; logged out
الرئيسية / الصين: ضعف الاقتصاد والبطالة والكثافة السكانية أسباب إضرابات الشرق الأوسط

الصين: ضعف الاقتصاد والبطالة والكثافة السكانية أسباب إضرابات الشرق الأوسط

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

إن تتبع العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين الصين والشرق الأوسط قد يعود بنا إلى ألفي سنة مضت، فقد كانتكل من امبراطورية تانج الصينية والامبراطورية العربية تقعان على طرفي طريق الحرير القديم باعتبارهما عملاقي شرق آسيا وغربها. ومع ذلك فقد تضاءلت هاتان الامبراطوريتان بعد تصاعد القوى الاستعمارية الأوروبية بنحو ألف سنة ليجدوا أنفسهم وقد أضحوا من المهمشين في العصر الحديث. ومع النهضة الأوروبية، أعطت الشعوب الصينية والشعوب الشرق أوسطية الأولوية القصوى لإقامة العلاقات مع القوى الأوروبية، حتى غدت شعوب شرق آسيا وغربها "جيرانًا غرباء عن بعضهما البعض". وفي القرن الـ 21، تحديدًا منذ مضي الصين قدمًا في "مبادرة الحزام والطريق" أعادت الشعوب الصينية والشرق أوسطية اكتشاف تراثهم التاريخي وشرعوا في إعادة العلاقات بينهما والعمل على تقاربهما مجددًا بعد الجفوة التي حدثت بينهم.

1-المنظور الصيني للقضايا الأمنية في الشرق الأوسط

إثر انتهاء الحرب الباردة، أصبح الشرق الأوسط "بؤرة" للصراعات الدولية بمختلف صورها، من صراعات تقليدية وغير تقليدية، وصراعات داخل البلاد وبين الدول وبعضها البعض، والصراعات الإقليمية والعالمية. ومن منظور الصين، يمكن تصنيف صراعات الشرق الأوسط بشكل تقريبي إلى ستة تصنيفات: الأول، التهديد الإرهابي الذي يمثله " تنظيم الدولة الإسلامية ـ داعش" و"تنظيم القاعدة وأتباعه"؛ ثانيًا، الحروب بالوكالة والصراعات الأهلية والمتمثلة في سوريا وليبيا واليمن والصومال؛ ثالثًا، مشكلة النـزعة العرقية الانفصالية، على سبيل المثال القضية الكردية في تركيا وسوريا والعراق وإيران، وكذلك مشكلة دارفور في السودان؛ رابعًا، عملية السلام في الشرق الأوسط المتمثلة في الصراعات الفلسطينية الإسرائيلية وقضايا الصحراء الغربية، خامسًا انتشار أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك قضية إيران النووية وانتشار الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية؛ سادسًا، الخصومة الطائفية والجغرافية بين السعودية وإيران وكذلك بين الكتلة السعودية البحرينية المصرية من جهة مقابل التحالف التركي القطري من الجهة الأخرى؛ وأخيرًا، التهديدات المتنوعة غير التقليدية مثل اللاجئين والقرصنة وانتشار الأسلحة الصغيرة وغيرها.

ولا يقتصر الانشغال بالقضايا الأمنية في الشرق الأوسط على الصعيد المحلي فقط بل على الصعيد الدولي أيضًا: حيث يمتد تأثيرها الواسع إلى مناطق خارج الشرق الأوسط. حيث وصلت آثار الإرهاب واللاجئين وانتشار الأسلحة الصغيرة إلى المجتمع الدولي. على سبيل المثال، في عام 2018م، بلغ عدد المُهجرين من بلادهم وفقًا لتقدير الأمم المتحدة إلى 68.5 مليون حول العالم؛ ومنهم 25.4 مليون لاجئ في حين أن 40 مليون منهم نازحين داخل البلاد. وينتمي أكثر من نصف اللاجئين في العالم إلى الشرق الأوسط؛ فهناك 57% من اللاجئين من سوريا وأفغانستان وجنوب السودان. وتعد تركيا أعلى الدول استضافةً للاجئين، فهي تحتضن أكثر من 3.5 مليون نازح، ويأتي بعدها إيران ولبنان والسودان والأردن والاتحاد الأوروبي، لذا فإن إدارة القضايا الأمنية في الشرق الأوسط ليست شأنًا محليًا فقط، بل هي من مهام المجتمع الدولي.

