; logged out
الرئيسية / إقامة شراكة استراتيجية بين الصين والخليج: هونج كونج بوابة الصين للتمويل الإسلامي

إقامة شراكة استراتيجية بين الصين والخليج: هونج كونج بوابة الصين للتمويل الإسلامي

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

في ظل التحديات التي تواجهها هونغ كونج، والناشئة عن الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم في عام 2008م، فضلاً عن اعتمادها المفرط على اقتصاد الصين والديناميكا الإقليمية المتغيرة الموجودة في الروابط الاقتصادية الوثيقة عبر المضيق بين تايوان والصين، تأتي التنمية المالية الإسلامية في هونج كونج كاستراتيجية بديلة. وتصف هونج كونج نفسها استراتيجيًا بأنها البوابة إلى البر الرئيسي للصين، من حيث التمويل، والتجارة، والاستثمار، والسياحة، والنقل، والاتصالات، كما تعد أيضًا مركزًا للتمويل الإسلامي. وتمتلك هونج كونج، باعتبارها ميناء المعاهدات في عهد الاستعمار البريطاني، ولكونها نافذة على الصين فيما بعد، مميزات خاصة في استيعاب تدفق الدولار النفطي من الشرق الأوسط. وترجع هذه المزايا إلى موقعها الاستراتيجي والجغرافي السياسي كبوابة من وإلى الصين، وكذلك نظرًا لبنيتها التحتية المالية الراسخة. ومع تحول هونج كونج من ميناء للمعاهدات، حيث كان الشرق يلتقي بالغرب في فترة الحرب الباردة، إلى موقعها الحالي كبوابة محتملة لدخول رأس المال الإسلامي إلى الصين، في وقت التوسع السريع للعلاقات بين الصين والخليج، فقد أدى نقل النموذج الاقتصادي لهونج كونج إلى إلقاء الضوء على ديناميكية تغيير القوى في النظام العالمي.

إعادة توجيه ثقافة هونغ كونج: الثقافة المالية "الحلال"

يقدم التمويل الإسلامي إمكانيات هائلة لسوق هونج كونج المالي، فخصائصه ذات الدلالات الأخلاقية القوية والتمويل القائم على أساس ديني والذي يؤكد على مبادئ العدالة والإنصاف، والشراكة القائمة على تقاسم الربح والخسارة تبدو غريبة عن الممارسات السائدة للرأسمالية العالمية، والمتجذرة بقوة في المضاربة والاقتصاد القائم على الفائدة. فقد تجمعت عوامل انهيار النظام العالمي بعد أحداث 11 سبتمبر والأزمة المالية العالمية لتضع النظام الاقتصادي والسياسي العالمي الغربي في حالة من الفوضى، حتى تمكن التمويل الإسلامي من جذب المستثمرين الباحثين عن بديل. وبالإضافة إلى ذلك، توجد إمكانيات مالية هائلة لتطوير الأعمال التجارية في العالم الإسلامي. وتعمل هونج كونج حاليًا على إعادة تغيير وضعها لتكون وسيطًا بين التمويل المالي القائم على الاقتصاد النفطي في الشرق الأوسط وبين الصين. ومنذ عام 1977م، قد أدت عملية دمج هونج كونج في الاقتصاد الصيني مع نموها الاقتصادي القوي، إلى تحويل هونج كونج من مدينة دولية إلى مدينة الصين العالمية.

خارج الإطار الليبرالي الجديد: تحويل هونج كونج إلى مركز مالي إسلامي

وبعد مرور عقد من التجربة، أثبت التحول الهيكلي أو تغيير المسار الذي يستهدف تحديد موقع هونج كونج كاقتصاد مبتكر وذو قيمة مضافة عالية القيمة أنه لا يمكن الاعتماد عليه؛ إذ لم يتم تنفيذ محاولات إعادة الهيكلة الاقتصادية تنفيذًا شاملاً من تراجع التصنيع إلى الابتكار التكنولوجي العالي. وفي ظل هذا الإطار الواسع من إخفاق الحكومة، اضطرت هونج كونج لاستئناف تركيزها على اقتصاد الخدمات والتمويل.

