array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

3سيناريوهات تنتظر الاقتصاد الإيراني .. وموقف الأطراف الدولية على المحك

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

في ظل عدم اللجوء إلى الحلول العسكرية للنزاعات الدولية، تصبح الحرب الاقتصادية وخاصة سلاح العقوبات الاقتصادية أحد أهم العقوبات الدولية التي يتيحها القانون الدولي، وتلجأ لها الأمم المتحدة في حالات كثيرة، وقد كان هذا حال النزاع الدولي حول برنامج إيران النووي.

العقوبات الاقتصادية على إيران

تم فرض الحظر التجاري الأمريكي على إيران في نهاية التسعينات من القرن العشرين، بعد خلافات سياسية، تلاها فرض عقوبات دولية وغربية منذ عام 2006م، والتي جرى تشديدها على خلفية تطوير إيران لبرنامجها النووي عام 2012م.

ومنذ تسعينات القرن العشرين والسنوات التي انقضت من الألفية الثالثة، نفذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة جميع العقوبات (بدرجات متفاوتة) وتسببت في خسائر اقتصادية خطيرة على الاقتصاد الإيراني، فما بين مارس 2012 ومارس 2014م، انكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 9٪، مع تراجع صادرات النفط الخام بنسبة أكثر من النصف بين عام 2011م، ومنتصف 2013م، وبحلول عام 2014م، ارتفع معدل البطالة إلى حوالي 20 ٪، وكما تشير بعض التقديرات فإن الاقتصاد الإيراني خسر ما بين 15 -20% من حجمه في ظل العقوبات الاقتصادية الدولية.

The Economics of the nuclear Deal.April 12,2018.AJC (Berlin Ramer Institute)

وأدت العقوبات الاقتصادية الدولية إلى إنهاك الاقتصاد الإيراني، وقطعت مصدرًا أساسيًا من مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة، والمصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، بحظر تصدير النفط والغاز للخارج، كما تم منع الشركات العالمية من العمل والاستثمار في إيران، الأمر الذي حرم طهران من تطوير التقنيات أو الحصول على تقنيات حديثة، وتراجع المؤشرات الاقتصادية الكلية، مثل معدل النمو الاقتصادي، وعجز الميزان التجاري، وعجز الموازنة العامة، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم.

رفع العقوبات الاقتصادية

بدأت عملية رفع العقوبات تدريجيًا ضد إيران بالتدريج منذ يناير 2014م، كجزء من الاتفاق المؤقت الذي تم تنفيذه في 16 يناير 2016م،عندما تم رفع معظم العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقد كان لذلك أثر واضحعلى الاقتصاد الإيراني وحقق معدلات نمو اقتصادي إيجابية، مع ارتفاع صادرات النفط إلى مستوى ما قبل العقوبات.

وقد بعث توقيع خطة العمل Joint Comprehensive Plan of Action (JCPOA)في 14 يوليو 2015م، بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، P5+1 في إطار البرنامج النووي الإيراني، والتي دخلت حيز التنفيذ في 16 يناير ، 2016م، دب الأمل في نفوس الإيرانيين، وتوقع المسؤولون الإيرانيون أن تجلب الخطة 10 مليارات دولار سنويًا في قطاع النفط والغاز والاستثمارات الأجنبية المباشرة ، ولكن البلاد لم تحصل إلا على 1.3 مليار دولار على مدى عامين.

تتضمن عملية رفع العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني، رفع الحظر عن القطاعات الاقتصادية الحيوية، من بينها الجهاز المصرفي والقطاعات المالية غير المصرفية مثل شركات التأمين، وقطاع النفط والغاز والبتروكيميائيات، والنقل البحري والموانئ، وتجارة المعادن النفيسة والسيارات، إضافة إلى تمكين البلاد من تحديث أساطيل الطيران المدني، وبيع الطائرات التجارية، وقطع الغيار للأسطول الإيراني المتقادم منذ سنوات، وفتح المجال أمام الشركات العالمية الرائدة في هذه الصناعات لعقد صفقات تجارية مع إيران، وكذلك إلغاء حظر تعامل الأجانب من التعامل مع الإيرانيين.

