; logged out
الرئيسية / الأمن الإقليمي وصراع النفوذ على الممرات: استراتيجية المواجهة

العدد 127

الأمن الإقليمي وصراع النفوذ على الممرات: استراتيجية المواجهة

الخميس، 15 شباط/فبراير 2018

تكتسب المضايق والممرات البحرية أهمية استراتيجية قصوى، حيث تؤثر في مجالات الأمن القومي الشامل وخاصة في أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية .. ونظرًا لتلك الأهمية، فقد سعت الدول العظمى والكبرى للسيطرة أو التواجد في تلك المضايق والممرات ضمن الصراع على مناطق النفوذ حول العالم .... وقد بدأ الصراع بالاحتلال الأجنبي خلال حقبة الاستعمار التقليدي، كما فعلت بريطانيا للسيطرة على كل من جبل طارق وقناة السويس وعدن وهرمز، لتأمين مصالحها في المنطقة العربية والهند، ثم لاحقًا من خلال التواجد العسكري ضمن تحالفات استراتيجية مستقرة، كما هو حادث في الخليج العربي حاليًا، أو ضمن تحالفات استراتيجية إقليمية مرنة ومؤقتة ومن خلال تسهيلات أو تواجد مؤقت، وذلك لتأمين أكبر مصادر الطاقة النفطية والغازية، وتدفقها، كما في الخليج العربي وعبر مضيق هرمز.

     لذلك، سوف تتناول دراستنا الموضوع من خلال ثلاثة أبعاد هي .             

الأول: ويغطي المعلومات عن أهم المضايق والممرات العربية بشكل خاص والعالمية بشكل عام، ثم موقف المخاطر والتهديدات الحالية والمنتظرة لتلك المضايق والممرات في النطاق العربي، وأخيرًا الاستراتيجية المقترحة لمواجهة تلك المخاطر والتهديدات كما سنعرض له.

محتويات الدراسة:

     الأمن القومي والمضايق البحرية في الوطن العربي – المضايق والممرات الاستراتيجية البحرية في الوطن العربي بشكل خاص – المخاطر والتهديدات للمضايق والممرات البحرية في الوطن العربي-- استراتيجية مجابهة التهديدات للمضايق والممرات البحرية في المنطقة.

أولاً: الأمن القومي والمضايق البحرية في الوطن العربي:

     تتعدد تعاريف ومفاهيم الأمن القومي في الأدبيات الاستراتيجية طبقًا لمصادرها المختلفة، سواء البريطانية، أو الأمريكية، أو العربية، وكلها تتمحور حول قواسم مشتركة، في قدرة الدولة أو الأمة على البقاء، وقدرتها على الدفاع عن مصالحها العليا الخارجية والداخلية، والتي قد تضحي بالدخول في الحرب، من أجل الحفاظ على تلك المصالح، بالإضافة إلى قدرة الدولة على النمو والتطور كما ذكر (روبدت مكنمارا) وقد ارتبط مفهوم الأمن القومي بالبعد العسكري كبداية ولكنه ما لبث أن اشتمل على الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ليتشكل مربع الأمن القومي الشامل، وإن احتفظ البعد العسكري بأهمية خاصة، نتيجة لطبيعته وارتباطًا بالمنشأ.

وارتباطًا بموضوعنا، نجد أن أمن المضايق والممرات الاستراتيجية العربية، يؤثر ويتأثر بالأمن القومي العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص، في كل من الأبعاد السياسية والاقتصادية، والعسكرية، كما سيأتي لا حقًا.

ثانيًا: المضايق والممرات الاستراتيجية البحرية:

1 -طبقًا لتعريف موسوعة المعلومات: هو ممر بحري يصل بين مسطحين مائيين، يفصل بينهما جزآن أو أكثر من اليابس.

