; logged out
الرئيسية / التواجد الصيني في منطقة الخليج: الانحياز للمصالح

التواجد الصيني في منطقة الخليج: الانحياز للمصالح

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

   تعتبر الصين الدولة الأولى في العالم في عدد السكان الذي تجاوز 1415 مليون نسمة وهو شعب منتج وعنصر قوة، ويعتبر الاقتصاد الصيني الأسرع نموًا في العالم (6.8% لعام 2018م) في الوقت الذي تعاني الولايات المتحدة وأوروبا أزمة اقتصادية، حتى أصبح يطلق عليها "مصنع العالم"؟ كما جاءت الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في الأبحاث المنشورة ويتوقع أن تأتي في المرتبة الأولى في الأبحاث مع عام 2020م، وقد أعلن مدير البنك الدولي السابق روبرت زوليك في تعليقة على الأزمة المالية العالمية التي تجتاح الولايات المتحدة " إن هذه الأزمة تقوم بنقل السلطة الاقتصادية بسرعة كبيرة من وجهة نظر التاريخ من الغرب إلى الصين".

هذا وقد طورت الصين قدراتها العسكرية، بتحديث قوتها النووية والقوة البحرية، كما عززت علاقاتها العسكرية مع 150 دولة وهناك ملحق عسكري صيني في 112 دولة، ويوجد فيها  ملحق عسكري لـ 102 دولة، كما ترسل سنويًا 170 وفدًا عسكريًا للخارج، وتستقبل سنويًا حوالي 200 وفد عسكري على مستوى دول العالم. إن هذا التطور في القوة الاقتصادية والعسكرية يجعلها تبحث عن تطوير علاقاتها مع الدول الأخرى، وخاصة الدول ذات الأهمية الاستراتيجية لأمنها القومي، ومع حاجتها للطاقة والتجارة، حتى أصبح الشرق الأوسط على قائمة أولوياتها السياسية، لأنه لأول مرة في تاريخها الحديث، تفوقت في حجم تجارتها مع دول الشرق الأوسط على حجم تجارة الولايات المتحدة في هذه المنطقة، حيث وصل حجم التجارة الصينية مع العالم العربي 171 مليار دولار (2017م)، 101 مليار دولار صادرات صينية و70 مليار دولار واردات من الدول العربية، متجاوزة الولايات المتحدة حيث صادرات الأخيرة 60.4 مليار دولار للدول العربية، فالصين الأولى عالميًا في التجارة مع الخليح والأولى في العالم في استيراد البترول الخام التي تستورد 18.6 % من استيراد العالم.

الصين قنوات سياسية مع الدول الإقليمية

تحاول الصين بناء علاقات سياسية مع كل الدول الإقليمية، وتلعب دورها بذكاء، فرغم تنافس الدول الإقليمية إلا أن الصين تحاول الاستفادة من الجميع وتلعب أحيانًا دور الوسيط، رغم أن علاقاتها الدبلوماسية حديثة مع دول الخليج العربي مقارنة بدول أخرى مثل مصر وسوريا والعراق. أقامت الكويت علاقات دبلوماسية عام 1971م، وهي أول دولة في المجلس تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، وتبعتها سلطنة عمان 1978 والإمارات عام 1984 م، وقطر 1988، والبحرين 1989، والسعودية 1990 إثر احتلال العراق للكويت، فكانت أخر دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، بينما كانت إيران أول دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين في عهد الشاه 1971م. وحيث أن هناك مصالح اقتصادية واستراتيجية مع كل من إيران والسعودية، فقد حاولت الصين الوساطة بينهما، لتحافظ على علاقاتها مع الطرفين، فالسعودية الدولة الأولى في منطقة الخليج التي تزود الصين بالبترول. وقد زار الرئيس الصيني شي جين ينغ في يناير 2016م، كل من السعودية ومصر وإيران على أمل حل الخلافات بينهما، واستقبلت الصين وزير الخارجية السوري وكذلك المعارضة السورية، فهي تحاول أن تكون علاقاتها متوازنة مع الجميع، فإيران ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية للصين كما هو حال دول مجلس التعاون، علما بأن تجارة دول المجلس مع الصين أربعة أضعاف تجارة الصين مع إيران. وتحاول الصين في علاقاتها الابتعاد عن الخلافات العرقية والدينية وتهتم بالعلاقات الاقتصادية والاستراتيجية، وأنشئت في 25 ديسمبر 2015م، البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، لربط التعاون التجاري والاستثماري بالجانب السياسي في محاولة لاستقرار المنطقة لمصالحها الاقتصادية؟

