطة العمل الشاملة المشتركة. وقد انتقلت إيران إلى نقطة الانطلاق فيما يتعلق بتطوير الأسلحة النووية قبل أن توافق على خطة العمل الشاملة المشتركة. ولديها الآن كل التكنولوجيا اللازمة لتطوير الأسلحة الانشطارية، وربما الأسلحة المعززة. وقد أدى اتفاقها النووي إلى تفكيك أو تعديل معظم مرافقها الرئيسية. ومع ذلك، يمكن لإيران أن تستمر في بعض الأنشطة الرئيسية ذات الاستخدام المزدوج مثل تطوير أجهزة الطرد المركزي، وقد أظهرت أنها ستواصل تطوير قدراتها الصاروخية، وقد تتمكن من تسليح صواريخها وطائراتها بأسلحة كيميائية وبيولوجية.

*تعمل الصواريخ الباليستية الإيرانية، وصواريخ كروز، وصواريخ المدفعية البعيدة المدى، والمركبات القتالية غير المأهولة على تحسين دقة إصابة الهدف بواسطة الرؤوس الحربية التقليدية، وستشكل تهديدًا متزايدًا للبنية التحتية الحيوية والمنشآت العسكرية. كان واضحًا خلال مفاوضات خطة العمل الشاملة أن إيران لن تقبل تقييد قدراتها الصاروخية التقليدية، وأنها تسعى إلى تطوير القدرة على دقة الإصابة، وأن الدول العربية ستحتاج إلى قدرات متكاملة في مجال الصواريخ والدفاع الجوي، ومن شأن الانقسامات المتزايدة بينهم أن تحد من قدرتهم على التعامل مع التهديد المتزايد من قبل إيران سواء بأسلحة تقليدية أو نووية.

*يبدو أن إيران تحقق مكاسب كبيرة في علاقاتها مع روسيا والصين وتركيا، والتي من شأنها توسيع قدرتها على الحصول على أسلحة متقدمة واستغلال الانقسامات العديدة في العالم العربي. ولا يمكن أن يكون بيع روسيا للصواريخ أرض-جو المتقدمة من طراز S300 إلا أول مثال على نقل الأسلحة المتطورة إلى إيران، وسوف تسمح خطة العمل الشاملة في نهاية المطاف عمليًا بنقل أي سلاح متقدم أو تكنولوجياته ذات الصلة إلى إيران.

*أصبحت روسيا قوة رئيسية في المنطقة، إذ يتنامى تأثير علاقات إيران مع روسيا بشكل مطرد كما هو الحال بالنسبة لعلاقات الأسد مع روسيا. وفي الوقت نفسه، ساهمت دول أوروبية فردية -ودول أخرى مثل كندا وأستراليا -بقوات لمكافحة داعش والإرهاب في العراق ودول أخرى في الشرق الأوسط، ولكن أوروبا أخفقت في اتخاذ أي إجراءات صارمة ذات مغزى للتعامل مع عدم الاستقرار والصراع في أي دولة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخفضت الدول الأوروبية الرئيسية مثل بريطانيا وفرنسا بشكل مطرد من النفقات الدفاعية اللازمة لتحريك ونشر القوات.

وفي إطار استراتيجية التعامل مع إيران والدفاع عن الخليج في مواجهة تلك التحديات تبرز ضرورة تبني عناصر أساسية منها:

  • تحیید نفوذ الحکومة الإیرانیة المزعزعة للاستقرار والحد من عدوانھا، ودعمھا للإرھاب والمسلحین.
  • تنشيط التحالفات التقليدية والشراكات الإقليمية لمواجهة التخريب الإيراني واستعادة التوازن والاستقرار في المنطقة.
  • بناء قوة ردع فعالة لمواجهة التهديدات ضد الصواريخ الباليستية وأساليب الحرب اللامتماثلة
  • تأمين الممرات المائية وخطوط النفط والموانئ بوسائل مراقبة حديثة وقوات حماية فعالة.
  • الاتجاه إلى تطوير برامج الفضاء وحيازة الأقمار الصناعية التي تمكن من التعرف على الأنشطة العدائية.
  • إفشال جميع محاولات النظام الإيراني لحيازة سلاح نووي.

خطورة الصواريخ البالستية

منذ أن استخدمت ألمانيا الصواريخ الباليستية لأول مرة في الحرب العالمية الثانية، فإن انتشار هذه الصواريخ يثير قلقا بالغا لدى العديد من الدول. إن هذه الصواريخ الباليستية تتيح للدولة المعتدية أن تضرب أهدافًا بعيدة، بسرعة خاطفة، ودونما إنذار مسبق، ومع احتمالية كبيرة لتحقيق إصابة الهدف. لقد لعبت الصواريخ دورها في زعزعة الاستقرار وإهدار موارد هائلة خلال الحرب الباردة. وقد أثيرت مخاوف خطيرة بشأن انتشار أنظمة وتكنولوجيات الصواريخ الباليستية، ولا سيما في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشبه الجزيرة الكورية. وأظهر استخدام الصواريخ الباليستية في حربي الخليج أهميتها السياسية في الصراعات الإقليمية، على الرغم من أن جدواها العسكرية مشكوك فيها إلى حد ما. وإجمالا فإن هناك من المبررات ما يؤكد أن عالمًا بلا صواريخ بالستية أو حتى بالقليل منها سيكون في وضع أفضل.

