array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 129

اليمن: الحل لن يأتي من اليمنيين ونحتاج دولة عظمى تلم الشمل بطريقة الأب الصارم

الإثنين، 02 نيسان/أبريل 2018

في الـ 14 من أبريل 2015م، صدر قرار غير مسبوق من قبل مجلس الأمن الدولي، القرار الأممي 2216 بشأن اليمن الذي حصل على 14 صوتًا تصويتًا إيجابيًا، ودولة واحدة فقط امتنعت عن التصويت هي روسيا الاتحادية. وقد أُعتبر هذا الامتناع مفاجئًا وذلك لأن روسيا جاءت إلى المفاوضات بمسودة قرار مناقض خاص بها كما تضمنت تعليقات مندوبها فيتالي تشوركين[1] اعتراضًا على عدم إدراج ملاحظات دولته في القرار المعروض للتصويت. في وقته، كان القرار الذي قدمه الأردن، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، أعطى تشخيصًا للحالة اليمنية بطريقة واضحة كوضوح الشمس. هذا التشخيص للحالة اليمنية والحلول المقترحة المفصلة في بنود القرار بالإضافة إلى التأييد الدولي القوي الذي حاذه القرار، أعطاه ميزات وقوة لم تعهدها كثير من قرارات مجلس الأمن. ولعل العمل الدبلوماسي الدؤوب السابق للتصويت على القرار من قبل المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية السفير عبد الله المعلمي والجهود الجماعية لسفراء مجلس التعاون ومندوب اليمن، وكذلك مساندة المملكة الأردنية الهاشمية من خلال رئاسة مندوبتها الدائمة دينا قعوار -وهي أول امرأة عربية تتولى رئاسة مجلس الأمن بالأمم المتحدة -لدورة مجلس الأمن في ذلك الوقت من أهم العوامل التي أدت الى إنفاذ هذا القرار.

هذا القرار والذي دعمته الدول الكبرى ورحبت به الحكومة اليمنية من خلال مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن خالد اليماني ومن خلال الخطابات الرسمية للرئيس هادي، طالب الحوثيين بالقيام فورًا دون قيد أو شرط بالكف عن استخدام العنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، والإفراج عن وزير الدفاع محمود الصبيحي وعن جميع السجناء السياسيين وجميع الأشخاص رهن الإقامة الجبرية، وإنهاء تجنيد الأطفال وتسريح جميع الأطفال المجندين في صفوفهم[2].

العجيب في هذا الشأن أن الحوثيين وحلفاءهم في ذلك الوقت أبدوا ترحيبًا بهذا القرار من خلال تصريحاتهم في أكتوبر من العام نفسه وقبلها نتيجة للجهود الحثيثة التي بذلها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني باليمن آنذاك إسماعيل ولد الشيخ والتي من خلالها أقنع الجميع بالدخول في مفاوضات في جنيف.

والآن وبعد مضي ثلاث سنوات من هذا القرار، وبعد قرار جديد تبنته روسيا هذه المرة في جلسة الأمم المتحدة في 27 فبراير 2018م، بعد أن أجهضت مشروع قرار قادته بريطانيا يندد بتزويد إيران للحوثيين بالأسلحة، اختلطت الأوراق وتشوهت الحقائق أمام الرأي العام العالمي بشأن ما يحدث في اليمن.

بالنسبة لليمن، تعد هذه المرحلة أصعب بكثير من أي مرحلة مضت لأننا فقدنا الزخم الذي أعطاه لنا قرار مجلس الأمن 2216، والموقف الروسي المحايد -ولو مؤقتًا -في ذلك الوقت. فحاليًا يُعاني مجلس الأمن من تباين كبير في المواقف جاءت كنتيجة طبيعية للتداعيات على الأرض، وللحملات الإعلامية الغربية ضد التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية بالذات مع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وكذلك بسبب ضعف الحكومة اليمنية وعدم قدرتها على تثبيت الدولة في المناطق المحررة وهمجية الحوثيين خاصة بعد تخلصهم من حليفهم السابق المخلوع علي عبد الله صالح والذي كان يعطيهم الغطاء السياسي والإعلامي.

