; logged out
الرئيسية / التعاون الإقليمي: الشراكات والمأسسة

العدد 128

التعاون الإقليمي: الشراكات والمأسسة

الأحد، 11 آذار/مارس 2018

العلاقات الدولية والإقليمية المعاصرة جزء من تركيبة المجتمع الدولي الحديث الذي تشكل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث انقسم العالم إلى معسكرين أساسيين آنذاك هما المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، وبينهما ظهر تكتل ثالث أسمه مجموعة دول عدم الانحياز أو الدول غير المنحازة بزعامة مصر والهند ويوغسلافيا، ولكن هذا التجمع لم يصمد كثيرًا بعد رحيل مؤسسيه (عبد الناصر ونهرو وتيتو) ودخلت الكثير من دوله في حالات الاستقطاب، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة.

وواكب ظهور الكتلتين الكبيرتين أيضًا وجود عدة تكتلات اقتصادية سواءً رأسمالية كما هو طبيعة الكتلة الغربية، أو اشتراكية بما يتفق مع اقتصادات دول حلف وارسو، ذلك الحلف الذي انهار إثر سقوط وتحلل الاتحاد السوفيتي، حيث اختفت معه تجربة الاقتصاد الموجه والنمط اليساري الذي انطلق منذ قيام الاتحاد السوفيتي إثر نشوب الثورة البلشفية عام 1917م.

وفي السنوات الأخيرة ظهرت تكتلات اقتصادية كبرى في مختلف قارات العالم ولاسيما بين الدول المتجاورة جغرافيًا، أو المتوافقة اقتصاديًا وسياسيًا، ولجأت هذه الدول إلى تعديل تشريعاتها لكي تنسجم مع طبيعة التعامل في الإطار الجماعي "التكتلات"، وشمل ذلك تنازل الدول الأعضاء عن جزء من السيادة الوطنية لحساب السيادة الجماعية، أو بمعنى أدق لحساب المصالح الجماعية، والمعروف أن اتفاقية التجارة العالمية تجاوزت الحدود ودخلت أسواق الدول وأملت شروطها دون استئذان، واستعدت الدول النامية لذلك أيضًا وتجاوبت معها حتى لا تكون خارج سرب التبادل التجاري الدولي، فاتفاقية منظمة التجارة العالمية تهدف في أبسط صورها إلى تحرير التجارة من خلال إزالة كافة القيود الجمركية وغير الجمركية على السلع والخدمات دون الخضوع للقيود والضرائب.

والدول العربية جزء من المجتمع الدولي ولا تستطيع أن تتعامل في قطاع التجارة الدولية بمعزل عن العالم الخارجي حيث بلغت قيمة التجارة العربية الدولية عام 2016م، ما قيمته 4592 مليار دولار، مقارنة بمبلغ 1707 مليار دولار عام 2015م،وجاء انخفاض قيمة الصادرات السلعية العربية إلى 796.6 مليار دولار عام 2016م، مقارنة بمبلغ 856.6 مليار دولار عام 2015م، ما يعني أن حجم الصادرات العربية تناقص بما نسبته 7% خلال عام بسبب انخفاض أسعار النفط، وهذا المؤشر يقود إلى ضرورة تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية خاصة لدى الدول النفطية وهذا ما تعمل على تحقيقه هذه الدول حاليًا من خلال الرؤى والخطط الاقتصادية بعيدة المدى. إضافة إلى ضرورة احترام طقوس المنافسة التي احتدمت وفرضت نفسها على معايير الجودة والإتقان، وكذلك اقتحام السلع للأسواق.

