array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 128

العلاقات الخليجية ـ التركية: المصالح والأزمات

الإثنين، 12 آذار/مارس 2018

تقوم العلاقات الدولية على المصالح دائمًا، فالمصالح تقارب بين الدول وتحسن العلاقات بينها في العلاقات الثنائية أولاً، وبين الدول الإقليمية ثانيًا، والعالمية ثالثًا، وأما الأزمات الدولية فهي ترسم علاقات مضطربة بين الدول، بين صعود وهبوط، فلا تستقر على التقارب ولا التباعد بينها، وقد تدخل التحالفات الدولية لرعاية الأزمات الدولية أو إنهائها، فالأزمات قد تكون عامل صعود في تحسين العلاقات بين الدول، وقد تكون عامل تضارب ونزاعات بينها، ولذلك فهي متقلبة في معادلة التوازن الدولي، وما يميز العلاقات التركية ـ الخليجية أنها تقوم على المصالح دائمًا، وعصية على التأثر بالأزمات سلبيًا لدرجة كبيرة، وإن لم يكن من الممكن منعه كليًا، لأن الأزمات التي قد تؤثر على العلاقات التركية ـ الخليجية هي في الغالب أزمات ثانوية ومؤقتة مقارنة بدرجة المصالح والعلاقات الأساسية طويلة الأمد بينهما، ويمكن وصفها بأنها أزمات داخل البيت الواحد وداخل الأسرة الواحدة، وبذلك يصبح كل أبناء الأسرة الواحدة معنيون بتقليل آثار الأزمات السلبية، وتجاوزها ومنع تأثيراتها السلبية لأكثر من سبب، وكذلك تكبير رؤية المصالح المشتركة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي منفردة أو مجتمعة، رغبة في تثبيتها واستمرار نجاحها لصالح الشعوب قبل الحكومات والشركات.

إن المصالح المشتركة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي قائمة على أسس قديمة، وأول هذه الأسس الانتماء الحضاري الواحد، في الانتماء الديني الواحد، والتاريخ المشترك لأربعة عشر قرنًا من تاريخ الإسلام، تقاسم وتبادل العرب والأتراك المسؤولية عن الأمة الإسلامية في القسم الأكبر منه، كأبناء أسرة واحدة متعاونون، وهذا مثل جزءًا مشتركًا وتواصليًا من تاريخ الأمة المسلمة، وفي نفس الوقت يمثل قوة ضاغطة على كل الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والحكام والسياسيين، في الحاضر والمستقبل لإعادة مسار الأمة لقوتها وعزتها، فلا يملك زعيم في تركيا أو في دولة إسلامية في هذه المرحلة أن يقود شعبه ضد الدول الإسلامية أو العربية الأخرى، وبشكل خاص ضد دول مجلس التعاون الخليجي، أو ضد بلاد الحرمين الشريفين على وجه الخصوص، فهذه خطوط حمراء بالنسبة للشعوب المسلمة، ولذلك سقطت الفتن السابقة بينهم، فسقطت العنصرية التي فرقت بينهم في بدايات القرن العشرين الماضي، في مرحلة الاستعمار وما تلاه، لأن الوعي الشعبي نبذ العنصرية القومية بين القوميات الإسلامية، وكذلك ستسقط الفتن الطائفية المعاصرة وستنقلب على أصحابها، فلا تستطيع دعوة مغرضة أن تفرق دول الخليج نفسها أولاً، ولا بين تركيا والدول العربية والخليجية، وقبل سنة تقريبًا وضع قطار التعاون التركي ــ الخليجي على سكته الصحيحة بتوقيع مئات الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية في العلاقات الاستراتيجية والتعاون الكبير بينهما، والأمل معقود في الأيام القادمة أن يتم التغلب على أزمات المنطقة التي قد تتباين فيها وجهات النظر بين تركيا ودول الخليج، كما قد تتباين وجهات النظر فيها بين دول الخليج نفسها، فأزمات المنطقة محكومة بالتحطم على صخرة المصالح لأبناء أمة واحدة.