من أجل استيعاب دور الأمم المتحدة في اليمن يجب على الباحث التفريق بين دور مجلس الأمن والذي يمثل سياسة الدول الأعضاء بالذات الدول دائمة العضوية والتي تحمل حق الفيتو، وبين وكالات الأمم المتحدة المختلفة التي تقوم بالعمل التنموي والإغاثي. التفاهم مع الدول الأعضاء يشمل عمليات المناصرة والتأييد وكسب المواقف وهذا ما تم القيام به في 2015م، بطريقة مذهلة والذي أنتج لنا القرار 2216. ولكن في النهاية، تبقى قرارات مجلس الأمن حبرًا على ورق ما لم يتم الاتفاق على إنفاذ آلية للتطبيق تحقق الواقعية على الأرض لما تم الاتفاق عليه حول الطاولة. وبالنسبة لهذه النقطة، فإن الأدوات التي يملكها مجلس الأمن بالإضافة إلى الخطاب السياسي نوعين: العقوبات والتدخل العسكري. بالرغم من أن اليمن تقنيًا تحت الباب السابع من ناحية فرض العقوبات على الدول التي تزود الأطراف المتقاتلة (والتي تم تصنيفها إلى معسكر الجيش التابع للحكومة الشرعية من جهة وقوات التحالف بين الحوثيين وصالح من جهة أخرى)، وكذلك من خلال فرض العقوبات عبر تجميد أرصدة وحظر سفر خمس شخصيات قيادية في تحالف الحوثيين / صالح، وبالرغم من مرور ثلاث سنوات على القرار، فإن عمليات تجميد الأرصدة لا تزال وضع التحقيق ولا تزال جميع بنود القرار لم تنفذ بعد بما فيها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. بل أن الوضع الاستبدادي للحوثيين ضد الجميع بما فيها حلفائهم السابقين من المؤتمر الشعبي العام وجماعة الراحل صالح قد وصل إلى مراحل سيئة جداً.

وحتى بعد إثبات تزويد إيران للحوثيين بأسلحة وجهود بريطانيا وأمريكا المشتركة لتقديم قرار جديد في مجلس الأمن يبني على القرار السابق، يجد مجلس الأمن نفسه مقيدًا بالفيتو الذي من خلاله دافعت روسيا عن حليفتها إيران مكفرة عن امتناعها عن التصويت في القرار السابق في 2015م. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو ما فائدة قرارات مجلس الأمن إذا كان بالإمكان تجاهلها كما حدث في السابق وإذا كان مزاج الدول وعلاقاتها الشخصية هو الذي يتحكم في العقد الاجتماعي المدني العالمي؟

وهذا السؤال يقودنا إلى الشق الثاني من أدوات مجلس الأمن وهو التدخل العسكري. القرار 2216 في حد ذاته يعطي التحالف العربي بقيادة السعودية الحق في التدخل العسكري في اليمن بهدف حماية حدودها والدفاع عن أراضيها ضد الهجمات العسكرية من قبل الحوثيين. الصورة العامة لعاصفة الحزم تؤكد بأن الوصول إلى حماية سيادة المملكة العربية السعودية لن يتأتى إلا من خلال إنهاء الانقلاب ونزع السلاح من الجماعات المسلحة خاصة الصواريخ الباليستية والقاذفات بعيدة المدى. ولكن هذا القرار لا يتحدث عن قوى عالمية حيادية مثل قوات حفظ السلام والتي تدخلت في السابق في بعض الأزمات الإنسانية الناتجة عن النزاعات المسلحة. الباحث الألماني في العلاقات الدولية مارتن بيندر يستنتج في بحثه بعنوان "تفسير التدخل الإنساني الانتقائي للأمم المتحدة في الأزمات الإنسانية"[3] بأن قرار مجلس الأمن لإرسال قوات صنع السلام وحفظ السلام هو قرار سياسي بالدرجة الأولى يعتمد بشكل رئيس على اتفاق الدول دائمة العضوية صاحبة الفيتو والتي تتبع تحالفاتها ومصالحها بغض النظر عن طبيعة الأزمة الإنسانية المطروحة للنقاش. ولكنه استطاع من خلال تحليل 31 تدخلاً لمجلس الأمن في أزمات إنسانية منذ الحرب الباردة على استنتاج عدد من العوامل وهي: فداحة الحالة الإنسانية، وجود تدخل سابق من قبل الأمم المتحدة، إمكانية وصول التداعيات إلى الدول المجاورة مثل اللاجئين أو التهريب، بالإضافة إلى كون المؤسسات العسكرية لدى الدولة المعنية ضعيفة غير قادرة على الدفاع عن نفسها وكذلك التغطية الإعلامية الكبيرة لأي أزمة إنسانية تعد عاملاً مؤثرًا يدفع بمجلس الأمن للتدخل في أزمة معينة. هذه العوامل الأربعة تكررت في الكثير من الحالات التي قام بها مجلس الأمن بإرسال قوات للتدخل والتخفيف من الوضع المتدهور في البلد المعني. كما استنتج الباحث السياسي بيندر أن هناك عامل واحد قوي يكرر في الحالات التي لم تتدخل فيها الأمم المتحدة كان بسبب وجود قوة مضادة قوية لهذا التدخل سواء الحكومة المحلية أو دولة أخرى قوية ذات علاقة ترفض هذا التدخل.

