; logged out
الرئيسية / الدور الأمريكي في التغيير العربي وأثره على دول الخليج العربية

العدد 88

الدور الأمريكي في التغيير العربي وأثره على دول الخليج العربية

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

تتعرض المنطقة العربية في معظمها إلى حركة تغيير سياسية قوية شملت تغيير الأنظمة الحاكمة التي استمرت تحكم عقوداً طويلة، مستبدلة إياها بأنظمة جديدة متولدة عن انتخابات حرة، وجد المواطن العربي المنتخب أخيراً قيمة لصوته الانتخابي، بعد أن كان يشعر لعقود طويلة بأن لا قيمة حقيقية لصوته. إذ إن النتائج تكاد تكون محسومة سلفاً، ووزارات الداخلية العربية تضع لائحة بأسماء أولئك الفائزين، وهي توزع المقاعد بما يتلاءم ورغبة النظام الحاكم.

لذلك سمى الكثيرون حركة التغيير العربية هذه بـ (الربيع العربي)، وأعتقد أن التسمية جاءت انطلاقاً من الفرحة التي تتأتى للناس عندما يحل فصل الربيع بما يحمل معه من بشائر للخير، وعلى اعتبار أنه جاء بعد شتاء عربي حمل معه سباتاً طويلاً، سبات لأنظمة جثمت طويلاً على صدور أبنائها من دون تغيير حقيقي ملموس في واقعها، وسبات حل لعنة على الأمة العربية، حينما تراجعت أمتنا إلى أسفل المقام، ولم تعد تقدر حتى على لملمة نفسها وحلحلة قضاياها العالقة، وأصبحت اجتماعات قادتها في منبر الجامعة العربية مجرد لقاءات لا فائدة منها، ترفع مجرد شعارات، والسبب بالتأكيد هو في خلافات قادتها، فبضعة أشخاص كانوا يتحكمون في مصير أمة كاملة، إذا ما اتفقوا أحست الأمة بالخير، وإذا ما اختلفوا عانت الأمة الأمرين، وأعتقد أنهم لم يتفقوا على طول الوقت، ربما باستثناء حالات قليلة.

ما يهمني هنا ثلاثة أمور، الأول: مإذا يمكن أن نستشف لمستقبل عملية التغيير العربي على الدول التي حصلت فيها وعلى وضع الوطن العربي ككل؟ والثاني: أين نجد الدور الأمريكي في كل ما حصل؟ والثالث: ما هو تأثير ما حصل ويحصل على دول الخليج العربية الست؟

لنناقش أولاً مستقبل ما حصل في المنطقة العربية، فما حصل قد حصل، وما يهمنا هو المستقبل. هل ما حصل فعلاً هو (ربيع عربي)؟ لا أعرف لماذا كلما أقرأ أو أسمع بالربيع العربي، ثم أرى ما يحصل في الدول التي شابها التغيير، أشعر كأنه خريف عربي، وليس ربيعاً، إذ توجد علامات لرياح قوية قد تقتلع أشجاراً واقفة، وتسقط أوراقاً مخضرة، أعتقد أنها قادمة مستقبلاً على المنطقة العربية، ستؤثر سلباً في ما يحصل الآن. أنا أتمنى دائماً أن أكون مخطئاً في تصوري هذا، لكن نحن نستشف المستقبل من واقع الحاضر ومن تصورات للقادم.