هناك تبادل للتهديدات مع إيران، فقد هاجم وزير الدفاع الإيراني حسن دهقان المملكة العربية السعودية زعمًا بالقول: " إذا ارتكبت السعودية حماقة فلن تترك إيران جزءًا في المملكة على حاله باستثناء مكة والمدينة "، كما نُسِب إليه ادعاؤه " يعتقدون أن بوسعهم فعل شيء لأنهم يمتلكون قوة جوية ". وجاء هذا التهجم الكلامي ردًا على حديث وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن أن أي صراع على النفوذ بين السعودية وإيران يجب أن يحدث " داخل إيران وليس في السعودية "، وتعهد بحماية المملكة من محاولات إيران للهيمنة على العالم الإسلامي. ويحظى ما أعلنه الأمير محمد بن سلمان بتأييد معظم الدول العربية والخليجية التي ترى أن تدخلات إيران تزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة.[2]

إن الجانب الحاسم في مراقبة الصواريخ هو عمليات التحقق. والأهم من ذلك هو اتخاذ تدابير لمنع تحويل تكنولوجيا صواريخ الإطلاق إلى الفضاء إلى الصواريخ الباليستية. وعلى الرغم من أوجه التشابه الكامنة بينهما، يمكن استخدام الاختلافات في منصات الإطلاق، وإجراءات الاختبار، والحمولة، ومسار الطيران، ونظم التوجيه، والعودة إلى الغلاف الجوي، كمؤشرات للتمييز بين مركبات الإطلاق إلى الفضاء والصواريخ الباليستية. وخلال مراحل اختبار وإنتاج وتنصيب الصواريخ، ستركز وسائل التحقق التكنولوجية الوطنية (أجهزة الاستشعار، والاستخبارات) على خصائص الصواريخ التي يمكن ملاحظتها (العدد -الحجم – المدى -الحمولة النافعة -طريقة التنصيب -تجهيزات الإطلاق -مسار الطيران). والأكثر وضوحًا هو البنية التحتية التي تشمل أماكن الإنتاج، وبرامج التطوير، وميادين الاختبار، وأجهزة التتبع والاتصال، وحاويات الصواريخ، ومركبات تحميل الصواريخ. ولن يكون من الصعب جدًا التحقق من حظر التجارب على الصواريخ الباليستية نظرًا لأن عمليات إطلاق الصواريخ ترصدها أقمار الإنذار المبكر والرادارات الأرضية أو الجوية.

هناك تساؤلات من قبيل هل تعكس الاختبارات الميدانية وتقدير وقياس مدى ودقة عنصر الصاروخ ظروف الحرب الحقيقية؟ وهل يصاحب تلك الاختبارات تضخيم إعلامي للنتائج؟ وهل هناك من العناصر الإضافية ما يعوض فشل الإصابة؟ وما الضمان لنجاح آلية تفجير الرأس عند الهدف؟ وما جدوى هذه الصواريخ في وجود أنظمة متقدمة مضادة للصواريخ لدى القوات الأمريكية ودول الخليج؟ وهل تدرك إيران فداحة المخاطر المترتّبة على قيام دول الخليج أو القوات الأمريكية أو إسرائيل بضربة استباقية أو بالرد بهجوم جوي أو صاروخي في حال عدوانها؟

أثر التهديد الصاروخي على موازين القوى الإقليمية

في الخلاصة تمكن القول بأنّ الصواريخ الإيرانية ما زالت تفتقد الدقة، إذ يلزم لذلك أجهزة توجيه وتحكم ذات كفاءة عالية) في بداية المسار (أو في كل المسار في حالة الصواريخ الطوافة) وأخرى قرب نهاية المسار للبحث والتعرف على الهدف. وربما تحتاج للتواصل مع أنظمة أرضية وفضائية منتشرة لتدقيق المسار. يضاف هذا القصور التكنولوجي إلى الشكّ في قدرتها على إصابة أهدافها وتدميرها إذا لم تجهز برؤوس نووية. لكن ذلك لا يعني التخفيف من أخطار قصف صاروخي كثيف ضد المدن والمناطق الآهلة وبعض الأهداف الكبيرة الحساسة كالموانئ والمطارات ومصافي النفط وغيرها.