في حالة اليمن، فإن الأمم المتحدة كانت حاضرة وبقوة قبل 2010م، من خلال مشاركتها في تكوين مجموعة أصدقاء اليمن ورعايتها للمبادرة الخليجية الناتجة من تجربة اليمن في الربيع العربي في 2011م، وبعدها من خلال إشرافها على العملية الانتقالية والمفاوضات المختلفة عبر أكثر من مبعوث خاص. بالإضافة إلى أربعة قرارات مجلس أمن خاصة باليمن خلال العقد الماضي. وبالنسبة للوضع الإنساني فإن اليمن تعد من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث ومن ناحية التغطية الإعلامية فإن اليمن كانت ولا تزال تشغل حيزًا لا بأس به من عناوين الأخبار العالمية خاصة ما له علاقة بالوضع الإنساني أو حتى المباحثات السياسية. وأخيرًا فإن الحكومة اليمنية لم تكن لديها جيش وطني في بداية الأمر وأصبح الوضع أكثر سوءًا الآن بعد استيلاء الانقلابيين على مجاميع السلاح والعتاد بأنواعه من ناحية، وبعد تكوين عدد من الميليشيات المسلحة المحلية والتي تنتمي لهذه القبيلة أو ذلك التوجه السياسي أو الاجتماعي. ولا يمكننا أن ننسى في هذا الإطار التهديد الواضح القادم من الجماعات الإرهابية مثل القاعدة في الجزيرة العربية، وتنظيم داعش اللذان يزدهران بسبب الاضطراب وعدم وجود دولة وجيش قويان يؤمنان النظام والقانون ويحميان المواطنين. وفي الوقت نفسه لا توجد قوة على الأرض يعتد بها مضادة لتدخل الأمم المتحدة، بل على العكس الحكومة الشرعية ترحب بأي مساعدة تلقاها من قبل العالم بالذات للسيطرة على الموانئ والمساعدة في إدخال المساعدات الانسانية وتوزيعها بدون فتح المجال لتهريب السلاح للحوثيين وفي نفس الوقت طلبت المملكة السعودية من العالم أن يقف معها لحماية حدودها وفي جهودها لإعادة الدولة.

