; logged out
الرئيسية / ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقات الصينية الإيرانية.. والأرجح التراجع

ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقات الصينية الإيرانية.. والأرجح التراجع

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

 منذُ خمسة عقود خلت، وضُع الحجر الأساس للعلاقات الصينيةــ الإيرانية وتطورت هذه العلاقات بين الدولتين في الميادين كافة،وبخاصة الاقتصادية منها سواءً أكان ذلك خلال مدة الحكم الملكي في طهران، أم في العهد الجمهوري الإسلامي. ومع وجود نظام علماني المنهج ويتبنى الاشتراكية في الصين، ونظام ثيوقراطي في إيران، إلا أن لغة المصالح المتُبادلة أضحت القاسم المشترك بينهما.

     تأتي أهمية الصين لإيران كونها إحدى الدول العظمى التي تمتلك حق العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وهي في ذات الوقت الشريك التجاري الأول لها على مدى العقد الأخير، بعد أن توسعت مُفردات التبادل التجاري بين البلدين لتشمل الطاقة ومواد صناعية، وتقنيات الكترونية ومعدات عسكرية وغيرها.

       فيما تُشكل إيران بإمكانياتها النفطية الكبيرة عاملاً محوريًا لتزويد السوق الصيني بالنفط الخام   ومن ثم المساهمة في إعادة تشكيل علاقات الصين بدول منطقة الشرق الأوسط، وإزاء اندفاع إيران لتطوير قدراتها الصاروخية والنووية وعجز الغرب، وبالذات الولايات المتحدة الأميركية عن ثني إيران  لإعادة صياغة سياستها في ميدان الطاقة النووية وإعادة النظر بتوجهاتها الإقليمية، مما دفع إدارة الرئيس "دونالد ترامب" للانسحاب من إتفاقية البرنامج النووي الإيراني، وإعادة فرض عقوبات إقتصادية على إيران لقطاعات الطاقة والمصارف والاتصالات والصناعة وغيرها، مما دفع الحكومة الإيرانية لتوطيد علاقاتها الخارجية مع العديد من دول العالم وبخاصة مع الصين، وبما يُعزز العلاقات الاقتصادية الصينية الإيرانية لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة.

 

ثانيًا. لمحة تاريخية:

عُرفت الصين، ومنذ أقدم العصور، بكونها إمبراطورية وحضارة تفوقت على بقية دول العالم في العلوم والفنون، وتميزت كأطول فترة امبراطورية، استمرت إلى (4312) سنة مع وجود بعض الانقطاعات في تاريخها الطويل، إلا إنها عانت في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من الاضطرابات المدنية والمجاعات الكبرى، والهزائم العسكرية، والاحتلال الأجنبي، وبعد الحرب العالمية الثانية، أنشأ الحزب الشيوعي الصيني بزعامة "ماو تسي تونغ" نظامًا إشتراكيًا مع ضمان سيادة الصين، وفرض قيودًا صارمة على الحياة اليومية.

     تبلغ مساحة الصين نحو (9.388.211.00) كم2، وتحتل من حيث المساحة المرتبة الثانية على المستوى العالمي بعد روسيا، وقد ركز قادة الصين على التنمية الاقتصادية الموجهة نحو السوق وبحلول عام 2000 م، تضاعف الناتج المحلي الاجمالي لأربع مرات. فيما تحسنت مُستويات المعيشة بشكل كبير ليبلغ عدد السكان فيها حاليًا نحو (1.388) مليار نسمة، ولتحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السكان على المستوى العالمي، وتطور اقتصادها لتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث الناتج المحلي الإجمالي في العالم بالوقت الحاضر.

      وخلال المدة (1949 ــــ 2018م) تعاقب على حكم الصين سبعة رؤساء، وهم من كبار قادة الحزب الشيوعي الصيني، واعتبارًا من 11/3/2018م، أقر مجلس نواب الشعب الصيني مشروع قرار بإزالة بند من الدستور الصيني يُحدد ولاية الرئيس بفترتين متتاليتين، وأصبح الرئيس الحالي “شي جين بينغ" رئيسًا للصين مدى الحياة.