2 -الحدود البحرية الدولية:

      تقسمها وتؤكد عليها الاتفاقية الدولية البحرية لعام (1982م) بدءًا بالمياه الإقليمية لعمق (12) ميل بحري، تقاس من الرصيف القاري للدولة، وتمارس عليها كامل سيادتها كجزء من اليابسة. ثم يليها عمقًا، المياه الاقتصادية حيث تمارس عليها الدولة نشاطها الأقتصادى من ثروة سمكية أو معدنية أو تنقيب على البترول والغاز أو مد الأنابيب الناقلة وأخيرًا المياه الدولية أو أعالي البحار وهي ملك لجميع الدول بما لا يضر خطوط الملاحة الدولية...وتبرز مشكلة تقسيم الحدود بين الدول المشكلة لشاطئي المضيق، حيث عادة ما يقل عن المياه الإقليمية لمجموع كليهما، مما يتم اللجوء معه إلى التقسيم طبقًا لخط المنتصف. كما يعتبر ممرًا دوليًا في هذه الحالة، مع الحفاظ على أمن وسلامة دولتي شاطئي المضيق ... وهو ينطبق على جميع المضايق في الوطن العربي (هرمز – باب المندب – جبل طارق – تيران – قناة السويس).

أما تقسيم الحدود في المياه الاقتصادية للدول المجاورة على شاطئ واحد، فيرجع لأحد أسلوبين، إما امتداد الحدود البرية داخل المسطح المائي المتجاور، أو إنشاء الخط العمودي على الشاطئ في نقطة التقاء الحدود البرية، مما قد ينتج عنه مثلث مائي يتم التوافق عليه، وفى حاله عدم الاتفاق، يتم اللجوء إلى التحكيم الدولي والذي يستهلك وقتًا كبيرًا مع إيقاف أي نشاط اقتصادي في المياه المتنازع عليها، مما يرجح كفة التوافق طالما لا توجد خلافات جوهرية.

 

 

ثالثًا: المضايق والممرات البحرية الاستراتيجية في الوطن العربي:

 

1 -هرمز (باب السلام)

أ -يربط بين الخليج العربي غربًا، والمحيط الهندي من خلال خليج عمان شرقًا، ويشاطئ كلاً من إيران شمالاً وسلطنة عمان جنوبًا، بعرض ((50) كم وعمق (60) م، ويسمح بمرور خطي ملاحة في وقت واحد وأهم الجزر بمنطقة المضيق من الجانب الإيراني هي (هرمز – قشم – لاراك) ومن الجانب الإماراتي (الجزر المحتلة بواسطة إيران (أبو موسى-طنب الكبرى والصغرى) وتبلغ سواحل دوله المتشاطئة كم كالآتي: إيران (625) – الإمارات (425)–السعودية (294) -  البحرين (68)– الكويت (115) – عمان (51) العراق (10)كم.

ب –الأهمية الاستراتيجية: يعبر من خلاله حوالي (40%) من إنتاج النفط العالمي، بمعدل سفينة كل (6) دقائق في وقت الذروة، كما أنه المنفذ البحري الوحيد لكل من العراق – الكويت – البحرين -قطر.

2 -باب المندب:

أ  -  يربط بين البحر الأحمر شمالا، والمحيط الهندي من خلال خليج عدن جنوبًا، ويشاطئ كل من اليمن شرقًا (رأس مهالي) وجيبوتي غربًا (رأس سيان) بعرض (30) كم، وينقسم إلى حوضين فرعيين، يفصل بينهما جزيرة (بريم) اليمنية، شرقًا وهو(باب السكندر) بعرض (3)كم وعمق محدود (30) م فقط، وغربا (دفة المايون) وهو الممر الرئيسي بعرض (25) كم وعمق (310) م، ويسمح بمرور خطي ملاحة، وأهم الجزر من الجانب اليمنى هي جزيرة ( بريم) الحاكمة  بطول (9) كم وعرض (5) كم ومن الجانب الإفريقي، يوجد أرخبيل من (7) جزر صغيرة ، تسمى (الأشقاء السبعة) وليس لها أهمية استراتيجية.. بالإضافة إلى بعض الجزر البعيدة نسبيًا، مثل سوقطرى اليمنية جنوبًا وبعض الجزر اليمنية والإريترية شمالاً، كما سيرد في حوض البحر الأحمر.