 

وفي عام 2007م، قاد السيد / جون تسانج شون واه، وزير المالية بهونج كونج، مبادرة للكشف عن إمكانية تطوير هونج كونج كسوق آسيوي للصكوك الإسلامية، ويرى بأنه على هونج كونج تجربة هذا السوق غير المستغل، وقد ساند هذا الرأي الرئيس التنفيذي لمنطقة هونج كونج الإدارية الخاصة، السيد دونالد تسانج، الذي أعلن من قبل عن مبادرة التمويل الإسلامي في خطابه الذي أعلن فيه عن سياسته في عام 2017م. وبالنسبة للرئيس التنفيذي، يُقدم التمويل الإسلامي إمكانيات هائلة للتطوير، ويعمل كوسيلة لتوطيد مكانة هونج كونج كمركز مالي عالمي. وتُفسر عالمة الأنثروبولوجي هيلين سيو تجربة هونج كونج في تطوير التمويل الإسلامي بأنها جولة أخرى من أنشطة الانفتاح التي تهدف لجعل هونج كونج معبرًا في اقتصاد طريق الحرير الجديد لربط الصين بالشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

 

وفي السنوات الأخيرة، تم وضع سياسة إدراج الفرص الإسلامية في الاقتصاد الرئيسي في نوفمبر 2007م، موضع التنفيذ. وقد وافقت لجنة الأوراق المالية والعقود الآجلة في هونج كونج على مؤشر هانج سينج الإسلامي الصيني، وفي وقت لاحق، في يناير 2008م، نظمت هيأة النقد في هونج كونج "ندوة حول التمويل الإسلامي"، حيث قامت بدعوة خبراء دوليين لتسريع نشأة السوق المالي الإسلامي في هونج كونج. وفي أعقاب ذلك، ترأس الرئيس التنفيذي سير دونالد تسانج وفدًا في زيارة رائدة إلى الشرق الأوسط، استهدفت ثلاث دول خليجية (الكويت، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة) من أجل إقناع المقترضين والمستثمرين بأن هونج كونج هي المكان الأمثل لاستكشاف الفرص فيما يتعلق بإصدار السندات الإسلامية. وشدد الرئيس التنفيذي على أنه نتيجة للأزمة المالية العالمية، فقد حان الوقت لاستكشاف دول البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين) وغيرها من الكتل الاقتصادية الناشئة وكذلك العمل على تطوير سوق السندات الإسلامية. وقد صاحبت دعوة تسانج توقيع مذكرة تفاهم بين لجنة الأوراق المالية والعقود الآجلة في هونج كونج وسلطة دبي للخدمات المالية. وبالإضافة إلى ذلك، أجرت سلطات هونج كونج مراجعات للنظام الضريبي والنظام القضائي، من خلال التعاون بين هيأة النقد بهونج كونج النقدية ورابطة أسواق الخزانة لضمان أن سوق هونج كونج يمتلك كافة العناصر الداعمة الضرورية اللازمة لنمو التمويل الإسلامي وازدهاره. وعقب ذلك، قدمت الحكومةمنتجات التمويل الإسلامي، بما يشمل صناديق الاستثمارات الإسلامية بالتجزئة واتحاد القروض الإسلامية، إلى البنوك المحلية وعملائها. كما كان هناك تدريب للخبراء لدعمهم وتسهيل مهمة بيع وإدارة الأدوات لعملائهم. ويقيم القسم التالي الاحتمالات والتحديات القائمة في هذا الطريق التنموي المبتكر في هونج كونج. 

هونج كونج مأوى شرق آسيوي للمدخرات

 

ومن الناحية الجغرافية السياسية، لا تعاني هونج كونج من مشاكل عرقية ودينية مضطربة مثل تلك التي تشبه العلاقات المسيحية الإسلامية في الغرب. هذا الموقف المفيد يزيد من إمكانية وجود علاقة اقتصادية ناجحة بين هونج كونج والدول الإسلامية.