        اما إيران، والمعروفة بأسم بلاد فارس حتى عام 1935م، فهي الأخرى دولة تمتلك تاريخ طويل وحضارة تتجاوز (2500) سنة، والتي أضحت جمهورية إسلامية في عام 1979م، ومن ثم أسس رجال الدين المحافظين بقيادة (آية الله الخميني)، نظامًا ثيوقراطيًا للدولة، ومُنحت السلطة العليا المطلقة فيه، وفقًا للدستور الإيراني، لرجل دين معروف، ويشار اليه باسم المرشد الأعلى ويتمتع بهذه السلطة مدى الحياة.  

      وخلال المدة (1979 ــــ 2019م)، تولى الموقع الأول في حُكم إيران كمرشد أعلى للثورة الإسلامية ، زعيمان كان لهما تأثيرًا  بارزًا على إعادة تشكيل علاقات إيران الإقليمية والدولية وتحديدًا  مع الولايات المتحدة الأميركية، وهما أية الله الخميني، والذي تولى الموقع  لمدة عشر سنوات  (1979 ـــــ 1989)،  فيما تولى أية الله علي خامنئي الموقع الأول منذ عام 1989 وحتى الوقت الحاضر ، مع تعاقب سبعة رؤساء جمهورية تنفيذيين  في إيران  خلال المدة المذكورة ، إلا  إنهم بسلطات تنفيذية مُقيدة، كون سلطة المرشد الأعلى بموجب  المادة (110) من الدستور الإيراني هي العامل الحاسم في دست الحكم في إيران . 

  ثالثًا.  العلاقات السياسية:

            تعود العلاقات بين الصين وإيران إلى العصور التاريخية القديمة، عندما سيطرت السلالات الصينية والفارسية على المسالك التجارية النشيطة في الشرق من خلال طريق الحرير الشهير، والذي شكل النواة التي أسست العلاقات بين البلدين قي كافة الميادين.  

      وبعد أن كانت الصين وإيران من القوى الكبرى، تقلصتا إلى دولتين محدودتي التأثير، في بدايات القرن العشرين، بينما قُسمت إيران إلى " مناطق نفوذ" على يد روسيا وبريطانيا في القرن التاسع عشر فيما عاشت الصين سلسلة من الهزائم العسكرية من القوى الغربية. كما كان النظام الاشتراكي الصيني الذي تأسس بعد ثورة 1949م، واقعًا تحت عدد ٍ من العقوبات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمدة طويلة منذ إقامته. فيما أجبرت بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية إيران على ضمان المصالح الغربية منذ أربعينيات القرن العشرين فصاعدًا، حيث تم الضغط على (رضا بهلوي) للتنازل عن السلطة لابنه ( محمد رضا) ، تم بتنفيذ إنقلاب عسكري ضد  رئيس الوزراء الإيراني ( محمد مصدق) عام 1953م، ونتيجة لذلك أضحى العديد من الإيرانيين ينظرون إلى القوى الغربية على أنها المسؤولة عن جميع أخطاء وإخفاقات نظام بهلوي، (سكوت هارولد وعليوضا نادر ، العقوبات الاقتصادية والسياسية ، مؤسسة راند ، 2012م)، وفي المدة ذاتها إستغل قادة الصين العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد النظام الاشتراكي في الصين  لتصوير الغرب على أنه عدو شعب الصين.

    وبعد اعتراف إيران بجمهورية الصين الشعبية، في 17 أغسطس 1971م، تم إعادة تشكيل مسارات جديدة للعلاقات الصينية ـ الإيرانية قوامها تبادل الزيارات بين مسؤولي الدولتين، وتوطيد العلاقات الثنائية في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية، منذ ذلك الحين وحتى الوقت الحاضر.

