array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 128

العلاقات التجارية بين دول الخليج والهند: استكشاف الدوافع الاقتصادية للتكامل الإقليمي

الإثنين، 12 آذار/مارس 2018

متطلبات نجاح التجربة التنموية في الهند

التجربة الهندية في النمو والتنمية مفيدة وثرية بالدروس المستفادة، منذ الانطلاقة الأخيرة في منتصف التسعينات، والتي رفعت الناتج المحلي الإجمالي (ن م ج) بأكثر من 5 % سنويًا، الأمر الذي يعني مضاعفة الدخل المحلي في أقل من عشر سنوات، إضافة إلى الإصلاحات الهيكلية المتسارعة منذ عام 2014م، والتي حققت مزيدًا من الدفع للنمو الاقتصادي، خاصة تطبيق سياسات مالية متوازنة، واستهداف التضخم من خلال السياسة النقدية، مما حسن كثيرًا من مناخ الاستثمار، وحقق بيئة مستقرة للأعمال.

وقد نجحت الهند في تحقيق تنمية شاملة واحتوائية، انتشلت بموجبها نحو 140 مليونًا من السكان من هوة الفقر المدقع، في أقل من 10 سنوات، معتمدة على برامج مكثفة للرفاه والضمان الاجتماعي، بما فيها دعم أسعار الغذاء، ودعم أسعار الطاقة، والأسمدة، ولديها أكبر برنامج في العالم لضمان حق العمل “right to work” في المناطق الريفية، واستمرت في إصلاح هذه النظم مستهدفة الأكثر فقرًا والأشد احتياجًا، وخفضت كثيرًا من التكاليف الإدارية، والفساد، ودعم الشمول المالي.

طبقت الهند برنامج إصلاح ضريبى مكثف لتحقيق مزيد من الإيرادات الضريبية، اللازمة لتمويل الاحتياجات الاجتماعية المتزايدة، والبنية التحتية المادية، وشجعت الشركات على مزيد من الاستثمارات والتوسع في الأعمال، وتحقيق مزيد من إعادة التوزيع الفعال، وتقوية مقدرة الولايات والمحليات على الاستجابة لاحتياجات السكان الأساسية.

ونتيجة لكل هذه الإصلاحات فإن الاقتصاد الهندي سيتجاوز نظيريه البريطاني والفرنسي، ليحتل المركز الخامس بعد الأربعة الكبار، الولايات المتحدة، والصين واليابان وألمانيا، عام 2018م، كما جاء في دراسة مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال التجارية، بل وتتوقع الدراسة إذا استمر معدل النمو عند مستوياته الحالية 7.6 % سنويًا أن تحتل الهند المرتبة الثالثة بين أكبر الإقتصادات في العالم بحلول 2032م.

وكما جاء في هذه الدراسة فإن النمو العالمي ستسيطر عليه الاقتصادات الآسيوية، ولا سيما الهند والصين واليابان، وتوقعت أيضًا أن تصل الهند لمرتبة أكبر اقتصاد في العالم، في وقت ما في النصف الثاني من هذا القرن، متجاوزة الولايات المتحدة والصين، وستظل الهند الأعلى نموًا بين الاقتصادات الكبيرة، حيث سيترواح معدل النمو الاقتصادي ما بين 6.75 % 7.5 % خلال العالم الحالي 2018م.

وفي عصر العولمة، والاقتصادات المفتوحة، وأهمية التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول العالم، لا يمكن تجاهل دول المنطقة التي بدأت وستظل تقود النمو الاقتصادي على المستوى العالمي، في أواخر القرن العشرين، والقرن الحادي والعشرين، وهي منطقة جنوب شرق آسيا، والدول هي اليابان والهند والصين.