ب -الأهمية الاستراتيجية: يربط بين المحيط الهندي جنوبًا، والبحر المتوسط شمالاً من خلال قناة السويس، التي ذادت من الأهمية الاستراتيجية للمضيق منذ أفتتاحها عام (1869م)، ويخدم المضيق التجارة الدولية وخاصة النفط، حيث تعبر من خلاله (25 – 30) سفينة يوميًا.

3 -جبل طارق:

 أ -هو البوابة البحرية الغربية للوطن العربي، ويرجع اسمه إلى الفاتح طارق بن زياد الذي عبره إلى شبه جزيرة أيبيريا (الأندلس لاحقًا) عام (711) ميلادية. ويربط بين البحر المتوسط شرقًا، والمحيط الأطلنطي غربًا، ويشاطئ كل من الغرب جنوبًا، وإسبانيا ومحمية جبل طارق البريطانية شمالاً، بعرض (14) كم وعمق (300) م، ويسمح بمرور خطي ملاحة، ولا توجد جزر هامة داخله.

ب –الأهمية الاستراتيجية: شريان تجارى ونفطي هام، يربط بين دول حوض المتوسط ودول جنوب شرق آسيا عبر قناة السويس، من جهة، وبين غرب كل من أوروبا وإفريقيا والأمريكتين وخاصة الشمالية، من جهة أخرى.

4 -تيران:

أ -هو البوابة الجنوبية لخليج العقبة، عند اتصاله بالبحر الأحمر، ويحده شرقًا جزيرة تيران وغربًا شرم الشيخ، وبعرض (6) كم وعمق (300) ويقترب المجرى الصالح للملاحة من شرم الشيخ غربًا. ولا توجد جزر داخل المضيق، ولكن توجد جزيرة صنافير، على الامتداد الشرقي لجزيرة تيران في اتجاه السعودية.

ب –الأهمية الاستراتيجية: هو المنفذ البحري الوحيد للأردن من خلال خليج العقبة، كما أنه المنفذ البحري الإسرائيلي الوحيد إلى البحر الأحمر، ويبرهن على تلك الأهمية الاستراتيجية، أنه عند إغلاقه في وجه الملاحة الإسرائيلية من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، كان السبب الرئيس للعدوان الإسرائيلي عام (1967م) بغية إعادة فتحه، ضمن أهداف عدوانية أخرى ضد كل من سوريا والضفة الغربية واحتلال القدس.

5 –قناة السويس:

    أ – ممر دولي صناعي تم افتتاحه عام (1869م) منذ بدء العمل به عام (1859م) ويقع بالكامل داخل الأراضي المصرية، ويربط بين البحرين الأبيض المتوسط شمالاً، والأحمر جنوبًا، يحدها شرقًا شبه جزيرة سيناء كيابس آسيوي، وغربًا الوادي المصري كيابس إفريقي، بطول (165) كم تتوسطه بحيرات (التمساح والمرة) والأخيرة تسمح بالمناورة والانتظار على المجرى القديم. ويبلغ عرض المجرى عند السطح (345 – 280) م – وعند القاع (215 – 195) شمالاً وجنوبًا على الترتيب – وبعمق (25) م    تم ازدواج القناة لتكون في اتجاهين منفصلين من البحر المتوسط وحتى البحيرات المرة، وسيتم استكمال الازدواج بعد الانتهاء من حفر الأنفاق أسفلها، مع تعميق القاع لاستقبال الناقلات العملاقة.

ب – الأهمية الاستراتيجية: ربطت القناة الشمال الأوروبي وأمريكا الشمالية، بآسيا، مع اختصار أزمنة الرحلات التجارية وخاصة البترولية، بديلاً عن المرور عبر رأس الرجاء الصالح. كما حولت البحر الأحمر من بحر شبه مغلق إلى بحر شبه مفتوح، كما أفادت القوى العظمى في تسهيل المناورة لنقل قواتها بحرًا إلى مسارح الحرب ومناطق التمركز المختلفة من وإلى الشرق الأوسط والأقصى.