مكاسب مؤقتة لرفع العقوبات

تتمثل أهم مكاسب الاقتصاد الإيراني من رفع الحظر الاقتصادي في زيادة الإنتاج ومن ثم الصادرات من النفط والغاز والمنتجات غير النفطية، وتخفيض تكلفة التجارة والمعاملات المالية الدولية، بعد عودة العمل بنظام التحويلات المالية الدولية (سويفت)، وإدماج النظام المصرفي الإيراني مع المصرفية العالمية، وكذلك تشجيع الشركات الدولية على الاستثمار في إيران، وعودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحديث التقنيات المتقادمة.

كما ترتب على ذلك ارتفاع حجم التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي بنسبة 236٪، حيث تم عقد العديد من الصفقات التجارية بقيمة مليارات اليورو شملت إيرباص، كما عقدت شركة طيران الولايات المتحدة بوينج صفقة مماثلة، وتبعها فولكس واجن ، مان ، لينده ، وأودي ، ودايملر بنز ، وميونيخ ري وكاترين .

وتحتل ألمانيا مركز الصدارة بين دول الاتحاد الأوروبي من حيث التعاملات التجارية مع إيران وتمثل 27٪ من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إيران ولديها فائض تجاري كبير مع إيرانحيث تصدر إليها الآلات الصناعية والسلع الاستهلاكية النهائية، في حين تستورد منها سلعًا أقل تكلفة مثل الفواكه، والسجاد، وغيرها من السلع. ، وقد زادت الصادرات الألمانية إلى إيران بنسبة 61% خلال الفترة من عام 2013م، إلى عام 2017م، في حين تحتل إيطاليا مركز الصدارة كأكبر مستورد للسلع الإيرانية ( بنسبة 33 ٪ من جميع واردات الاتحاد الأوروبي)، بما لدى شركاتها من قدرة على تنقية النفط الخام الإيراني الغني بالكبريت، أما اليونان فلديها نفس القدرات وتستحوذ على 12 % من حجم الواردات الأوربية من إيران.

ويفسر ذلك جزئيًا تمسك الدول الأوروبية بالاتفاق النووي مع إيران، إلا أنه رغم هذا فقد كان لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وبدء عودة الحظر الاقتصادي من جانب واحد آثار أولية على عدم استقرار الانتعاش الاقتصادي وبدء تراجع معدل النمو الاقتصادي، وتراجعت الصادرات الإيرانية .

وتوضح النظرة السريعة لمعدل النمو الاقتصادي الوضع الاقتصادي لإيرانقبل رفع الحظر والعقوبات، وبعد توقيع الاتفاق النووي، ثم عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وتداعياته.

معدل النمو السنوي %

بيان

2014

2015

2016

2017

2018

2019

الناتج المحليالإجمالي

4,6

-1,3

13,4

3,5

4,0

4,3

رأس المال الثابت

7,8

-12

-3,7

1,7

8,4

9.2

معدل التضخم

15.6

11,9

9

11,5

10.9

10.6

عجز الميزان الجاري% GDP

3,1

2,3

3,9

4,1

4

3,8

عجز الموازنة %GDP

1,1

1,7

2,2

2,2

2,3

3,1

World Bank, Macroeconomics and Fiscal Management Global Practice, and Poverty Global Practice.

 

فما أن ظهرت بوادر الانفراج في الأزمة والتوصل إلى اتفاق بشأنها حتى استعاد الاقتصاد الإيراني عافيته عام 2016م، وذلك على خلفية زيادة إنتاج إيران من النفط وارتفاع أسعاره في السوق العالمية، والتي أعقبت رفع العقوبات المفروضة على إيران والتوصل إلى الاتفاق النووي، حيث وصل معدل النمو الاقتصادي إلى معدلات غير مسبوقة بمعدل 13.4% عام 2016م.

         ومع ذلك ظلت معدلات البطالة مرتفعة، حيث تتعدى 10% من قوة العمل، ولم تحقققطاعات النشاط الاقتصادي غير النفطية تحسنًا يذكر، بل ولم تتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمعدلات المأمولة، في ظل غياب التكامل التام بين القطاع المصرفي مع النظام المصرفي العالمي، واستمرار حالة عدم اليقين، ومن ثم ظل معدل النمو الاقتصادي متواضعًا، كما كان عليه الحال قبل رفع الحظر.

