array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

العاصفة التي تسبق الهدوء .. أم الهدوء الذي يسبق العاصفة؟؟

الثلاثاء، 17 تموز/يوليو 2018

مبهجة كانت أو تعيسة مفاجآت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ وصوله البيت الأبيض, الأهم أنها لا تتوقف و لا تعير أي اهتمام كان تجاه حليف أو عدو مشاغب ولا تعبأ بالوقت لتداركها, بيد أن هؤلاء لا يزالون يفكرون ضمن السياق التقليدي الذي يبدو أن واشنطن قد غادرته منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة, و تجسد ذلك جليًا في الانسحابات المتتالية للطرف الأمريكي من عدد مهم من الاتفاقيات الدولية والإقليمية, اتفاقية باريس للمناخ, اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية, اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي, ومن منظمات دولية عريقة ومنها اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان, وتهديد منظمة الأمم المتحدة بإعادة مراجعة المشاركة الأمريكية في هياكل المنظمة بما يخدم مصالحها بشكل لائق وعاكس لمساهمتها المالية الأكبر فيها, ذات المنطق سرى على الاتفاق النووي الإيراني الذي فرط عقده شهر مايو المنصرم, والرأي فيه لا لاتفاق لا تجسد بنوده المصلحة الأمريكية .. لقد انتقد دونالد ترامب وفريق عمله بشدة جل الاتفاقيات التي تم الانسحاب منها على أساس أنها لا تراعي المصلحة الأمريكية ووصفها بغير المنصفة للمنظمات والشركات الأمريكية المنخرطة فيها ووصل به الحد لوصف الاتفاق النووي مع إيران بالفضيحة لعدم استفادة الطرف الأمريكي من عقده لأي شيء ذو قيمة عكس ما شكله لأقرانه من الأوروبيين الذين سارعت شركاتهم الكبرى لعقد أفضل الصفقات وحظيت منها بحصة الأسد .. و رغم أن ترامب انتقد الاتفاق النووي الإيراني خلال حملته الانتخابية في الرئاسيات التي مكنته من ولوج البيت الأبيض إلا أن حجته دعمت منذ ذلك الوقت بالكثير من الأسباب التي يرى العديد أنها تخدم مصالح حلفاءه في الشرق الأوسط بالدرجة الأولى نظرًا لطبيعة خلافهم الممتد مع إيران منذ قيام الثورة الإسلامية سنة 1979م...

فهل فعلاً يصب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني في المصلحة العربية..؟؟ و إذا كانت المزايا قد عددت إلى أقصى مداها من هذا الانسحاب فهل تدرك دول منطقة الخليج العربي تحديدًا سوءات هذا القرار ..؟؟