إذا كانت التغييرات السياسية ستجلب معها عدم استقرار داخلي فتركها أفضل

لنبدأ بتونس التي عاشت العلمانية ردحاً طويلاً، هل سيقود صعود الإسلاميين للسلطة إلى خلافات ستتيه في دوامتها تونس التي كانت مستقرة زمناً طويلاً؟

وفي مصر أيضاً، من الآن ثمة لغط كبير وحديث يتصاعد يوماً بعد يوم عن صعود الإسلاميين للسلطة وآثار ذلك على كل شيء في مصر، إذ ثمة تخوف لدى الكثيرين مما سيقود إليه هذا الصعود وتأثيره في البلاد، هل سيقود إلى خلاف إسلامي علماني عميق؟ هل سيؤثر صعود الإسلاميين للحكم في معادلة الاستقرار الديني المصري؟ المعادلة التي لم تكن تسلم حتى في أيام الاستقرار السياسي والأمني من محاولات لتعكيرها هنا وهناك، فكيف غداً والكل سيحاول أن يجني أكبر ما يستطيع من ثمار التغيير، والقسمة لن تكون بالتساوي، ويا ليتها تكون بالتراضي، فحتى إن كان المصريون شعباً واعياً لمصالحه ووطنيته، إلا أن من يريد تمزيق الأمة ومن يريد إضعاف القوى المركزية فيها لا سيما مصر لن يقف ساكناً، وسيتدخل ويمد أصابعه الآثمة ليحرق ما يستطيع حرقه، وأعتقد أن الخلافات التي حصلت قبل وقت ليس بالطويل بين المسلمين والأقباط هي قنبلة موقوتة قد تنفجر لا سمح الله فتشعل مصر كلها.

ولنأت إلى ليبيا، وقد كتب عنها الأستاذ عبدالإله بلقزيز موضوعاً تحليلياً مهماً للغاية، حينما تخوف من المستقبل الذي سيجره التغيير في ليبيا، وأرجع أسباب هذا التخوف إلى أسباب أمنية وسياسية وسيادية واجتماعية (ليس من سبيل إلى تغطيتها باحتفالية النصر، أو بترديد القول إن أي نظام سياسي في ليبيا سيكون قطعاً أفضل من النظام السابق). هل ستبقى ليبيا مستقرة أمنياً كما كانت في السابق؟ أشك في ذلك، فالصراع الداخلي تشم رائحته من بعيد، صراع بين القادمين للحكم أنفسهم، وصراع قبلي سيؤثر سلباً في مستقبل ليبيا. هل سيبقى الاقتصاد الليبي كما كان؟ أشك في ذلك أيضاً، ففاتورة حلف شمال الأطلسي يجب أن تسدد، والفاتورة كبيرة والأطماع الغربية أكثر، والتدخلات ستكون حاضرة دوماً لفرض الإملاءات والحجة حاضرة دوماً، (خلصناكم من القذافي).

هدف الفعل الأمريكي في الثورات العربية هو في إعادة رسم خريطة المنطقة العربية

كذلك الحال في البلدان الأخرى، فهل نستطيع القول إن التغيير إذا ما وصل إلى سوريا فإن سوريا المستقبل أمنياً واجتماعياً ستكون كسوريا اليوم؟ قطعاً لا،فالصراع الداخلي سيكون حاضراً وبقوة، والأصابع الخفية ستحيك خيوطها لتفعل فعلها وتمزق جسد الأمة الذي يعاني أصلاً من الاعتلال.

إذاً، أنا لست من المتفاءلين بمستقبل ما حصل من تغيير، وأدعو الله أن يجنب هذه الأمة المنهكة كل ما يسوءها، فنحن وأجيالنا القادمة بحاجة إلى أن نستشعر أننا أحفاد رجال عظام بنوا أعظم إمبراطورية في التاريخ.

