; logged out
الرئيسية / دول الخليج بقيادة السعودية تتجه للتأقلم مع متغيرات موازين القوى العالمية

العدد 128

دول الخليج بقيادة السعودية تتجه للتأقلم مع متغيرات موازين القوى العالمية

الإثنين، 12 آذار/مارس 2018

إن علاقات شعب شبه الجزيرة العربية مع القارة الهندية ترجع إلى آلاف السنين عندما كان التجار يعبرون المحيط الهندي إلى القارة الهندية ولم يقوموا بتبادل التجارة فقط بل بتبادل الأفكار حول الثقافة والدين، فكان هناك تبادل ثري بين الجانبين.

كانت الهند من الدول التي أعجبت بجهود الملك عبد العزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ الذي وحد أغلب شبه الجزيرة العربية في دولة واحدة وأسس المملكة العربية السعودية، ومن ثم تعززت العلاقات الثنائية على أعلى مستوى خصوصًا أن في الهند 250 مليون مسلم الكثير منهم يقصدون الأماكن المقدسة لآداء الحج والعمرة، بجانب وجود أكبر جالية في السعودية (2 مليون)، وعدد هذه الجالية في دول الخليج 7.2 مقيم حسب إحصائية عام 2015م.

وتعززت هذه العلاقات عندما قام الملك سعود بزيارة للهند عام 1955م، ثم زيارة رئيس الوزراء الهندي نهرو إلى السعودية، وتتابعت الزيارات بعد ذلك خصوصًا بعد زيارة الملك عبد الله عام 2006م، وصدور إعلان دلهي الذي يؤكد على توثيق العلاقات المتبادلة لتعزيز السلام والأمن في المنطقة.

تغيير في هياكل القوة في النظام الدولي:

تحظى العلاقات الهندية ـ الخليجية، والسعودية خاصة باهتمام مراكز الفكر الهندية ومنها أبحاث المراقبين server Research Foundation ونشر أحدها تقريرًا بعنوان "الهند والسعودية ... لمزيد من التعاون الأمني"، يرى أن المصالح الهندية تتركز في الطاقة والأمن البحري بمنطقة الخليج العربي إلى القرن التاسع عشر فقد أبرمت الحكومة البريطانية في الهند اتفاقيات حصرية ذات صلة بالعلاقات الدفاعية مع مشايخ الخليج، لكن أدت الاضطرابات في القرن العشرين إلى تقسيم الهند وبداية الحرب الباردة، إلى تقييد دور نيودلهي في منطقة الخليج، وأدت الحرب الباردة إلى انحياز نيودلهي نحو روسيا بعيدًا عن أمريكا، ومع اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979م، والغزو السوفيتي لأفغانستان، توطدت علاقات السعودية بباكستان، وظهرت باكستان كدولة داعمة لأمريكا ضد الاتحاد السوفيتي.

ومع نهاية الحرب الباردة والتحرر الاقتصادي في الهند عام 1990م، تعمقت الشراكة الهندية والتكامل الاقتصادي مع دول الخليج التي أدركت من جانبها أهمية الإمكانات الاقتصادية للهند وقدراتها الدفاعية في المنطقة.

هناك عدد من المتغيرات الجيوسياسية جعلت من تعزيز التعاون بين نيودلهي والرياض ضرورة حتمية، كلا البلدين اختار النظر بعيدًا عن خلافاتهم السابقة، رغم أن السعودية لديها علاقة وثيقة مع باكستان، من الصعب الانحياز لأي جانب، ولم تعد تتأثر العلاقات بين الهند والسعودية بإرث العلاقات العسكرية الوثيقة بين إسلام أباد والرياض، خصوصًا وأن السعودية قدمت الدعم العسكري لباكستان خلال حرب 1971م، مع الهند، ودعمت تجارب باكستان النووية عام 1998م، ردًا على الاختبارات الهندية النووية، لكن تدير الرياض الآن تحسين العلاقات بين الهند وباكستان، خصوصًا عندما زار الملك سلمان وكان وليا للعهد ووزير الدفاع نيودلهي في فبراير 2014م، صرح بأن السعودية تأمل في إيجاد حل سلمي لقضية كشمير وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.