الصين من دعم القضية الفلسطينية إلى توازن العلاقات إسرائيل والسلطة

كانت الصين أول من اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعمتها بالسلاح وتدريب كوادرها العسكرية، ولم تقم الصين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا عام 1992 م، وكان ذلك بعد أزمة الكويت ومؤتمر مدريد أكتوبر 1991م، وكانت إسرائيل قبل ذلك، تستعمل التكنولوجيا المتقدمة التي تحصل عليها من الولايات المتحدة، لإغراء الصين لتطوير علاقاتها معها، حتى فرض الكونغرس الأمريكي عام 2005م ، قيودًا على إسرائيل في تصدير التكنولوجيا للصين، ولكن الظروف الإقليمية أدت لتطور العلاقة بينهما، وكان الرئيس الصيني يانغ زيمين أول رئيس يزور إسرائيل في أبريل 2000م، وتطورت الاستثمارات الصينية في إسرائيل، وتم إنشاء اللجنة الصينية –الإسرائيلية للتعاون في الابتكار ، وعقدت عدة اجتماعات لهذه اللجنة، كان أخرها الاجتماع الرابع برئاسة نائب الرئيس الصيني وانغ كيشان، 22 أكتوبر 2018م ، وارتفعت الاستثمارات الصينية من 50 مليون دولار في التسعينيات من القرن الماضي إلى 16.5 مليار دولار في عام 2016 م، وارتفعت صادرات إسرائيل إلى الصين حيث بلغت 3.5 مليار دولار 2018م ، بارتفاع 62% عن عام 2017 م، بينما الواردات من الصين 4.9 مليار دولار عام 2018 م. كما تم إنشاء منشأة شحن تجارية جديدة في ميناء حيفا، وبسبب العلاقات الاقتصادية تسعى الصين لأن تمد حبالها مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فلا تريد أن تفقد علاقاتها مع العرب، ولكن الضعف العربي أدى إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل .

ونلاحظ أنه من خلال علاقتها مع إيران ودول الخليج أو المعارضة والنظام السوري أو العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فهي علاقات توازن لكسب الأطراف إليها وألا تكون بجانب طرف ضد أخر.

ولكن على مستوى العلاقات الدولية والتوازن الدولي والتصويت في مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة، فإن الصين أقرب إلى الموقف الروسي بشأن سوريا أو في شرق وجنوب آسيا وآسيا الوسطى لأنها مع موسكو تسعى لتوازن في العلاقات الدولية مع الولايات المتحدة. وكما يقول ستيفن والت من جامعة هارفارد، فإن روسيا والصين يتآمران على أمريكا، فتصور الصين للنظام الدولي يرتبط بتوازن دولي، أما على المستوى الإقليمي علاقات اقتصادية تحتاج إلى إقليم مستقر وعلاقات متوازنة.

 

                     البترول والاستثمارات الهدف الصيني في الخليج

إن الأهداف الاستراتيجية للصين بمنطقة الخليج ثلاثة، الهدف الأول الطاقة والمعادن، والهدف الثاني حماية خطوط الملاحة وخاصة الموانئ التي يعبر منها البترول، مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وثالثًا إبعاد خطر القرصنة البحرية عن خطوط الملاحة. وتسهم المملكة العربية السعودية في تزويد الصين بالبترول ب 12.6% لعام 2م، من جملة استيراد الصين، ويزود العراق 8.5% وسلطنة عمان 7.5% وإيران 7.3% والكويت 4.4% والإمارات العربية 2.5%، وهذ يعني معظم البترول المستورد للصين من هذه الدول الخليجية. هذا الاستيراد للطاقة يجعل منطقة الخليج حيوية من الناحية الاقتصادية والأمن القومي الصيني.

أما بالنسبة للاستثمارات الصينية، فإن الصين تعزز علاقاتها الاستثمارية مع دول المجلس، فحجم الاستثمارات الصينية في السعودية عام 2014، 730 مليون دولار وحجم الاستثمارات السعودية بالصين 30.6 مليون دولار، وإن عدد المشاريع السعودية المشتركة الصينية السعودية 88 مشروعًا برأسمال 537 مليون دولار. وفي عام 2017م، وقع العاهل السعودي الملك سلمان ما قيمته 65 مليار دولار من اتفاقيات التفاهم مع بكين، كما بدأ البلدان بتطبيق اتفاقيات في قطاعات البتروكيماويات والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات.