والجدير بالذكر في هذا الموضوع أن القرار الذي دفعت به بريطانيا في مجلس الأمن واعترضت عليه روسيا كان يرمي باتجاه قوات محايدة تشرف على الموانئ اليمنية بالإضافة إلى التنديد بتزويد إيران الحوثيين بالسلاح. ربما القوة المضادة الوحيدة التي يمكن الإشارة اليها والتي يمكن أن تعترض على التدخل الأممي هي روسيا وذلك لحماية مصالح إيران في اليمن ولكن المهم أن مسألة الباب السابع وإرسال قوات سلام من قبل الأمم المتحدة لم يتم طرحها بقوة ولم تؤخذ في الاعتبار الظروف الاقليمية والتنازلات السياسية على المستوى العالمي والذي يمكن أن يلين موقف روسيا باتجاه تحقيق السلام في اليمن. وبالتالي حتى هذا البحث ومثله الكثير يعجز عن تفسير لماذا لم تتدخل الدول الأعضاء في مجلس أمن الأمم المتحدة في وضع نهاية للكارثة الإنسانية في اليمن بالشكل المطلوب ومن قبلها الأزمة السورية على سبيل المثال بالرغم من أنها قضية مثالية للتدخل بكل المقاييس.

الجانب الآخر من الأمم المتحدة يتمثل في وكالاتها ومؤسساتها التنموية والإغاثية المختلفة مثل اليونيسف، وكالة الغذاء العالمية، البرنامج الإنمائي وغيرها من وكالات الأمم المتحدة المعروفة. وقد شكلت فروع هذه الوكالات المتعلقة باليمن ائتلاف إنساني يشارك فيه مركز الملك سلمان للإغاثة السعودي وكثير من المنظمات الإنسانية الدولية. هذا الائتلاف يقوم بعدد من المشاريع الإغاثية والإنسانية في اليمن وكذلك حملات إعلامية لجلب الدعم والذي غالبًا ما يكون مصدره دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وفي هذا الجانب فإن أي شخص له خبرة أو تجربة مع مثل هذه المنظمات الدولية يدرك شيئين رئيسيين: الأول أن السياسية تلعب دورًا كبيرًا في الجانب الإنساني وللأسف الكثير من هذه المنظمات لا تستطيع أن تكون محايدة لأكثر من سبب، بعضها أسباب عملية لها علاقة بمناورات صراع البقاء مع القوى المحلية المتحكمة في الميدان، والشيء الآخر هو أن الكثير من المبالغ المخصصة للمساعدات تذهب في سبيل التأمين، التكاليف اللوجستية، الخبراء ورواتب الموظفين العالية وغيرها من التكاليف المختلفة التي لا تتعلق مباشرة بسد احتياجات اليمنيين الإنسانية. بل أن بعض العاملين في وكالات الأمم المتحدة قد شرحوا لي بشفافية في أكثر من موقف أنه وجود المشاريع الإغاثية معتمد والذي يشكل مصدر دخل لهم وموردًا ماديًا معتمدًا على وجود الأزمة الإنسانية. كانوا يقولون مازحين أن الأزمات الإنسانية كثيرة حول العالم ولا سيما في المنطقة العربية ولا خوف من عدم وجود سبب يدعو للتدخل لمساعدة الناس ولكن النقطة الجوهرية من الذي سيدفع التكاليف في آخر المطاف!

وفي هذا الإطار، تحدثت مسؤولة الشرق الأوسط لمنظمة مرسي كروبس السيدة سعاد جرباوي في ندوة فكرية الشهر الماضي في لندن أن هناك خللاً كبيرًا في آلية العمل الإنساني في هذا الزمن. وأن العمل الإنساني لا يجدي من ناحية الاستدامة في تخفيف معاناة الناس في اليمن لأن هناك العديد من العوامل اللوجستية والبشرية التي تمنع مشاريع الاغاثة من أن تكون مؤثرة بالشكل الذي يجب. الفكرة التي طرحتها السيدة جرباوي تتلخص بأن الأعمال الإغاثية يجب أن تكون مخططة بطريقة استراتيجية تشجع الدورة الاقتصادية للبلد وبالذات المشاريع الصغيرة والمتوسطة بدلاً من الوضع الحالي وهو جعل الفئات المتضررة من الكارثة الإنسانية في حالة اعتماد كلي على المساعدات. هذا الصوت المتوازن مفقود في كثير من استراتيجيات المشاريع الإنسانية بالذات المتعلقة باليمن. وبالتالي أنا كباحثة يمنية أؤيد الطرح الذي يقول إنه من الضروري إعادة التفكير في آليات وسياسات وكالات الأمم المتحدة وغيرها من العاملين في المجال الإنساني في اليمن، لأنه في كثير من الأحيان عملهم غير مجدي مثل نقطة في بحر من الاحتياج بالرغم من الملايين التي يتم صرفها يوميًا.

وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو ما الذي يجب على القيادة اليمنية عمله لكي تستطيع أن تؤثر في الأمم المتحدة بشقيها السياسي من خلال مجلس الأمن والإنساني من خلال وكالات الأمم المتحدة؟

من ناحية أولى، فإن الجانب السياسي بحاجة إلى حل سياسي. ولذا فإن المباحثات التي يقودها المبعوث الجديد للأمين العام السيد مارتن جريفثس حاليًا بمنتهى الأهمية ويجب إعادة النظر في الملف اليمني بطريقة جذرية لأن الحلول والمبادرات السابقة والجهود المختلفة للمبعوثين السابقين جمال بن عمر وإسماعيل ولد الشيخ لم تؤد إلى النتيجة المطلوبة. الخلل الرئيسي في نظري في طريقة تعامل الأمين العام والمكتب السياسي للأمم المتحدة في قضية اليمن هو تكرارهم بأن الحل يجب أن يأتي من اليمنيين أنفسهم وأن الحل العسكري لن يصل إلى السلام. الحقيقة المؤلمة التي يجب أن نعترف بها قبل كل شيء هو أن حل القضية اليمنية لا يمكن أن يأتي من اليمنيين لوحدهم للأسف. فاليمن بحاجة إلى دولة عظمى أخرى تساعد في تقريب وجهات النظر ولم الشمل بطريقة الأب الصارم الذي يستطيع أن يعطي وأن يمنع والذي يستطيع أن يفرض العقوبات على الجهة المخلة بالاتفاق. هذه الحقيقة ليست جديدة والتاريخ اليمني مليء بالتجارب السياسية والتي قامت من خلالها دول أخرى مثل مصر والأردن بردم الفجوات بين الجماعات المتخاصمة والجمع بينهم من خلال اتفاقات سلام برعاية دولية. وبالنسبة للوضع اليوم فإن الحاجة إلى رعاية دولية صارمة أكثر من أي وقت مضى. فعلى سبيل المثال، التعامل مع الحوثيين على أن لهم كلمة وأنهم أصحاب مبدأ سياسي وأن توقيعهم على اتفاقات سياسية ملزم لهم كلام لا أساس له من الصحة والتجربة خير برهان. مثل الحوثيين اليوم مثل الشاب المراهق الذي بدأ يشعر بقوته الجسدية الجديدة وهرموناته التي تدفعه إلى العمل المتهور بدون وجود نضج عقلي يردعه. ولذا فإن التعامل معهم يكون بالأخذ بالاعتبار تاريخهم القريب والبعيد ونضجهم السياسي من عدمه. وهنا يأتي دور مجلس الأمن وأجهزته المختلفة. الضغط على الحوثيين باستخدام مبادئ إنسانية ووطنية لن يجدي لأنهم لا يأبهون بمعاناة الناس بل أنهم يستمتعون بها ويستخدمونها لإذكاء الصراع بدليل منع المرتبات وإجبار العديد من الأهالي تحت سيطرتهم للدفع بأبنائهم للالتحاق بالمليشيات الحوثية مقابل الراتب البديل الذي سيأتي للمقاتلين. ولا يمكن الإنكار في الوقت ذاته أن هناك الكثير من الفئات المسلحة الأخرى التي ظهرت مؤخرًا في شتى أنحاء اليمن والتي وجدت من التجربة الحوثية مثالاً يحتذى به في البلطجة وإثبات الذات على الأرض بالقوة ضاربة عرض الحائط بأي قيم ديمقراطية وأحلام اليمنيين للوصول إلى دولة مدنية حديثة.