2-ديناميكية المشاركة الصينية في الشؤون الأمنية في الشرق الأوسط

يقع الشرق الأوسط في نقطة التلاقي بين كل من طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري للصين، ويخدم استقرار وتنمية المنطقة مصالح بكين التجارية والسياسية والدبلوماسية والأمنية. وفي أكتوبر2017م، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينج، خلال المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، الضوء على " توجه الصين المضطرد إلى قلب الساحة العالمية"، ولذلك يتوجب على الصين بذل قصارى جهدها للمساهمة في حل الصراع في الشرق الأوسط وتقديم السلع الأمنية العامة في منطقة الشرق الأوسط على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف.

وتنظر الصين إلى الشرق الأوسط باعتباره "سوقًا " وليس "منطقة صراع"؛ فهي أكبر مستثمر في الشرق الأوسط ومن مصلحتها استقرار الأمن في المنطقة. ففي عام 2017م، استوردت الصين حوالي 200 مليون طن من النفط من المنطقة، وهو ما يقرب من نصف إجمالي وارداتها من النفط الخام. كما تعد الصين أكبر شريك تجاري بالنسبة إلى (11) دولة من دول منطقة الشرق الأوسط، وهم 10 دول عربية وإيران. في عام 2017م، بلغ حجم التجارة بين الصين والدول العربية 191 مليار دولار؛ وبلغت التجارة الصينية الإيرانية 37 مليار دولار؛ وازدادت تجارة إسرائيل مع الصين بنسبة 19 في المئة لتصل إلى 12 مليار دولار ووصلت مع تركيا إلى 26 مليار دولار. كما وقّعت الصين مع الدول العربية عقودًا تقدر بمبلغ 33 مليار دولار في 2017، وهناك أكثر من مليون مغترب في الشرق الأوسط أتوا من الصين من أجل أعمال التجارة أو الدراسة أو قضاء الحج.

وبعد قرار إدارة ترامب بالانسحاب من الشرق الأوسط، كان من الصعب على الصين أن تلعب دور المنتفع بدون تقديم مقابل، فلم يعد بإمكان الصين السعي للحصول على مكاسب اقتصادية دون الانخراط في الشأن السياسي.

وبالرغم من تمسك الصين بسياسة الحيادية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، إلا أنها قد انخرطت في شؤون الشرق الأوسط الأمنية للحصول على تأييده في قضية تايوان والتبت وكسينجيانج وحقوق الإنسان وقضايا بحر جنوب الصين، والأكثر أهمية لحماية مصالحها المشروعة عبر البحار في الشرق الأوسط.

وفي مقابل مفهوم (السلام الديمقراطي) الذي وضعه الغرب تضع الصين مفهومًاجديدًا وهو (السلام التنموي)، إذ تدفع الصين بأن الأسباب الجذرية التي أدت إلى انبثاق القضايا الأمنية في الشرق الأوسط هي الجمود الاقتصادي ومعدل البطالة العالي وضعف البينة التحتية والكثافة السكانية العالية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية وليس "العجز الديمقراطي" كما أوضح الغرب. وتمتلك الصين الوضع المناسب لتطبيق مفهومها المتعلق (بالسلام التنموي) من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية. لقد لعب الغرب ومعه روسيا دور المهيمن على مسرح الصراعات في بلاد مثل أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن (أي لعبت "الشوط الأول من مباراة كرة القدم")، في حين أن الصين قد لعبت دورًا رئيسيًا في مرحلة البناء-ما بعد الحرب (أي لعبت "الشوط الثاني من المباراة")، ولقد أسست الصين بالفعل وجودًا اقتصاديًا جوهريًا في الشرق الأوسط. فلربما أطاح الغرب بأنظمة قديمة في حين أن الصين أخذت في بناء اقتصاديات جديدة.