نفوذ السعودية على باكستان يفوق سطوة أمريكا فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب:

فيما يتعلق بالإرهاب ... الهند لديها مخاوف من التطرف الديني، وتتهم باكستان بأن هناك جماعات إسلامية باكستانية ترعى الإرهاب عبر الحدود، ولكن الإرهاب الجهادي يهدد كلاً من الهند والرياض، فقد وقع البلدان مذكرة تفاهم حول مكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة عبر الحدود، ورحلت السعودية عام 2012م، سيد أنصاري المتهم بالتورط في هجمات بومباي الإرهابية عام 2008م، وناقشت أجهزة استخبارات البلدين منع مواطني البلدين من الانضمام لتنظيم داعش.

العالم دخل مرحلة ما بعد الإرهاب الذي كان يستخدم ضمن استراتيجية استخبارية لحرب مع عالم افتراضي، أو عدو وهمي الذي تحول إلى انتشار نووي يضرب حتى العالم المتحضر الذي كان يعتقد أنه بمنأى عن تلك الضربات خصوصًا وأن من يقوم بتلك العمليات من أبناء الجاليات المقيمين في تلك الدول وليس القادمين من مناطق الصراع.

في غضون ذلك تبني باكستان سورًا معدنيًا على امتداد حدودها مع أفغانستان، وتطالب ترامب بتحمل كلفة بنائه، أو على الأقل المساهمة في جزء منها، ويبلغ طول السور 2500 كلم وبارتفاع 10 أقدام وبنحو 11136 مخفرًا أمنيًا و443 حصنًا، وتعتزم الباكستان إكمال السور عام 2019م، الذي بدأ العمل به منذ 26 مارس 2017، ووضع حساسات على امتداد السور تحت الأرض وشبكة من كاميرات مراقبة على امتداد السور لمعرفة وتحديد هوية كل من يدخل ويخرج من كل معبر للحد من تنقلات حركة مقاتلي طالبان الباكستانية وتنظيم داعش المنتشرين في المناطق المجاورة، وهي جزء من الخطة التي تعمل باكستان على إنجازها لتخفيف وطأة الأزمة الأفغانية لا إلى اكتفاء ترامب فقط بهزيمة طالبان الأفغانية.

تلك الخطوة ستساعد في إنهاء المحنة الطويلة التي سببتها الحرب الأفغانية وفي تقليل حدة الإرهاب في باكستان، وفي نفس الوقت وقف الضربات باستخدام طائرات درون داخل الأراضي الباكستانية وهو ما أضعف السيادة الباكستانية، حيث أن القضية تتعلق بالجغرافية السياسية ومكافحة الإرهاب في آن معًا، فالجيش الباكستاني يرى أن التهديد الاستراتيجي الأكبر الذي تتعرض له باكستان مصدره حكومة كابل المدعومة من الهند، وهو التهديد الذي يكمل الطوق المفروض على باكستان.

بعد رفض باكستان إعطاء الهند ممرًا بريًا عبره إلى أفغانستان، لجأت إلى إيران بتطوير مرفأ شاباهار الإيراني على خليج عمان لتأمين الوصول إلى أفغانستان، ووقعت مع إيران على التعاون في محاربة المتطرفين والإرهاب وتجار المخدرات في أفغانستان، خصوصًا وأن الهند تعتبر إيران عنصرًا حاسمًا في الحسابات الاستراتيجية للهند لقربها الجغرافي من باكستان وأفغانستان، ورغم ذلك تبقى الشراكة الاستراتيجية بين الهند وإيران مصدرًا للقلق بالنسبة للسعودية ما يجعلها أكثر حرصًا على تقريب وجهات النظر بينها وبين باكستان بأن تلعب دور الوسيط.

وبعد تقديم أمريكا مساعدات للباكستان أكثر من 33 مليار دولار على مدى 15 سنة ماضية، وكان تصريح واشنطن أنها لم تقدم سوى الكذب والخداع، فأقدم ترمب على تجميد كامل للمعونات الأميركية هذه الخطوة فاجأت باكستان التي احتجت بأنها قدمت تضحيات بصفتها واجهة ضد الإرهاب.

