; logged out
الرئيسية / الدبلوماسية الخليجية في إدارة الأزمات الدولية

العدد 88

الدبلوماسية الخليجية في إدارة الأزمات الدولية

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

يمثل اتخاذ القرار أو بلورة السياسات في أوقات الأزمات الدولية اختباراً جدياً لمدى قدرة صانع القرار على إدراك حجم ما تشكله الأزمة لمصالحه من تحديات أو تهديدات في الداخل أو الخارج، وتحديد البدائل المختلفة في التعامل معها، وبلورة الأدوات والآليات المناسبة لتنفيذ البديل الذي تم الاتفاق على أنه الأنسب.

لعل التساؤل المطروح هنا: في خضم الأزمات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها منطقتا الخليج والمنطقة العربية عموماً، هل استطاع صانع القرار في دول مجلس التعاون الخليجي التعامل معها على نحو رشيد؟

أولاً: صانع القرار الخليجي وسلسلة ممتدة من الأزمات

بداية، لابد من التأكيد على أن منطقة الخليج العربية تعد من أكثر مناطق العالم التي لم يخل فيها المشهد من أزمات ساخنة، وهي سمة من السمات المميزة للتفاعلات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة. فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية شهدت منطقة الخليج بمتوسط كل عقد تقريباً أزمة عاصفة أثرت بشكل مباشر في موازين القوى داخل الإقليم وأعادت ترتيبات المشهد الداخلي فيه، بدءاً من الحرب العراقية-الإيرانية التي اندلعت في بداية الثمانينات من القرن الماضي واستمرت نحو ثماني سنوات، مروراً الغزو العراقي للكويت عام 1991، وصولاً إلى احتلال العراق عام 2003 وما ترتب عليه من تغيرات شديدة التعقيد في الوضع الإقليمي للمنطقة.

ورغم أن هذه السمة ربما تدفع إلى القول إن صانع القرار في دول الخليج العربية اعتاد على التعامل مع الأزمات نتيجة لتراكمات الخبرة الماضية، لكن الجديد في المرحلة الحالية هو تعدد الأزمات وتشعبها وتداخلها في آن واحد، فعلى الأقل يمكن رصد أربع أزمات ساخنة تواجهها دول الخليج العربية بشكل متزامن في محيطها المباشر، في الوقت الحالي:

أ- الأزمة اليمنية (تعقيدات الوضع الأمني الداخلي)

رغم قبول النظام اليمني وأطراف المعارضة بالمبادرة الخليجيةوتشكيل حكومة وفاق وطني، إلا أن سياسة المماطلة من قبل نظام علي عبدالله صالح تجاه هذه المبادرة منذ بداية طرحها وارتفاع سقف مطالب الثوار، أضعفا من فاعليتها في حل الأزمةوجعلاها غير مقبولة من جانب الثوار بعد أن كان مرحباً بها في البداية كمخرج للأزمة،وهذا ما يعكسه المشهد الأمني الحالي في اليمن،الذي لا يزال يشكل أزمة حقيقية بالنسبة لصانع القرار في دول الخليج العربية، على الأقل من زاويتين رئيسيتين، الأولى: إن اضطراب الأوضاع الأمنية الداخلية في اليمن تمثل تهديداً بشكل أو آخر للوضع الأمني في دول الخليج العربية وبشكل خاص بالنسبة للمملكة العربية السعودية بسبب الجوار الجغرافي. وخبرة الماضي تؤكد معاناة هذه الدول من الوضع الأمني غير المستقر في اليمن سواء في مرحلة التقسيم أو بعد الوحدة وما تلاها من أحداث أمنية كان أبرزها الحرب مع جماعة الحوثيين. والثانية: تتعلق بالخطر الذي بات يمثله تنظيم القاعدة في هذا البلد، وبصرف النظر عن مدى استغلال نظام علي عبدالله صالح لهذه الورقة وفق رؤية حركات المعارضة والثوار، فإن التنظيمات الإرهابية عادة ما تجد في أماكن الاضطراب والتأزم الفرصة للتحرك وإعادة ترتيب الصفوف. وقد وفرت الأزمة السياسية في اليمن فرصة مؤاتية لتنظيم القاعدةلكي يعيد ترتيب صفوفه ويوسع من تمدده وانتشاره، وتبدو الخطورة في أن التنظيم أصبحله وجود في المناطق الشرقية والجنوبية من اليمن (مأرب، شبوة، حضرموت)، ومناطق السواحل اليمنية الجنوبية والغربية (أبين، عدن، الحديدة) التي تعَد ممراتُها ومضائقها المائية (البحر العربي، خليج عدن، باب المندب) من أهم الممرات الدولية؛ مع ما يحمله ذلك من تهديد مباشر لمنطقة مرور القوافل التجارية والأساطيل في هذه المنطقة الحساسة وشديدة الأهمية، ليس في منطقة الخليج فقط بل العالم بصفة عامة.