وبشكل عام لقد رحبت الشعوب والحكومات المحلية بمشاركة الصين في الشؤون الأمنية في الشرق الأوسط، مع تمسك الصين بمبدأ عدم التدخل في الشـأن الداخلي للدول الأخرى وعدم التورط في حروب غير مشروعة أو حروب بالإنابة؛ حيث تنظر الصين إلى دول الشرق الأوسط على أنها شريك مكافئ لها وليس أقل منها أو متأخر عنها. إن الصين تجمعها علاقات طيبة مع جميع الأطراف المتنازعة: مع كل من السعودية وإيران، وكل من فلسطين وإسرائيل، وكل من الجزائر والمغرب، وغيرهم، لذلك يُنظر إلى الصين باعتبارها أكثر اتزانًا. ويجمع الشعب الصيني والشعوب الشرق أوسطية ذكريات مشتركة حول "طريق الحرير القديم" بما يوحي به من شعورٍ تاريخي قوي وروابط عاطفية تجمع بينهم. إن الصين دولة نامية مثل دول الشرق الأوسط ولا تسعى إلى فرض نفوذها عليه ولا إلى تصدير أيديولوجيات أو معتقدات دينية إليه؛ كما أن الصين ليس لديها تاريخ استعماري مع الشرق الأوسط بل لقد كانت في الواقع ضحية للاستعمار الغربي، مثل شعوب الشرق الأوسط.

3-مشاركة الصين في الشؤون الأمنية في الشرق الأوسط عبر الوسائل الدبلوماسية

              تستند مشاركة الصين في الشؤون الأمنية في الشرق الأوسط على ثلاث ركائز: دبلوماسية وعسكرية واقتصادية. وتحديدًا، تركز الصين في إدارتها للشؤون الأمنية على التعاون المشترك بين الوكالات: حيث تنتهج وزارة الخارجية الصينية دبلوماسية شبه توسطية؛ وتعتمد وزارة الدفاع الصينية وجود عسكري غير عدواني؛ كما تقدم وزارة التجارة الصينية المساعدات الاقتصادية إلى البلاد التي تمر بمرحلة انتقالية – هادفةً بكل ذلك إلى تهدئة الصراعات والسيطرة عليها.

الركيزة الأولى: دبلوماسية الصين شبة التوسطية:

تتسم الدبلوماسية شبة التوسطية التي تتبعها الصين بالحذر وتهدف إلى حل الصراع، بحيث يتضمن مشاركة الصين ولكن بدون أن تلعب دورًا جوهريًا في عملية التوسط. إن الصين تفضل المشاركة على الهيمنة؛ والتبعية على القيادة؛ وتقديم الأفكار البناءة عوضًا عن وضع الأجندات؛ والوصول إلى حلول لتهدئة الصراع بدلا من فرض القوة لإنهائه. واعتبارًا من عام 2018م، قامت الصين بترشيح خمسة مبعوثين خاصين للاهتمام بقضية شبة الجزيرة الكورية (شمال كوريا)، والشؤون الإفريقية (السودان)، وشؤون الشرق الأوسط (الصراع الفلسطيني الإسرائيلي) والقضية الأفغانية والسورية على التوالي. هذا ويختص أربعة منهم بالتعامل مع قضايا الشرق الأوسط الهامة. ويتسم المبعوثون الصينيون بأنهم أكثر عملية وأكثر حيادية وأكثر صبرًا، ويسعون لوضع حلول تدريجية للقضايا الشائكة، برغم أنها أحيانًا ما تكون سلبية وغير كافية.

