; logged out
الرئيسية / أزمة 14 فبراير في البحرين ومستقبل الأمن بمنطقة الخليج

العدد 88

أزمة 14 فبراير في البحرين ومستقبل الأمن بمنطقة الخليج

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

جاءت الأزمة التي مرت بها مملكة البحرين منذ 14 فبراير 2011م كاشفة عن جملة من الحقائق ذات الصلة بأمن منطقة الخليج والتي يجب تدارسها جيداً من أجل مستقبل آمن للمنطقة، ومن أهم تلك الحقائق:

أولاً: أهمية الأمن الاجتماعي في دول الخليج:

يعتبر الأمن الاجتماعي الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات الحديثة وعاملاً رئيسياً في حماية منجزاتها والسبيل إلى رقيّها وتقدمها لأنه يوفر البيئة الآمنة للعمل والبناء.

لقد جسدت أزمة 14 فبراير أزمة الولاء والانتماء للوطن أو ما أطلق عليه بعض علماء الاجتماع ظاهرة الهويات الصغرى، الطائفية والقبلية والعرقية والدينية، الأمر الذي يفرض ضرورة التحرك الخليجي على صعيد الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمثقفين ورجال الدين من أجل وضع الخطط الضامنة للفصل بين ضرورات الانتماء الوطني الجامع لجميع الفئات والجماعات المشَكِّلة للمجتمع وبين التنافس السياسي بين هذه الفئات من أجل تحقيق المصالح العامة للجميع، بعيداً عن أي فرز طائفي ومذهبي وعرقي داخل كل دولة، وعدم تحويل الطابع السياسي للخلافات الداخلية إلى صراعات مذهبية وطائفية وعرقية.

ومن المفيد أن نذكّر هنا بالآليات التي وضعها البيان الختامي لمؤتمر (الهوية في الخليج العربي.. التنوع ووحدة الانتماء) الذي عقد بالمنامة في عام 2009 والتي يجب ان تعمل حكومات دول الخليج على تفعيلها وتنفيذها وهي:

* تعزيز الهوية كلحمة ضامنة لوجود دول الخليج والدول العربية والإسلامية في مناخات عالمية متغيرة.

* التأكيد على القواسم المشتركة بين دول المنطقة وتنوع مكونات مجتمعاتها والحث على بلورة القيم والمبادئ المشتركة التي تقف وراء هذه الهوية الجامعة، والسعي إلى تعزيز هذه القواسم المشتركة بين الهويات والثقافات الفرعية ودعم الهوية الجامعة والانتماء الوطني في كل قطر خليجي بما لا يتعارض مع الإطار الحضاري العام على المستوى العربي والإسلامي والإنساني.

* الفصل بين ضرورات الانتماء الوطني الجامع لجميع الفئات والجماعات المشكلة للمجتمع وبين التنافس السياسي بين هذه الفئات من أجل تحقيق المصالح العامة للجميع بعيداً عن أي فرز طائفي ومذهبي وعرقي داخل كل دولة.

* عدم تحويل الطابع السياسي للخلافات الداخلية إلى صراعات مذهبية، وطائفية وعرقية، والاستفادة من دروس وتجارب الدول والتجمعات الإقليمية الأخرى.

* مواجهة الخلل السكاني من خلال مدِّ الجسور بين التجمعات السكانية المتنوعة وغرس قيم التسامح والتعايش والاندماج البنّاء والمشاركة الفاعلة في المجتمع بتعاون بين القطاعات الحكومية والسلطة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني والنخب الفكرية ورجال السياسة ورجال الدين ووسائل الإعلام.

* توحيد فهم عميق مشترك للهوية وقيم المواطنة الحقة والمرجعية الدينية والعروبية كثوابت رئيسية في الهوية الخليجية بعيداً عن الصور السلبية للطائفية العرقية والمذهبية.

* تأكيد أولوية اللغة العربية كأداة للتعليم والتعامل على أهمية المنظومة التربوية والتعليمية كقناة لتعزيز الهوية بثوابتها وترسيخ قيمها في نفوس الناشئة من خلال مراجعة المناهج والبرامج والكتب الدراسية وتعزيز مضامينها الثقافية بمرجعية عربية إسلامية وخصوصية خليجية تعمل على ترسيخ القيم النبيلة لحقوق الإنسان والمواطنة في بعدها المشترك الأصيل بالمرجعية الإسلامية الناظمة.

* استثمار كافة قنوات التنشئة الاجتماعية لخدمة الهوية القطرية ومقوماتها على مستوى وسائل الإعلام وتنظيمات المجتمع المدني ومختلف مؤسسات تأطير وتنشئة الطفولة والشباب والنساء ومختلف الشرائح الاجتماعية عبر كل الوسائل التربوية وطرائق التأثير.

* التأكيد على دور الشباب في عملية دعم الهوية وتعزيز مقوماتها لمواجهة تأثيرات العولمة والمَدِ الأُحادي النظرة اعتباراً للدور المنتظر من هذه الفئة في الدفاع عن الهوية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية من دون مركب نقص بوعي كافٍ ومشاركة خلاقة ومساهمة فعّالة في التنمية الشاملة.