عندما أذكر الأيادي الخفية، فأنا أقصد قطعاً من بين أطراف متعددة، الولايات المتحدة، هذه الدولة الوحيدة التي ترى في العالم كله حدوداً لأمنها القومي، فالدول الأخرى تقف حدودها عند حد معين، أما الولايات المتحدة، فلا تقف حدودها عند حد أبداً، وهي تتدخل في أي منطقة في العالم مهما كان بعدها ومهما كان تأثيرها إذا ما استشعرت أن مصالحها تتطلب ذلك. والمنطقة العربية بموقعها وثرواتها و(فرض) وجود إسرائيل فيها، كلها عوامل تفرض على الولايات المتحدة أن تضعها في قلب أمنها القومي، ولذلك فإنها لن تترك المنطقة العربية أبداً في حالها ما لم يأت يوم فيه تنضب مواردها، وتحل فيه قضية الصراع العربي-الإسرائيلي، أو تنكفئ الولايات المتحدة لتمارس دوراً إقليمياً بحدود قارتها أو أبعد قليلاً، وليس بحدود العالم وما بعد العالم. وأعتقد ولسنوات طويلة مقبلة أن ذلك لن يحصل، بالتالي فإن الولايات المتحدة ستكون حاضرة دوماً لتملي علينا ما تريد، ليس لمصالحنا وإنما لمصالحها هي، فهي لا تهتم أبداً بنا ولا بحرياتنا ولا بحقوقنا، ونحن في العراق نعرفها أكثر من غيرنا، فهي أوغلت في دمائنا، وقتلت رجالنا ونساءنا، ويتمت أطفالنا ورملت نساءنا، وانتهكت حرياتنا، وسرقت ثرواتنا، وأفقدتنا أمننا، وخربت مجتمعنا، ولم تترك أي شيء سيئ لنا إلا فعلته، ولا أعتقد أنها ستقدم للدول العربية الأخرى أفضل مما قدمته للعراق، وجرائم حلف الأطلسي بحق المدنيين في ليبيا تؤكد ذلك، وإذا ما حان الوقت في دول أخرى فإنها لن تتوان عن ذلك أبداً.

ويمكن القول إن الدور الأمريكي بدا واضحاً في ما حصل في المنطقة من تغيير، وأعتقد أنه يأتي من حيث الأهمية والفاعلية بعد دور الشباب العربي المتظاهر والمقاتل، إذ لا يمكن أبداً أن ننكر أهمية ودور التضحيات التي قدمها الشباب العربي، وأعتقد أن الدور الأمريكي أوضح ما يكون في ليبيا، كما اتضح أيضاً في اليمن، وسيكون فاعلاً أيضاً في سوريا، فتحركات السفير الأمريكي المريبة، وكلام هيلاري كلنتون، كلها تدل على أن الولايات المتحدة ماضية بتدخلها في الشأن السوري. لكنه كان أقل وضوحاً- وليس أقل تأثيراً - بالنسبة لمصر، لكنه أكثر وضوحاً عند رئيس مصر السابق حسني مبارك، الذي وحسب اعتقادنا أنه وصل إلى قناعة كبيرة بأن الولايات المتحدة لن تدعمه مستقبلاً لاسيما في الأيام الأخيرة عندما طالبته إدارة أوباما علناً بالتخلي عن السلطة.

وإذا قطعنا بالتدخل الأمريكي، يبرز السؤال الأهم، لماذا؟ عند الإجابة أرى أن نستحضر قضيتين، الأولى مخطط المستشرق الصهيوني برنارد لويس في ثمانينات القرن الماضي لإعادة رسم المنطقة العربية من جديد على أسس طائفية وقومية ودينية. لقد رأى لويس أن المنطقة العربية يجب أن يعاد رسم حدودها من جديد، ليكمل ما بدأه مخطط (سايكس بيكو) للإيغال في تقسيمها وشرذمتها. وقد وضع لويس خريطة مشهورة للمنطقة، ولو تأمل فيها المواطن العربي وركز على موضعين، العراق والسودان في جنوبه، ثم يتأمل مصر والمغرب العربي وسوريا، ثم أجرى مقارنة بما يحصل الآن، لوجد الرابط بين الأمرين. القضية الثانية، التغيير الذي قامت به الولايات في العراق، حيث أنفقت من المال والرجال ما أثر سلباً في السمعة الأمريكية العالمية، وأثر أيضاً في الميزانية الداخلية الأمريكية، بالتالي لم يعد مفيداً أن تقود التغيير بالقوة العسكرية، بل تترك الآخرين ليقوموا بذلك، وتدعم هي عمليات التغيير بسطوتها وعصاها الغليظة، وتعمل مع غيرها بالقوة إن تطلب الأمر لكن من دون التورط المباشر على الأرض كما حصل في العراق.