أهمية استقرار المنطقة لاستثمار المصالح بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي:

لا خيار أمام تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي إلا توثيق علاقاتها السياسية والاقتصادية لأسباب شعبية واجتماعية ودينية واقتصادية وغيرها، فالعلاقات الشعبية ورقة ضاغطة على الحكومات لتوثيق هذه العلاقات السياسية، وتوجهات الحركة السياحية المتبادلة، ومشاريع رجال الأعمال بأنفسهم إلى توثيق هذه العلاقات دليل على أن هناك رغبة شعبية، وآفاق اقتصادية وتجارية رابحة بين شركاتهما، كما أن هذه التوجهات من الطرف التركي محكومة إلى صناديق الانتخابات بالنسبة للأحزاب التركية لإرضاء الجماهير وأصواتها، فهذا أمر مؤكد على مستوى الضغوط الانتخابية في تركيا، فتوجه الحكومات التركية نحو الدول العربية والخليجية يجد جاذبية انتخابية منذ عام 1950م، وليس في عهد حزب العدالة والتنمية فقط، وحيث أن الاستقرار الأمني من أهم عوامل نجاح هذه التوجهات السياسية، فإن الحكومات التركية تضع على رأس أولوياتها استقرار المنطقة أولاً، ومنع تدهورها ثانيًا، والعمل على توفير أسباب الاستقرار في المستقبل، سواء بحل النزاعات القائمة، أو الحيلولة دون تجديد بعضها مهما كانت الأسباب، فالاستقرار الأمني في الرؤية التركية ضروري لكافة دول المنطقة لأنه ضرورة أساسية للحياة الديمقراطية، ولإنجاح كافة المشاريع الاقتصادية أيضًا، فالمصالح لا تتحقق إلا بعد معالجة المشاكل والأزمات، سواء على مستوى الوطن الواحد، أو في العلاقات بين الدول، وعلى مستوى العالم أجمع أيضًا .

وكما ازدادت العلاقات التركية ـ الخليجية توثيقًا في السنوات العشر الماضية فقد تراجعت الرغبة الشعبية في تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب المواقف العنصرية في بعض الدول الأوروبية ضد الحضارة التركية الإسلامية، وبسبب اتهام تركيا بالعودة للتمسك بالهوية الحضارية الإسلامية في السنوات الأخيرة، وغيرها، وقد ازداد ذلك الشعور التركي بعد الانقلاب العسكري الفاشل 15 تموز/يوليو 2016م، وبعد نجاح الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية في تركيا بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2017م، فكلا الحدثين كان لهما تأثير كبير على نفسية الشعب التركي تجاه الأوروبيين والأمريكيين معًا، فالعلاقات التركية ـ الأمريكية في حالة توتر وتراجع أيضًا، وهذه مؤشرات تدفع السياسة التركية إلى التوجه بصدق بدرجة أكبر للتعاون مع الدول العربية ودول الخليج على وجه الخصوص، لأنها في الرؤية الاستراتيجية التركية لها الأولوية في التعاون الاستراتيجي معها، فهي مقدمة في الأولوية على علاقاتها مع الغرب ومع روسيا وإيران وغيرها.

إن تحسين العلاقات التركية مع روسيا وإيران في السنوات الأخيرة هي ضرورة اقتصادية بوصفها دولاً حدودية مع تركيا، ومحكومة بأسباب أمنية خاصة بسبب تعاون أمريكا مع أعداء تركيا من المنظمات الإرهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا، والتي تهدد الأمن القومي التركي، وبالأخص من داخل سوريا، مما اضطر الحكومة التركية للتدخل العسكري داخل سوريا، بتقديم الدعم للجيش السوري الحر لاستعادة مدنه وقراه من أيدي الأحزاب الإرهابية اليسارية والداعشية، إضافة للتهديدات التي تلاحق الاقتصاد التركي بسبب الأزمة السورية ومآسي التطورات الداخلية في سوريا، أي أنها سياسات تفرضها الإجراءات التكتيكية فقط، بينما العلاقات التركية ــ الخليجية لا يمكن أن تكون إلا سياسات استراتيجية، فالسياسة التركية لا تطمئن على الدوام إلى المواقف الروسية ولا المواقف الإيرانية، فكلاهما لهما أطماع خاصة في تركيا، ولعل الموقف الإيراني المشبوه من عملية "غصن الزيتون" في عفرين هي من الأدلة على ذلك، فأي تنسيق أمني أو عسكري تركي مع روسيا أو مع إيران مشوب بالمحاذير، وتفرضه الضرورة كما حصل مع إيران بعد إجراء الاستفتاء الانفصالي في إقليم شمال العراق بتاريخ 25 أيلول / سبتمبر 2017م، وهذا الموقف التركي متبادل من قبل إيران وروسيا أيضًا، فإيران لا تثق بالسياسة التركية، لأنها تعلم رفض تركيا المطلق للسياسات الطائفية التي مارستها إيران منذ الثورة الخمينية عام 1979 م، في المنطقة، وبالأخص في العراق وسوريا واليمن، وفي بعض المراحل في تركيا نفسها، ولم تخف تركيا موقفها الثابت الرافض للتهديدات الإيرانية لمنطقة الخليج عمومًا، ورفضها وإدانتها للتهديدات الصاروخية التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية من الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون من اليمن بمساعدة إيرانية، كما رفضت التدخلات الإيرانية في البحرين والكويت وغيرها.