6 –حوض البحر الأحمر:

يعتبر بحيرة شبه عربية، عدا شواطئ محدودة لكل من إريتريا وإسرائيل، ويعتبر شريان ملاحيًا هامًا للتجارة الدولية، وخاصة النفط، بين مصادره جنوبًا وأسواقه شمالا عبر قناة السويس. وتتحكم فيه عدة مضايق هامة، مثل باب المندب جنوبًا، وقناة السويس شمالا وتوجد بحوضه عدة جزر هامة تتحكم وتسيطر على المجرى الملاحي كالأتي:

أ – الجزر التابعة لليمن وأهمها (حنيش وجبل الطير)، والتابعة لإريتريا (أرخبيل دهلك) المكون من عدة جزر أهمها دهلك وحالب التي تستأجرها إسرائيل تحسبًا لتأمين باب المندب وعدم إغلاقه في وجهة الملاحة الإسرائيلية كما قامت به مصر إبان حرب أكتوبر (1973م)، وأهم الجزر السعودية (فرسان) والسودانية (سواكن) والمصرية (جوبال وشدوان).

7 –الممرات النهرية وأهمها:

أ – نهر النيل في الجناح العربي الإفريقي، وهو أطول أنهار العالم، ويربط بين دول المنابع الدائمة للبحيرات الاستوائية من خلال النيل الأبيض، ومنبع الفيضان الموسمي الرئيس عبر إثيوبيا من خلال النيل الأزرق – ثم دوله الممر (السودان) ودوله المصب (مصر).

ب – دجلة والفرات:

وينبعان من هضبة الأناضول في تركيا (آسيا الصغرى) عبر سوريا، ثم دولة المصب (العراق) من خلال شط العرب المشاطئ لإيران.

 

ج –نهر الأردن:

      ويصل بين بحيرة طبرية والبحر الميت، وترجع أهميته، تاريخيًا، أن به مكان تعميد السيد المسيح عليه السلام في منطقة (المغطس) كما أنه يمثل خط الحدود السياسية بين كل من الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة وإسرائيل غربًا، والأردن شرقًا.

د -  مجموعة الأنهار الفرعية جنوب سوريا ولبنان :

     وهي التي تنبع من هضبة الجولان السورية والجنوب اللبناني، لتصب إما في بحيرة طبرية، أو البحر المتوسط، وهي المتداخلة بشكل أو بآخر مع الاحتلال الإسرائيلي لكل من هضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية.

8 -أهم المضايق البحرية العالمية الأخرى بشكل عام:

أ – قناة بنما: قناة صناعية ذات أهوسة، تقع داخل دولة بنما في أمريكا الوسطى، وتربط بين المحيط الأطلنطي شرقًا والمحيط الهادي غربًا، وأنشأت عام (1914م) لتختصر وقت المرور من شرق الولايات المتحدة إلى غربها إلى ثلث الزمن، بديلا لدوران جنوب أمريكا اللاتينية، وظلت تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية لمدة (85) عامًا، منذ إنشائها، ويعبرها حاليًا حوالي (17) ألف سفينة سنويًا.

ب – مضيقي البسفور (اسطنبول) والدردنيل:

ويقعان داخل تركيا ليفصلا بين آسيا الصغرى شرقًا، وأوروبا غربًا، ويربط الأول بين البحر الأسود شمالاً وبحر مرمرة جنوبًا، ويربط الثاني بين بحر مرمرة شمالاً والبحر المتوسط عبر بحر إيجه جنوبًا....

ج –مضايق الدنمارك:

     وتفصل بين بحر البلطيق شرقًا، والمحيط الأطلنطي غربًا.

د –مضيق ملقا:

     ويقع بين شبه جزيرة ماليزيا وسنغافورة شمالاً، وجزيرة سومطرة الإندونيسية جنوبًا، ويربط بين المحيطين الهادي والهندي، بطول (1080) كم، وذو أهمية كبيرة للشرق الأقصى وخاصة (الصين – اليابان – وجنوب شرق آسيا)

ه -مضيق بيرنج:

     ويفصل بين اليابس الآسيوي أقصى شرق روسيا، والولايات المتحدة أقصى غرب الاسكا ويكتسب أهميته الاستراتيجية بأنه يفصل بمسافة محدودة بين القوتين العظمتين شرقًا وغربًا.