كما تتسم دبلوماسية الصين شبة التوسطية بالانتقائية استنادًا إلى أربعة عوامل: علاقة الأزمة بالمصالح التجارية الحيوية للصين؛ ونطاق النفوذ الصيني؛ ومقدار موافقة القوى العظمى، وتعذر تسوية الأزمة. ونظرًا لنفوذ الصين المحدود في الوقت الحالي، فإن مساعيها للتوسط تنحصر في القضايا التي في متناول يديها، والتي يمكن تصنيفها إلى أربع فئات:

الأولى: "التدخل متعدد الأوجه" مثل توسط الصين في قضايا السودان/ جنوب السودان /دارفور؛

والثانية: التدخل الاستباقي" مثل توسط الصين في القضية النووية الإيرانية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛

والثالثة: "التوسط المحدود" مثل الانخراط الصيني المحدود في الحرب المدنية الليبية والأزمة السورية والصراع اليمني والنزاع الإيراني السعودي والخلافات الدبلوماسية بين السعودية والإمارات العربية والبحرين من جهة وقطر من الجهة الأخرى.

والرابعة: "المشاركة غير المباشرة"، أي توسط الصين في الأمم المتحدة، مثلما حدث في قضايا الأزمة الصومالية ومسألة الصحراء الغربية والنزاع على الأرض بين إيران والإمارات العربية المتحدة والقضية اللبنانية وحملات مكافحة الإرهاب في مجتمع الشرق الأوسط ضد "الدولة الإسلامية" ومنظمة القاعدة وأتباعها، فإن انخراط الصين في هذه الشؤون يعد غير مباشر وطفيف .

4-مشاركة الصين في الشؤون الأمنية الشرق أوسطية من خلال الوسائل العسكرية.

إن الركيزة الثانية هي الوجود العسكري الصيني غير العدواني. ففي الوقت الحالي، تنشر الولايات المتحدة حوالي 60،000 جنديًا وعشرات القواعد العسكرية في عشرة من دول الشرق الأوسط وهي الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة وعمان وتركيا وجيبوتي والعراق وسوريا وأفغانستان، ويحتل نفوذها العسكري المركز الأول من بين القوى العظمى؛ حيث نشرت بريطانيا حوالي 3000 جنديًا في قبرص والبحرين؛ ونشرت فرنسا حوالي 3000 من قواتها العسكرية في الإمارات العربية المتحدة وجيبوتي؛ ونشرت روسيا حوالي 3000 جنديًا في سوريا، ولدى كل منهم العديد من القواعد العسكرية. وتأتي هذه القوى الثلاث في المستوى الثاني من حيث النفوذ العسكري في المنطقة.

                وفي الوقت الحالي، نشرت الصين 1000 من جنودها في قاعدة أوبوك اللوجستية في جيبوتي؛ ليحتل نفوذها العسكري المركز الثالث. ولقد افتُتحت القاعدة رسميًا، في أغسطس 2017م، على يد القوات البحرية التحريرية الصينية. وأرسلت الصين في ديسمبر 2018م، 31 قافلة للمساعدات البحرية إلى المياه الصومالية من أجل حماية الأمن البحري للبحر الأحمر وبحر العرب.

                وغالبًا ما تُرسل الصين قوات عسكرية بشكل مؤقت للقيام بعملية إجلاء للمواطنين الصينيين من الشرق الأوسط. فمنذ عام 2008 إلى 2018م، اضطرت الصين إلى سحب أكثر من 50 ألف من المغتربين الصينيين في دول الشرق الأوسط من بينها ليبيا والسودان واليمن ومصر وأفغانستان والعراق؛ وذلك نظرًا لحالات الطوارئ المحلية مثل الحروب الأهلية والهجمات الإرهابية وأعمال الشغب المناوئة للحكومة والانتفاضات وغيرها من الصراعات المسلحة.