وتجذب الإمارات العربية المتحدة الاستثمارات الصينية حيث أن 44% من مجمل الاستثمارات الصينية في العالم العربي بالإمارات، كما تستحوذ الإمارات على 75% من الاستثمارات الصينية المباشرة غير المالية في دول المجلس، وهناك 5000 علامة تجارية صينية مسجلة بالإمارات و4000 شركة صينية، ويمر 60% من التجارة الصينية مع أوروبا وإفريقيا عبر الإمارات، كما توجد أيضًا استثمارات صينية في الكويت وسلطنة عمان ومشاريع مشتركة مع قطر بالإضافة إلى كون العلاقات الاقتصادية الصينية مع دول الخليج تبدو واعدة وهناك مؤشرات بقبول متزايد للنفوذ الصيني.

وتتفاوض دول المجلس مع الصين، للوصول إلى منطقة التجارة الحرة بينهما، ويأتي الخليج بعد منظمة آسيان للوصول لمنطقة تجارة حرة لما لها من اقتصادية للصين في ظل الحرب الاقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة في ظل ترامب.

أما الاستثمارات الصينية في إيران، فقد وصلت في البنية التحتية 8.5 مليار على شكل قروض من بنك التصدير والاستيراد الصيني مع بدايات عام 2018"م. والملاحظ أن الاستثمارات الصينية في إيران تتجاوز استثماراتها مع مجلس التعاون الخليجي وذلك لأن العقوبات الأمريكية على إيران ترك فرصة للصين لتعزيز علاقاتها مع إيران، علمًا بأن إيران عضو مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون وقد قدمت إيران طلبًا رسميًا لأن تصبح عضوًا في منظمة شنغهاي مما يفسح المجال لها في توثيق علاقاتها الاقتصادية أكثر مع الصين وروسيا وبقية أعضاء المنظمة .

طريق الحزام وطريق الحرير البحري

اقترح الرئيس الصيني شي جين بيغ أثناء زيارته إلى كازاخستان في سبتمبر 2013 م، مبادرة الحزام الاقتصادي Economic Belt Road وطريق الحرير البحري Sea Road للقرن الحادي والعشرين، وفي شهر أكتوبر من نفس العام، كرر نفس المبادرة أثناء زيارته لأندونيسيا، وتهدف هذه المبادرة إلى تحقيق مصالح الصين الاقتصادية والاستراتيجية من خلال ربطها بشبكات متعددة مع قارات العالم القديم والجديد .

وعقد في 14-15 مايو 2017م، منتدى الحزام والطريق الأول للتعاون الدولي في العاصمة الصينية بكين، وحضره قادة الدول والحكومات من 29 دولة، حيث ضم المنتدى أكثر من 1600 مشارك من أكثر من 140 دولة و80 منظمة دولية. كما وقعت مع الصين بحلول يوليو 2018 م، أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية على وثائق تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق، مما وسع نطاق المبادرة من أوراسيا إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ومنطقة جنوب الباسيفيك.

 

طريق الحرير البحري والحزام

 