 

أشار السيد / ما هونج جيان، رئيس المجلس الصيني ـ العربي لتشجيع الاستثمار ومقره بكين، إلى أنه عقب أحداث 11 سبتمبر، واجه رجال الأعمال المسلمون صعوبة في الحصول على تأشيرات للذهاب إلى الدول الغربية. ويرجع ذلك للقيود التي كانت مفروضة عليهم، فضلاً عن وجود ظاهرة الإسلاموفوبيا، وبدأ رجال الأعمال المسلمون في تحويل اتجاه أعمالهم إلى الصين وشرق آسيا. تزامن ذلك مع محاولة الحكومة الصينية لتسهيل الأنشطة التجارية بين الصين والدول لعربية. ونتيجة لذلك، أصبحت الصين وهونج كونج بصفتها جزءًا منها، سوقًا جديدًا لاستثمار رأس المال الخليجي ومأوى لعائدات النفط.

هونج كونج باعتبارها بنية تحتية مالية ثابتة ومستقرة

يرى الدكتور تشان كا كيونغ سيجر، وزير الخدمات المالية، ومكتب الخزانة، أن البنية التحتية المالية المستقرة في هونج كونج ونظامها القانوني الراسخ، يمنحها القدرة على أن تصبح مركزًا للتمويل الإسلامي في آسيا.

وبالإضافة إلى قربها من الصين، تمتاز هونج كونج ببيئة تجارية تنافسية مع معدلات ضرائب منخفضة ونظم قضائية مستقلة وسوق اقتصادية حرة بشكل كبير. فقد أدى إنشاء اللجنة المستقلة لمكافحة الفساد، وهي هيأة تنظيمية موقرة، إلى خلق ثقافة مكافحة للفساد. وفضلاً عن وجود سوق مالي مكتمل ونشط وقادر على التكيف مع الظروف المحيطة، تمتلك هونج كونج بنية تحتية واسعة النطاق لتقديم المنتجات والخدمات إلى المستثمرين الدوليين. وإذا تمكنت هونج كونج من تطوير سوق رأسمالي إسلامي بالجملة، بما في ذلك الخدمات المالية التي تشمل السندات الإسلامية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، فإن ذلك من شأنه أن يجذب أعدادًا كبيرة من المستثمرين المسلمين. وفي حال استغلت هونج كونج الفرص المتاحة، وربطت احتياجات الاستثمار في دول الشرق الأوسط بالاحتياجات المالية للصين، فقد تُصبح هونج كونج مركزًا يُمكن الاعتماد عليها لسوق رأس مالي إسلامي، ومحورًا لطريق الحرير الجديد.

 

هونج كونج كمركز موارد بشرية لرأس المال الإسلامي الصيني

 

بالرغم من النمو السريع للتجارة بين الصين والشرق الأوسط، فإن منطقة الصين العظمىلازالت غير مألوفة للعديد من المستثمرين القادمين من الشرق الأوسط. وقال جواهر السوديري، مدير مكتب الهيأة العامة للاستثمار السعودية في الصين، إنه على الرغم من اهتمام التجار السعوديين اهتمامًا كبيرًا باستكشاف الأعمال التجارية في الصين، إلا أن عدم وجود تفاهم ثقافي يمثل عائقًا لهم. ويمكن لهونج كونج بعد تتبع الممارسات الاقتصادية الغربية لوقت طويل أن تكون نقطة انطلاق للوساطة بين التجارة الصينية ـ السعودية.

تتميز هونج كونجأيضًا بالكفاءة العالية لموظفيها، خاصة "العائدين". حيث أنه عندما اقترب موعد تسليم هونج كونج إلى الصين في عام 1997م، كان العديد من مواطني هونج كونج يخشون من حالة عدم اليقين السياسي وآثروا الهجرة إلى بلدان أخرى، ولا سيما إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا. واكتسب الأطفال في هذه العائلات التي اختارت الهجرة الثقافة والمعرفة الغربية والصينية. ثم عاد العديد منهم إلى هونج كونج بعد إتمام تعليمهم لمواصلة حياتهم المهنية، ومعظمهم التحق بالعمل في قطاعات الخدمات المالية في هونج كونج. كما يوجد أيضًا مجموعة كبيرة من الموظفين ذوي الخبرة الذين تمتد جذورهم إلى هونج كونج، وتوفرت لهم فرصة الدراسة والعمل بالخارج. يدعم هؤلاء الأفراد تطوير طريق الحرير الجديد من خلال القدرة على استغلال معرفتهم المهنية في المؤسسات المالية العالمية والاستشارات القانونية، وشركات الإعلام. ومن ثم، فإن هذه الخلفية متعددة الثقافات ستمكنهم من العمل مع المواطنين ومع أشخاص ذوي ثقافات مختلفة.

