; logged out
الرئيسية / الصين والخليج: الآثار الثقافية لتسارع العلاقات الاقتصادية بين الطرفين

الصين والخليج: الآثار الثقافية لتسارع العلاقات الاقتصادية بين الطرفين

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

على مدار السنوات الخمس الماضية، تطورت العلاقات بين الصين ودول التعاون الخليجي الرئيسية (المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر) من ناحية حجم ومدى المشاريع المشتركة والاستثمارات والتجارة.

وعلى الرغم من أن التجارة كانت أساس العلاقات بين الصين ودول الخليج الرئيسية التي بدأت أثناء حكم سلالة تانغ (618-907)، إلا أنها تطورت على مر القرون إلى مجموعة واسعة من التبادلات بما في ذلك المعرفة العلمية (خاصة علوم الفلك، والطب، والصيدلة)؛ والخبرة الهندسية (العسكرية والهندسة المعمارية، والهيدروليكية)؛ والمنح الدراسية الإسلامية؛ وفي مجالات المعرفة المختلفة باللغة العربية والفارسية؛ إضافة إلى التعاون في مجالات المهارات الفنية والحرفية. واليوم على الرغم من هيمنة التجارة مرة أخرى على العلاقات بين هاتين المنطقتين، إلا أن التبادلات الثقافية والفنية والعلمية، قد بدأت في النمو كذلك.

التجارة

لقد كان التجار يسافرون من دول الخليج إلى الصين منذ أيام الإسلام الأولى، لأسباب كثيرة منها أولاً للاستقرار في قوانغتشو (كانتون)، وبعد ذلك في كوانزو. حيث قام هؤلاء التجار برحلات طويلة وغالبًا غير آمنة إلى الصين على المراكب الشراعية التقليدية التي صنعت في منطقة الخليج. ولقد كانت القوارب مليئة بالبخور وغيرها من التركيبات العطرية المحلية من المنطقة قبل الانطلاق إلى الموانئ الرئيسية في الهند وسريلانكا، ثم التوجه عبر مضيق ملقا وأخيرًا إلى بحر الصين الجنوبي ومدن الصين الساحلية.أما عن السلع التجارية التي أحضرها تجار الخليج من الصين معهم عند العودة، فلم يتم الكشف عن حجم التصنيع الصيني بغرض التصدير حتى عام 1998م، عند اكتشاف مركب شراعي من القرن التاسع غارقًا عند ساحل إندونيسيا. كان المركب في طريقه للعودة معبأً بالكامل بأكثر من 70 ألف قطعة من الفخار والخزف وذلك عندما غرقت قبالة الجزيرة الإندونيسية بليتونغ.

مدينة ييوو

في وقتنا الحالي، وبعد ألف عام، تشد السفن الرحال مجددًا من المدن الصينية، وهي محملة بطبقات وطبقات من البضائع المصنعة حسب الطلب، إلى الخليج والأسواق هناك. ولكن اليوم تمتلئ سفن الشحن بسلع مصنعة بالجملة وبأسعار منخفضة صُنعت في مدينة ييوو الصغيرة. لقد عدلت مدينة ييوو، أكثر من أي مدينة أخرى في الصين، مواصفات إنتاجها الصناعي وفقًا لتصميمات ورغبات سكان الخليج والشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن مدينة قوانغتشو لا تزال المركز التجاري الأكبر والأكثر أهمية في الصين،إلا أنه على مدار العقد الماضي تمكنت ييوو من تطوير سوق تصدير يقدر بمليارات الدولارات من خلال إنتاج سلع على نطاق واسع وبأسعار غير مكلفة وعلى حسب الطلب. وقد بدأ أصحاب الأعمال الصغيرة من جميع أنحاء العالم، ولاسيما الشرق الأوسط، بالتوافد إلى ييوو في عام 2001م، بعد وقت قصير من انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الطلب المتزايد على السلع الاستهلاكية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص قد خلق بيئة مثالية لازدهار التجارة. وهناك عامل آخر ساهم في تيسير العلاقات التجارية القوية بين المصنعين المحليين الصينيين والتجار العرب وهو وجود العديد من رجال الأعمال العرب الذين تخرجوا من أفضل الجامعات الصينية ويتحدثون الصينية بطلاقة في ييوو، وقد قرروا البقاء في الصين بعد إتمام دراستهم لتعزيز العلاقات التجارية. ويسافر حوالي 200،000 رجل أعمال عربي إلى ييوو كل عام لتقديم طلبيات على منتجاتها المصنعة، وهناك في الوقت الحالي أكثر من 20،000 من السكان العرب يعيشون في ييوو. ينشوان أو ييوو مع الخصائص الإسلامية