انفراد الولايات المتحدة بقرار الانسحاب

تحظر العقوبات جميع المعاملات النقدية مع إيران مما يعقد الأمور أكثر حيث يتم إجراء تجارة النفط بالدولار، الأمر الذي سيحد من قدرة البنوك الدولية في تقديم التمويل للصفقات التجارية مع إيران.

انفردت الولايات المتحدة بقرار الانسحاب مخالفة شركائها الرئيسيين، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي بقيت ملتزمة بتنفيذ الاتفاق وبذلت جهودًا كبيرة من أجل إقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق، وإدخال تعديلات على الاتفاق أو التوقيع على ملحق يتضمن تسوية لقضايا الخلاف الرئيسية، على أساس أن الاتفاق النووي مع إيران هو أفضل سبيل لمنعها من امتلاك سلاح نووي، خاصة وأن موقف الدول الثلاث جاء منسجمًا مع الموقف الأوروبي الأوسع في الاتحاد الأوروبي.

جاء إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني متعدد الأطراف في 8 مايو 2018م، مصحوبًا بإعادة العقوبات الاقتصادية التي كانت قد أوقفتها التزامًا بالاتفاق، فضلاً عن ممارستها لضغوط على الدول التي ستتعامل مع إيران، وفي حال نجاحها سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في الداخل، والتي لا تدعم شرعية النظام وتثير الاضطرابات.

سوف يلغي تصريح بيع طائرات بوينغ وإيرباص إلى إيران، وسيكون لدى هذه الشركات فرصة لعدة أشهر فقط لإنهاء تعاونها مع إيران، وهو الأمر الذي يؤكد الضرر الاقتصادي والسياسي الذي سيلحق بالنظام الإيراني من جراء هذا القرار بالانسحاب من الاتفاق، ولا شك أن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي ووضعها تحت طائلة العقوبات الأمريكية سيؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على الدور الإقليمي لإيران، وقد ينتهي الأمر إلى عزلها، كما ستتحرر الولايات المتحدة من الالتزامات التي فرضها الاتفاق النووي، وهذا سيكون له مردوده على الاقتصاد الإيراني بصورة رئيسية ومِن ثم حرمان إيران من بعض الموارد التي كانت توظفها لخدمة مشروعها التوسعي ووجودها في بعض مناطق الصراع.

تداعيات الانسحاب على الاقتصاد الإيراني

يتوقف مدى تأثر الاقتصاد الإيراني بقرارات الحظر والعقوبات الاقتصادية الدولية، على طبيعة وهيكل الاقتصاد الإيراني، الذي يعتبرالأكثر تنوعًا بين الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وهذا، لا ينفي حقيقة أن قطاع النفط والغاز، مازال يشكل القطاع الرئيس في الهيكل الاقتصادي، ويساهم بنسبة لا يستهان بها في الإيرادات الحكومية، ويشكل الدعامة الرئيسية لصادرات البلاد، ولكن دون شك، تتوافر إمكانات قوية لنمو بعض القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل البتروكيماويات والصلب والغزل والنسيج، وصناعة السيارات، هذا بجانب قطاع الخدمات، فيما تشكل الزراعة أحد الأنشطة الاقتصادية الهامة أيضًا، ومصدر رئيسي بعد النفط للتصدير.

وتظهر بيانات البنك المركزي الإيراني أن القطاع غير النفطي (بما فيه الزراعة والصناعة والخدمات) يشكل حوالي 80% من الناتج المحلي للبلاد خلال السنوات الأخيرة وهو ما يعكس تنوعًا أكبر في مصادر الدخل والأنشطة الاقتصادية، بينما يستحوذ النفط على قرابة 20% من الناتج المحلي الإجمالي .