بشكل لا يحتمل الريبة والشك, تسوق الدبلوماسية الأمريكية تزامنًا مع قرارها المثير الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني, لفكرة سقوط نظام الجمهورية الإسلامية و قيام نظام بديل أكثر تسامحًا و تعاونًا, و تعول في ذلك على ثورة جياع الداخل في الانتفاض على نظام الملالي الذي سيجد نفسه عاجزًا عن تلبية مطالب جماهيره المتطلعة إلى حياة أفضل وساهم في رسم خطوط هذه الصورة المتوقعة التطور الهائل في وسائل الاتصال التكنولوجي والحرمان الذي طال امده لدى الشعب الإيراني, وهذا التوجه تجسد فعليًا في مؤتمر مجاهدي خلق في الثلاثين من شهر يونيو المنصرم والمنعقد بباريس و شهد حضورًا كبيرًا لشخصيات ووفود دولية مناصرة للمعارضة الإيرانية, أكثرهم لفتًا للانتباه كان الوفد الأمريكي بقيادة رودي جولياني المستشار القانوني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب و الذي عقد لقاءً ثنائيًا قبل المؤتمر مع رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مريم رجوي أكد خلاله جولياني أن الإدارة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته يعتبران النظام الإيراني نظامًا فاسدًا وأكثر المتضررين منه هو الشعب الإيراني, و بحسب الخطة الأمريكية فإن انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي وفرضه لعقوبات صارمة على الاقتصاد الإيراني سيباشر في تطبيقها رسميًا شهر نوفمبر المقبل أي الفصل الأول من سلسلة ضغوطات سياسية و اقتصادية ستنتهجها الإدارة الأمريكية على مراحل للتضييق إقليميًا ودوليًا على النظام الإيراني بما يشجع بشكل عكسي نشوب اضطرابات داخلية تطيح بنظام الجمهورية الإسلامية في آخر المطاف, لكن الأكيد أن السيناريو الأمريكي هذا لن يتجسد دون عواقب, لأن الإيرانيين أصحاب نفس طويل و لديهم الكثير من الأوراق للتفاوض وهي قابلة للتغيير حسب الوضعيات المتاحة لهم, خصوصًا إذا تعلق الأمر بمعركة البقاء, هذا يعني بلغة أخرى أن طهران لن تدخر جهدًا في الحفاظ على مصالحها, فزيارة روحاني إلى أوروبا وتهديدات غلق مضيق هرمز الدولي أمام صادرات النفط العربية تجاه الأسواق العالمية ورفع شعار المضيق للجميع أو لا لأحد, و هو كله يدخل في عملية التحمية التي تسبق المواجهة التي ترمي إليها تصريحات التهديد والوعيد المتبادلة بين الطرفين, إلا أن المواجهة الموعودة تبدو وهمية أكثر منها واقعية, فإيران لن تعطي لواشنطن الحجة التي تتأملها للانقضاض عليها و ستناور حتى آخر رمق, و ستكون الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي هي زورق نجاتها من التربص الأمريكي, و ستتشبث بأي صيغة يمكن لتلك الدول تقديمها, حتى تحافظ على صلاحية الاتفاق النووي بما يحول دون عودتها لاستئناف أنشطتها النووية, العودة التي ستتخذها واشنطن ذريعة قانونية لضرب إيران ومن خلفها إسرائيل, في ذات الوقت تتقن طهران جيدًا تدبير النفط والتحايل على العقوبات الاقتصادية الأمريكية بالالتفاف شرقًا تجاه الصين و جنوب آسيا و روسيا من خلفهم و اللجوء إلى المقايضة و الذهب و استعمال العملات المحلية في التعاملات الاقتصادية كالسابق حيث تملك خبرة لا يستهان بها في مجال إدارة شؤونها في حالة الحصار , في ذات الوقت ستتعامل طهران بشكل شاق مع الدول العربية الجارة وستصبح طهران وتستخدم سياسة ملتوية وأكثر تشددًا في العراق و سوريا و لبنان و اليمن, و لن يتأخر ذلك في الظهور جليًا في الأسابيع المقبلة, و ستغلق كل منافذ المصالحة و الانفراج مع تلك الدول وستشهد المنطقة توترًا غير مسبوق, بيد أن الأمر سيكون برمته في ميزان الالتزام الأمريكي تجاه الحلفاء العرب و الذي سيترتب عليه تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة, ففظاظة الرئيس ترامب قد تخطت كل التقاليد الدبلوماسية و الأعراف تجاه المنطقة برمتها, و هذا الالتزام سيكون فعلاً على المحك مع رئيس فتح على نفسه جبهات عدة مع حلفاءه التاريخيين من الأوروبيين بعد أن خلى بهم في منتصف الطريق و ضرب بمصالحهم عرض الحائط بانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني دون أي تردد أمام استجداءاتهم المتكررة, و كانت قبلها قد عرفت تعاملاتهم الاقتصادية المتبادلة الكثير من الأخذ و الرد, مما جعل الاستياء الأوروبي يصل مداه, و لا ننسى الصين الغريم الأبدي للولايات المتحدة و حرب الضرائب التي تشنها الأخيرة على الواردات الصينية, رغم الانفراجة المؤقتة بين الاثنين في الملف الكوري الشمالي مؤخرًا .

كل هذا جعل الولايات المتحدة تقف على جبهة بمفردها أمام عدد لا يستهان به من دول ذات الثقل, نجح توجهها الجديد في جمعهم في جبهة واحدة في مجابهتها, و اليوم مع انسحابها الاستعراضي من الاتفاق النووي الإيراني, تفتح جبهة في منطقة ملتهبة أصلاً, ستكون رهينة نجاحات إدارة البيت الأبيض في الملفات المرتبطة كالقمة الروسية ــ الأمريكية التي تراهن عليها واشنطن, و لن يكون الأمن العربي في أفضل أحواله لأن دوله ستكون مسرحًا لمواجهات أكثر حدة لن تسهم بأي شكل من الأشكال في عودة الاستقرار والأمان لمناطق النزاع والتوتر و لن تساعد في التوصل إلى أي توافقات في النقاط محل الخلاف, و التجربة أكبر دليل على فشل المسعى الذي تنتهجه الولايات المتحدة ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وإنما في العالم أجمع وعوض أن تفرض واشنطن سيطرتها على الدول بعنجهيتها الجديدة هذه, قد تجد نفسها فاقدة للسيطرة تمامًا .

مجلة آراء حول الخليج