                وبعد ذلك، فإن قوات حفظ السلام الصينية في الشرق الأوسط هي الأكبر من بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي 2015م، أعلن الرئيس الصيني شي أن تبرع الصين بمبلغ وقدره واحد مليار دولار إلى صندوق السلام والتنمية التابع للأمم المتحدة، وأن الصين ستقوم بتدريب 2000 جندي من قوات حفظ السلام التابعة للدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة، و في إبريل 2018م، ساهمت الصين بأكثر من 1800 جندي وشرطي في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام إلى الشرق الأوسط أو في مناطق قريبة منه: الصحراء الغربية (بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية- عشرة أفراد)، ودارفور في السودان (يوناميد: بعثة حفظ السلام المختلطة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور– 371 فردًا)، ولبنان (اليونيفيل: قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان- 418 فردًا)، وجنوب السودان (بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان- 1،056 فردًا) وفلسطين وإسرائيل (يونتسو: هيأة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة- 5 أشخاص).

                وبالإضافة إلى ذلك، فقد شارك الجيش الصيني في عمليات مجلس الأمن التابعة للأمم المتحدة. ومع الأخذ في الاعتبار قرار الحكومة السورية بقبول اتفاقية الأسلحة الكيميائية والتزام الحكومة السورية بتطبيق الاتفاقية مبدئيًا قبل دخولها حيز السريان، فقد قدمت البحرية الصينية قافلة خدمات لسفن الأمم المتحدة المحملة بالأسلحة الكيميائية السورية من أجل تدميرها في قبرص.

وأخيرًا: أرسلت الصين متعهدي خدمات الأمن الخاصة إلى البُلدان والمناطق التي دمرتها الحروب، على سبيل المثال سنو ليوبارد كوماندو الذين أرسلتهم الشرطة الصينية المسلحة، وشركة الأمن الصينية "تيان جياو تيوي (جي أس أي)" و "هوا شين تشونغ ان لخدمات الأمن المحدودة.[1]

5-مشاركة الصين في الشؤون الأمنية في الشرق الأوسط عبر الوسائل الاقتصادية

إن الركيزة الثالثة هي المساعدات الاقتصادية الصينية. لطالما سلطت الدول الغربية اهتمامها على إدارة "الشؤون الأمنية" و"الشؤون الديمقراطية". ومع ذلك، فإن الصين تتجاهل "إجماع واشنطن" هذا، وتعمل على استبداله بتوافق آخر وهو "إجماع بكين"، وتدفع بأن التنمية بالنسبة للدول النامية في الشرق الأوسط أشد إلحاحًا وضرورةً من الديمقراطية؛ "فتوفير الغذاء في الشرق الأوسط أهم من توفير صناديق الاقتراع"، وهذا هو "توجه الصين في إدارتها لشؤون التنمية". كما تدفع الصين بأنه ينبغي على القوى الخارجية والمجتمع الدولي تقديم المساعدات الاقتصادية إلى الشرق الأوسط والتي هو في أمس الحاجة إليها، بدلاً من تصدير الأسلحة والديمقراطية غير الملائمة.

وتتناسب المساعدات الاقتصادية الصينية إلى الدول التي مزقتها الحروب في الشرق الأوسط مع قوة بكين القومية العامة، على سبيل المثال المساهمة بمئة مليون دولار في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في صوماليا منذ عام 2015: وب 600 مليون ين للشؤون الإنسانية والتعمير في سوريا واليمن ولبنان والأردن منذ عام 2018م؛ وواحد مليار ين من أجل بناء قدرات الحكومات العربية منذ عام 2018م، وترى الصين أنه يمكننا القضاء على جذور العنف والصراعات في الشرق الأوسط من خلال التنمية الاقتصادية والتعمير الاجتماعي، فالتنمية هي المبدأ المطلق لدول الشرق الأوسط وما تمر به من مرحلة انتقالية.