رابعًا. العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران في ظل العقوبات الاقتصادية:

           تخضعُ أيران لعقوبات اقتصادية، دولية، وأمريكية وأوروبية منذ عام 2006 م، بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، وجرى تخفيف قسمًا منها بعد توقيعها للاتفاق النووي واعتبارًا من 1/1/2016م، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أعلنت انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران في 8 مايو 2018م، وأعادت فرض العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني. وأكد الرئيس "دونالد ترامب" ما نصه: (إن الانسحاب من الاتفاق يأتي لعدم نجاح الاتفاق في وقف أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار ومساعيها للحصول على سلاح نووي وردعها عن متابعة برنامجها للصواريخ الباليستية. (سكاي نيوز، 8 مايو 2018م)، وحددت الإدارة الأميركية العقوبات الاقتصادية على إيران بمرحلتين: المرحلة الأولى: تم الشروع بتنفيذها اعتبارًا من 6 اغسطس 2018م ، وتضمنت: حظر التعامل بالدولار الأمريكي عبر القنوات المصرفية، ومنع جميع التعاملات بالذهب والمعادن النفيسة، وإيقاف تجارة المعادن الصناعية مثل الحديد والألمنيوم، وحظر صفقات الفحم وجميع أنواع الكاربون ومنع بيع وشراء العُملة الإيرانية (الريال)، خارج البلاد، وحظر البرمجيات ذات الاستخدامات الصناعية ومنع تعاملات السندات وأدوات الدين الإيراني وحظر صفقات الطيران وصناعة السيارات (صحيفة العرب، لندن، 6 اغسطس 2018م) ، فيما دخلت المرحلة الثانية حيز التنفيذ اعتبارًا من 5 نوفمبر 2018م، واستهدفت  الموانئ الإيرانية وسفنها ومصانع السفن ،وفرض قيود على التحويلات المالية بين المؤسسات المالية الأجنبية والبنك المركزي الإيراني وفرض قيود على خدمات الاكتتاب والتأمين وإعادة التأمين وفرض قيود على التعاملات المتعلقة بالأنشطة النفطية الإيرانية.

         ووفقًا لما أعلنه مدير التخطيط الاستراتيجي في وزارة الخارجية الأميركية "براس هوك" في الأول من يوليو 2018 م“فإن الحملة التي تشنها بلاده ضد إيران تستهدف خفض إيراداتها من مبيعات النفط الخام إلى الصفر “.

    وإذ يمثل الميدان الاقتصادي، العمود الفقري في العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع دول العالم بصورة عامة والعلاقات الاقتصادية الصينية الإيرانية منها على وجه التخصيص، والتي عبرت عن الواقع التطبيقي المتميز للعلاقات الثنائية بين البلدين في العديد من المجالات، لعل أهمها الآتي:

  1. التبادل التجاري بين إيران والصين:

  كتب الرئيس الصيني "شي جين بينغ" عن إيران، وفقًا لما نشره مركز دراسات الصين وآسيا ما نصه: (لقد نُسج السجاد الفارسي الثمين نتيجة اندماج بين الحرير الصيني والتقنيات الإيرانية المتقدمة). وبهدف توضيح حقيقة أرقام حجم التبادل التجاري بين الصين وإيران، لابد من تبيان حجم إجمالي التبادل التجاري الإيراني مع دول العالم ومن ثم التطرق لحجم التبادل التجاري بين إيران والصين للسنوات الأخيرة. وبمراجعة المعطيات الإحصائية المثبتة في (الشكل ـــ 1)، يتضح أن إجمالي الصادرات الإيرانية للسلع والخدمات مع دول العالم وللمدة (2012 ـــ 2018م)، يتصف بتأرجح أرقام قيم الصادرات، والتي كانت في عام 2012م، نحو (104.00) مليار دولار أمريكي، وتراجعت لتصل لأدنى مستوى لها في عام 2015م، عندما بلغت نحو (63.10) مليار دولار أمريكي، ومن ثم عاودت نموها لتصل في عام 2018م، إلى (130.03) مليار دولار أمريكي.