ولعل الأزمة الخليجية الأخيرة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة ضد قطر من جهة أخرى، هي من أكبر تحديات الاستقرار السياسي في منطقة الخليج، وحيث أن هذه الأزمة مؤقتة مهما طال زمنها أولاً، وحيث أن هذه الأزمة داخل البيت الخليجي ثانيًا، وحيث أن للدول الخليجية الثلاث شروطًا للمصالحة مع قطر ثالثًا ، فإن الموقف التركي انتهى إلى تأييد المبادرة الكويتية بالكامل، بوصف الكويت دولة مؤسسة لمجلس التعاون الخليجي ومن أهل البيت الخليجي، بعد أن حاولت الحكومة التركية الوساطة في الأيام الأولى للأزمة، فقد بدأت الحكومة التركية بعد ظهور الأزمة في الخامس من يونيو/حزيران 2017 م، بعرض الوساطة التركية لإصلاح ذات البين الخليجي، ولكن الحكومة التركية لم تكمل دور الوساطة لأنها وجدت أن الحظوظ الكبرى للوساطة والحل داخل البيت الخليجي هي مع المبادرة الكويتية فأيدتها، وتواصلت الحكومة التركية على أعلى المستويات مع الحكومة الكويتية لإنهاء الأزمة، والرؤية التركية الأخيرة تبين وجهة نظرها من الأزمة، وهي أن مفتاح الحل بيد الشقيقة الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي وهي المملكة العربية السعودية، فالتصريح السياسي الأخير الصادر عن الحكومة التركية بهذا الخصوص لوزير الخارجية التركي جاويش أغلو قال فيه:" آمل أنهم (أطراف الأزمة) سيتجاوزون هذا الوضع في وقت قريب، وأثق بأن السعودية قادرة على إدارة وحل هذه الأزمة".

إن تركيا تؤكد أن موقفها السياسي من الأزمة الخليجية ليس الانحياز لأحد الأطراف، لأنها تعلم يقينًا أن الدول الخليجية سوف تجد الحل بنفسها عاجلاً أم آجلاً، وأن أي تدخل خارجي قد لا يساعد على الحل، وهي وإن كانت ترى أن الصراع هو سياسي بالدرجة الأولى، بحكم أن الحكومة الكويتية قد أخبرت الحكومة التركية بعدم تسلمها أدلة تثبت التهم الموجهة لدولة قطر ، كما قال وزير الخارجية التركي في مقابلة فضائية، فإن ما يثبت عدم انحياز الموقف الرسمي التركي هو قول وزير الخارجية جاويش أغلو :"لو أن دولة قطر هي التي ادعت على الدول الأخرى بنفس التهم دون أدلة فلن نقف إلى جانبها"، فالمسألة في بعدها القانوني هو أحد أسباب الموقف التركي الرسمي، والحكومة التركية لا تدعي ذلك بنفسها وإنما تحيل معلوماتها لما تسمعه من الحكومة الكويتية مباشرة ومن أعلى المسؤولين الكويتيين، بينما يرى بعض المسؤولين الخليجيين الآخرين بأن تركيا منحازة إلى الجانب القطري، وهو ما تذهب إليه وسائل الإعلام في الدول الخليجية المقاطعة الثلاث، وبالأخص في التهمة الموجه لتركيا بإرسال قوات عسكرية إلى قطر بعد ظهور الأزمة، وهو ما ترد عليه التصريحات التركية الرسمية بأن ذلك كان تطبيقًا لاتفاقيات عسكرية سابقة بين الحكومتين التركية والقطرية قبل ظهور الأزمة، فتركيا لم توقف أيًا من اتفاقياتها الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية مع أحد من دول الخليج بسبب الأزمة الأخيرة، لأن موقفها عدم القيام بعمل يمكن تفسيره انحيازًا لأحد الأطراف سلبًا أم إيجابًا، فنفذت تركيا كل اتفاقياتها السابقة مع كل دول مجلس التعاون الخليجي دون استثناء.