في تحليل متميز بعنوان "لماذا لا تستطيع الأمم المتحدة إحلال السلام في اليمن؟"[4] تقول الباحثة في شؤون اليمن وصاحبة كتابين عن اليمن السيدة هلين لاكنر أن الأمم المتحدة بشقيها: مجلس الأمن ووكالات التنمية، قامت بعدد من المبادرات لمساعدة اليمن في حل أزمته السياسية منذ قرار مجلس الأمن رقم 2201 الناتج من أحداث 2011 م، والذي ركز بشكل أساسي على العمليات السياسية متجاهلاً القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتي كانت أهم بالنسبة للمواطن اليمني وأساس المطلب الشعبي وراء التظاهرات السياسية. وتعلق الباحثة على قرار مجلس الأمن 2216 بأنه أيضًا غير موفق لأنه لا يضع الوقائع العملية في الحسبان. فعلى سبيل المثال، يطلب القرار من الحوثيين تسليم السلاح والخروج من المناطق التي سيطروا عليها بالقوة متناسيًا بأن الحوثيين يعتقدون بأنهم منتصرين ليس فقط لأنهم استولوا على مناطق تشمل ثلاثة أرباع سكان اليمن بما فيها العاصمة واضطروا الرئيس والحكومة إلى الخروج من العاصمة واللجوء إلى مناطق أخرى، بل أيضًا لأنهم استطاعوا التخلص من حليفهم السابق علي عبد الله صالح وبالتالي خلت لهم الساحة سياسيًا وعسكريًا ولن يقوموا بأي عمل يؤدي إلى إضعافهم خاصة ما يتعلق بتسليم السلاح. ومن جهة أخرى، يَفترِض القرار بأن الحكومة والرئيس هادي بإمكانهم استعادة الدولة والسيطرة على المناطق المحررة بمجرد عودتهم إلى اليمن حيث ينص القرار أن الرئيس هادي وحكومته يجب أن يعودوا ليحكموا من العاصمة صنعاء ومن ثم تنفيذ بقية خطوات المرحلة الانتقالية. وفي رأي الكاتبة أن وضع متطلبات مثل هذه بدون النظر في واقعيتها خاصة في ظل عدم وجود رادع أو محاسبة للمماطلين في التنفيذ لن يصل بنا إلى أي نتيجة مرجوة.

وبالتالي، لكي يكون تأثير الأمم المتحدة حقيقيًا ومفيدًا في إنهاء الأزمة اليمنية والوصول إلى سلام مستدام يجب على صانعي القرار في مجلس الأمن وفي المكتب السياسي للأمين العام أخذ عدد من النقاط في الاعتبار: أولاً الاعتراف بأن هناك لاعبين آخرين على الأرض وأن الأزمة اليمنية ليست ثنائية كما يتم الترويج له بين هادي وحكومته من جهة وبين الحوثيين وأتباع صالح سابقًا من جهة أخرى. لأنه تم خلق بعض القوات وأخرى تشكلت بمفردها على الأرض وأصبحت ذات تأثير ويجب أن تدعى إلى طاولة الحوار، بما فيها ممثلين عن المرأة والشباب والمجتمع المدني أسوة بالتقليد الرائع الذي شهدته اليمن من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل. وعندما نتحدث عن طاولة الحوار فإننا لا نتحدث عن مؤتمر حوار وطني جديد بل أنه سيكون كارثي النتائج إذا تجاهلنا مخرجات مؤتمر الحوار وعدنا الى النقاشات من نقطة الصفر. بل يجب أن تكون المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار وقرار مجلس الأمن 2216 أسس رئيسية في أي حوار سياسي جديد.

والنقطة الثانية التي يجب أخذها بالاعتبار بشكل جدي وتكريس الجهود والدعم المالي باتجاهها تُعنى بالعجلة الاقتصادية بالذات إحياء المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتمكين المؤسسات المحلية من القيام بتقديم الخدمات للمواطنين بشكل مرضي لتعيد الحياة الطبيعية تدريجيًا إلى مناطق الصراع. وذلك لأن التركيز على الجانب السياسي والعسكري بدون الأخذ بالاعتبار احتياجات الناس والتعاطي معها بشكل مستدام سوف يعيد الصراع مجددًا.