    فيما تراجعت أرقام قيم الاستيرادات الإيرانية من دول العالم للمدة ذاتها، وعلى سبيل المثال، كانت أرقام قيم الاستيرادات الإيرانية في عام 2012م، نحو (57.09) مليار دولار، وتناقصت إلى (41.80) مليار دولار في عام 2015م، ثم عاودت ارتفاعها في عام 2018م، لتصل الى (103) مليارات دولار. مما يعكس تأثير عوامل خارجية متعددة، ترتبط في مجملها بخضوع إيران لعقوبات اقتصادية دولية.

 

 

 

(الشكل ــــ 1)

المصادر:

-          للسنوات 2012 ـــ 2017، بيانات البنك الدولي، المنشورة في الانترنت، وعلى الرابط:https://data.albankaldawli.org/indicator/TX.VAL.MRCH.CD.WT?locations=IR&view=chart

-          لعام 2018، تقرير صندوق النقد الدولي، المنشور في الانترنت، وعلى الرابط: https://www.imf.org/en/Publications/CR/Issues/2018/03/29/Islamic-Republic-of-Iran-2018-Article-IV-

 

         واستناداً للتقرير السنوي لإحصاءات التجارة العالمية الذي أصدره البنك الدولي (Direction of Trade Statistics Year book ,2018)، سجلت أرقام التبادل التجاري للسلع والخدمات بين الصين وإيران أرقامًا متواضعة، تراوحت أرقام قيم الصادرات الإيرانية للصين بين (278.5) مليون دولار عام 2012م، لتصل في عام 2014م، أعلى مستوى لها عندما بلغت نحو (495.1) مليون دولار، ومن ثم عاودت انخفاضها لتصل في عام 2017م، إلى (168.2) مليون دولار. فيما كانت الاستيرادات الإيرانية من الصين للمدة ذاتها أقل بكثير من أرقام قيم الصادرات. وعلى سبيل المثال كانت الواردات لعام 2012 م، نحو (165.8) مليون دولار، وتراجعت لتصل إلى (112.3) مليون دولار في عام 2013، ثم عاودت ارتفاعها لتصل إلى أعلى مستوى لها عندما بلغت (245.2) مليون دولار في عام 2017م، (انظر الشكل ـــ 2).

 

(الشكل ـــ 2)

Source: International Monetary Fund, Direction of Trade Statistics, Yearbook, P,332.

 

           2. الصادرات النفطية الإيرانية للصين:

        تمتلك إيران إحتياطيات نفطية كبيرة بلغت (157) مليار برميل من النفط الخام في عام 2017، لتحتل المرتبة الرابعة عالميًا، بعد فنزويلا، والمملكة العربية السعودية، وكندا، وهي من كبريات الدول المنتجة والمصدرة للنفط الخام، فضلاً عن إمتلاكها لاحتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي والتي بلغت نحو (1173) تريليون قدم3 في عام 2016م، لتحتل المرتبة الثانية على المستوى العالمي بعد روسيا. وبمراجعة المعطيات الإحصائية في (الجدول ـــ 1)، إن إجمالي إنتاج النفط الإيراني، تزايد بعد الرفع الجزئي للعقوبات الدولية والأميركية والأوروبية، بعد توقيعها للاتفاق النووي في تموز 2015 مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، والمعروفة مجموعة (5+1)، والذي طبق اعتبارًا من 1/1/2016م، وعلى سبيل المثال، كان الإنتاج النفطي في إيران عام 2015 نحو (2.9) مليون برميل يوميًا، تصاعد الإنتاج ليرتفع إلى (3.8) مليون برميل يوميًا في عام 2018م، أي بزيادة قدرها نحو (800) ألف برميل يوميًا عن إنتاج عام 2015. مما أدى إلى ارتفاع كميات تصدير النفط من (1.4 مليون برميل يوميًا عام 2015م، إلى (2.1) مليون برميل في عام 2016م، وليستمر بالتصاعد ليصل إلى (2.7) مليون برميل من النفط الخام يوميًا في عام 2018م. انظر (الجدول ـــ1).