لذلك كان إعادة باكستان لقائمة تمويل الإرهاب تحت وطأة الضغط الأميركي، ما تعرف بالقائمة الرمادية للدول التي لا تبذل ما يكفي من جهد لمحاربة تمويل الإرهاب، وسبق أن أدرجت باكستان على القائمة لمدة ثلاث سنوات حتى عام 2015م، وجاءت هذه الخطوة بعد إطلاق سراح متشدد إسلامي باكستاني متهم بتدبير هجوم عام 2008م، في مدينة بومباي الهندية كان تحت الإقامة الجبرية، ما جعل البيت الأبيض يصرح بأن تلك الخطوة لها تداعياتها على العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد.

من جهة أخرى في 8 سبتمبر 2017م، صرح رئيس الأركان الأفغاني الفريق محمد يافتالي أن إيران تقدم المساعدات العسكرية وغيرها من أشكال الدعم إلى طالبان أفغانستان، لكن سارع رؤساؤه في وزارة الدفاع إلى القول إنه تم تحريف تصريحاته، وكان مقاتل من طالبان صرح لصحيفة (وول ستريت جورنال) عام 2015 م : إن إيران تزودنا بكل ما نحتاج إليه، حيث عانت أفغانستان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من التدخل الأجنبي السوفياتي والأميركي والهندي والباكستاني وحتى الصيني منذ اندلاع القتال فيها عام 1978م.

مشروع بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية تقوده واشنطن يرتكز على الهند:

تقود الولايات المتحدة مشروع بديل لمبادرة (الحزام والطريق) الصينية يضم أستراليا والهند واليابان ويسعى لمواجهة اتساع نفوذ بكين. ورغم أن واشنطن تشجع وتتساءل عن دور دلهي الخجول في صراع السيادة في المحيط الهندي، خصوصًا بعدما بدأت الهند تراجع حساباتها تجاه المالديف في صراعها مع الصين، بعد توسع نطاق النفوذ الصيني سريعًا في جزر المالديف إضافة إلى باكستان التي لديها اتفاقية تجارة حرة مع الصين وهي منطقة قريبة من الأراضي الهندية، بل تعد داخل حدود منطقة النفوذ الاستراتيجي لنيودلهي، وبدأت تحل شركات صينية محل شركات هندية في مشروعات بنية تحتية.

رغم أن عدد سكان المالديف 400 ألف نسمة أي أنها دولة صغيرة لا تمثل للصين أهمية تجارية بقدر أهميتها الاستراتيجية، وهي عنصر أساسي في مشروع طريق الحرير البحري في المحيط الهندي خصوصًا بعدما استحوذت الصين على ميناء هامبانتوتا في سريلانكا وجيبوتي في القرن الإفريقي.

طالبت الولايات المتحدة الهند بالكف عن خجلها واتخاذ مواقف حاسمة تليق بمكانة دولة كبرى مثلها، ورغم الطموحات الهندية تمتد لآسيا الوسطى، فإن منافستها الصين تسير بخطى حثيثة بمبادرة ( حزام واحد وطريق واحد )، حيث يبلغ متوسط دخل الفرد الهندي 1709 دولارات أي دون ربع متوسط دخل الصيني عند 8123 دولارًا في عام 2016م، أي أن الهند عند المستوى الذي بدأت فيه الصين قبل ما بين 15 – 20 عامًا في لعبة طويلة الأجل، ولا يزال السوقان الهندي والصيني مختلفان إلى حد كبير في مجال التجارة الإلكترونية وتتيح للهند مجالاً للمنافسة الشرسة.

واشنطن تبحث عن شراكة مع الهند من أجل إعادة المشهد الجيوسياسي:

أسفر الصعود الصيني السريع عن تفاقم الوضع ليس فقط مع أمريكا بل مع أوربا ودول آسيوية من أبرزها الهند، وحذر ستيف بانون كبير الخبراء الاستراتيجيين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن واشنطن في حرب اقتصادية مع الصين محذرًا من أن واشنطن تخسر المعركة لكنها على وشك توجيه ضربة للصين بخصوص ممارسات تجارية تصفها بغير العادلة، وستحقق الصين الهيمنة العالمية في غضون 25 أو 30 عامًا إذا استمرت الولايات المتحدة في نهجها الحالي وواصلت هذه الحرب ستصل إلى منعطف بعد عشر سنوات على الأكثر لن تكون فيه قادرة على التعافي.