رابعًا: المخاطر والتهديدات للمضايق البحرية الاستراتيجية في الوطن العربي:

1-أنواعها:

أ –نشوب الحروب، ووقوع تلك المضايق ضمن المناطق المعلن عنها أنها مناطق حرب مثل:

     (1) قناة السويس ومضيق تيران كما حدث في الحروب بين مصر وإسرائيل.

     (2) قفل مصر لباب المندب بالتعاون مع اليمن في وجه الملاحة من وإلى إسرائيل خلال حرب عام (1973م).

     (3) التهديد الحالي لباب المندب من قبل الحوثيين في اليمن.

     (4) تهديد معظم دول الخليج العربي إبان الغزو العراقي للكويت

ب – الاحتلال الاستعماري لأجزاء من اليابس في حوض أو شواطئ المضيق، مثل: استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث وتحويلها إلى تقسيم إداري إيراني عاصمته أبو موسى – وكذلك استمرار الاحتلال الإسباني -بعد الانسحاب واستقلال المغرب – لمنطقتي (سبتة ومليلة) على الساحل الشمالي المغربي والقريب من مضيق جبل طارق.

ج – إغلاق المضيق، بإغراق (سفينة أو سفن) داخله بواسطة أعمال عسكرية، كما تم في قناة السويس خلال حرب عام (1967م).

د – الإغلاق بواسطة الأعمال الإرهابية، كما تم بواسطة المليشيات الحوثية ضد بعض القطع البحرية الإماراتية عبر باب المندب، ومحاولة ذلك بواسطة بعض الإرهابين في سيناء ضد مجرى قناة السويس، إما بإغراق سفينة وإغلاق المجرى الملاحي ولو مؤقتًا، أو إظهار أن الدولة غير قادرة على تأمين المجرى الملاحي، لتحويل واجهات السفن بعيدًا عن القناة، مما يسبب خسائر اقتصادية كبيرة لمصر ويرفع تكلفة التأمين البحري على السفن العابرة.

ه –أعمال القرصنة البحرية: ضد الطرق الملاحية وخاصة في منطقة القرن الإفريقي، سواء للسفن العابرة من وإلى باب المندب، أو من وإلى شرق إفريقيا ورأس الرجاء الصالح، أو العكس باتجاه الخليج العربي.

و – المخاطرة والتهديدات على الممرات النهرية:

وتتمثل في السدود التي تقيمها دول المنبع، بما يضر بدول المرور والمصب، كما حدث من إقامة تركيا لسد أتاتورك على نهر الفرات، والأضرار التي حدثت لدولة المرور (سوريا) أو المصب (العراق). وتتكرر نفس المخاطر والتهديدات المائية حاليًا، بإقامة إثيوبيا لسد النهضة على النيل ألأزرق، الرافد الرئيسي لمياه الفيضان إلى كل من دولة المرور (السودان) أو دولة المصب (مصر) أو الإنشاء بعيدًا عن بيوت الخبرة العالمية مما يهدد بانهيار السد والإضرار الجسيم بكل من السودان ومصر.

ز -مخاطر تهديدات حقول ا لطاقة المشتركة داخل المضايق البحرية:

      مثل ما هو حادث في مضيق هرمز والخليج العربي، بين إيران من جهة، وبين معظم دول الحوض العربية من جهة أخرى، سواء لحقول البترول أو حقول الغاز، سواء للتقسيم غير العادل أو السحب الجائر.

ح -وجود قواعد عسكرية أجنبية بالقرب من المضايق خارج إطار التحالفات مثل:

(1) التواجد العسكري الإسرائيلي في أرخبيل دهلك الإريتري وعلى مقربة من باب المندب.

(2) القواعد العسكرية التركية في الإقليم العربي، والمتواجدة باتفاقات ثنائية خارج إطار التحالف والأمن الجماعي، كما هو في الخليج العربي مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا .. حيث أقامت تركيا قواعد عسكرية في كل من (قطر – الصومال – ومحتمل في جزيرة سواكن السودانية بالبحر الأحمر) مما يشكل حزامًا عسكريًا تركي من شرق الوطن العربي في (قطر) إلى (الصومال) مارًا بمنتصفه في السودان !!!