    وقد أدى تزايد أرقام الصادرات النفطية الإيرانية إلى مضاعفة قيم الصادرات النفطية من النفط الخام والغاز الطبيعي الإيراني لتسجل في عام 2015م، نحو (26.9) مليار دولار، وتزايدت لتصل الى (49.8) مليار دولار في عام 2016م، ثم تواصل ارتفاعها لتصل إلى (78.3) مليار دولار في عام 2018م. (الجدول ـــ1).

(الجدول ـــ 1)

مؤشرات القطاع النفطي في إيران للمدة 2015 ـــ 2018

السنة

إجمالي الإنتاج النفطي (مليون برميل يوميًا)

الصادرات النفطية لدول العالم (مليون برميل يوميًا)

 قيمة اجمالي صادرات النفط والغاز الطبيعي       ( مليار دولار أميركي )

2015

2.9

1.4

26.9

2016

3.7

2.1

49.8

2017

3.8

2.5

93.7

2018

3.8

2.7

78.3

Source: I.M.F. Iran, Country Report, No 18/93, 2018, P 30.

   واستنادًا للتقرير السنوي لشركة برتش بتروليوم (Bp. Statistical Review of World Energy ,2018 لعام 2018م)، بلغت الاحتياطيات النفطية للصين نحو (25.7) مليار برميل من النفط الخام، في حين تعد الصين ثاني أكبر مُستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، إذ بلغ إجمالي استهلاكها من النفط الخام عام 2017م، نحو (12.7) مليون برميل يوميًا، في حين بلغ إنتاجها من النفط الخام للسنة ذاتها (3.8) مليون برميل من النفط الخام يوميًا، إي إنها تستورد بحدود (8.9) مليون برميل من النفط الخام يوميًا.

    ووفقًا لتقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية (E.I.A.) عن إيران لعام 2018م، تتوزع صادرات النفط الإيراني للعالم وبنسبة (80%) لدول قارة آسيا، و(20%) لبقية دول العالم.  وتأتي الصين في المرتبة الأولى في استيراد النفط الإيراني وبواقع (24%) من صادراتها النفطية، أي أن معدل الصادرات النفطية الإيرانية للصين يبلغ (648) ألف برميل يوميًا، أنظر (الشكل ـــ 3)

 

(الشكل ـــ 3)

Source: EIA. U.S. Energy Information Administration, April,9,2018

 

3. الاستثمارات الصينية في إيران:

     على الرغم من محدودية الاستثمارات الإيرانية في الخارج، إلا أن استثمارات الصين في إيران تزايدت في السنوات الأربع الماضية بمقدار (20) ضعفًا، كما تتعاون إيران والصين في مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، وهي أكبر شبكة تجارة في العالم، تمتد من الصين إلى أوروبا، بما في ذلك إنشاء خط سكة حديد فائق السرعة في إيران، فضلاً عن بناء الصين لمشروع مترو طهران وافتتاح المرحلة الأولى منه في عام 2000م، وشروعها في بناء مشروع مترو لمدينة مشهد، ومنذ رفع العقوبات النووية في يناير 2016م، فتحت الصين خطي ائتمان بقيمة (4.2) مليار دولار أميركي لبناء خط سكة حديد فائق السرعة يربط بين المدن الإيرانية من طهران ومدينة مشهد الواقعة في شمال شرق إيران، بالإضافة إلى أصفهان. في وسط البلاد.

4. المبيعات العسكرية الصينية لإيران:  

          تزايدت واردات دول منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة وبنسبة (68%) خلال المدة (2011 ــــ2016م) واستأثرت المنطقة  بنسبة (34%)، من واردات الأسلحة على المستوى العالمي في السنوات الخمس الأخيرة ( 2012ـــ 2016) وثمة خمسة بلدان من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين مستوردي  الأسلحة العشر الكبار في العالم في سنة 2016م، من بينهم  إيران ،والتي استوردت أسلحة ولمختلف الصنوف العسكرية ، وكانت الصين  ثاني أكبر مورد  للأسلحة لإيران بعد روسيا (الكتاب السنوي لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي لعام 2016 ص 49)، ولعبت الصين دورًا أساسيًا في تقديم الخبرات الفنية التكنولوجية لإطلاق القطاع الصناعي العسكري الإيراني، وبخاصة صناعة الصواريخ والسفن الحربية، مما قدم أكبر مُساعدة لها في تحديث التصنيع العسكري وبما يخدم كافة الفروع العسكرية.