إن الاسلوب الصيني في الإدارة يكشف عن قدرة بكين على نشر "قوتها الحصيفة" في الشرق الأوسط. فأولاً، تطمح بكين إلى الديناميات الجغرافية الاقتصادية بدلاً من الطموحات الجغرافية السياسية للبلاد. وثانياً، تسعى الصين لإظهار أن الوجود العسكري الدولي في الشرق الأوسط بدلاً من الوجود العسكري لدولة واحدة يهدف إلى توفير السلع الأمنية الدولية العامة؛ ثالثًا، لقد حققت الصين استثمارات عظيمة في الشرق الأوسط لتُثبت اعتقادها في "السلام التنموي" مقابل فرضية "السلام الديمقراطي" الغربي. فالأسلوب الصيني لإدارة الشؤون الأمنية يتسم بتفادي المخاطر والحذر والترابط الاقتصادي الأمني.

الخاتمة

في القرن الحادي والعشرين، شكلت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وروسيا ما يعرف باسم "المجالات الأساسية التقليدية، ساعية بذلك لتحقيق المصالح الجغرافية السياسية، في حين أن القوى الآسيوية، ومنهم الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند، قد صاغوا "مجالات أساسية جديدة" ساعين بذلك لتحقيق المصالح الجغرافية الاقتصادية. ومع ذلك، فإن المصلحة المشتركة للكتلتين تستدعي تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من تبنيهما لتصورات مختلفة لحل الصراعات في هذه المنطقة. ففي المستقبل القريب، سيتعايش الوجود العسكري للقوى الغربية مع الوجود الاقتصادي للقوى الآسيوية المتصاعدة في الشرق الأوسط، ومن ثم سيقوموا تباعًا بتشكيل مراكز قوى مزدوجة في المنطقة.

              وتمتلك الصين وجهة نظر مختلفة فيما يتعلق بوضع حل للشؤون الأمنية في الشرق الأوسط. فهي ضد الممارسات الغربية من سياسات التحالف ومجالات النفوذ والحروب بالوكالة؛ وهي حذرة بشأن التدخل لدواعي إنسانية وتغيير الأنظمة؛ كما أنها ضد القول بأن جزءًا من الدول المتنازعة في الشرق الأوسط هو جزء "شرير" و"مفتعل للمشاكل". بل عوضاً عن ذلك، تشدد الصين على أن جميع الأطراف شركاء وسواسية في الحوار من أجل الوصول لحل جامع وشامل لهذه الصراعات.

ومن أكثر الاقتراحات التي قدمتها الصين أهمية هو "السعي للوصول إلى أرضية مشتركة ووضع الخلافات جانبًا". إن الصين تدعو الدول الغربية إلى أن تتعلم من دول شرق آسيا: ينبغي على الأطراف المتنازعة السعي إلى التعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي مع وضع النزاعات السياسية جانبًا. وينبغي على الأطراف المتنازعة مثل إيران والسعودية، وقطر ودول مجلس التعاون الخليجي، والجزائر والمغرب، استئناف الروابط الدبلوماسية وإعادة التبادل الاقتصادي والثقافي وترك النزاعات السياسية للأجيال القادمة.

                خلاصة القول، أن الصين نظرًا لكونها قوة صاعدة و"مستجدة" فإن مشاركتها في الشؤون الأمنية في الشرق الأوسط هي مشاركة تجريبية وابتدائية مثلها مثل "من يتحسسون الأحجار وهم يعبرون النهر" فهي لديها مسار مختلف في المنطقة. ومع ذلك، فليس من الضروري أن تكون اللعبة بلا جدوى بالنسبة للقوى الأخرى، الموجودة والصاعدة، مثل أمريكا والقوى الأوروبية وروسيا والهند. حيث تمتلك جميع القوى الخارجية والبلدان الإقليمية مصالح تتعلق بالأمن في الشرق الأوسط. إن وجهات نظرهم حول إدارة الشؤون الأمنية في الشرق الأوسط تشبه العلاقة بين الطب الغربي والطب الصيني التقليدي: فهما يختلفان في الأساليب ولكن لديهما توافق متبادل حول معالجة جروح الشرق الأوسط.

 

 

 

 

[1]Tianjiao Tewei (GSA), Huaxing Zhong’An Security Service Ltd

مجلة آراء حول الخليج