تحديات أمام تطوير التمويل الإسلامي في هونج كونج

ووفقًا لـدايفد إم ويب، ناشط مالي، فإن المجتمع الإسلامي الصغير في هونج كونج يعني أنه سيكون هناك طلب منخفض على المنتجات المالية الإسلامية. كما يعتقد ويب أن الطلب الأجنبي على هذه الوسيلة الاستثمارية أيضًا لن يكون كبيرًا. وخلُص إلى أن التمويل الإسلامي لن يرقى إلى مستوى توقعات الحكومة، فلن يُساعد في إنقاذ اقتصاد هونج كونج، ولا في الحفاظ على دورها بصفتها إحدى المراكز المالية الدولية الرئيسية، كما أن نظام التعليم العالي في هونج كونج لا يوفر الخبرات المحلية لتقديم المشورة الخاصة بتطوير التمويل الإسلامي. على عكس دول مثل سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا التي أسست بالفعل نظمًا للتمويل الإسلامي.

 

ثمة عقبة رئيسية أخرى أمام تنمية التمويل الإسلامي في هونج كونج، وهي أن العديد من مستثمري هونج كونج قد لا يكون لديهم معرفة كافية بالإسلام كدين، وكيفية الربط بينه وبين متطلبات السندات الإسلامية وفقًا للشريعة الإسلامية. ستحتاج هونج كونج في محاولاتها لتنمية التمويل الإسلامي إلى تعديل قوانين ولوائح مختلفة لكي تجعل المعاملات التجارية متوافقة مع المتطلبات الدينية للعملاء المسلمين. ولن تكون مهمة تنقيح القوانين سهلة بدون وجود دعم من فريق خبراء جدير بالثقة. وهناك أمر آخر يتعلق بما إذا كان مجتمع هونج كونج في مجمله على استعداد لقبول أخلاقيات العمل الجديدة أم لا. وأشار أندرو وود، مراسل الأسواق والاستثمار في آسيا بجريدة "فايننشال تايمز"، إلى أن المجتمع ككل غير مضياف للمسلمين الذين يعيشون في هونج كونج.

وبالرغم من موقع هونج كونج المتميز باعتبارها بوابة إلى الصين، إلا أنها تعد أحدث عضو في المجموعة المتنامية من المراكز المالية التي تسعى إلى جلب التمويل الإسلامي إلى نظمها المالية الرئيسية؛ إذ تأخرت هونج كونج كثيرًا بالمقارنة مع المنافسين الاقتصاديين الإقليميين مثل سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا.

في الختام، هل تلعب هونج كونج دور الوسيط في طريق الحرير الجديد؟

في عام 2012م، وبعد ثلاث سنوات من المشاورات المتعلقة بالسوق والمناقشات المجتمعية، أعلن وزير المالية، السيد/ جون تسانغ شون واه، أن هونج كونج ستقوم بوضع اللمسات الأخيرة على التعديلات التشريعية الخاصة بضريبة الأرباح وضريبة العقارات ورسوم الطوابع لجعلها متوافقة مع متطلبات السندات الإسلامية في ميزانية عام 2012-2013م، وهذه التعديلات على قانون الإيرادات الداخلية وقانون الطوابع سيعمل على إزالة الحواجز أمام جذب التمويل الإسلامي ووضع المعاملة الضريبية للتمويل الإسلامي على قدم المساواة مع السندات التقليدية. وعلى الرغم من أن هذا أمر قد طال انتظاره إلا أنه في غاية الأهمية. ومن الواضح أن هونج كونج ترغب في لعب دور جديد باعتبارها وسيط في العلاقات الاقتصادية المتنامية بين دول الخليج والصين، وخلق رابط جديد في النظام العالمي السياسي والاقتصادي المتغير.

مجلة آراء حول الخليج