إن تركيا تتعامل مع الواقع الخليجي كما هو ولا ترسمه هي كما تشاء، فدول مجلس التعاون الخليجي الست لها علاقات دبلوماسية مع تركيا قبل تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1982م، وكذلك لها مع كل واحدة منها علاقات سياسية وسياحية واقتصادية وغيرها، وجاء تشكيل مجلس التعاون الخليجي ليشكل خطوة إضافية في تحسين علاقات تركيا مع دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، فوقعت الحكومة التركية اتفاقيات جماعية مع مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه وحتى اليوم، ولكن هذه الاتفاقيات الجماعية لم تلغ الاتفاقيات المنفردة مع هذه الدول، لأن كل دولة خليجية حافظت على حدودها السيادية الخاصة، وعملتها المالية الخاصة، فلم تختر تركيا بنفسها الاتفاقيات الأحادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وإنما كانت ضمن سياقها التاريخي والدولي، وليس هناك ما يمنع إحدى الدول الخليجية أن توثق علاقاتها مع تركيا أكثر من غيرها، فهذا قرار سيادي لكل دول الخليج منفردة، وهو قرار سيادي تركي أيضًا.

إن من الآراء المنتشرة بين المواطنين الأتراك أن هناك أطراف خليجية لا تثق بالأتراك، قبل الأزمة الخليجية مع قطر وبعدها، وبعضها متهمة بإعاقتها لأي دور تركي في منطقة الخليج أولاً، وفي البلاد العربية ثانيًا، وفي العالم الإسلامي ثالثًا، كما كانت متهمة بمساعدة الأطراف المعادية لتركيا بما فيها الانقلاب العسكري الفاشل الأخير، وهذه الأطراف تقف ضد المواقف التركية حتى لو كانت مؤيدة للقضايا الخليجية أو العربية أو الإسلامية، لمجرد أنها جاءت من تركيا فقط، وبعضها قد يتمادى بالإساءة إلى الرموز التركية المعاصرة والتاريخية، والتي ينظر لها الشعب التركي بكل احترام وتقدير وافتخار، فهذه الأطراف في نظر قسم لا يستهان به من الشعب التركي تحمل عقلية عدائية لتركيا، دون مبرر، ويستدلون على ذلك أنها لا تتوانى عن اتهام الأتراك بكل إساءة لمجرد الظن فقط، ومع ذلك فلا يوجد دعوات صريحة في تركيا لمعاداتها، ولكن الحكومة التركية تبقي خيط الود التركي العربي قويًا ودائمًا، حتى لو وقعت بعض الأخطاء من بعض الأتراك أو من بعض العرب، فهم لا يمثلون الموقف الحقيقي، ولا الموقف العام لهذه العلاقة المتينة والعريقة.

أزمات المنطقة وتأثيراتها على العلاقات التركية الخليجية:

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي أزمات وتحديات كبيرة تحتاج فيها إلى التعاون مع دول أخرى، إن لم يكن لزيادتها قوة فإنما كي لا تكون ضعيفة على أقل تقدير، وكذلك تواجه تركيا أزمات وتحديات كبيرة تحتاج فيها إلى التعاون العربي والخليجي والسعودي، إن لم يكن لزيادة قوتها فإنما لكي لا تكون ضعيفة على أقل تقدير ، فالسعودية تحديدًا تواجه أزمتها الكبرى في العدوان الإيراني على أمنها القومي الخاص، وعلى الأمن القومي العربي، فإيران خططت طويلاً لنقل معاركها ضد الخليج العربي على أراضي الخليج العربي، وفي فتح معركة لها ضد السعودية على أيدي الطائفيين الحوثيين في اليمن، وتآمرت إيران مع النظام اليمني السابق بزعامة علي عبدالله صالح لاحتلال العاصمة صنعاء وإسقاط حكومة هادي، وأخذت إيران الضوء الأخضر الأمريكي لإشعال اليمن، لأهداف مشتركة بين أمريكا وإيران بإثارة الفتن والمشاكل والأزمات في البلاد العربية، وقد نجحت إيران في خطتها الخبيثة في لبنان والعراق وسوريا، ونقلت خطتها إلى أرض الجزيرة العربية في اليمن، وهدفها محاصرة السعودية ودول الخليج من الجنوب ومياه الخليج العربي، بعدما أحكمت هيمنتها شمالاً، ولو لم تتخذ المملكة العربية السعودية قرار الدفاع على نفسها على أرض اليمن في اللحظة الأخيرة لخسرت كامل الشعب اليمني، ولو وجدت نفسها مضطرة لمحاربة إيران على الأراضي السعودية، فكانت حرب التحالف العربي ضد الانقلاب الحوثي في اليمن واجبًا عربيًا وإسلاميًا لحماية جنوب الجزيرة العربية، وقد يكون من نقاط الضعف في التحالف العربي اعتماده على الدعم الأمريكي ، فأمريكا تستثمر أزمات البلاد العربية لإشعالها أكثر فأكثر ، وما جرى في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا وفلسطين وغيرها في السنوات الأخيرة شواهد على ذلك.