خامسًا. الآفاق المستقبلية:  

  1. السيناريوهات: في ضوء ما تقدم، يمكن استخلاص ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقات الصينية الإيرانية وكما يأتي:

أولاً. سيناريو التراجع: يقوم هذا السيناريو على فرضية قوامها: " مع تزايد تأثير العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران، تتراجع العلاقات الاقتصادية الإيرانية الصينية في غالبية مجالات التعاون المشترك، مما يدفع القيادة الصينية للبحث عن فرص اقتصادية مع دول أخرى لتقليص فجوة الخسائر المحتملة". ويدعم هذا السيناريو العديد من العوامل، وفي مقدمتها: إدراك الصين لمخاطر الشراكة الاقتصادية مع إيران، ورغبة القيادة الصينية في المحافظة على مستوى التبادل التجاري المرتفع بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وضعف القوة الشرائية للاقتصاد الإيراني، وقوة الاقتصاديات الخليجية لمنافسة إيران على الأسواق الصينية، وصعوبة المراهنة على النقل البري بين الصين وإيران وتوفر خيارات متاحة للصين لشراء النفط من دول الخليج العربي.

            ومن العوامل الكابحة لهذا السيناريو، إن استمرار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية قد يدفع بكين للتمسك بشراكتها الواسعة مع إيران، للضغط على واشنطن في هذا المجال.

ثانيًا. سيناريو الاستمرارية: يعتمد هذا السيناريو على فرضية قوامها: " مع تزايد تطبيق العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران تتزايد قدرة إيران على التأقلم مع العقوبات الأميركية ". وهناك العديد من العوامل الداعمة لهذا السيناريو، لعل أهمها: مدى قدرة إيران على تنفيذ سياسة الاقتصاد المقاوم التي دعا إليها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وتطبيق إيران لسياسة تقشفية لتقليص النفقات الحكومية، وتوطيد العلاقات الإستراتيجية مع الصين، واتباع إيران لسياسة تصالحية مع دول الخليج العربي، وإعلانها الانسحاب (الظاهري) من اليمن وسوريا.

             ويؤخذ على هذا السيناريو: صعوبة مواجهة إيران للعقوبات الاقتصادية الأميركية، وبخاصة لقطاعات النفط، والبنوك والمصارف، والقطاع الصناعي، وكذلك عدم قدرة إيران مواجهة المظاهرات الشعبية التي قد تندلع جراء تداعيات استمرار العقوبات الاقتصادية الأميركية.

ثالثًا. سيناريو التقدم: ويقوم هذا السيناريو على فرضية قوامها: “تزايد قدرة إيران على مواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية يؤدي إلى تزايد وتيرة العلاقات الاقتصادية الصينية ــ الإيرانية ".

        وتتلخص العناصر الداعمة لهذا السيناريو: إصرار الصين على التمسك بمصالحها الواسعة في إيران، وتأييد الدول الكبرى الداعمة للاتفاق النووي مع إيران وبخاصة روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، والمراهنة على إضعاف إدارة الرئيس "دونالد ترامب " عقب فوز الديمقراطيين بمجلس النواب الأميركي، واختلافهم المعلن مع سياسات الرئيس ترامب، والاستفادة من السوق السوداء لتهريب النفط والبضائع التي يحتاجها السوق الإيراني عبر العراق وتركيا والباكستان. أما العناصر الكابحة لهذا السيناريو فهي: امتلاك الإدارة الأمريكية لعناصر القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية القادرة على التأثير على إيران، وارتفاع كلفة الاتفاق العسكري الإيراني وتفاقم مشاكل الاقتصاد الإيراني وبخاصة انهيار أسعار صرف العملة وارتفاع البطالة وتدهور البنى التحتية.