بدأت ينشوان عاصمة نينغشيا، والتي تقع في شمال غرب الصين، خطتها للتنمية من خلال تنمية العلاقات الاقتصادية مع العالم العربي بشكل منهجي ودقيق. في حين أن دور نينغشيا التاريخي باعتبارها محطة تجارية رئيسية على طول طريق الحرير التاريخي للصين غالبًا ما يذكر في خططها التنموية الحالية، إلا أن السبب الرئيسي في اختيار نينغشيا يرجع إلى الكثافة العالية للسكان المسلمين بها (يعيش بها حوالي 20٪ من أكثر من 20 مليون مسلم يعيشون هناك). كما أنها من أفقر المقاطعات في الصين وأكثرهم حاجة إلى تمويل التنمية.

العمل

على الرغم من سفر التجار ذهابًا وإيابًا إلى الصين لعدة قرون، فإن ذلك لم يبدأ حتى نهوض الإمبراطورية المنغولية وتأسيسهم لأسرة يوان في الصين (1260-1368م)، التي استقر بها مئات الآلاف من المسلمين من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وهم انتقلوا أولاً إلى منغوليا وبعد ذلك إلى الصين.

ومثلما احتاجت الصين مئات الآلاف من العمال والخبراء المُدربين لمساعدتها في إقامة إمبراطوريتها الجديدة، فإن الدول الخليجية الثرية اليوم في حاجة إلى مئات الآلاف من العمال والخبراء لمساعدتهم في تطوير اقتصاداتها.

فازت شركات البناء الكبرى في الصين بعقود بعض مشاريع البناء الكبرى في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر. إن واحدة من أكثر التجارب المثيرة للاهتمام، الخاصة بعمال البناء في الخليج، تتعلق بالعاملين المسؤولين عن بناء سكك حديد خط الحرمين التي حظيت بنجاح باهر، وهي مشروع "سكك حديد المشاعر" البالغ طوله 11 ميلاً، والذي أكمله عمال صينيون في الوقت المناسب لموسم الحج لعام 2010م، (منتصف نوفمبر)، وهو ينقل الحجاج بين منى وعرفات والمزدلفة.

هناك مشروع آخر من أهم المشاريع الرئيسية التي تم إنجازها في المنطقة وهو خط أنابيب حبشان-الفجيرة. بدأ البناء في هذا المشروع عام 2008م، ونتج عنه تدفق مهندسيين وعمال صينيين إلى أبو ظبي. يبلغ طول خط الأنابيب 370 كيلومتراً، يبدأ في حبشان على ساحل خليج أبو ظبي ويمر عبر شبه الجزيرة ثم إلى الفجيرة على ساحل بحر العرب، وهكذا يتجنب مضيق هرمز المُعرض للخطر. بلغ التدفق الأول عبر خط الأنابيب 600-700 ألف برميل في اليوم، ولكن وصل بحلول يوليو 2012م، إلى 1 مليون برميل في اليوم، ويهدف في النهاية إلى بلوغ 1،7 مليون برميل، ويمثل حوالي 70 بالمئة من إجمالي إنتاج النفط في الإمارات.