الولايات المتحدة لن تقبل بوجود الإسلاميين على رأس السلطة من دون مكاسب لها

وبالتالي، أعتقد أن هدف ما حصل من تغيير في المنطقة العربية وهدف الفعل الأمريكي فيه هو إعادة رسم خريطة المنطقة العربية من جديد لخدمة الأهداف الأمريكية بعيدة المدى بما يسهم في إضعاف المنطقة العربية، فتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة (هي فوضى وخلاقة للأمريكان نعم، لكنها ليست خلاقة للعرب بالتأكيد)، يتطلب أن تسهم الولايات المتحدة بما يحصل في المنطقة، وأن تتدخل بثقلها ودورها في التغيير العربي بما يؤمن الوصول إلى أهدافها وتحقيق مصالحها وحماية أمن حليفتها إسرائيل في المنطقة.

السبب الآخر للدور الأمريكي في ما يحصل في المنطقة العربية من تغيير، هو التشجيع الأمريكي على وصول الإسلاميين إلى رأس السلطة في الدول العربية التي يجري فيها التغيير، لا حباً بهم بالتأكيد، وإنما لتحقيق واحد من غرضين: الأول بقصد التسقيط السياسي للإسلاميين لدى الشعوب العربية، فإذا ما وصل الإسلاميون فإنهم لا بد أن يطبقوا الشريعة الإسلامية لأن ذلك أمر واجب شرعاً، إذ لا يمكن أن يحكم الإسلاميون إلا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، فالقرآن الكريم هو الدستور الأعظم المنزل والمنزه من أي خطأ، وهو القانون الإلهي الذي يتعامل مع كل أمور الحياة، وليس كحال القوانين الوضعية التي تتضمن ثغرات كثيرة. إن تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها على شعوب مختلفة الاتجاهات والميول ومتعددة الأديان، وشعوب ألفت العلمانية عقوداً طويلة قد يقود ذلك – وهو ما يريده الأمريكان- إلى إيجاد صراعات بين الإسلاميين وتطبيقهم للشريعة وبين الآخرين الذين سيرفضون ذلك، وسيعمل الإسلاميون على تطبيق الحدود عليهم، وستتدخل حينها منظمات حقوق الإنسان وتقوم الدنيا عبر وسائل الإعلام للتسقيط السياسي للإسلاميين، الأمر الذي سيقود إلى إفشال تجربتهم مما سيفضي إلى الحد من الشعبية العريضة التي يتمتعون بها في المنطقة العربية. وبالتالي فإن التسقيط السياسي للإسلاميين هو ما قد تسعى إليه الولايات المتحدة بتشجيعها وصول الإسلاميين إلى السلطة.

والغرض الثاني يختلف عن الأول تماماً، وهو غرض التوظيف السياسي للإسلاميين ولدورهم، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى توظيف صعود الإسلاميين على رأس السلطة لأغراض تخدم المصالح الأمريكية، ويجب ألا يفهم من هذا أن الإسلاميين سيخدمون الأمريكان رغبة وطوعاً بالخدمة، لكن ما أقصده أن الولايات المتحدة ستوظف هذا الصعود بما يخدم مخططاتها. كيف سيكون هذا؟ أعتقد أن الإجابة ستكون عبر هذين المدخلين:

1- إقامة دول في المنطقة على أساس ديني تحت حكم الإسلاميين. إن إقامة مثل هذه الدول ستسقط الحجج العربية برفض إقامة دولة إسرائيل على أساس ديني يهودي. فما دامت ستقام دول على أساس ديني إسلامي، مسيحي، لماذا يرفض العرب الاعتراف بيهودية الدولة؟ إذ لا يزال العرب يرفضون إلى الآن الاعتراف بما تريده إسرائيل وهو أنها دولة يهودية، وذلك الرفض متأت من الدول في المنطقة التي لا تقوم على أساس ديني، وإنما هي دول قومية. لكن إذا ما قامت الدول على أساس ديني لماذا لا نعترف بإسرائيل دولة يهودية على أساس ديني؟