ما من شك في أن تداعيات انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني، ستكون له آثار سلبية على الاقتصاد الإيراني، من خلال علاقاته بالعالم الخارجي، من خلال الصادرات والواردات السلعية والخدمية وتدفقات التقنية ورؤوس الأموال، وتأثير ذلك على برامج العدالة الاجتماعية، وشبكات الأمان الاجتماعي، ومعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، خاصة إذا لم يستمر الموقف الأوروبي الداعم لإيران طويلا.

وفيما يتعلق بالنفط فمن المتوقع أن تلجأ حكومة طهران إلى بيع النفط في السوق السوداء بعد استئناف العقوبات الأمريكية مع بعض الدول مثل الهند والصين، رغم أن قرار العقوبات سيتضمن كل الدول التي تتعاون مع إيران. ولعل من أهم التداعيات المتوقعة تراجع إنتاج إيران من النفط، خاصة، حيث تشير بعض التوقعات إلى أن إنتاج إيران من النفط يمكن أن ينخفض من 3,91 مليون برميل يوميًا حاليًا إلى 3,74 مليون برميل يوميًا عام 2019م، فضلا عما هو متوقع من وجود مصاعب في تسويق النفط الإيراني مع بدء تنفيذ العقوبات خلال العام الحالي.

من ناحية أخرى تشير التقارير إلى أن بعض الشركات العالمية قد بدأت تخطط للانسحاب من العمل في الاقتصاد الإيراني، منها مجموعة إنجي الفرنسية للطاقة التي قد تنهي عقودها في نوفمبر، وكذلك شركة تورم الدنماركية العاملة في تشغيل ناقلات النفط وبدأت تفكر في وقف تعاملاتها، أما شركة ميرسيك تانكرز الدنماركية، فسوف توقف نشاطها في نوفمبر المقبل، ويوقف بنك دي زد الألماني تعاملاته المالية في يوليو.

كما بدأ قرار حظر التعامل بالدولار في إيران يؤتي أثاره السلبية، حيث تفاقمت أزمة نقص الدولار إضافة إلى تدهور قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته التاريخية، مما أدى إلى إعلان طهران التوقف عن استيراد آلاف البضائع والسلع أبرزها السيارات، بعد أن وصل سعر صرف الدولار إلى مستويات غير مسبوقة.

وتشير التقارير الأخيرة إلى أن أسعار العملات الأجنبية بالسوق الحرة في إيران آخذة في الارتفاع بشكل غير مسبوق، حيث صعد سعر صرف الدولار في غضون أسبوع واحد من 7200 إلى 8000 تومان (التومان يساوي 10 ريالات إيرانية وهي العملة الرسمية)، في الوقت الذي فشلت محاولات السلطات الإيرانية في الحد من قوة السوق غير الرسمية، بعد أن فرضت سيطرتها على المتعاملين، المضطرين للبيع والشراء منها في ظل تحجيم وإغلاق الصرافات بشكل رسمي.

وفي السياق ذاته، حظرت وزارة الصناعة والتجارة الإيرانية استيراد أكثر من 1400 سلعة أبرزها السيارات، التي يعتبرها النظام الإيراني ترفيهية، وسلعا ضرورية مثل زيوت الطعام، والمنظفات، تحت إشراف ما يعرف بـالاقتصاد المقاوم في إيران، والتي تخضع لسيطرة المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي سبق أن دعا مؤخرًا لدعم البضائع المحلية، على إثر ارتفاع وتيرة الاحتجاجات لأسباب اقتصادية، بهدف البحث عن بدائل أمام العقوبات الدولية المفروضة على طهران، وهو الأمر الذي أثبت فشله في ظل تدهور معدلات التنمية، وارتفاع نسب التضخم والفقر إلى حد غير مسبوق.

احتمالات المستقبل والوضع الاقتصادي

تجدر الإشارة إلى أن روسيا والصين، ومعهم الدول الأوروبية لا تزال تدافع عن مصالحها، مستندة إلى أن الاتفاق تم التصديق عليه من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومن ثم اعترضت على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وعلى عودة العقوبات، وبالتالي فإنه بدون دعم دولي، قد يكون للأثر الاقتصادي المباشر لانسحاب الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني محدودًا، إلا أنه يبقى الخطر الأكبر الناجم عن فرض عقوبات ثانوية ضد الشركات الأوروبية التي لا تزال تعمل مع إيران.