الرحلات الترفيهية

توارد السياح الصينيون إلى الإمارات العربية المتحدة

نظرًا لشهرة دبي بامتلاكها الأفضل من كل شىء، سواء كان برج العرب ذو السبعة نجوم أو الاختيارات اللانهائية من التسوق الفاخر، فقد كان من المحتم أن تجد أعداد السياح الصينيين الدوليين طريقهم إلى الإمارات العربية المتحدة في نهاية المطاف. وكطريقة أخرى لتسهيل السياحة، قررت الحكومة الصينية في عام 2009م، منح الإمارات مركز الوجهة المعتمدة. وسرعان ما أصبح السياح الصينيون من أكبر المنفقين في متاجر المصممين الموجودة في أسواق التسوق في دبي. وتعد الإقامة في برج العرب الشهير في دبي واحدة من أكثر الأنشطة شعبية لدى السياح الصينيين. ووفقًا لجيرالد لوليس، الرئيس التنفيذي لمجموعة جميرا، بلغت نسبة السياح الصينيين 80 بالمئة من مقيمي الفندق في رأس السنة الصينية الجديدة 2011 لعام.

الخطوط الجوية والروابط

في أواخر سنة 2011م، قام كل من الاتحاد للطيران (الناقل الرسمي لأبو ظبي) والخطوط الجوية القطرية بتدشين رحلات جوية إلى أكثر المدن ازدحامًا بالسكان في غرب الصين تشنغدو (عاصمة مقاطعة سيتشوان) وتشونغتشينغ (كانت في السابق جزءًا من سيشوان، ولكنها أصبحت الآن مدينة/ مقاطعة مستقلة). في حين أن البعض قد يتساءل عن هذين الخيارين، لاسيما أن كليهما ليس مقصدًا سياحيًا رئيسيًا، في الواقع في كلا الحالتين كانت الخطوط الجوية تفكر من الناحية الاستراتيجية وربطت قراراتها بالخطط الصينية للتنمية طويلة الأجل الخاصة بغرب الصين. وبالإضافة إلى ذلك، ظلت منطقة الصين لعقودٍ أكبر مصدر وحيد لمئات الملايين من العمال الذين يغادرون الريف من أجل البحث عن عمل في مدن بعيدة.

تُخطط خطوط الطيران الصينية لإقامة روابط استراتيجية بين الصين والخليج. وفي مارس 2011م، بدأت شركة تشاينا إيسترن، ثاني أكبر شركة طيران في الصين، إرسال رحلات مباشرة من دبي إلى ينشوان والتي ظلت تعمل لعدة سنوات على بناء مجموعة من الأعمال التجارية الموجهة نحو الأسواق في الشرق الأوسط وإلى الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا.

تبادل المعرفة والحضارة

حظيت معارف العالم الإسلامي في مجالي الطب والصيدلة بقيمة خاصة في الصين بداية من فترة حكم يوان. أما في الوقت الحالي الطب الصيني هو الذي أصبح ذا شعبية كبيرة في دول الخليج، حيث يمكن العثور على عيادات الطب الصيني في جميع المدن الرئيسية. أحد التفسيرات لشعبيتها المتنامية هو أن بعض العلاجات الصينية التقليدية، لاسيما الحجامة أو الكي (الحجامة العربية أو كاسات الهواء في اللهجة الخليجية المحلية) تعتبر من السنة النبوية الشريفة حيث تم ذكرهم في النصوص الإسلامية، والأحاديث الدينية. ولقد أصبح الطب الصيني التقليدي يمتلك شعبية كبيرة في الإمارات العربية المتحدة، حتى أن أحد أشهر الشركات الصينية في هذا المجال، تونج رين تانج، قد افتتحت عيادة وصيدلية كبرى في مدينة دبي الطبية عام 2011.