ب- الأزمة الإيرانية (السلوك الإيراني العدائي)

لا نقصد هنا فقط الأزمة التقليدية المتمثلة في مخاوف دول الخليج المشروعة من البرنامج النووي الإيراني، وإنما بالإضافة إلى ذلك ثمة أزمة أخرى حادة طرأت مؤخراً على علاقات دول الخليج العربية بإيران، تمثلت في سلوك إيران العدائي تجاه دول الجوار. فعلى الرغم من أن العلاقات الخليجية-الإيرانية غلب على معظم فتراتها – منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979- طابع التوتر ربما باستثناء فترة حكم الرئيس محمد خاتمي التي اتسمت فيها العلاقات بين الجانبين بنوع من التعاون مشوب بالحذر، إلا أن هذه العلاقات في الفترة الأخيرة دخلت في أخطر مراحلها قياساً إلى المرحلة التالية مباشرة لقيام الثورة في إيران والتي حاولت فيها الأخيرة تصدير الثورة إلى دول المنطقة. فالأشهر القليلة الماضية شهدت –بشكل أو آخر- إعادة إنتاج لأجواء هذه المرحلة بسبب بعض السياسات الإيرانية (العدائية) تجاه دول الخليج، بدأ ذلك بتورط الحرس الثوري الإيراني في شبكة التجسس الإيرانية التي تم القبض على عناصرها في الكويتومحاكمتهم في منتصف العام الماضي، مروراً بتورط إيران في الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين في مارس من العام الجاري، وصولا إلى الاتهامات الموجهة إلى طهران بشأن محاولتها اغتيال السفير السعودي في واشنطن. هذه التطورات أدخلت العلاقات بين طهران ودول الخليج في مرحلة توتر غير مسبوقة دفعت هذه الدول للتوجه بشكل جماعي – ربما للمرة الأولى- إلى مجلس الأمن لوضع حد لـما سموه (التدخلات) الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول الخليج.

دول الخليج تواجه حالياً عدة أزمات ساخنة بشكل متزامن في محيطها المباشر

هذه السياسات الإيرانية لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن تأثيرات (حالة الربيع العربي)، فإحدى القراءات المفسرة لها أن إيران لجأت إلى هذا السلوك (العدائي) لاعتبارين رئيسيين، أولهما: كنوع من صرف أنظار الداخل عن الأزمة العميقة التي تمر بها طهران منذ الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي فاز فيها الرئيس الإيراني بفترة ولاية ثانية وسط شكوك كبيرة شابت نزاهة هذه الانتخابات، وخوف طهران من تتأثر حركة الاحتجاج المناهضة لنتائج هذه الانتخابات بالحالة الثورية في المنطقة، فلجأت إلى افتعال أزمات في الخارج لتوجيه الرأي العام الإيراني تجاهها، وهو ما يعرف في أدبيات السياسة بنهج (الإدارة بالأزمة). الاعتبار الثاني: يتعلق بمحاولات إيران تكريس نفوذها في المنطقة كنوع من الاستعداد لمحاولة تعويض فقدان الحليف السوري الذي يتعرض إلى أزمة حادة قد تطيح به وتأتي بنظام (معاد) لطهران على خلفية موقفها الحالي من الثورة السورية.