خامسًا: الاستراتيجية العربية لمواجهة تلك المخاطر والتهديدات:

     وتتراوح بين استخدام القوى العسكرية (القوة الصلبة) وبين القوى السياسية وبين القوى الناعمة، أو مزيج من هذا وذاك، بالإضافة إلى استراتيجيات التحالفات الدولية والإقليمية، سواء كانت استراتيجيات مستقرة دائمة، أو مرنة مؤقتة... وسوف نتناول تلك الاستراتيجيات لكل منطقه مضيق على حدة، حيث تتنوع من مضيق إلى آخر، طبقًا لطبيعته، أو لتنوع الدوائر الجغرافية والسياسية والعسكرية المحيطة به ..  ولا شك أن مضيق هرمز والخليج العربي يستحوذان على النصيب الأكبر من تلك التهديدات.

1-مضيق هرمز والخليج العربي:

إ – يواجه مضيق هرمز والخليج العربي، تهديدًا مستمرًا منذ الثورة الإيرانية عام (1979م) سواء تهديدات للسيادة بالاستيلاء على الجزر الإماراتية، أو التلويح الدائم بالقوة العسكرية أو التدخل في الشؤون الداخلية لدول الحوض العربية كلها بدرجات متفاوتة، لعل أكبرها في البحرين والعراق. مع التهديد الدائم بإغلاق مضيق هرمز بإغراق عدة سفن فيه، وإمكانية تكرار ذلك لإطالة أزمنة تطهيره ومن ثم إعادة فتحه، بالإضافة إلى تهديدات السحب الجائر من حقول الغاز أو النفط المشتركة مع دول عربية مثل (العراق – وقطر في حقل (الشمال) الذى تسميه إيران (جنوب فارس) – ومع السعودية والكويت في الحقل المشترك (الدرة) الذى تسميه إيران (أراش) لإصباغ الصفة الإيرانية الفارسية على تلك المسميات .. كما تدعي إيران أن الخليج (الفارسي، كما تسميه) يتشاطأ جانبه الغربي والشمالي مع دول مجلس التعاون الخليجي والعراق، بينما تسيطر إيران وحدها على كل الشاطئ الشرقي، وبالتالي يجب أن تكون لها اليد العليا في المنطقة.

ب –عسكريًا:

يجب استمرار تطور القوة العسكرية العربية في الخليج لمجابهة التهديدات الإيرانية، مع التركيز على نقاط القوة العربية بامتلاك قوة جوية متطورة وحاشدة (كما هو حاصل حاليًا) حيث الضعف الشديد للقوة الجوية الإيرانية، مع تحييد القوة الصاروخية الإيرانية المتفوقة، باستمرار امتلاك وتطوير قدرات الاعتراض الصاروخي والجوي، مع سرعة الانتهاء من نظام القبة الصاروخية الخليجية بالتنسيق مع الولايات المتحدة. واستمرار الضغط الإقليمي والدولي لعدم تمكين إيران من امتلاك السلاح النووي، مع البدء العربي في الامتلاك السلمي، ليكون جاهزًا للتحول العسكري رغم صعوبة ذلك -في حالة الامتلاك الفعلي لإيران.

ج – سياسيًا:

استمرار الضغط على إيران للانسحاب من الجزر الإماراتية المحتلة أو إجبارها على الذهاب إلى التحكيم الدولي-الذي يشترط موافقة الأطراف المتنازعة – وهو ما ترفضه إيران، لتأكدها من عدالة قضية الجانب العربي.

د – اقتصاديًا:

تخطط إيران في حالة إعلان هرمز، أن تستخدم موانيها على المحيط الهندي كبديل لذلك، مع استخدام حقول الشمال لخطوط الأنابيب عبر سوريا، بعد توطيد العلاقة الاستراتيجية بينهما، منذ الدعم العسكري البري الإيراني لسوريا منذ بداية عام (2013م) وحتى الآن، وقبل التدخل الروسي منذ خريف (2015م). أو عبر تركيا إلى أوروبا.