وفيما يتعلق بخيارات المستقبل والوضع الاقتصادي الإيراني، فإن عدم اليقين في المناخ الدولي، وتباين المصالح الدولية بين أوروبا والصين وروسيا من ناحية، والولايات المتحدة من الناحية الأخرى، يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات محتملة.

 

1- انهيار الاتفاق

يستند هذا الاحتمال على أساس ما تملكه الولايات المتحدة من سبل للضغط على بقية الحلفاء في الاتحاد الأوروبي، وإمكانية نجاحها في دفعهم للانسحاب من الاتفاق، فضلا عن التهديد بفرض عقوبات على الأطراف التي تقوم بشراكة مع الجانب الإيراني، بالإضافة إلى إمكانية تصعيب إجراء الاتفاقات التجارية مع الجانب الإيراني، وتنفيذ الصفقات، في ظل وقف استخدام الدولار في المعاملات التي يجريها الجانب الإيراني مع الأطراف الدولية الأخرى.

ومما يضعف من إمكان تحقق هذا الاحتمال أن إيران قد عمدت إلى توثيق تعاونها وعلاقاتها مع الدول الأوروبية ومع روسيا والصين، كبدائل عن الولايات المتحدة، فضلاً عن إقامة خطوط تعاون قد تحتاج إلى وقت طويل من أجل ملاحقتها والسيطرة عليها.

2- بقاء الاتفاق دون الولايات المتحدة

يعد أحد أفضل الخيارات المطروحة أمام الجانب الإيراني، من أجل الحفاظ على مكتسبات الاتفاق النووي، ومواجهة احتمال العودة إلى مربع العقوبات والعزلة الدولية، وربما خسارة نفوذها الإقليمي، ويرتكز هذا الاحتمال على مواقف باقي أطراف الاتفاق الذين لا يحبذون النكوص عنه، وضرورة السعي لاستكمال أوجه الخلل. ومن وجهة النظر الإيرانية يبقى هذا الاحتمال الأفضل، كحل ثان، بعد انسحاب الولايات المتحدة، مستندة إلى الخلافات الكبيرة بين الموقف الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق وبين الأطراف الأوروبية وروسيا والصين، الذين يدعمون بقاء الاتفاق، وإقرار المنظمة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية بالتزام إيران ببنود الاتفاق، وشرعية القرار الدولي 2231 الذي أقر خطة العمل المشتركة بين إيران ومجموعة 5+1، فضلا عن الإغراءات الاقتصادية التي قد تمنحها لشركاء الاتفاق النووي، في مجال الطاقة والنفط.

ومن أهم التحديات التي تعرقل هذا الاحتمال، وجود شكوك أوروبية حقيقية تجاه سلوك إيران، خاصة ما يتضح لها من السلوك الإقليمي، والذي قد يتسبب في أزمة إقليمية وصراع قد يؤثر على الاستقرار الذي قد تطال تداعياته أوروبا، كما أن إيران تصر على تطوير برنامج الصواريخ الباليستية، وتثير مخاوف جيرانها، ومواقفها المتعنتة تجاه تسوية تلك الملفات، ومن ثم قد تكون هي السبب ذاته الذي يدفع الأوروبيين للخروج من الاتفاق.

 

3- التوصل إلى اتفاق جديد

ويستند هذا الاحتمال على رغبة كل من إيران والدول الأوروبية، وروسيا والصين في الإبقاء على الاتفاق النووي، ولا يذهبون إلى المدى الذي ذهب إليه الطرف الأمريكي، مستندين إلى ما سببه الانسحاب الأمريكي من ضغوط على الجانب الإيراني بالعودة إلى طاولة المفاوضات، تجنبًا لعودة العقوبات الاقتصادية، ووقف الصادرات النفطية، وبالتالي التأثير على الأوضاع المعيشية، ويثير الغضب الداخلي، لذا يضغطون باتجاه التفاوض حول ملحق يتضمن معالجة للقضايا التي تثير مخاوف الولايات المتحدة، خشية الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران يزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

وقد يكون هذا السيناريو هو محور الاتصالات القادمة بين كل الأطراف المعنية بالأزمة، إذ سيسعى الأوروبيون إلى تهدئة الولايات المتحدة، وممارسة ضغوط على إيران من أجل الوصول إلى تفاهمات، تحول دون عودة الأزمة إلى المربع الأول.