وعلى وجه التحديد فإن الهند من بين دول المنطقة، ستظل الأسرع من حيث معدل النمو الاقتصادي، والأكبر من حيث حجم الاقتصاد الوطني في العالم، فاليابان رغم تطورها وسبقها لجيرانها في محراب النمو والتقدم الاقتصادي، لكن معدلات النمو بها، مثلها مثل الاقتصادات الغربية، مستقرة عند مستويات منخفضة، كعادة الدول التي أحرزت سبقًا في التقدم الاقتصادي، كما أن الصين التي حققت معجزتها خلال الثلاثين عامًا الماضية، بدأت تعيش مرحلة النضج الاقتصادي، وتعاني من انخفاض معدلات النمو التي حققت فيها سبقًا غير معهود، نتيجة ارتفاع مستويات الأجور، واهتمام قوة العمل بوقت الفراغ، والتحول إلى اقتصاد ناضج متقدم.

ورغم كل ذلك فإن التجربة التنموية في الهند تواجه بعدد من الأخطار على المستوى العالمي، أهمها المخاوف من ارتفاع أسعار الطاقة خاصة البترول والغاز، وتوتر العلاقات التجارية بين القوى الاقتصادية العظمى في العالم، وتنامي الاتجاهات الحمائية.

ومن هنا فإن من أهم التحديات التي تواجه التجربة التنموية الهندية، توفير مصدر رخيص للطاقة، لتلبية احتياجاتها التنموية، والمحافظة على استمرار معدلات النمو المرتفعة في المستقبل، خاصة وأن الهند تحتاج إلى الغاز لاستخدامات متعددة.

ويذكر أن الغاز الطبيعي رغم تداوله في العالم بمركز الصناعة القديمة للطاقة منذ نصف قرن، إلا أن مركز الهند لا يزال في مرحلة مبكرة، نتيجة لغياب الهند عن الجولة الأولى من نمو تجارة الغاز الطبيعي المسال، ومع ذلك، وعلى مدى فترة قصيرة من الزمن، ارتفع استخدام الغاز الطبيعي المسال في الهند بشكل كبير.

نهايات الحقبة البترولية وبدايات مرحلة جديدة من التنمية

مع هبوط أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، منذ العام 2014م، واستمرار الوضع حتى الأن، وتوقع استمراره، وبدء عهد جديد لمصادر الطاقة الرخيصة، كان على دول الخليج العربية، أن تراجع خططها وتوجهاتها الاقتصادية، تداركًا للواقع، واستشرافًا للمستقبل، متمثلا في التحول نحو اقتصادات متنوعة مصادر الدخل، لذى سعت لتحقيقه منذ البدايات الأولى للحقبة البترولية، لكنه لم يتحقق، وكشفت عنه بدايات حقبة الطاقة الرخيصة عالميًا.

ففي البحرين لا يزال معدل النمو بطيئًا ولا يزال عجز الموازنة العامة كبيرًا، وقد تحول الحساب الجاري لميزان المدفوعات إلى تسجيل عجز، وتراجعت احتياطات النقد الأجنبي مع وجود ضغوط كبيرة على ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي. وتبع ذلك جهودًا من جانب الحكومة لضبط المالية العامة في مواجهة انخفاض أسعار النفط .

وفي الكويت، تشير التقديرات إلى أن معدل النمو الاقتصادي بلغ 3% في عام 2016م، مدعومًا بارتفاع إنتاج النفط وتنفيذ خطة التنمية، حيث ساعد التعافي الجزئي في أسعار النفط على تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة، ومن المتوقع أن تستمر مشروعات البنية التحتية الكبيرة في دعم النمو في الأمد القريب إلى المتوسط، في ظل التحديات الرئيسية الناجمة عن الاعتماد الشديد على قطاع النفط ومشتقاته.

أما في عمان فلا يزال انخفاض أسعار النفط يؤثر على الاقتصاد العماني، ومن المحتمل أن يؤدي استمرار الحكومة في التزامها بإجراءات التقشف إلى انخفاض أكبر في معدل النمو، ولا يزال عجز كل من الموازنة العامة والحساب الجاري كبيراً، ما يدفع عمان إلى اللجوء بشكل متزايد إلى الاقتراض الخارجي لتمويل العجز، لكن من المتوقع انتعاش النمو في عام 2018م، حيث تعلق عمان الأمل ضمن خطة التنويع الاقتصادي على قطاعي الثروة السمكية والسياحة.