فيما صرح ستانلي فيشر نائب رئيسه الاحتياطي الفيدرالي بأنه يخشى على الولايات المتحدة بأنها لم تعد مرساة للاقتصاد العالمي، وأن الولايات المتحدة آخذة في فقدان مكانتها المهيمنة تمامًا كما حصل لبريطانيا ولم يعد من المسلم اعتبارها ضامنًا للمؤسسات المالية العالمية، بعدما تمكنت هي وحلفاؤها من تجميع نظام عالمي بعد الحرب العالمية الثانية عمل بشكل فاعل للغاية لكن من غير الواضح أنه سيبقى فاعلاً.

رغم ذلك هناك سؤال يقلق البنتاغون عن احتمال نشوب حرب روبرتات في المستقبل يثير مسألة ما إذا كانت الكمية ستتفوق أخيرًا على النوعية عندما يتعلق الأمر بالمعدات العسكرية، خصوصًا وأن الجيل التالي من تكنولوجيا الدفاع لا يمكن تمييزه أكثر فأكثر عن التكنولوجيات المدنية التي تنتج بكثرة في مدن مثل شنزن.

في حين أن الإنجازات الأخيرة في مجال أجهزة التوجيه الدقيق كانت في تطبيقات عسكرية بحتة، إلا أن الجولة التالية قد تكون في مجالات مثل التعرف على الوجه والقيادة الذاتية، ومن المرجح أن تأتي من القطاع الخاص بقدر القطاع العسكري، في كل من الولايات المتحدة والصين، عدم وضوح الخطوط هذا أدركه الرئيس تشي جينبينج الذي أنشأ لجنة تطوير التكامل العسكري والمدني وعين نفسه رئيسًا لها.

ليس فقط على الصعيد بين الولايات المتحدة والصين بل أيضًا على الصعيد الآسيوي ليس بمقدور الهند البقاء في الظل أمام التوسع الصيني الإقليمي في المنطقة وتعتقد الصين على الدوام أن منطقة آسيا – المحيط الهادي تشكل التهديدات المباشرة ضد هيمنتها التوسعية في جنوب شرقي آسيا، وعلى صعيد التجارة ما زالت الهند بعيدة عن هدفها لزيادة التبادل التجاري مع دول رابطة الآسيان الدول العشر إلى 200 مليار دولار بحلول 2020م، ويبلغ المستوى الحالي 71 مليار دولار مقارنة بحجم التبادل التجاري لرابطة آسيان مع الصين البالغ 470 مليار دولار.

استضافت مدينة سوتشي الروسية كوكبة من رؤساء الدول الثماني الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في 2017م، التي تعني بالشؤون السياسية والأمنية التي تأسست عام 2001م، بمبادرة روسية وصينية بعد أحداث 11 سبتمبر و تنامي النزعة العرقية والأصولية وبدأت تعني بقضايا مثل الإرهاب والتطرف والحد من النفوذ الأمريكي في عدة مناطق، وتضم المنظمة في عضويتها روسيا والصين وكازخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وباكستان التي أصرت الصين على إدراجها في المنظمة وأخيرًا الهند ويعتبرها البعض قوة موازية لمنظمة حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي.

كانت روسيا عازمة عند تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون على استعادة بعض نفوذها التاريخي في الامبراطورية السوفياتية السابقة، لكن المشهد الجيوسياسي قد تغير كثيرًا خلال الـ 16 عامًا الأخيرة إذ تحقق الصين قفزات كبيرة في المنطقة، وشعرت روسيا بأنها أصبحت الشريك الأصغر المحاصر من قبل الصين، مما دفع بروسيا إلى البحث عن وسيلة لتحقيق التوازن مع الصين خشية تحول الدول الصغيرة الأخرى في آسيا الوسطى إلى المعسكر الصيني، خصوصًا بعدما ضمت الصين حليفتها باكستان إلى المنظمة بعدما طالبت الهند بالعضوية الدائمة بعد حضورها الفعاليات بصفتها مراقبا لما يزيد على 10 سنوات، أي أن في المنظمة عضوين غريمين نوويين خاضا 4 حروب متتالية.