وحيث أن علاقة الصين التجارية والاستثمارية متطورة مع دول الخليج العربي، كمصدر للطاقة، وباعتبار الصين أكثر مستورد للبترول في العالم وعلاقاتها التجارية، فتأتي مبادرة الحزام والطريق ذات أهمية كبرى لدول الخليج بل تأتي في محور هذه المبادرة، بموقعها الاستراتيجي على طرق المواصلات، ووجود الموانئ البحرية المهمة التي تحتاجها الصين. ويسعى عدد من الدبلوماسيين الصينيين لتشجيع دول الخليج للتعاون في هذه المبادرة التي أصبحت واقعًا فعليًا تم الشروع فيه وتوفير الموارد المالية للمشروع، وتحاول الصين الربط بين مبادرة الحزام والطرق الصينية ورؤية 2030 السعودية. وقد تم إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ديسمبر 2015م، وهي مؤسسة مالية جديدة متعددة الأطراف والأهداف، وتعتبر الإمارات العربية المتحدة دولة مؤسسة في البنك، وتشارك فيه السعودية وسلطنة عمان والكويت وقطر، كما أن منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي لها دور مهم في تحقيق طريق الحزام والطريق. إن طريق الحزام الاقتصادي يوطد العلاقات مع دول آسيا الوسطى وغرب آسيا إيران وتركيا وأوروبا، وكما يقول برنارد كول في كتابه" China's Quest for Great Power"، أن الصين من خلال توطيد علاقتها بأورآسيا من خلال طريق الحزام، تعيد الاهتمام بنظرية قلب اليابس لهالفورد ماكندر القائل "من يسيطر على قلب اليابس يسيطر على أورآسيا وبالتالي على العالم"، وكما يؤكد بريجنسكي بأهمية آسيا الوسطى، وأن سيطرة دولة على آسيا الوسطى يجعلها تسيطر على أورآسيا وبالتالي العالم. وتتحرك الصين اقتصاديا في دول آسيا الوسطى وغرب آسيا وأوروبا تعيد فكرة الهيمنة الاقتصادية، ولكن الصين تعزز قوتها حاليًا من خلال إضافة طريق الحرير البحري الذي يمر بالمحيط الهندي وبحر العرب إلى البحر الأحمر، وبالتالي من السويس للبحر المتوسط وشرق إفريقيا وهذا يشكل تهديدًا إلى النفوذ الأمريكي في إفريقيا وغرب آسيا وحتى الخليج العربي.

وتعتبر طريق الحرير البحري مهمة اقتصاديًا، لدول مجلس التعاون من حيث تصدير البترول والتجارة، وتقوم الصين بتأهيل الموانئ البحرية على طريق الحرير، وتتعدد الممرات من طريق الحرير البحري، وكذلك من طريق الحزام فيصبح أخطبوطًا للنفوذ الصيني. وقامت الصين بإعادة الاهتمام بالقوة البحرية حسب نظرية ماهان وكما يردد القادة الصينيون " إن العقلية التقليدية، بأن قوة اليابس تفوق القوة البحرية يجب التخلي عنها، لأدارة البحار والمحيطات لاهميتها لحماية حرية الملاحة وخطوط التجارة "، ولذلك تهتم الصين في استراتيجتها بقوة البحار والمحيطات وتربطها بطريق الحرير البحري و الحزام الاقتصادي بآسيا وأوروبا، ويعتبر ممر الصين باكستان من أهم الممرات بارتباطه، حيث سلمت باكستان ميناء غوادر إلى الصين حيث أنه قريب من ميناء هرمز وميناء عدن وصولاً للبحر الأحمر والموانئ الواقعة لاهميتها الاستراتيجية لدول الخليج والصين .

                                 التعاون الأمني بين الصين ودول الخليج

إن العلاقات الأمنية تتمثل في المحافظة على طرق التجارة البحرية والقضاء على القرصنة البحرية وبيع الأسلحة، ومن ناحية عسكرية فإن الصين قامت مؤخرًا بزيادة الدوريات البحرية بالقرب من خليجي عمان وعدن، كما أن الصين أنشأت قاعدة في جيبوتي وهي أول قاعدة عسكرية خارج الصين؛ بهدف حماية التجارة والمصالح التجارية في المنطقة، وقد يكون ذلك بهدف بناء وجود عسكري طويل الأمد، بالإضافة إلى أن بإمكان الصين أداء دور بناء في العمليات البحرية، مثل مكافحة القراصنة والتهريب، وتمول المصارف الصينية 14 مشروعًا في البنى التحتية بجيبوتي بكلفة 14.4 مليار دولار، وتشمل المشروعات إنشاء ستة موانئ مصممة لاستقبال الحاويات القادمة من الصين .

وتثير القاعدة الصينية في جيبوتي الولايات المتحدة، حيث أن قواتها البحرية تراقب التطورات عن كثب". وإن إعادة نشر قوات افريكوم USAFRICOM، وهي القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا، يأتي بسبب التنافس الإقليمي مع الصين خاصة في المنافسة على السيطرة على الحركة البحرية التجارية عبر مضيق باب المندب الذي يعبره تقريبًا 40% من التجارة العالمية. وتسعى الصين لتضمين النقل البحري في مبادرة الحزام والطريق، ولكن الولايات المتحدة بالتعاون مع عربية تحاول الحد من النفوذ الصيني، من خلال المشاركة في تطوير البنية التحتية العسكرية في القرن الإفريقي وخاصة في جيبوتي والصومال.

