; logged out
الرئيسية / الممرات المائية .. يناير بين التنمية والعسكرة

العدد 127

الممرات المائية .. يناير بين التنمية والعسكرة

الخميس، 15 شباط/فبراير 2018

عند الحديث عن أمن الممرات المائية في المنطقة، وخصوصًا البحر الأحمر، والخليج العربي، ومضيقي باب المندب وهرمز، تقفز إلى السطح التحديات والمخاطر التي تواجه هذه الشرايين المائية والملاحية الهامة، وتتمثل في الصراعات الإقليمية، والتواجد المسلح سواء الدولي والإقليمي، أوقرصنة العصابات والميليشيات المسلحة، أو الدول ذات الأجندات التوسعية، إضافة إلى حالة العسكرة غير المسبوقة في تاريخ المنطقة في القواعد العسكرية وما قد يترتب على ذلك من توتر وصراع دولي وإقليمي.

في ظل هذه الأجواء يتراجع الحديث عن فرص التنمية، وإقامة المشروعات المشتركة بين الدول المتشاطئة، أو تقاسم ثروات المياه الدولية، وتفعيل علاقة الجوار وتحويل هذه المسطحات المائية إلى ساحات للتقارب والتنمية بدلًا من التنافس والاستقواء، بينما تطفو لغة التوازن الاستراتيجي والردع العسكري لتحقيق الأمن والاستقرار وما يتبع ذلك من الإنفاق على التسليح.

ولقد ارتفعت وتيرة العسكرة في الممرات المائية بالمنطقة منذ الانسحاب البريطاني من منطقة "شرق السويس" وقيام شاه إيران عام 1971م، باحتلال الجزر العربية الثلاث من أجل فرض السيطرة الإيرانية على خطوط الملاحة البحرية في منطقة الخليج العربي. ثم تطور الصراع على السيطرة على هذه المنافد البحرية خلال الحرب العراقية – الإيرانية 1980 – 1988م، وقامت إيران بمحاولات عديدة لإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية. ومنذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي إثر انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء حرب الخليج الأولى وغزو قوات صدام حسين للكويت، ثم أحداث 11 سبتمبر 2001م، وما تلا ذلك من سقوط طالبان والنظام العراقي السابق، حيث ظهرت ملامح جديدة للجغرافيا السياسية على المسطحات المائية خاصة في الخليج العربي والبحر الأحمر وطفت معطيات جديدة واكبها ظهور قوى منافسة أو طامحة وطامعة، كرد فعل  لتفرد الولايات المتحدة، ورغبة في اقتسام كعكة النفوذ والمصالح وتحقيق المكاسب في المناطق الغنية بالنفط، أو الثرية بالفرص المواتية، إضافة إلى الحسابات الاستراتيجية.

في منطقة الخليج العربي تستعرض إيران قوتها في وجه القوى الكبرى للمساومة على العقوبات الدولية، والإفلات ببرنامجها النووي العسكري مستغلة تأمين جبهتها العراقية منذ أن سقط نظام صدام حسين حيث أصبحت طهران صاحبة اليد الطولى في العراق، ثم امتد نفوذها إلى سوريا، بل وتسعى لأن يكون لها تواجد في مضيق باب المندب والبحر الأحمر عبر ميليشيات الحوثي في اليمن، الأمر الذي جعل طهران تتباهى بأنها اقتربت لأول مرة من البحر الأبيض المتوسط، وأنها صاحبة النفوذ في أربع عواصم عربية، وأن حدود نفوذها يمتد من مياه الخليج العربي إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، وأنها تسيطر على أهم مضيقين دوليين في المنطقة (هرمز وباب المندب). وتريد استخدام هذا التواجد أو النفوذ كورقة ضغط على القوى الكبرى وعلى دول مجلس التعاون الخليجي لتمرير مخططها الفارسي الذي تسعى إلى فرضه وتحلم به منذ قرون بعد أن ألبسته عباءة الطائفية الدينية، مستغلة حالة الفراغ الإقليمي بعد أحداث ما يُسمى بثورات الربيع العربي.