وفي قطر ومع استمرار انخفاض أسعار الطاقة العالمية، تحولت أرصدة الموازنة والحساب الجاري إلى تسجيل عجز، وقامت الحكومة على أثر ذلك بتخفيض الإنفاق الحالي وإصلاح نظام الدعم، لكن استمرار الإنفاق على المشاريع الرأسمالية يؤدي إلى تعزيز النمو، ولا تزال الاحتياطيات المالية كبيرة أيضًا، وفي ظل عدم وضوح الآفاق على المدى المتوسط لقطاع النفط والغاز، يعد تنويع أنشطة الاقتصاد الوطني أمرًا بالغ الأهمية.

وفي السعودية لا يزال انخفاض أسعار النفط يمثل اختبارًا لمدى قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود، حيث قامت الحكومة بعدة إجراءات لضبط أوضاع المالية العامة وتطبيق مبادرات إصلاحية كبرى من أجل التصدي للتحديات المتنامية التي يفرضها الواقع الجديد في أسواق النفط، فأطلقت مبادرتها الأولى ممثلة في برنامج التحول الوطني 2020، ورؤية المملكة 2030، لضبط أوضاع المالية العامة، على حساب النمو الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الإنفاق العام.

أما في الإمارات العربية المتحدة، فإنه من شأن خفض إنتاج النفط الذي قررته منظمة أوبك أن يحد من النمو في 2017م، لكن مع توقع ارتفاع أسعار الخام، وتحسين الطاقة الإنتاجية النفطية، وزيادة الاستثمارات، من المنتظر أن يتعافى النمو في الأجل المتوسط، ومع ذلك، يمثل ضعف نمو الاقتصاد العالمي وتراجع السيولة الإقليمية أبرز المخاطر بالنسبة إلى الآفاق المستقبلية، حيث تستمر أسعار النفط المنخفضة إضافة إلى تدابير التقشف المالي في الضغط على اقتصاد الإمارات.

من هنا فإن الارتقاء باقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من الاقتصادات الريعية، نحو اقتصادات قائمة على المعرفة، يتطلب ملاحقة العصر والتحول نحو اقتادات قائمة على المعرفة، والاعتماد على تكنولوجيا متقدمة وموارد بشرية قادرة على استيعاب المعارف الحديثة، ووضع آليات للتغلب على التحديات التي تواجه التحول نحو الاقتصاد المعرفي، وزيادة القدرة التنافسية لاقتصاداتها وتوسيع مجالات التعاون مع التجارب التنموية الناجحة.

مجالات التعاون المحتملة بين دول مجلس التعاون والهند

مما لا شك فيه أن التحول في العلاقات التجارية بين دول الخليج والهند من تجارة التوابل ثم الحرير واللؤلؤ المستخرج من الخليج العربي، إلى تجارة النفط والبضائع الأخرى، ليس إلا دليلاً على امتداد جذور تلك العلاقات في عمق التاريخ، ومؤشرًا على استمرارها وتطورها إلى مجالات أخرى مع التطور الاقتصادي.

فالهند تقود النمو الاقتصادي العالمي في الوقت الحاضر، خلفًا للصين، مرتكزة على اقتصاد قائم على المعرفة، وقوة عمل مزودة بالمعارف الحديثة، والمهارات العالية، وتغير هيكلها الاقتصادي من الزراعة والصناعات الأساسية كالحديد والصلب إلى صناعة البرمجيات والالكترونيات.

وليس أدل على ذلك من توقيع الاتفاقية الإطارية حول التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند في أغسطس 2005م، لبحث إمكانية إقامة منطقة تجارة حرة، والتي متى أقيمت فسوف تمثل نقلة نوعية في مجال التعاون التجاري بين الطرفين.

في ضوء أوجه القصور الهيكلية في مصادر الطاقة المحلية في الهند، فإنه يتعين عليها أن تعتمد على الواردات الثابتة من الغاز الطبيعي المسال لتلبية احتياجات مشاريع التنمية الاقتصادية الحالية والمستقبلية في الهند.

ولعله من الأهمية بمكان أن يكون لدى مصدري الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجية مشتركه لزيادة حصة الغاز الطبيعي المسال في أسواق الطاقة في الهند، حيث من المتوقع، مع تزايد طلب الهند على الطاقة، أن يشهد العقد المقبل مستويات أعلى من الاستهلاك للطاقة.