إن موقع جيبوتي الاستراتيجي في القرن الإفريقي جذب إليها القواعد العسكرية الأجنبية، فبالاضافة للصين والولايات المتحدة، يوجد قاعدة يابانبة وأخرى أيطالية وهناك قاعدة فرنسية قديمة حيث كانت جيبوتي مستعمرة فرنسية، وتتواجد القوات الإسبانية والألمانية في القاعدة الفرنسية.

ولكن "تعامل بكين مع طهران قد يكون إشكاليًا للتعاون في المجال الأمني، حتى في الوقت الذي تعزز فيه الصين من وجودها العسكري، بالإضافة إلى أن علاقات الصين بإيران قد تمنعها من التقرب من الدول العربية، لدرجة تجعلها تشكل تهديدًا لأمريكا بصفتها قوة أمنية مهيمنة في المنطقة، وما دامت بكين قريبة من طهران، فإنه لا يتوقع أن تذهب السعودية للصين إلا لشراء بعض الطائرات المسيرة وبعض المعدات اللازمة للعمليات الخاصة، وغير ذلك من المعدات العسكرية على المدى القصير.

أما مضيق هرمز، فقد قررت الصين إنشاء منطقة صناعية كبرى قريبة منه، على الساحل العماني في منطقة الدقم، ووقعت عمان مع شركة "وان فانج عمان" الصينية وتصل تكلفة المنطقة عشرة مليارات دولار ، وتتضمن إنشاء مصفاة نفط ومجمع للبتروكيماويات وعدد من المشروعات الكبرى .

وبالنسبة لقناة السويس، فالصين أكبر مستثمر يسهم في تنمية محور قناة السويس، فشركة تيد الصينية، هي أكبر المطورين الصناعيين في المنطقة الاقتصادية للقناة، وخصصت الحكومة المصرية 7.2 كيلو متر للشركة الصينية.

ويمتد نشاط الصين في محور الطريق والحزام إلى مضيق جبل طارق، حيث يوفر إطلالة على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي وغرب إفريقيا، واختارت الصين موقعًا استراتيجيًا قرب مدخل المضيق على الجانب المغربي، حيث تم توقيع مذكرة تعاون مع الحكومة المغربية، لإنشاء مدينة صناعية صينية، وتكفلت مجموعة هايت الصينية ببناء المدينة، بتكلفة عشرة مليارات دولار على مساحة 2000 هكتار، حيث ينتقل آلاف الصينيين للعمل بالمدينة الجديدة مع العمالة المغربية.

والملاحظ ، أن الصين تنتهج الاستراتيجية البريطانية في القرن التاسع عشر ، عندما كانت في الهند وجنوب شرق آسيا، فكانت تسيطر على الموانئ البحرية التي على طريق الأسطول البريطاني من ميناء ملقا الذي يفصل بين المحيط الهندي والمحيط الهادي، مرورًا بموانئ الهند وموانئ الخليج ، هرمز وعدن وباب المندب ثم قناة السويس وحتى ميناء جبل طارق ، فالصين اليوم ، تتبنى الاستراتيجية الاقتصادية والتنمية وإقامة البنى التحتية، القوة الناعمة، فهي عززت علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع ماليزيا التي تشرف على مضيق ملقا وإقامة مدينة صناعية كاملة به، وتبني الصين المدن الصناعية على الموانئ التي ذكرناها من مضيق ملقا إلى جبل طارق، بينما الاستراتيجية الأمريكية تقوم على نشر القوة العسكرية لاثبات وجودها .

وتسعى الدول الكبرى والإقليمية لاستقرار منطة الخليج، لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية، وارتباط الاقتصاد العالمي بالطاقة، ولذلك هناك توازن إقليمي ودولي يحافظ على الاستقرار فروسيا والصين وإيران وكذلك الهند وتركيا لها مصالحها، فتركيا لها وجود في الصومال وبورسودان الميناء السوداني، والولايات المتحدة لها وجودها أيضًا في جيبوتي ودول إفريقية أخرى وكذلك فرنسا وبقية الدول الأوروبية التي لها قوات في جيبوتي، كما أن دول الخليج تعزز وجودها في القرن الإفريقي، ولذلك فإننا في منطقة جيواستراتيجية، تسعى القوى الكبرى لاستقرارها ولذلك كانت الوساطة الأخيرة لتحرك المجتمع الدولي لوقف الحرب في اليمن وتحقيق المصالحة فيه .

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية في جامعتي الملك عبد العزيز والحسين بن طلال سابقًا

مقالات لنفس الكاتب