 

ويبدو أنّ إيران ماضية في التجارب لتحسن من دقّة الصواريخ، وتمكنها من اختراق شبكات الدفاع المضادة للصواريخ، بل وربما تضيف إلى جانب استخدام الرؤوس المتفجرة والعنقودية بعض الرؤوس الكيميائية.

وفي التقييم العام، فإنّ أي تصرف أحمق من جانب إيران بشن هجوم صاروخي مفاجئ ضد المدن في الدول المجاورة أو إسرائيل، وضدّ بعض المنشآت العسكرية الرئيسية سيجر معه آثارًا سياسية ونفسية خطيرة، لا يدري أحد معها إلى أي مدى تنحدر إليه الأمور في المنطقة.

خاتمة: تقييم التهديد الصاروخي في المستقبل

بافتراض أن إيران سوف تتمكن خلال فترة خمس سنوات من تطوير جيل جديد من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى وعالية الدقة، وهو ما يمثل إخلالاً بموازين القوى في المنطقة، ويشكل خطرًا استراتيجيًا، حتى ولو لم تلحق بهذه الصواريخ رؤوس نووية. سيعني ذلك وجود قوّة صاروخية رادعة تمكّن إيران من بسط نفوذها وسيطرتها على المستوى الإقليمي، دون اللجوء إلى شن عمليات عسكرية واسعة ضد خصومها أو القوى المنافسة لها. ويعتمد ذلك على حدوث تطور نوعي في أربعة مجالات: تطوير أجهزة التوجيه والتحكم، وزيادة المخزون الصاروخي، وتنصيب صواريخ مجهزة برؤوس كيميائية، وتطوير نظام للقيادة والسيطرة يمكن من خلاله إطلاق صواريخ متعددة من منصات متباعدة على هدف واحد أو مجموعة من الأهداف الحساسة.

في المقابل فإن ذلك سيدفع المنطقة نحو سباق تسلّح خطير وباهظ الأثمان. هذا وتمتلك إسرائيل مئات الرؤوس النووية، وفي الوقت نفسه ستسعى الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية إلى زيادة مخزونها من الصواريخ الباليستية المتطورة، كما أنّها ستعمل على امتلاك رؤوس نووية.

إن وجود قوة ردع حقيقية ضرورة مؤكدة لتحقيق التوازن في منطقة الخليج. وبرغم قسوة التجارب التي صاحبت وتصاحب العمليات في اليمن، فلابد أنها أوجدت خبرة واقعية في التعامل مع الصواريخ المعادية، وشكلت تمرسًا عمليًا على كيفية مراقبتها وإطلاق القذائف الدفاعية لإسقاطها قبل إصابة أهدافها.

على أن القدرة الحقيقية تكمن في الإحاطة بتكنولوجيا تصنيع هذه القذائف ومنصات إطلاقها، وبالطبع فإن هناك ثلاث ركائز لمثل هذا العمل: أولها البشر أي العقول التي تبحث وتبتكر وتطوّر، وثانيها التمويل الذي يبني المنشآت والمعامل ويجلب ما يتاح من البرامج والأجهزة، وينفق على إنتاج العينات وتجريبها، أما الركيزة الثالثة فهي الزمن، أي أن هذه المشروعات لابد أن تستغرق زمنًا طويلاً يتناسب مع طبيعتها المعقدة والمتشابكة. وما نراه أن إيران وكوريا الشمالية تفعلان ذلك، رغم العقوبات والتهديدات، وهناك وجه آخر لهذه التكنولوجيات وغيرها كاستخدامات سلمية لإطلاق الأقمار الصناعية أو توليد الطاقة.

وهناك رؤية مهمة في الاعتماد الكلي على الدول الأجنبية لاستيراد السلاح، فتلك لها حساباتها وموازينها، بل إنها تتصرف من منطلق المصلحة والقوة، وليس الحكمة أو العدل. فهي تبيع ما تقادم من السلاح، أو تعطل قدرات بعينها في السلاح المبيع، أو حتى تتحكم في فعاليته عند الضرورة، أو تعطي السلاح الخطر للتجريب بعيدًا عن تأثيراته الضارة بمواطنيها. ولتخفيف احتمالات تغيير المواقف يصبح تنويع مصادر السلاح توجهًا منطقيًا. وكيف يمكن الثقة في قوة كبرى تعطي مثالاً صارخًا لعدم احترام الشرعية باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ومن المهم ملاحظة التكنولوجيات البازغة التي باتت تمثل جانبًا مهمًا في الحروب الحديثة، وهي تتعلق بالحرب اللامتماثلة، والهجمات الإلكترونية عبر الفضاء السيبراني، واستخدام الطائرات بدون طيار، والأقمار الصناعية.

 

[1][1]مستخرج من التقرير السنوي 2017 لمعهد ستوكهولم العالمي

[2]https://www.eremnews.com/news/arab-world/saudi-arabia/828973

مقالات لنفس الكاتب