وفي السياق نفسه، تستعد كل من إيران وروسيا لوضع أنفسهم في مقدمة مصدري الطاقة لاستيفاء احتياجات الهند من الطاقة، ولاسيما في مجال الغاز الطبيعي المسال، وفضلاً عن ذلك، فإن كارتل الغاز الطبيعي المسال (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأستراليا) يسارع هو الآخر في استكشاف قدرات استيعاب أسواق الطاقة في آسيا.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند هي ثالث أكبر مستهلك للطاقة بعد الولايات المتحدة والصين، ولن تسمح الهند بأن تكون إمداداتها من الطاقة سببًا في تعطيل انطلاقتها التنموية، الأمر الذي يفسر تصميمها على تحقيق التوازن بين علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران.

تجربة الهند في دعم قطاع الصناعات الصغيرة

تمتاز التجربة الهندية بالتقدم في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، والتي تمثل مجالاً واسعا للتعاون، حيث تعتبر الهند من الدول ذات الخبرة المتميزة في مجال هذه المشروعات، وقطعت شوطًا كبيرًا في تشجيعها، في الوقت الذي تسعى رؤية المملكة 2030، وبرنامج التحول الوطني 2020، إلى تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وزيادة أهميتها في توفير فرص عمل أمام الشباب والداخلين الجدد في سوق العمل.

ومن أهم الدروس المستفادة من التجربة الهندية تعدد أشكال الدعم الحكومي لقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة لتشمل أربع قنوات رئيسية تتمثل في توفير قدر من الحماية، حيث أصدرت الحكومة قرارًا يضمن عدم منافسة الكيانات الأكبر لها وبالتالي تحقيق الحماية والاستقرار. 

كما وفرت لها مصادر تمويل مناسبة، حيث سمح لتلك المشروعات بالحصول على قروض ائتمان بنسب فائدة منخفضة للغاية، لتلبية احتياجاتها التمويلية، وتوفير السيولة اللازمة لها وبآجال مختلفة، إضافة إلى توفير البنية الأساسية في مجال الإدارة والتكنولوجيا، وإقامة المجمعات الصناعية، والمساعدة في عملية التسويق، والربط بين أصحاب الصناعات الصغيرة وبعضهم البعض، ومساعدتهم على أن يكونوا صناعات مغذية للمشروعات الكبرى، بتوفير البيانات والمعلومات والفرص المتاحة من خلال قاعدة بيانات متكاملة. 

وتتميز التجربة الهندية في تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بارتفاع نسبة منتجات الصناعات الصغيرة من السلع الهندسية فائقة الجودة، (35% من إجمالي الناتج ) وتقوم الفلسفة الهندية في هذا الصدد على فكرة أساسية تتمثل في فتح السوق أمام المنافسة لمنح هذه الصناعة فرصة الاحتكاك مع المنتجات العالمية، ومن ثم تطوير نفسها باستمرار، كما عمدت الحكومة الهندية إلى إقامة صندوق للمساعدة في تطوير تكنولوجيا .

دروس مستفادة لإنجاح رؤية المملكة 2030

يفتح تقدم الهند في مجال تقنية المعلومات والكمبيوتر والصناعات الملحقة، فرصًا للتعاون في إقامة مشاريع مشتركة في تلك الصناعات، بما يدعم تحول الاقتصاد السعودي من اقتصاد يعتمد على الموارد الطبيعية، إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكارات التقنية، مستفيدين من التقنية الهندية المتطورة في هذا المجال من جهة، ومن المزايا الكبيرة التي تمنحها المملكة للمستثمرين، ومن مخرجات العملية التعليمية في الجامعات السعودية التي قطعت شوطًا كبيرًا باتجاه تشجيع الابتكارات التقنية لدى منسوبيها وطلابها وخريجيها، وإقامة مشروعات مشتركة مع الشركات الهندية، قائمة على المعرفة، خاصة في قطاع الفضاء، والزراعة، والصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية.