وتواجه تركيا أزمة اضطراب حدودها الشرقية والجنوبية مع العراق وسوريا، ومصدرها الرئيسي ليست الدول العربية، وإنما الأحزاب والتنظيمات الإرهابية التي تدعي تمثيل الشعب الكردي كذبًا وأمريكا لا تخفي مواقفها بدعم هذه الأحزاب الإرهابية التي تهدد الأمن القومي التركي، وقد اضطرت السياسة التركية في السنوات القليلة الماضية إلى مواجهة السياسة الأمريكية السرية والمعلنة، فتحركت في عمليتين عسكريتين، هما درع الفرات 24 آب/ أغسطس 2016م، وعملية غص الزيتون 20 كانون ثاني / يناير 2018م، لحماية أمنها القومي التركي وحماية الأمن القومي العربي، فتقسيم سوريا يضر بالأمن القومي العربي كما يضر بتركيا التي تعارض ذلك بالقوة سواء وافقت أمريكا على ذلك أو لم توافق، فتركيا أصبحت على يقين بأن الأهداف الأمريكية هي تقسيم سوريا، وأن أمريكا لا يهمها من ينفذ مخططاتها إن كانت إيران وميليشياتها الطائفية أو أحزابًا كردية عنصرية يسارية أو غيرها، أو حتى لو كانت تنظيمات إرهابية مثل داعش التي ساهمت أمريكا بتأسيسها على ذمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتهامه لسلفه بارك أوباما أثناء حملته الانتخابية وبعدها.

هذه الأزمات التي تواجهها تركيا وتواجهها دول مجلس التعاون الخليجي، واضطرتها مجبرة على الدخول في معارك عسكرية للدفاع عن نفسها يقف وراءها نفس المخطط والعقل المدبر، وإن اختلفت أدواته أو سيناريوهاته، فهو الذي يعمل لإشعال البلاد العربية وتركيا وبلاد المسلمين بالحروب الأهلية، وإبقاء شلال الدماء فيها أنهارًا هادرة دون توقف، سواء باستغلال أو باستثمار الحروب القومية بين المسلمين أو الحروب الطائفية بين مذاهبهم الدينية ، أو بادعاء أنه يعمل لحل هذه الأزمات، أو يعمل لفتح المزيد منها بين باكستان وأفغانستان، أو تركيا وإيران، أو غيرهما، وهدف هذه المخططات الدولية الماكرة هي إيقاف مشاريع النهضة التركية والعربية وإفشالها، ومنع نهضتها وتدمير مقوماتها، واستباحة بلادها ونهب اقتصادها ونفطها، وتدمير المصالح المشتركة بين دولها وشعوبها، وإبقائها غارقة في أزماتها فقط، وتحقيق أكبر الأرباح لصالح شركات تصنيع الأسلحة والطائرات والذخائر الحربية وغيرها.

هذه الأوضاع لا مخرج لها إلا بإعادة النظر في الأزمات القائمة، والتعاون بين تركيا ودول الخليج العربي لحلها بما يعود بالمصالح المشتركة بين دولها وشعوبها، فحماية اليمن من التدخل الإيراني مصلحة عربية وتركية، وحماية شمال سوريا من المشاريع الاستعمارية مصلحة تركية وعربية وخليجية أيضًا، وتقسيم سوريا إضعاف للأمن القومي العربي والتركي معًا، وتقسيم اليمن إضعاف للأمن القومي العربي والتركي أيضًا، وما أكد عليه وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ خلال لقائه رئيس الشؤون الدينية التركي الدكتور علي أرباش بالرياض في زيارة الأخير للسعودية قبل أيام هو أن تتأكد الثقة بين تركيا والمملكة العربية السعودية، وأن يزداد التعاون بينهما.