2- نقل الصراع المحوري في المنطقة من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع سني- شيعي، بين العرب وإيران. كيف يتم ذلك؟ تعمل الولايات المتحدة على زيادة الشحن الطائفي، وقد توضح ذلك بشكل جلي في العراق بعد الاحتلال عام 2003، إذ لم يكن العراق يعرف الطائفية بين مواطنيه بأي شكل من الأشكال. وقامت الولايات المتحدة بتهييج الشحن الطائفي، وكانت هي المسؤول الأول عن الصراعات الطائفية التي حصلت في العراق كونها كانت تمسك بالملفات الأمنية، وكانت قواتها منتشرة في كل مكان من العراق. والحقيقة أن ما فعلته الولايات المتحدة كان أمراً مخططاً له ويشكل حلقة أولى ضمن حلقة التحشيد الطائفي في المنطقة العربية برمتها، إذ ستعمد إلى زيادة التحشيد الطائفي بين السنة والشيعة، وسيكون أداتها في ذلك الإسلاميون في السلطة أينما كانوا، وأعتقد أنها ستعطي القيادة في المعسكر السني لكل من تركيا والسعودية، فيما ستقود إيران المعسكر الشيعي. وهذا المخطط هو جزء من حملة ضرب الأمة الإسلامية برمتها وضرب إيران أيضاً، وهو أيضاً سيشكل خطوة متقدمة باتجاه إيجاد العدو البديل عن إسرائيل بالنسبة للعرب، إذ ستعمد الولايات المتحدة إلى ضرب المسلمين ببعضهم بعضاً مما يترك إسرائيل قوة وحيدة في المنطقة.

لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستقبل بوجود الإسلاميين على رأس السلطة من دون مكاسب لها، فالإسلاميون هم أشد أعداء الولايات المتحدة التي تعد عدوة الإسلام والداعم الأكبر لعدوهم (إسرائيل)، لكن ستلعب الولايات المتحدة لعبة خطرة مع من كانوا إلى وقت قريب هم أعداؤها، ولذلك فإن الإسلاميين عمدوا إلى إيصال رسالة إلى الأمريكان بأنهم الطرف المعتدل، وأن بإمكان الولايات المتحدة الاطمئنان إذا ما استلموا السلطة، ولا أعرف حقيقة كيف سيوفق الإسلاميون بين تطبيق الشريعة الإسلامية وتعليمات القرآن العظيم التي توجب محاربة أعداء الإسلام، وبين التنسيق مع الولايات المتحدة لبقائهم في السلطة، إلا إذا تحولت الولايات المتحدة في نظر الإسلاميين مستقبلاً إلى دولة غير عدوة للإسلام والمسلمين؟

أين موقع دول الخليج العربية من كل هذا؟ سؤال مهم يجب طرحه والإجابة عنه، والسؤال الأهم هل يشمل التغيير العربي منطقة الخليج؟