لذلك لم تحقق منظمة شنغهاي الكثير من أهدافها كمجموعة إقليمية، خصوصًا وأن المنافسة بين الصين والهند بشأن القضايا الإقليمية قد تسفر عن صعوبة في الوصول إلى إجماع للآراء حول بنود جدول الأعمال المشترك، ولكن الصين وروسيا هما اللاعبان الكبيران اللذان يوزعان البطاقات، ولذلك هناك خوف من عزل الهند التي تدعمها الولايات المتحدة وتعتبرها القوة الديمقراطية الوحيدة في المنظمة.

لذلك نجد أن باكستان تتهم واشنطن بالتآمر مع الهند ضد المشروع الاقتصادي ممر الصين – باكستان كجزء من سياستها لمواجهة النفوذ الصيني، وأعربت باكستان عن رفض المخاوف الدولية بشأن دور باكستان في محاربة الإرهاب بل تعتبر نفسها تعاني من مشاكل أمنية منذ 40 عامًا والسلام في أفغانستان لا يزال على رأس أولوياتها، بل تعتبر دعم القوات الأمريكية في المنطقة هو الذي أدى إلى ظهور الإرهاب في البلاد، وعندما زادت قوة طالبان في أفغانستان بدأت أمريكا ترمي باللوم على باكستان لتبرير فشلها.

ويشمل مشروع الممر الاقتصادي الذي وقعته بكين مع إسلام آباد في 2015م، إنشاء شبكة طرق تمتد لنحو 3 آلاف كلم بين البلدين ويشمل كذلك سكك حديدية ومشروعات اقتصادية في مجالات مختلفة، بعدما تمكنت باكستان من إقناع الجماعات المسلحة المدعومة من جهات خارجية بإلقاء السلاح وأن الأوضاع في بلوشستان في جنوب غرب باكستان تتجه نفس الاتجاه، وبدؤوا ترديد عبارات تعيش باكستان وهو ما يزعج الهند استقرار باكستان.

في المقابل وقعت الهند مع إيران وأفغانستان لتطوير ميناء تشابهار على خليج عمان مقابل تطوير الصين ميناء جوادر على الساحل الباكستاني الذي يقع على بعد 100 كلم من تشابهار الإيراني بهدف زيادة حجم التبادل بين الدول الثلاث، ووقعت الهند اتفاقًا مع أوزبكستان بشأن استيراد أكثر من ألفي طن من اليورانيوم شبيه باتفاقها مع كازخستان، وتعمل الهند في الوقت الراهن مع أوزبكستان على احتمالات توسيع جسر الصداقة للسكك الحديدية حتى إقليم هيرات في غرب أفغانستان، ومن شأن قمم منظمة شنغهاي أن توفر الفرص القيمة للقادة الهنود لأن يلتقوا ويتفاعلوا مع زعماء دول آسيا الوسطى بصفة متكررة ومنتظمة، وهناك اعتقاد بأن وجود الهند في المنظمة يضفي طابعا من التوازن إلى حد ما بين الوجود الروسي والنفوذ الصيني في تلك المنطقة.

يعتقد البعض أنه يؤدي إلى تآكل الهيمنة الصينية على الكتلة الاقتصادية والأمنية الإقليمية، وأن الهند تستفيد من التحولات الجارية في سياسة المنظمة على المدى البعيد، والاضطرابات السياسية التي خلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتناقضات الضمنية بين المصالح الروسية والصينية التي من المحتمل أن تعاود الظهور في مرحلة من المراحل، رغم ذلك ستقدم المنظمة دعمًا عاجلاً وتأييدًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية فيما لدى الهند تحفظات صارمة بشأن هذه المبادرة.

ستكون هناك شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة والهند لمائة عام باعتبارها دولة ديمقراطية كبرى وهي بحاجة إلى شراكة قوية بين الولايات المتحدة والهند في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، بعدما دعا تيلرسون نيودلهي إلى أداء دورها كاملا فيما يخص الأمن الدولي عن طريق تعزيز جيشها وقدراتها الدفاعية، وامتدحت دور الهند في أفغانستان وهي شريك للسلام وهي ترحب بالدور الهندي في المساعدة على تنمية هذا البلد.

تحول في القوة العالمية باتجاه الشرق:

لذلك برزت السعودية باعتبارها ساحة جديدة للمنافسة بين نيودلهي وبكين، فإضافة إلى التنافس على موارد الطاقة، فإن السياسة الإقليمية للهند تتأثر بالنفوذ الأمني المتنامي للصين في منطقة الخليج، لذلك هي ترى في السعودية موازن لتلك العلاقة بدلا من أن تترك منطقة الخليج منطقة نفوذ للصين بمفردها.