 أما البحر الأحمر، فقد تحول إلى ساحة للمنافسة، بل حلبة للصراع الدولي والإقليمي، حيث تتواجد الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، والدول الأوروبية بحكم علاقاتها القديمة بالدول الإفريقية، وزادت عليها دول أخرى دخلت مضمار المنافسة حديثًا ومنها الصين وإيران وإسرائيل وتركيا وغيرها، وتسابقت هذه الدول على إنشاء قواعد عسكرية واستئجار أراضي هذه القواعد بمبالغ مالية من الدول الإفريقية المتشاطئة للبحر الأحمر، خاصة في دول القرن الإفريقي الصغيرة ، وهذا ما يمثل خطرًا على الأمن العربي الجماعي في المقام الأول ثم على الملاحة الدولية، كون هذا البحر في الأصل هو بحر عربي وكان أسمه في حقب زمنية سابقة "بحر العرب"، حيث أن الدول المطلة عليه من الجانبين دول عربية باستثناء إطلالة صغيرة لدولتي إريتريا (ألف كيلو متر) وإسرائيل (11كيلو متر تقريبًا)

 ومن المتوقع أن التنافس على إنشاء القواعد العسكرية في البحر الأحمر وعلى شاطئه الغربي، أو بالقرب منه لن يتوقف مع إن ذلك يبدو مستغربا من الوهلة الأولى خاصة تواجد لدول غير مطلة على هذا البحر، بل بعيدة جغرافيا عن حوض البحر الذي ، ولولا قناة السويس لكان بحرًا مغلقًا، لكن هذا هو صراع النفوذ والمصالح الذي يأتي على حساب المصالح العربية.

ونعتقد أن الحلول العملية لحماية البحر الأحمر من الصراع أو محاولات الهيمنة الحوثية / الإيرانية، والتواجد العسكري الإسرائيلي، أو من النفوذ الدولي والعسكرة الأجنبية، تتمثل في تعاون الدول المطلة على البحر تعاونًا مؤسساتيًا فعالًا، خاصة أن سبعة من الدول التسع المطلة على البحر الأحمر هي دول عربية ولها سواحل طويلة، على أن يكون ذلك من خلال تأسيس مظلة إقليمية لمأسسة هذا التعاون حتى يأخذ صفة الديمومة والعمل الجماعي، على أن ينبثق منها مؤسسات فرعية للتعاون الأمني، الاقتصادي، واستثمار الفرص المشتركة في المياه الدولية وهي كثيرة ومنها التنقيب عن النفط والغاز، وصيد الأسماك وغير ذلك، وكذلك مكافحة الإرهاب والقرصنة والتهريب والتسلل وتجارة الممنوعات أي تأمين المجرى الملاحي والسواحل، للحفاظ على استقرار المنطقة، وكذلك الحفاظ على البيئة البحرية من التدهور جراء التلوث البيئي، والصيد الجائر، والتجارب العسكرية، وإلقاء المخلفات. والمهم أيضًا تحرير خطوط الملاحة البحرية الدولية من الهيمنة وبسط النفوذ والمنافسة الدولية، ومنع الدول الإقليمية من استغلال هذه الممرات المائية في الاستعراض والتهديد والالتفاف على الدول الفقيرة بتأجير اليابسة وإقامة القواعد العسكرية عليها كما هو موجود في جيبوتي والصومال، بغية صيانة سيادة واستقلال هذه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وألا يكون فقرها وسيلة للسيطرة على أراضيها وبما يهدد دول حوض البحر الأحمر الأخرى.

كما يجب أن يكون هناك دورًا فعالًا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي في تخفيف الاحتشاد والعسكرة غير المبررة في البحر الأحمر أو التوتر الذي يشهده الخليج العربي بسبب  محاولات التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز الذي يخضع للقانون الدولي ولا يخضع لأهواء طهران أو استعراض قوتها، وحتى تكون هذه الممرات وسيلة للتقارب بين الدول والشعوب لا أدوات للتوتر والعسكرة ومن ثم تهديد استقرار الدول وأمن الشعوب، حيث لا وجود حاليًا للمنظمات الدولية والإقليمية في مواجهة هذا الصراع، وما لم يتم التعامل الدولي مع هذه العسكرية قد ينفجر الموقف في المستقبل ويتحول إلى مواجهات مسلحة خاصة في ظل تزايد القادمين الجدد إلى مياه البحر الأحمر تحت عباءة الاستثمار وتقديم المساعدات والخدمات.  

مقالات لنفس الكاتب