كذلك من المهم جدًا الاستماع لما يصدر من تقارير المنظمات الحقوقية والتنموية العاملة على الأرض في اليمن بالذات اليمنية والتي تعرف مجتمعها وتفاصيل الصراع والحلول أكثر من المنظمات الأجنبية. ويشمل هذا لجنة تقصي جرائم الحرب والتي أصدرت تقريرها الأخير قبل أشهر قليلة والتي أعطت سردًا مفصلاً للواقع ولأماكن الاحتياج والخلل. فلا فائدة من أي تقارير أو منظمات أو لجان إذا كان ما تصدره لا يتم الأخذ به في الاعتبار أثناء الحديث عن المستقبل والمضي قدمًا. وفي هذا الإطار يُحسب لا لحكومة اليمنية وللتحالف بأنه أعلن موافقته على توصيات اللجنة وإن لم يبدأ التنفيذ على أرض الواقع بعد. وفي كل الأحول ما المغزى من وجود لجان تقصي حقائق وتقارير حقوقية وكذلك قرارات أممية واتفاقات سلام إن لم تكن هناك تبعات جراء الخروقات ومحاسبة للمخالفين، حتى لو ترتب على هذا استخدام القوة من أجل الوصول إلى السلام. هذا المبدأ في حد ذاته ليس جديدًا في العلوم السياسية والتاريخ الحديث وهناك عبارة شهيرة اُستخدِمت كثيرًا في الماضي وهي "تحقيق السلام باستخدام القوة". يُقال إن أول من قالها هو الإمبراطور الروماني هادريان في القرن الأول الميلادي وتعترف هذه العبارة بالواقعية السياسية وبالطبيعة البشرية. بل إن الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان استخدمها في حملاته الانتخابية قائلاً: "نحن نعلم أن السلام هو الشرط الذي بموجبه تزدهر البشرية. ولكن السلام لا يتواجد بمحض إرادته. إنه يعتمد علينا، وعلى شجاعتنا في بنائه وتحصينه ونقله إلى الأجيال القادمة. قد تبدو كلمات جورج واشنطن اليوم صعبة وباردة، ولكن التاريخ قد أثبت مرارًا وتكرارًا أنه كان على حق. حيث قال "أن تكون على استعداد للحرب" "هو إحدى أكثر الوسائل فاعلية لحفظ السلام"[5].

وأخيرًا فإن على الأمم المتحدة بشقيها السياسي والتنموي أن تعير الانتباه للمناطق خارج بؤر النزاع الكثيف من أجل أن تصنع منها مناطق أمنة وجسور إغاثة تنطلق منها العمليات الإغاثية ومشاريع إعادة الإعمار وكذلك المشاريع الاقتصادية التنموية. ومعنى هذا ألا يتم التقوقع حول العواصم أو حول النصوص الحرفية للقرارات والمبادرات والتي حاليًا تعتبر غير قابلة للتنفيذ ما لم يتم تغيير المعطيات على أرض الواقع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*وزيرة الإعلام اليمنية السابقة

 

 

 

[1] توفي فيتالي تشوركين مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في 20 فبراير 2017 في نيو يورك قبل اتمام عامه الخامس والستين بيوم واحد جراء أزمة قلبية. روسيا اليوم. "وفاة فيتالي تشوركين مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة" 20 فبراير 2017.

[2] وثائق مجلس الأمن، الجلسة 7426 بتاريخ 14 ابريل 2015.

https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/PRO/N15/103/42/PDF/N1510342.pdf?OpenElement

[3]مارتن بيندر، 2016. "الطرق الى ال. تفسير التدخل الانساني الانتقائي للأمم المتحدة في الأزمات الانسانية". مجلة بحوث السلام. العدد 6، المجلد 52. http://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/0022343315585847

[4]هلين لاكنر، 2018. "لماذا لا تسطيع الأمم المتحدة احلال السلام في اليمن؟".الديمقراطية المفتوحة. https://www.opendemocracy.net/north-africa-west-asia/helen-lackner/why-can-t-united-nations-bring-peace-to-yemen

[5]Reagan 2020 - Ronald Reagan - Address on National Security نسخة محفوظة 09 أكتوبر 2016 على موقع واي باك مشين.

مجلة آراء حول الخليج