نموذج المدرسة الصينية في ابوظبي

في عام 2006م، أُنشئت روضة أطفال تهتم بتعليم ثلاث لغات (الصينية، والعربية، والإنجليزية) في أبو ظبي. تلبيةً لحاجة العائلات الإماراتية، بدأت المدرسة ببرنامج مرحلة الروضة ثم استمرت في إضافة سنة دراسية كل عام. وفي خريف عام 2012م، وصل أكثر من 300 طالب في المدرسة إلى الصف الخامس. وأثناء زيارة مسؤول صيني رفيع المستوى إلى الإمارات في يوليو م، أشار الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، الى أنه يرى المدرسة "كجسر للتواصل الثقافي والتفاعل الحضاري" بين البلدين.

معاهد كونفوشيوس

في سبتمبر 2011م، أُنشئ أول معهد كونفوشيوس في المنطقة في جامعة دبي، وكان الاهتمام العام بدورات اللغة الصينية المعروضة كبيرًا. وقد افتُتح معهد كونفوشيوس الثاني في مارس 2012 م، في حرم جامعة زايد في أبو ظبي، حيث يوفر دورات في اللغة لعموم الناس، وقد أثبتت هذه الدورات بأنها تحظى بشعبية كبيرة. وفي صيف 2012م، استضاف معهد كونفوشيوس في دبي مجموعة من معلمي اللغة العربية من نينغشيا كجزء من برنامج دراسي مكثف لمدة شهرين ونصف لتحسين الروابط بين المنطقتين.

مركز زايد في بكين

في عام 1994م، أُنشئ مركز الإمارات لدراسة الثقافة الإسلامية واللغة العربية في جامعة بكين للدراسات الأجنبية.يهدف البرنامج في الأصل إلى مساعدة الدبلوماسيين الصينيين الذين يتم تعيينهم في الشرق الأوسط، ويجذب البرنامج الآن طلابًا متحمسين للانخراط في جميع جوانب علاقات الصين السياسية والاقتصادية المتنامية مع المنطقة.

وفي عام 2010م، أنفقت الحكومة الإماراتية 2.8 مليون دولار لتجديد وتوسيع المركز الذي أعيدت تسميته إلى مركز الشيخ زايد للدراسات الإسلامية والعربية. كما ازداد عدد الجامعات الصينية التي تقدم برامج اللغة العربية بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. وتقدم اليوم أكثر من 30 جامعة دروسًا في اللغة العربية، في حين أنه منذ قرن واحد كان هناك سبع جامعات فقط تقوم بذلك.

دراسة الطلاب السعوديين في الصين

منذ سبعينيات القرن الماضي، انخرطت الصين في مبادرة تعليمية بعنوان "القوة الناعمة"، حيث تبنت إرسال آلاف الطلاب من الدول النامية للالتحاق بجامعات في الصين. كان من أهم هذه البرامج برنامج أرامكو السعودي لإرسال موظفيها وطلبة سعوديين للدراسة في العديد من الجامعات في الصين. هناك الآن أكثر من1،100 طالب سعودي يدرسون في الجامعات في مختلف أنحاء الصين. كما وقعت الجامعات السعودية العديد من اتفاقيات البحث والتبادل مع جامعات مختلفة في الصين.

الخاتمة

يحمل، كل يوم تقريبا، تقارير جديدة حول تطورات جديدة هامة في العلاقات الصينية الخليجية.وفي الوقت الراهن، يصعُب التنبؤ بكيفية تطور العلاقات بين الصين ودول الخليج في المستقبل: كيف سيتم تقاسم التركيز بين المشاريع المشتركة التي تقوم بتطوير مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، ومشاريع الأمن الغذائي والتنمية المشتركة في إفريقيا، ومشاريع التبادل التعليمي، والتحالفات العسكرية، شبكات السكك الحديدية داخل آسيا؟ تكاد الاحتمالات أن تكون غير متناهية حيث أن هذين النظامين الاقتصاديين الديناميكيين آخذان في الازدهار والتوسع والبحث عن طرق جديدة لضمان مستقبلهما الاقتصادي ولاستثمار صناديق الثروة السيادية لديهما والتي تقدر بمليارات الدولارات.

مجلة آراء حول الخليج