ج- الأزمة العراقية (إشكالية الفراغ الأمني بعد الانسحاب الأمريكي)

يمكن القول إن الوضع في العراق مثّل أزمة دائمة بالنسبة لدول الخليج سواء في مرحلة النظام العراقي السابق أو بعد الإطاحة به، من دون الدخول في تفاصيل تاريخية، فإن الإشكالية الحالية التي سوف تواجهها دول الخليج تتمثل في الانسحاب الأمريكي من العراق الذي سوف يكتمل مع نهاية العام الجاري. ولا تبدو الإشكالية في معارضة هذه الدول للانسحاب، وإنما فيما سوف يؤدي إليه توقيته من تداعيات أمنية على الوضع الأمني الداخلي في العراق وامتداداته إلى دول الجوار. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن توقيت هذا الانسحاب قد يثير نوعين من المخاوف الرئيسية لدول الخليج، أولهما، أنه يأي في وقت لم تصل فيه بعد القوات العراقية إلى الدرجة التي تتحمل فيها المسؤولية الأمنية كاملة على الرغم من مرور تسع سنوات تقريباً من الغزو، وسلسلة التفجيرات والحوادث التي يشهدها العراق باستمرار تؤكد هذه الحقيقة. وثانيهما، إن هذا الانسحاب قد يؤدي إلى حدوث فراغ أمني في العراق، من المتوقع أن تلجأ إيران إلى ملئه لاسيما أنه يأتي في مرحلة تشهد تنامياً للنفوذ الإيراني في العراق، كما يتزامن مع تنفيذ القرار العراقي بطرد منظمة (مجاهدي خلق) الإيرانية المعارضة من العراق، وهو القرار الذي اتخذته الحكومة العراقية في إبريل الماضي ويتوقع تنفيذه مع نهاية عام 2011.

د- أزمة الفراغ الإقليمي في المنطقة

إضافة إلى الأزمات المباشرة التي تواجهها دول الخليج العربية في محيطها المباشر، ثمة أزمة من نوع آخر تتمثل في حالة الفراغ الإقليمي التي تشهدها المنطقة العربية نتيجة لغياب الدور الإقليمي المصري، والمصير غير المعروف لنظام بشار الأسد، والصعود المفاجئ للتيارات الإسلامية في المنطقة، فهذه التطورات المتلاحقة خلقت حالة من عدم اليقين أمام صانع القرار الخليجي، وتسببت بنوع من الضبابية في الرؤية، ربما تربك حساباته في إدارة علاقاته الخارجية في هذه المرحلة.

ثانياً: نهج صانع القرار الخليجي في إدارة الأزمة

مع تعاظم الأزمات التي يواجهها صانع القرار في دول الخليج، بشكل متزامن على النحو المشار إليه، قررت هذهالدول الانتقال من مشهد المراقب إلى القيام بدور فاعل على الأقل في الأزمات المحيطة بها جغرافياً والمؤثرة فيها بشكل مباشر، وقد تجسد ذلك في التحركات الخليجية لمواجهة السياسات الإيرانية، سواء من خلال الموافقة على إرسال قوات (درع الجزيرة) إلى مملكة البحرين بناء على طلبها (للمساعدة في حماية الأمن الداخلي والحفاظ على الممتلكات العامة) حسب ما جاء في نص القرار الخليجي، أو من خلال التوجه الخليجي الجماعي نحو مجلس الأمن لطلب وقف (التدخلات) الإيرانية في شؤون دول المنطقة. كما اتخذت دول الخليج زمام المبادرة في حل الأزمة اليمنية من خلال (المبادرة الخليجية) التي أضعفتها سياسة المماطلة من جانب نظام علي عبدالله صالح كما سبقت الإشارة.

ولم يقتصر التحرك الخليجي على الأزمات المحيطة بدول الخليج فقط، وإنما امتد إلى أزمات أخرى، أبرزها الأزمة الليبية، حيث شاركت دول خليجية في القوات الدولية لـ (فرض حظر جوي على ليبيا) استناداً إلى غطاءين عربي ودولي. كما تقوم دول الخليج بدور ما في إدارة الأزمة السورية عبر جامعة الدول العربية.

دول الخليج قررت الانتقال من مشهد المراقب إلى القيام بدور فاعل في الأزمات المحيطة بها جغرافياً

وبالتالي، في ضوء ما سبق، يمكن رصد أربعة أبعاد رئيسية في إدارة صانع القرار الخليجي ما يحيط به من أزمات متلاحقة، أولها البعد السياسي: جسدته مظاهر عديدة أبرزها المبادرة الخليجية تجاه اليمن والمواقف الخليجية تجاه النظام السوري الحالي، والمواقف الخليجية تجاه السياسات الإيرانية التي ترمي إلى التدخل في شؤون دول المنطقة، وثانيها: البعد الأمني، وجسدته التحركات الخليجية لوقف (المخطط) الإيراني في مملكة البحرين من خلال إرسال قوات (درع الجزيرة) إلى المملكة، وثالثها: البعد العسكري، وجسدته المشاركة الخليجية العسكرية في القوات الدولية في ليبيا، ورابعها: البعد الاقتصادي، وجسده الدعم الاقتصادي الخليجي لكل من مملكة البحرين وسلطنة عمان للمساهمة في احتواء بعض مظاهر الاحتجاج التي شهدتها هاتان الدولتان بداية العام الجاري، والمشاركة الخليجية في فرض العقوبات الاقتصادية على النظام السوري لتكثيف الضغوط الإقليمية والدولية ضده.