وفي سعي السعودية للتحول نحو اقتصاد متنوع مصادر الدخل، فإن التجربة الهندية تقدم دروسًا هامة في هذا المجال، حيث ينمو الاقتصاد الهندي حاليًا بأكثر من 7% سنويًا مرتكزًا أساسًا على النمو في القطاع الصناعي والتصديري، مما كان له أثره الملموس في تحسن موقف ميزان المدفوعات وزيادة الاحتياطيات الدولية من العملات الأجنبية، الأمر الذي يشكل حجر الأساس في برنامج التحول الوطني السعودي 2020، ورؤية المملكة 2030.

كذلك فإن السوق السعودية مفتوحة للشركات الهندية للمساهمة والمنافسة في مشروعات البنية الأساسية والخدمات الإجتماعية، إضافة إلى مجالات توليد الطاقة والصناعات المعدنية والتكنولوجيات الحديثة.

ومن المجالات الواعدة للتعاون بين الهند والسعودية تطوير التعليم الجامعي، وتعزيز التعاون بين مؤسسات التعليم المتطورة ومؤسسات البحث العلمي في الهند والجامعات السعودية، في مجالات تبادل خبرات أعضاء هيأة التدريس، والمراكز البحثية، وإجراء بحوث مشتركة في مجالات الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة والزراعة في البيئة الصحراوية والتنمية الحضرية ونظم الرعاية الصحية المتقدمة، التي توليها رؤية المملكة 2030 أهمية خاصة.

وتعتبر الجامعات الهندية ونظام التعليم الأساسي بها، معملاً فاعلاً لإعداد المهارات والخبرات البشرية الفنية، حيث تنخفض بها تكلفة التعليم والتدريب لفرصة العمالة الواحدة (وبنفس الجودة) بنحو 10% عنها في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، كما تنخفض تكلفة إدخال الميكنة الحديثة والمعرفة المستندة على درجة عالية من التعليم في بعض مناطق الهند الغربية عن مثيلتها في الولايات المتحدة بنحو 15%.

كما يمثل تشجيع تدفق الاستثمارات السعودية في الهند مجالاً خصبًا، لمزيد من التعاون بين البلدين، في مجالات الطاقة وقطاع الخدمات والصناعات المعدنية والعقارات والإنشاءات، خاصة وأن قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في الهند يضم أكثر من 3 ملايين وحدة صناعية تشارك بنسبة 35% من حجم المنتجات الهندية، ويبلغ معدل النمو السنوي لهذا القطاع 11.3% سنويًا وهو معدل يتجاوز بكثير ما حققه قطاع الصناعات الثقيلة.

المزايا المتبادلة من التعاون الخليجي الهندي

ترتكز المزايا المتبادلة بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند على بعدين رئيسين:

البعد الأول هو أهمية الاقتصاد الهندي على الصعيد العالمي، وتسارع معدلات النمو بها، وتجربتها الثرية فيما يتعلق بالتطور التقني، والابتكارات التقنية، وأهمية التعليم والبحث العلمي، ودور المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

البعد الثاني أن أهمية دول الخليج الاقتصادية لم تعد قاصرة على توفير مصادر الطاقة، أو كونها سوقًا واسعة للمنتجات المصنعة، بل تطمح لأن تكون شريكًا تجاريًا بالمعنى الواسع، حيث تشكل تدفقات رؤوس الأموال الخليجية أهمية كبيرة في الاقتصاد الهندي، كما أن نجاح سياسات الحكومات نحو تنويع هياكل الاقتصادات الخليجية، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية، يفتح مجالات أوسع للتبادل التجاري مع الهند.

وتاريخيًا انطلق اهتمام الهند بالتعاون الاقتصادي مع دول الخليج، من تأمين تدفق واردات النفط والغاز، واستيعاب منطقة الخليج للعمالة الهندية، خاصة في السعودية، والإمارات، وما يترتب عليها من تحويلات تدعم الاقتصاد الهندي، وتزيد من الاحتياطات من النقد الأجنبي وتحقق استقرارًا لأسعار صرف الروبية الهندية، حيث تقدر تحويلاتهم السنوية بنحو 15 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل قوة كبيرة في الاقتصاد الهندي وخاصة القطاع المصرفي منه.