لذلك: يجب أن يخطط الجانب العربي لبدائل التصدير للنفط في حالة إغلاق مضيق هرمز كالآتي:

(1) استكمال خطة الأنابيب العملاقة بين كل من (جنوب العراق – الكويت – السعودية – البحرين – قطر (حالة اندماجها في الأسرة الخليجية) – عبر سلطنة عمان إلى موانئ بحر العرب، فالمحيط الهندي، مع تطوير العراق لخطوط أنابيب الشمال العراقية عبر أي من سوريا أو تركيا.

(2) في حالة إغلاق مضيق هرمز وباب المندب في آن واحد، بواسطة إيران والحوثيين، فيجب التفكير في إنشاء خطوط أنابيب عملاقة (تبادلية) تنقل من الدول العربية الخليجية السابق ذكرها، إلى موانئ خاصة على البحر الأحمر.

ه -التحالفات في المنطقة:

يجب استمرار وتطوير التحالف الخليجي-- الغربي بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة بما فيه الأسطول الخامس، لمجابهة التهديدات الإيرانية، لحين استكمال القوة الذاتية الخليجية، مع بناء ظهير عربي قوي من الدول العربية الرئيسية غير الخليجية. والعمل على مجابهة التحالف (المرن) المتوقع بين كل من روسيا وإيران ...

2 –مضيق باب المندب:

إ – لم يكن هناك تهديد يذكر قبل الانقلاب الحوثي في اليمن، والدعم الإيراني اللا محدود له، وخاصة الدعم العسكري... الذي بات يهدد المضيق ذاته ودول حوض البحر الأحمر، وخاصة المشاركة في عاصفة الحزم، كالسعودية ومصر والسودان، وحتى إرتيريا، مع التهديد والاعتداء على سفن إماراتية عابرة لاشتراك الأخيرة في عاصفة الحزم، رغم أنها ليست من دول حوض البحر الأحمر.

ب -لذلك يجب استمرار وتقوية التحالف في عاصفة الحزم لحماية المضيق ومنع تواجد قوات حوثية في جزيرة (بريم) أو على الساحل اليمني قرب المضيق وشمالاً إلى الحديدة وحتى الحدود السعودية.

ج -استمرار التنسيق بين قوات عاصفة الحزم ودول حوض البحر الأحمر من جهة ... والتحالف الدولي البحري في القرن الإفريقي وخليج عدن، من جهة أخرى.

3-قناة السويس:

     رغم وقوعها بالكامل داخل الأراضي المصرية، إلا أن اعتبارها ممر دولي، يلقي على كل من مصر والمجتمع الدولي مسؤولية تأمينها ضد أي أعمال إرهابية محتملة، من بعض عناصر الإرهاب المتواجدة في شمال شرق سيناء، والمتاخمة لقطاع غزة عبر الأنفاق غير المشروعة ...

4 –جبل طارق:

سياسيًا، يحتاج جهود مغربية مدعومة عربيًا لإجلاء إسبانيا عن منطقتي (سبتة ومليلة) المغربيتين. كما يحتاج دعم دولي وتعاون مع دول جنوب أوروبا وخاصة إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، لمقاومة الهجرات الإفريقية غير المشروعة، التي تستخدم المغرب كمعبر إلى أوروبا بالقرب أو من خلال مضيق جبل طارق.

5-تيران-شرم الشيخ:

     يمكن في حالة نشوب حرب عربية إسرائيلية مستقبلاً، أن يتم إغلاقه بسهوله، بالتنسيق بين كل من مصر والسعودية، كما تم ذلك سابقًا بعد قيام دولة إسرائيل، وحرب عام (1967م).

6-حوض البحر الأحمر:

    أهمية التنسيق العربي لدول الحوض، واحتواء إريتريا، ويمكن قبولها كعضو مراقب في جامعة الدول العربية، تمهيدًا لضمها للجامعة، كما تم مع الصومال سابقًا. مع العمل على إخلاء التواجد العسكري الإسرائيلي من أرخبيل دهلك، ومنع التواجد التركي في جزيرة سواكن السودانية من التحول إلى قاعدة عسكرية تركية، على غرار ما فعلته في كل من قطر والصومال، لإنشاء حزام تركي عسكري!!!