قبل كل شيء يجب أن نعرف أن الولايات المتحدة ليس لها حلفاء وأصدقاء دائمون، وإنما لديها مصالح دائمة، وما دامت مصلحة الولايات المتحدة إلى زمن قادم ستكون مع بقاء الأنظمة الخليجية على حالها، فإن التغيير سيبقى بعيداً عن هذه الدول، وهو أمر أجده أفضل حتى للمواطن الخليجي الذي خرج في بعض هذه الدول يطالب بتغييرات سياسية. وأنا أقول هذا الكلام بناء على تجربة واضحة في العراق، فعلى الرغم من أن العراقيين يتمتعون بالديمقراطية التي لم يمارسوها سابقاً، إلا أنهم افتقدوا ما هو أهم منها، الأمن والخدمات، ناهيك عن الرفاهية التي افتقدوها منذ عقود طويلة، حتى قبل مجيء الأمريكان أنفسهم. إذن، إذا كانت التغييرات السياسية ستجلب معها عدم استقرار داخلي فتركها أفضل، فالأمن والاستقرار وبقاء الدولة بمعنى الدولة وبقاء النظام بمعنى النظام هو أفضل من تغييرات سياسية تعطي للكل الحق في التعبير عن الرأي وممارسة السلطات، لكنها تفتقد ما هو أهم منها. ولا أعتقد أن المواطن الخليجي يفضل الحقوق السياسية على عدم الاستقرار، ولا أعتقد أيضاً أن جلب الصراعات الداخلية متقدم على العيش برفاهية وأمن واستقرار، ولذلك من واقع ما ستؤول إليه التغيرات في المنطقة العربية، أعتقد أنه ليس من مصلحة المواطن الخليجي التغيير الآن، كما أعتقد أن الولايات المتحدة لن تعمد أيضاً إلى تأييد التغيير في المنطقة الخليجية.

لكن هذا لا ينفي أن الأمريكان سيستغلون كل حركة من شأنها الضغط على الأنظمة الخليجية للحصول على فوائد معينة. ولو تأملنا في حالة البحرين مثلاً، فالولايات المتحدة تدعم مطالب المتظاهرين، لكنها من جانب آخر تعطي الضوء الأخضر لقوات (درع الجزيرة) للتواجد في البحرين وإسكات تلك المطالب، إنها بفعلها هذا تضغط على السلطة في البحرين للحصول على مكاسب معينة، كما أنها تنقل رسالة إلى الدول الأخرى في المنطقة الخليجية بأنها قد لا تكون في مأمن من حالة التغيير، إذ إن التغيير قد يحصل إذا لم تلب كل مطالب الأمريكان-هذه هي الرسالة-.

أيضاً، كيف نصف التصريحات الأمريكية بأن السعودية تنتهك حقوق الإنسان، بينما نجد أن الولايات المتحدة تقدم الدعم الكامل للنظام السعودي، وأن السعودية هي الحليف الأهم لها في المنطقة، وأن الموقف السعودي من نظام عربي ما هو البوصلة التي نستطيع أن نستدل منها على تغيير ذلك النظام، فمتى ما تحسنت العلاقات السعودية مع نظام معين، أشار ذلك إلى إمكانية بقاء النظام. ومتى ما ساءت العلاقات السعودية مع نظام آخر، أشار ذلك إلى أن النظام مقبل على التغيير.

بالنتيجة، طالما بقيت المصالح الأمريكية مرهونة بالاستقرار في منطقة الخليج، فإن التغيير الشامل لن يحصل أبداً، وما قد يحصل هو تغيير طفيف على حجم المشاركة السياسية هنا وهناك وتغيير في سلطات الحاكم الأول، لكن تغييراً بحجم ما جرى في الدول الأخرى غير الخليجية لن يحصل، فالولايات المتحدة لا تزال بحاجة للدور الخليجي، إذ لا تزال لديها الكثير من المصالح في المنطقة الخليجية، ولا تزال أيضاً منطقة الخليج العربي تدخل في صلب الأمن القومي الأمريكي، كما لا تزال دول الخليج العربية في مقدمة من سيكون بمواجهة إيران إذا ما شنت الحرب عليها حتى لو لم يقاتلوا، فإن المال الخليجي سيكون حاضراً لتغطية تكاليف أي عملية أمريكية قادمة.

إذاً، لن يكون هناك تغيير كبير على مستوى المنطقة الخليجية، لكن ذلك لا يعني الجزم بأن المنطقة في عقود مقبلة ستكون بمنأى عن الزلزال السياسي، وهو زلزال مرتبط بما تريده الولايات المتحدة وما تخطط له، ومرتبط بحجم مصالحها صعوداً وهبوطاً.

مقالات لنفس الكاتب