لقد أقرت الجمعية العامة للبرلمان التركي يوم الأربعاء 7 شباط/يناير 2018م، مذكرة تقدمت بها الحكومة بشأن تمديد مهمة القوات البحرية التركية في خليج عدن، والمياه الإقليمية الصومالية، وبحر العرب، والمناطق المجاورة، لمدة عام إضافي، اعتبارًا من 10 فبراير / شباط 2018م، وهذه مهمة تقوم بها البحرية التركية وتهدف بها إلى سلامة السفن التجارية المرتبطة بالبلاد العربية المحيطة، وهي مشاركة فاعلة في العمليات المشتركة التي يقوم بها المجتمع الدولي لمكافحة القرصنة وعمليات السطو المسلح، والمساهمة في مكافحة الإرهاب بالبحر، في إطار قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وهذا مشابه للتحركات العسكرية التركية في الصومال، وإقامتها لقاعدة تدريب عسكري فيها، فهي لتثبيت الهدوء فيها، ولا يختلف الحال عن ذلك في الرؤية التركية للتعاون مع الدولة السودانية وفي جزيرة سواكن تحديدًا، وإن كانت مع السودان مقتصرة على التعاون الاقتصادي والسياحي، وذلك بحسب تصريحات وزير الخارجية السوداني في اجتماعاته الأخيرة في القاهرة يوم 7 شباط/يناير 2018م، ومنها تأكيده: "لم يكن هناك خلال زيارة أردوغان أي حديث للتعاون العسكري، ولم يكن هناك أي حديث عن قاعدة عسكرية تركية في الجزيرة أو في غيرها بأي مكان بالسودان، متمنيًا تصحيح هذه المعلومة من قبل الإعلام المصري"، وهذا يعني أن بعض أزمات المنطقة قد يفتعلها الإعلام فقط، دون أن يكون لها حقيقة على أرض الواقع، وهنا تبرز الحاجة لدى الإعلاميين الصادقين والمخلصين من العرب والأتراك بعدم التعرض لبعضهما البعض بالإساءة دون وجه حق، فالمسيء لهذه العلاقات لا يسيء إلا لنفسه، فالأغلبية الشعبية ترفض ذلك ولا ترضاه، ولن تقبل به في المستقبل.

الخاتمة:

إن القارئ لأوضاع المسلمين المعاصرة يدرك أن كفتي الميزان في العالم الإسلامي يتمثل بالمملكة العربية السعودية، والجمهورية التركية، فكلاهما من دول قمة العشرين الصناعية الكبرى في العالم، ويمثلان بالنسبة لمنطقة الشرق الوسط الثقل الأكبر سياسيًا وعسكريًا، لما تتمتعان به من موقع سياسي دولي بالنسبة لتركيا في آسيا وأوروبا، ومن موقع ديني واقتصادي بالنسبة للملكة العربية السعودية بين آسيا وإفريقيا، وتوازن كلتا الكفتين التركية والسعودية في علاقات ثنائية بينهما كفيل بضبط حالة الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي أيضًا.

إن استمرار الأزمات في المنطقة يضر بالأطراف كلها، ويعطل مصالحها جميعًا، سواء داخل البيت الخليجي أو مع العلاقات التركية العربية والخليجية أيضًا، وبحسب مؤسسات تمويل دولية، من المرجح امتداد الأزمة في الخليج لما بعد 2019م ما سيترك آثارًا سلبية على صعيد النمو الاقتصادي والتبادل التجاري في المنطقة، وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حذر صندوق النقد الدولي، من أن استمرار الأزمة الدبلوماسية الخليجية "لمدى أطول"، قد يضعف النمو الاقتصادي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وذكر الصندوق حينها، أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى إبطاء التقدم نحو زيادة التكامل بين دول المنطقة، والتسبب في إضعاف الثقة، ما يخفض الاستثمارات والنمو ويرفع تكاليف التمويل في قطر وربما في بقية دول مجلس التعاون أيضًا، وهذا تأكيد على أن العلاقة الضابطة للمصالح والأزمات هي علاقة عكسية، فكلما زادت الأزمات ضعفت المصالح، وكلما ضعفت الأزمات زادت المصالح.

مجلة آراء حول الخليج