7 – الممرات النهرية:

     التكاتف العربي لدعم كل من مصر والسودان في مواجهة إثيوبيا في إنشائها لسد ( النهضة ) على النيل الأزرق، المورد الرئيسي لمياه الفيضان لدولتي الممر والمصب وخاصة في فترات التخزين، وإخضاع إثيوبيا لقبول إشراك بيوت الخبرة العالمية المعنية بإنشاء مثل تلك السدود، لمراعاة عوامل الأمان الدولية خوفًا من انهيار السد وما يترب عليه من خسائر كبيرة لكل من السودان ومصر، والسد العالي جنوب مصر، وكذلك قبول اشتراك البنك الدولي، مع العمل على إبعاد التواجد الأجنبي من إثيوبيا وخاصة الإسرائيلي، الذى يهدف إلى الإضرار بمصر كأكبر دول المواجهة مع إسرائيل رغم اتفاق السلام... وأيضًا نهر الفرات لتفادي الضرر التركي لكل من سوريا والعراق.. وأيضًا أنهار جنوب سوريا ولبنان، حيث الاحتلال الإسرائيلي لكل من، الجولان ومزارع شبعا.

خاتمة:

1-  تشكل قضية المخاطر والتهديدات للمضايق الاستراتيجية البحرية في الوطن العربي وكذلك أمن الممرات الملاحية، أحد أهم قضايا الأمن القومي العربي الشامل–بشكل عام والخليجي بشكل خاص -  في أبعاده الاقتصادية والعسكرية والسياسية ... حيث ذادت الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي مع حقبة النفط، وإيصاله من منابعه في الشرق وخاصة الخليج العربي، إلى أسواقه في الغرب الأوروبي والأمريكي وأيضًا الآسيوي، عبر العديد من الممرات الاستراتيجية الطبيعية في الوطن العربي، وقد أضافت قناة السويس – كممر صناعي – أهمية كبرى للربط بين المنابع وأسواق الشمال مع اختصار أزمنة الرحلات بشكل كبير،  بدلا عن رأس الرجاء الصالح..

2-ولكن باتت تلك الممرات مهددة اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا، مما يضر بالأمن القومي العربي العام والخاص ... وتراوحت تلك التهديدات لإغلاق تلك الممرات، سواء عسكريًا، أو بإغراق السفن عمدًا أو بأعمال إرهابية أو بالهجرات غير المشروعة مما يعيق انسيابية الملاحة عبر المضايق، بالإضافة إلى التهديد الإيراني للحقول المشتركة مع معظم دول الخليج. كما لم تسلم الأنهار الرئيسية في الوطن العربي من التهديد، ببناء السدود الجائرة من دول المنبع غير العربية مما يؤثر بالسلب على دول المرور والمصب العربية، كما في سد أتاتورك في تركيا، وسد النهضة الجاري إنشاؤه في إثيوبيا، بالإضافة إلى الأنهار الفرعية في الأراضي التي تحتلها إسرائيل في كل من الجولان وجنوب لبنان، وأيضًا التهديدات الإيرانية لشط العرب.

3 – استوجب الحفاظ على الأمن القومي العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص، اقتراح استراتيجية اقتصادية وعسكرية وسياسية، للحفاظ على أن تلك الشرايين البحرية الهامة، واقتراح بدائل نقل وتصدير النفط والغاز الطبيعي في حالة إغلاق مضيق أو أكثر فى وقت واحد -  كأسوأ الفروض – مع أهمية التحالفات الدولية وخاصة في الخليج العربي كما تم لمجابهة التهديد العراقي السابق، والإيراني الحالي والمستقبلي، وذلك حتى استكمال بناء القوة العسكرة الذاتية الخليجية، المدعومة بظهير عربي قوي من الدول غير الخليجية، بعد القضاء على الإرهاب في الإقليم العربي، والتعافي من الآثار السلبية لما أطلق عليه الربيع العربي.

مقالات لنفس الكاتب