مستقبل الاقتصاد الإيراني

مثل غيرها من النظم الأيدولوجية، يضع النظام الإيراني مصلحته في المقدمة على مصلحة الاقتصاد الوطني ومستوى التنمية والرخاء لشعوبها، ورغم استناد الموقف الإيراني إلى أن الاتفاق اكتسب شرعية دولية باعتباره اتفاقًا متعدد الأطراف، تم إقراره من قبل المنظمة الدولية، وبالتالي فإن انسحاب الولايات المتحدة خروج على الشرعية الدولية، لكنها لم تكتف بذلك بل تحاول التلويح للأطراف المؤيدة لاستمرار الاتفاق بالمصالح الاقتصادية، سواء من خلال التبادل التجاري أو من خلال الاستثمارات الأوروبية التي بدأت تتدفق بمجرد إعلان الاتفاق، فضلاً عن المصالح الاستراتيجية مع كل من روسيا والصين.

من ناحية أخرى فإن معظم الإيرانيين لم يشعروا بفوائد تخفيف العقوبات، حيث تولي الحكومة اعتبارات الأمن وبسط النفوذ، أولوية على الأوضاع المعيشية للسكان، وتشير بعض التقارير أن معظم أموال الولايات المتحدة المجمدة البالغة 1.7 مليار دولار ذهبت إلى زيادة ميزانية الدفاع، بما في ذلك دعمها للإرهاب وأنشطته في سوريا واليمن ودول أخرى في المنطقة.

مما لا شك فيه أن عودة العقوبات الاقتصادية سوف تثخن جراح الاقتصاد الإيراني، وتثقل كاهل المواطنين، وتزيد من أعداد الفقراء مع تزايد معدلات البطالة، خاصة في ظل ما يعاني منه الاقتصاد الإيراني من اختلالات هيكلية مزمنة، تؤثر على معدلات نموه وتطوره في المستقبل، وعلى رأسها الاعتماد المتزايد على قطاعي النفط والغاز، وسوء مناخ الأعمال والاستثمار، وتحتل إيران المرتبة رقم 124وفق تقرير أداء الأعمال من بين 190دولة شملهم التقرير Doing Business 2018. ، فضلاً عن سيطرة الحكومة على الأنشطة الاقتصادية، مما أضعف قطاع الأعمال الخاص، ويؤثر سلبًا على درجة الشفافية ويزيد من معدلات الفساد.

            فضلا عن الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات الداخلية مثل تخفيف القيود على الأعمال، ورفع تنافسية الاقتصاد الوطني، والتوسع في خلق فرص العمل لمواجهة مشكلة البطالة أو الداخلين الجدد إلى سوق العمل، ووفقًا لبعض التقديرات ،تسيطر مجموعات المصالح على ما يصل إلى 60٪ من جميع الأصول الإنتاجية في إيران ولا تدفع أي ضرائب تذكر، فضلاً عن انتشار الفساد، وتحتل إيران المرتبة رقم 130وفق تقرير الشفافية من بين 180دولة شملهم التقرير Corruption Perception Index 2017.

وتتوقف آفاق نمو الاقتصاد الإيراني على إمكانية إعادة اندماج إيران في الاقتصاد العالمي، خاصة في الأنشطة المصرفية والتجارة والاستثمار، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية الأساسية، وأن يحافظ على نمو متزايد في القطاعات غير النفطية، و في ظل الوضع الراهن فمن المرجح أن تتزايد الضغوط التضخمية بسبب اتساع العجز في الموازنة العامة وتواصل الانخفاض في قيمة الريال الإيراني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بجامعة المنوفية ـ المستشار الاقتصادي بجامعة الملك عبد العزيز سابقًا

مجلة آراء حول الخليج