وهنا يجب على الدول العربية وخاصة الخليجية منها أن تتوجه إلى بدائل اقتصادية وإنتاجية آمنة مع تطبيق معايير الجودة في الإنتاج بغية قبولها في عضوية التكتلات الاقتصادية الكبرى، أو تفعيل السوق العربية المشتركة، ولذلك على الدول العربية مجتمعة اتخاذ عدة إجراءات لتحقيق شروط المنافسة، وحتى تكون هذه الدول منتجة لا مستهلكة فقط، وهذا يتطلب توطين اقتصادات المعرفة والصناعات الاستراتيجية بأنواعها المدنية والعسكرية، مع الاهتمام بقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل 60% من الناتج المحلي الإجمالي لكثير من الدول النامية والكبيرة أيضًا، والاستعداد بالتعليم والبحث العلمي والتدريب والتأهيل على ضوء الأهداف المتوقعة ومتطلبات سوق العمل ومراعاة الكيف وليس الكم بين الخريجين، وأن يتم تخصيص نسبة من أرباح المصانع والشركات الكبيرة للأبحاث والتطوير الإنتاجي وتحقيق المنافسة.

وهنا الجدير بالذكر، أنه من المفيد الشراكة مع الدول ذات التجارب الناجحة في ميدان الصناعة من خلال الشراكات سواءً كانت عربية ـ عربية (بينية)، أو مع الدول المتقدمة في هذا المجال وخصوصًا الدول التي قطعت شوطًا على مضمار التقدم الصناعي والمشابهة في الظروف للدول العربية، مثل الهند، الصين، وكوريا الجنوبية، إضافة إلى اليابان ودول الاتحاد الأوروبي، لاكتساب الخبرات والاطلاع على التجارب والنتائج التي تحققت.

وهذه التجربة تتطلب تكامل عربي حقيقي وجهد مشترك قائم على المأسسة من جهة، وعلى التكامل وفقًا للمزايا النسبية لكل دولة من أجل تحقيق تكامل إنتاجي لا تنافسي من جهة أخرى، وهذا يتطلب إعادة صياغة القوانين والتشريعات الحاكمة للاستثمار، وتوفير بيئة تشريعية حديثة مرنة توفر الحركة لرؤوس الأموال تحويلها، وكذلك الاستفادة من الخبرات، و مقومات الإنتاج ومستلزماته، وعلى أن يتم ذلك تحت إطار اتفاقيات ثنائية بين الدول العربية، أو من خلال اتفاقية جماعية تحت مظلة جامعة الدول العربية شريطة تفعيلها في إطار مؤسسي يضمن الديمومة والاستمرارية، وهنا تأتي الإشارة إلى ضرورة التنازل عن أجزاء من السيادة الوطنية لكل دولة لصالح العمل الجماعي، وتقديم الحوافز لجذب الاستثمارات ويتمثل ذلك في توفير مرونة التعامل الالكتروني مع المستثمرين، وتوحيد الجهات التي يتعاملون معها، وتقديم التسهيلات والحوافز المالية، وتيسير حركة العمالة، وإجراءات التصدير والاستيراد، والإعفاءات الجمركية، ومنع الازدواج الضريبي وغير ذلك.

مع ضرورة الاستفادة من المزايا النسبية لكل دولة ومقومات اقتصادها بما يوفر تكاليف عمليات النقل وأجور الشحن وسهولة التسويق، وفي حال تحقيق هذه الشروط والتعامل بجدية مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، والاستفادة من الأسواق العربية الكبيرة سوف يتحقق ما تريده الدول العربية خاصة إذا علمنا أن حجم التجارة العربية البينية لم يتجاوز 102 مليار دولار عام 2016م، في حين بلغت الصادرات العربية للعام نفسه ما قيمته 796.4 مليار دولار، وبلغت قيمة الواردات 795.8 مليار دولار.

إن الدول العربية مجتمعة تتمتع بإمكانيات ضخمة ومتنوعة ولديها عقول قادرة على الإبداع، وفي حال تضافرت جهودها وقررت التكامل الاقتصادي سوف يكون الطريق ممهدًا أمامها لتحقيق نتائج عالية وفي مدى زمني معقول، وعليه تحقيق تكامل عضوي بين الدول العربية وتحقيق الرفاهية للشعوب.

مقالات لنفس الكاتب