تدرك الهند أن نفوذ السعودية على باكستان يفوق سطوة أميركا، رغم أن حاجة أميركا إلى باكستان في المستقبل القريب تفوق حاجة باكستان إلى الولايات المتحدة على الأقل في ظل وجود قوات أميركية التي تقدر بنحو 20 ألف جندي أميركي في أفغانستان، خصوصًا وإن هناك تغيير في هياكل القوة في النظام الدولي يتعذر من خلاله التنبؤ بالتحالفات بين الدول، خصوصًا وأن موقع باكستان الجيوستراتيجي فقد استثمرت الصين بشكل مكثف في المشروع الاقتصادي المسمى الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني CPEC وفي الوقت ذاته تستمر الصين في تعزيز وتوسعة مصالحها الاقتصادية بهدوء في جميع أرجاء العالم ويواصل شراء ديون الولايات المتحدة، خصوصًا وأن روسيا مهتمة للانضمام إلى هذا الممر الاقتصادي وتطمح في استعادة أمجادها السابقة كقوة عظمى.

بعد عاصفة التغريدات التي أطلقها ترامب تجاه باكستان ففي اليوم التالي في برلين أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ دعم الصين لباكستان مشيرًا إلى أن باكستان بذلت جهودًا جبارة في مكافحة الإرهاب، وعلى المجتمع الدولي الاعتراف بذلك، لم تكن الصين من الشركاء الاستراتيجيين لباكستان، لكن من أجل الدفاع عن مصالحها وعن مشروع الطريق الذي يربطها بباكستان، وللدفاع حيال التحول الحالي الذي تقوده الصين في التحالفات في جنوب آسيا.

قد يثير تساؤلات عدة عن صمت السعودية حيال الضغط على حليفتها باكستان التي تعود إلى الستينات عندما وقعت الدولتان اتفاقية عسكرية كانت بداية لتحالف فريد من نوعه بين اثنتين من كبرى الدول الإسلامية، وكانت السعودية أحد أبرز مصادر المساعدات الاقتصادية التي تتلقاها باكستان، ويعمل حوالي مليوني باكستاني في السعودية، وعندما توترت العلاقة بين الرياض وواشنطن يعتقد البعض أن لباكستان دور وساطة بين الرياض وبكين عام 1985 أسفر عن بيع سري لصواريخ صينية متوسطة المدى من طراز سي – إس – إس2 إلى السعودية.

مصر وباكستان حليفان إقليميان شديدا الأهمية للسعودية:

موقف السعودية يراهن على دعم الصين لباكستان خصوصًا وأن السعودية هي الأخرى ممر رئيسي لا يقل أهمية عن الممر الباكستاني لهذا الطريق إلى إفريقيا وأوروبا، ولا تزال استراتيجية السعودية تعتمد على حليفين إقليميين شديدي الأهمية هما مصر وباكستان يمثلان جناحيها بما يمكنها من الطيران بأمان في مساعيها الخارجية، لذلك هي تحرص على استقرارهما، ولن تسمح للولايات المتحدة أن تزعزع أمن هاتين الدولتين، وهي حريصة على أن تبقى باكستان قوية في الشرق، ومصر قوية في الغرب، ولا تعول كثيرًا على تركيا رغم أهميتها بسبب تضارب المصالح والأولويات خصوصًا وأن تركيا تتزعم مشروع إخواني أو على الأقل تحمي جماعات تهدد أمن أكبر دولة عربية وهي مصر، وهي منزعجة من الدخول على الأزمة الخليجية ـ العربية ودعمها لدولة قطر مما عقد الأزمة.