              في ضوء ما تقدم، ومع عدم إغفال احتمال تطبيق أي من السيناريوهات الثلاث، وفقًا لتطورات الظروف الذاتية والموضوعية التي تعيشها إيران في المدى المنظور، إلا أن السيناريو الأول هو المرجح. وبخاصة أن تطبيق أي من السيناريوهات، يعتمد على تأثير جملة من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، والمرتبطة بالعقوبات الاقتصاديةالأميركية، ولاسيما أن التأثير المباشر لهذه العقوبات على إيران قد يحتاج إلى مدة زمنية تتراوح ما بين ستة أشهر إلى سنة، وعندئذ سيتم وضع مسارات جديدة للعلاقات الصينية مع دول منطقة الشرق الأوسط. مع الأخذ بنظر الاعتبار استثناء الإدارة الأمريكية لثمان دول من تطبيق العقوبات الاقتصادية والسماح لها باستيراد النفط الإيراني وبضمنها الصين.

سادسًا. التوصيات:

   تأسيسًا على المعطيات التي تم تناولها بإيجاز في هذا البحث المركز بخصوص العلاقات الصينية الإيرانية، يمكن بلورة المقترحات الآتية:  

أولاً. لدى كلٍ من الصين وإيران، رغم إختلاف مبادئ التطبيق الأيديولوجي لكل منهما، مشروع وطني استراتيجي بعيد المدى، مما يتطلب بصانع القرار الخليجي دراسة حيثيات هذين المشروعين والعمل على بلورة مشروع خليجي يتواءم مع التوجهات الإقليمية والدولية لكلا المشروعين، بهدف توقي التبعات السلبية لكل منهما وتعميق الجوانب الإيجابية.

ثانيًا. إن إمتلاك دول الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية لإمكانيات نفطية كبيرة، تمثل محور إستقطاب لعدد كبير من دول العالم، وتأتي الصين في مقدمتها، كونها ثاني أكبر بلد مُستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية بالوقت الحاضر، مما يتطلب بصانع القرار الخليجي توسيع مجالات التعاون النفطي مع الصين لتحقيق مصالح اقتصادية ومآرب سياسية محسوبة.

 

ثالثًا. تمتلك الصين قدرات بشرية هائلة، إذ تتجاوز أعداد إجمالي القوة العاملة فيها بحسب إحصاءات البنك الدولي نحو (786) مليون نسمة في عام 2017م، من العلماء والخبراء والفنيين والعمال في كافة مجالات الحياة، مما يُتيح فرصة الاستفادة من القدرات البشرية الفنية لتحديث وبناء البنى التحتية الخليجية في مختلف القطاعات الاقتصادية.

رابعًا. دراسة المملكة العربية السعودية لبناء أسطول بحري عملاق لنقل النفط والغاز والبضائع التجارية الأخرى بين دول شرق آسيا وبضمنها الصين وبين دول الشرق الأوسط، لمنافسة إيران باستثمار طريق الحرير البري، آخذين بنظر الاعتبار رخص وسائل النقل البحري بالمقارنة مع وسائل النقل البري.

خامسًا. ضرورة استثمار دول الخليج لتوجهات الصين الخارجية بتركيزها على المصالح، كأسلوب لبناء علاقات اقتصادية خارجية واسعة مع مختلف دول العالم، لاستقطاب الاستثمارات الصينية للعمل في الساحة الخليجية وفق حسابات سياسية دقيقة تأخذ بنظر الاعتبار المداخلات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط.

ختامًا، تبقى الصين، امبراطورية اقتصادية صاعدة، وقوة سياسية وعسكرية مؤثرة بالسياسات الإقليمية والدولية، ومن مصلحة الدول العربية كافة، والخليجية منها على وجه التخصيص أن تكون لها علاقات سياسية واقتصادية متوازنة وبصورة مُستمرة معها وفي كافة المجالات، سواءً أكان ذلك في المدى المنظور أم على المستوى الاستراتيجي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أكاديمي وخبير اقتصادي من العراق

 

مقالات لنفس الكاتب