أما الدوافع الاقتصادية لدول الخليج العربية للتعاون مع الهند فقد تزايدت بعد حقبة الطفرات البترولية، حيث أصبحت دول الخليج قوة اقتصادية على المستوى العالمي، ويكفي الإشارة إلى انضمام السعودية لمجموعة العشرين والتي تشكل أكبر الاقتصادات العالمية، وأكثرها تأثيرًا في الاقتصاد العالمي، وفي ظل العولمة أصبحت بلدان مجلس التعاون الخليجي أكثر تواصلاً واندماجًا في الاقتصاد الدولي، وتطورت علاقاتها الاقتصادية بعدد كبير من بلدان العالم ومن بينها الهند التي تحتل مكانة متقدمة في شبكة العلاقات الاقتصادية الخارجية لبلدان الخليج تاريخيًا ولأسباب جغرافية.

فرص نجاح منطقة التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والهند

يدعم عامل الجغرافيا نجاح التكتلات الاقتصادية الإقليمية، كما تقوم العلاقات التاريخية بدور هام في هذا المجال، لكن انطلاقة الاقتصاد الهندي في الوقت الحاضر، وتصميم دول الخليج العربية على تنويع هياكل اقتصاداتها، وبناء اقتصادات قائمة على المعرفة، وانفتاحها على العالم الخارجي ، يوفر أسسًا جديدة لإمكانات نجاح إقامة منطقة تجارة حرة بين المنطقتين، ويفتح أفاقًا أرحب للتعاون الاقتصادي بين اقتصادات حديثة ومتنوعة.

ففي الوقت الذي تتطلب فيه الانطلاقة الهندية علاقات اقتصادية واسعة خاصة مع دول الجوار، تسعى دول الخليج العربية، إلى تنويع مصادر الدخل بها وتنويع بنيتها الاقتصادية، وهو ما يتطلب زيادة القدرة التنافسية لاقتصاداتها، من خلال انفتاحها على العالم الخارجي، وتوسيع دائرة علاقاتها التجارية، والاستفادة من التجارب التنموية الناجحة.

ورغم تباين هياكل الاقتصادات الخليجية، عن نظيرها الاقتصاد الهندي، في الوقت الحالي، فلا تزال هناك فرص لنجاح التكتل الإقليمي، أيا كانت صور هذا التكتل، خاصة مع ما يحققه الاقتصاد الهندي من معدلات نمو هي الأعلى عالميًا، وتطورات الصادرات الهندية، وتزايد الاندماج الاقتصادي الهندي في الاقتصاد العالمي على نحو قوي، حيث تحتل بلدان مجلس التعاون الخليجي مكانة مهمة في قائمة الشركاء الاقتصاديين للهند،وتعد دول مجلس التعاون الخليجي في مجموعها ثالث أكبر مصدر للسلع إلى الهند بعد الصين والولايات المتحدة.

ويشكل القرب الجغرافي بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين الهند، وسهولة نقل السلع والأشخاص بين الطرفين عبر الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي، عنصرًا داعمًا في نجاح التكتل الإقليمي، نظرًا لانخفاض نفقات النقل والتأمين على التجارة السلعية والسياحة، وانتقال العمالة بين الطرفين، وتدفق رؤوس الأموال في الاتجاهين، وتوفر الخطوط الملاحية والخطوط الجوية التي تربط بلدان الخليج بالهند بصورة تسهل حركة البضائع والأشخاص بينهما.

وتدرك الحكومة الهندية ذلك جيدًا مما جعلها تمد جسور التعاون غربًا باتجاه الخليج العربي، ومنطقة الخليج تحديدًا وما وراءها، سواء للأسباب التقليدية المتعلقة بوارداتها من النفط والغاز، من دول الخليج، أو صادرات العمالة الهندية إلى دول مجلس التعاون، أو بسبب متطلبات نجاح النهضة الحديثة بالهند، وتسارع معدلات النمو ومن ثم تزايد احتياجاتها من النفط الرخيص، والغاز المسال، الأمر الذي يستوجب المضي قدمًا نحو التكامل الاقتصادي الإقليمي.

مجلة آراء حول الخليج