السعودية منذ تسلم الملك سلمان الحكم تحرص على احتواء إيران ونفوذها في العالم الإسلامي وهي تعتمد على التحالفات، ومع ذلك فإن إقامة التحالفات ليست مسألة إرضاء تام للجميع، بل هي تبحث عن نقطة توازن، وهي تدرك أن باكستان لن تكون عدوة لإيران بسبب أن 15 في المائة من سكانها شيعة، وسبق أن تباهى السفير الإيراني في إسلام آباد علنًا أمام المسؤولين الباكستانيين عام 1987م، بقدرة إيران على حشد مليون شيعي في شوارع باكستان في غضون ساعات، مثل ذلك تصويت البرلمان الباكستاني حول اليمن لن يعتبر انتكاسة لأي تحالف بين السعودية وباكستان، ولكن تدرك السعودية أنها تبحث عن نقطة توازن، وعن تكييف العلاقة لتتوافق مع التغيرات الزمنية، وفي نفس الوقت لن تسمح السعودية تسليم حلفائها الإقليميين لإيران أو لأمريكا، وعدم التنازل عن مجال نفوذها الإقليمي في المنطقة، وهي بذلك تمتلك رؤية واضحة واستراتيجية متوازنة، وإن المنطقة بانتظار سياسات واستراتيجيات طويلة الأمد من السعودية الجديدة في ظل قيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

السعودية ترغب في تنويع شركائها الأمنيين:

السعودية ترغب في تنويع شركائها الأمنيين لخلافاتها مع أمريكا بشأن سوريا، فضلاً عن مفاوضات واشنطن زمن أوباما مع طهران حول برنامجها الخطير على المصالح السعودية، ومن أجل مواجهة التحولات في موازين القوى بالمنطقة، حاولت تعزيز التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها واجهت تباين المواقف بين بعض دول المجلس ، إضافة إلى توتر العلاقات بين الرياض والدوحة، ولم يتبق سوى تمتين العلاقات بين السعودية و الإمارات، خصوصًا وأن الدولتين تتفقان حول عدد من المواقف، ولاستقطابات إقليمية مثل التحالف بين قطر وتركيا مما شكل عائقًا أمام حل أزمات المنطقة، بالإضافة إلى أن الاستقطابات الطائفية خاصة بعد الثورات العربية عام 2011م، ما فرض على السعودية التعامل مع هذا التهديد من منظور المنافسة الجيوستراتيجية مع إيران في ظلم دعم الأخيرة لنظام الأسد ووجود مليشيات شيعية في العراق فضلاً عن التمرد الحوثي الذي تدعمه إيران وحزب الله.

أي أن السعودية تواجه عددًا من التحديات تجعلها تتجه نحو تقوية الروابط مع الهند لمواجهة نفوذ إيران بالمنطقة، في المقابل ومن وجهة نظر الهند فإن إقامة شراكة مع حليف إقليمي قوي مثل السعودية أضحى ضروريًا للتوازي مع نفوذ إسلام أباد في المنطقة.

وجاء التوقيع على اتفاقية للتعاون الدفاعي بين السعودية والهند في فبراير 2014م، خلال زيارة الملك سلمان عندما كان وليًا للعهد ووزير الدفاع إلى نيودلهي، وفي السنوات الأخيرة تجاوز التعاون الدفاعي نطاق عمليات مكافحة القرصنة ليشمل التدريب والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات العسكرية، وقد وسع إعلان نيودلهي الذي تم توقيعه في زيارة الملك عبد الله عام 2006م، نطاق التعاون في جميع المجالات ذات الفائدة المتبادلة ليشمل مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال والمخدرات وتهريب الأسلحة، وأكد الجانبان التزامهما بالحفاظ على السلام الدولي والاستقرار وتسوية النزاعات العالقة في العالم خلال الوسائل السلمية.

الزيارة التاريخية لمودي إلى فلسطين تعيد التوازن في علاقته مع إسرائيل، وأوضح ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي بأن دائرة العنف وعبء التاريخ يمكن التغلب عليهما من خلال الدبلوماسية المكثفة، وأضاف أن دعم القضية الفلسطينية أصبح محورًا ثابتًا في سياساتنا الخارجية، وكان مودي ضيفًا في قمة الحكومات بدبي في 11 فبراير 2018م، وقال إن بلاده أدركت ثورة تقنية المعلومات بعد أن فوتت الثورة الصناعية حيث أصبحت دولة رائدة يشار إليها بالبنان في مجالات التقنية المتقدمة، كتقنية النانو وتقنية الأقمار الصناعية وعلم الجينوم والحوسبة وغيرها، في المقابل كانت الهند ضيفًا رئيسيًا في الجنادرية في 7/2/2018م، لتعزيز سبل العلاقات الثنائية.

مجلة آراء حول الخليج