هذه التحركات الخليجية المختلفة وغير المعتادة في الدبلوماسية الخليجية التي عرف عنها لفترة طويلة الميل إلى السكون في التعامل مع الأحداث الخارجية، أدت إلى زخم سياسي غير مسبوق في الحديث عن (الدور الإقليمي) الخليجي والذي تراوحت القراءات المطروحة له ما بين دور (استباقي) يهدف إلى محاولة تجنيب هذه الدول السيناريوهات التي شهدتها بعض الدول العربية، ودور إحلالي يهدف إلى استغلال فرصة الفراغ الذي خلفه غياب الدور المصري ومحاولة أخذ زمام المبادرة من جانب دول الخليج لملء هذا الفراغ.

لكن بصرف النظر عن القراءات المطروحة، فإن السمة المهمة التي يمكن استخلاصها من التحركات الخليجية الأخيرة هي (النهج أو التنسيق الجماعي) في التحرك، والذي ظهرت مؤشراته الأولية في الموقف الجماعي تجاه السياسات الإيرانية، والمبادرة الخليجية تجاه اليمن، وهو نهج غاب عن السياسة الخارجية الخليجية فترة طويلة، بعد أن كانت الدول الخليجية في الماضي تفتقر إلى نمط المواجهة المتسقة فيما بينها للتهديدات المشتركة، وكانت تنفرد في العادة كل دولة بتقرير ما تراه مناسباً لأولويات سياستها الخارجية، مما كان ينعكس في النهاية على عدم وجود سياسة خليجية خارجية موحدة.

ثالثاً: اقتراح (الهيئة العليا لإدارة الأزمات)

يمكن القول إن دول الخليج العربية استطاعت - حتى الآن - تحييد تأثير بعض الأزمات المباشرة التي واجهتها كالأزمة البحرينية، وإلى حد ما الأزمة اليمنية إذا ما كتب لسيناريو المبادرة الخليجية النجاح الكامل، لكن لا تزال هناك أزمات وقضايا أخرى لم تتبلور بشأنها بعد رؤية خليجية واضحة، فعلى سبيل المثال، لا يزال هناك نوع من الضبابية يسود الرؤية الخليجية في التعامل مع مصر ما بعد الثورة، ولا تلوح في الأفق بوادر رؤية خليجية واضحة تجاه التعامل مع تداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق، ولم تحدد هذه الدول بعد خياراتها في التعامل مع الصعود اللافت لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة.

عملية صنع القرار أثناء الأزمة تحدد بشكل واضح مدى النجاح أو الفشل في إدارتها

في هذا السياق، يمكن القول إن تعاظم الأزمات التي تواجهها دول الخليج وتزامنها وتعقدها، يتطلب(مأسسة) الإدارة الخليجية للأزمات، ونقترح في هذا الشأن إنشاء (هيئة عليا لإدارة الأزمات) تكون تابعة لمجلس التعاون الخليجي الذي أثبت حتى الآن أنه التجربة العربية الوحدوية القادرة على البقاء والاستمرار رغم ما واجهه من تحديات وأزمات. ومن المقترح أن تضم الهيئة المقترحة نخبة من الاستشاريين – من غير السياسيين- يكونون متخصصين في مجال إدارة الأزمات، يقومون بتشخيص ما يواجهه صانع القرار الخليجي من أزمات جماعية تؤثر في شؤون دول المجلس، واقتراح البدائل المختلفة في التعامل معها وحساب تكلفة وعوائد كل بديل، والانتهاء في النهاية إلى رأي استشاري لصانعي القرار في دول المجلس. إن مثل هذا الاقتراح يكتسب أهميته لعدة اعتبارات موضوعية، يتمثل أبرزها فيما يلي:

1- تعاظم وتلاحق وتزامن ما يواجهه صانع القرار الخليجي من أزمات على النحو الذي سبق توضيحه،ومن المفترض أن يساهم هذا الاقتراح في ترشيد القرارات والسياسات الخليجية تجاه الأزمات المختلفة، لأن عمل الهيئة المقترحةمن المفترض أن يقوم على أساس رؤية جماعية لمصالح دول الخليج مجتمعة وليس مصلحة دولة بعينها، كما أنه سيقوم على الدراسة المسبقة لخسائر ومكاسب كل قرار، مما يعني أن القرار الذي سوف يتخذ في النهاية لن يبنى على أساس حسابات سياسية سريعة، وإنما سيأخذ في الاعتبار متغيرات وعوامل أخرى موضوعية قد تغيب عن بال صانع القرار أثناء إدارته للأزمة.

2- إدارة الأزمات الدولية ليست (سياسة) فقط، لكنها علم وفن في آن واحد لا يجيده سوى متخصصين واستشاريين في مجال إدارة الأزمات. فتقنية إدارة الأزمات لها قواعدها وضوابطها وهي في هذا الجانب علم، وتطبيق هذه القواعد بما يتواءم والظروف الضاغطة والمتقلبة والمواقف المفاجئة والمتسارعة التي يفرضها أطراف الأزمة يتوقف على قدرة خلاقة لدى القائمين على إدارة الأزمة من حيث تشخيصها على نحو دقيق واقتراح البدائل الفعالة القابلة للتطبيق في التعامل معها، وهي في هذا الجانب فن يتعلق بموهبة القائم بالإدارة، وهذا هو الدور المزدوج المفترض أن تقوم به الهيئة المقترحة في مساعدة صانع القرار الخليجي في مجال إدارة الأزمات.

3- إدارة الأزمة الدولية تخضع للعديد من المحددات الداخلية والخارجية (الإقليمية والدولية) التي تؤثر كلها في الكيفية التي تتم بها إدارة الأزمة،وبالنظر إلى أن فترة الأزمة تتضمن حالة من عدم اليقين الهيكلي (Structural Uncertainty)، لا يستطيع معها صانع القرار الإحاطة بكافة أبعاد الموقف من حيث البدائل الممكنة والمعلومات اللازمة ورد فعل الأطراف الأخرى، تتعاظم الحاجة إلى من يقوم بطرح البدائل المختلفة في التعامل مع الأزمة. أما صانع القرار الذي يعتمد فقط على مفاهيمه وإدراكاته وتصوراته وعقائده في إدارة الأزمة، فغالباً ما تكون إدارته غير رشيدة وتكون تكلفتها أكثر من عوائدها.

4- تكتسب الهيئة المقترحة أهميتها أيضاً من كونها تعالج جانباً مهماً من أهم جوانب إدارة الأزمة، وهو عنصر المعلوماتالذي يكتسب أهمية قصوى وقت الأزمات لدوره في تحديد الموقف وإزالة الغموض أمام صانع القرار حتى يكون قراره سليماً. وقضية المعلومات هنا لها ثلاثة أبعاد مهمة، بعد كمي: يتعلق بكمية المعلومات المتاحة لصانع القرار، وبعد نوعي: يتعلق بطبيعة المعلومات ونوعيتها ومدى ارتباطها بموقف القرار، وبعد زمني: يتعلق بالوقت الذي تصل فيه المعلومات إلى صانع القرار. فالمعلومات يجب أن تكون كافية كماً وسليمة نوعاً وتصل في الوقت المناسب حتى يستطيع القادة تبين الموقف وتحديد أبعاده المختلفة واختيار البديل المناسب للتحرك.

إجمالاً لما سبق، يمكن القول إنه نظراً لتميز قرار الأزمة، باعتباره قراراً ذا طبيعة استثنائية يتم اتخاذه في وقت قصير نسبياً لمواجهة خطر حال لم يكن متوقعاً، أو في أفضل الأحوال لم تكن أبعاده واضحة تماماً، فإن عملية صنع القرار أثناء الأزمة تكتسب أهمية كبيرةوتحدد بشكل واضح مدى النجاح أو الفشل في إدارتها. وهنا تبدو أهمية الهيئة المقترحة في مجال إدارة الأزمات لدورها المفترض في ترشيد صناعة القرار الخليجي في فترة إدارة الأزمات.

 

مقالات لنفس الكاتب