على دول الخليج أن تعمل على تفعيل التعاون العسكري البيني الخليجي-الخليجي

ثانياً: صعوبة الثقة بإيران كشريك في الترتيبات المستقبلية لأمن الخليج، فقد ظهرت إيران بوجه (خطير) خلال تلك الأزمة التي تعرضت لها مملكة البحرين عكس نواياها الحقيقية والتي تتناقض مع ما ترفعه من شعارات من قبيل سلمية برنامجها النووي، وأنها لا تمثل خطراً على دول الجوار، بل تسعى إلى تطبيع العلاقات مع دول الخليج، كما تزعم أنها لا تعمل وفق مبدأ تصدير الثورة الحاكم لسياستها الخارجية منذ اندلاع تلك الثورة في عام 1979 م.

لقد لعبت إيران دوراً (سلبياً) خلال أزمة 14 فبراير، وتنوعت الأدوات التي تدخلت بها ما بين تصريحات على لسان مسؤوليها تطالب بسحب قوات (درع الجزيرة) من مملكة البحرين، والتعامل كأن هذه القوات هي قوات احتلال، إلى استغلال وتوظيف بعض القنوات وخاصة قناة (العالم) في قلب الحقائق والأحداث لإيجاد رأي عام دولي مناهض وضاغط على مملكة البحرين، إلى الإعلان عن تحريك سفن إغاثة (لشعب البحرين) إلى اقتراح المبادرات والحلول للأزمة.

هذا الدور الذي لعبته طهران في أزمة 14 فبراير أكد بما لا يدع مجالاً لأدنى شك أن الرؤية التي تصر عليها طهران لمستقبل أمن الخليج والتي تقوم على رحيل القوات الأجنبية عن المنطقة وإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، وتبرر ذلك بأن أمن الخليج لا يتحقق إلا من خلال أبناء الخليج أنفسهم، هو قول حق يراد به باطل، حيث بات من الواضح أن طهران تسعى من خلال تلك الرؤية إلى الهيمنة على المنطقة بوصفها (دولة منفردة) هي الأكثر قوة في منطقة الخليج، وأن الاستفراد بدول المنطقة يتيح لها السيطرة والتحكم والقدرة على توجيه المنطقة بما يحقق مصالحها.

ثالثاً: مخاطر الاعتماد على الوجود العسكري الأمريكي، فقد اتخذت واشنطن موقفاً غامضاً بل متخبطاً تجاه أزمة 14 فبراير وتطوراتها المختلفة، حيث تضاربت تصريحات مسؤوليها إلى أن جاء خطاب الرئيس أوباما نفسه في 19 مايو الماضي ليؤكد عدم وضوح الرؤية والانحياز إلى رؤية معينة.

ثم جاءت (وثائق ويكيليكس) وما كشفت عنه من اتصالات ورسائل متبادلة بين إحدى جماعات المعارضة البحرينية والسفارة الأمريكية في المنامة والتي يمكن القول إنها مثلت تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية حيث مارست السفارة الأمريكية دوراً منافياً للتقاليد الدبلوماسية المعروفة.

وفي السياق ذاته، جاءت زيارة مايكل بوسنر مسؤول الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال في وزارة الخارجية الأمريكية إلى مملكة البحرين في شهر يونيو وحضوره جلسة محاكمة بعض متهمي الأحداث الأمنية الأخيرة في محكمة السلامة الوطنية وزيارته مستشفى السلمانية ومطالبته بعودة المفصولين إلى أعمالهم وهو ما يعد أيضاً تدخلاً غير مبرر وغير مقبول وانتهاكاً لسيادة البحرين لا يمكن أن ترضى به واشنطن نفسها التي تتخذ العديد من الإجراءات الأمنية الصارمة حفاظاً على أمنها وتحقيقاً لسلامة مواطنيها.

ثم جاء خطاب الرئيس الأمريكي أوباما بالأمم المتحدة في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر الماضي والذي دعا فيه حكومة البحرين إلى حوار جاد مع جمعية الوفاق باعتبارها ممثلاً عن المعارضة ليتجاهل حقيقة الوضع في المملكة من حيث إجراء حوار التوافق الوطني بين جميع مكونات وأطياف المجتمع والذي خرج بمرئيات سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية توافقت عليها الإرادة المجتمعية باعتبارها المخرج الآمن والصحيح لأزمة 14 فبراير والتأسيس لمرحلة جديدة من النهضة والتقدم.

المواقف الأمريكية المتناقضة تؤكد صعوبة الاعتماد على واشنطن في تحقيق أمن الخليج

وأخيراً جاء خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في شهر نوفمبر الماضي أمام المعهد الديمقراطي الأمريكي والذي تحدثت فيه عن الحاجة إلى إصلاح حقيقي في مملكة البحرين وساوت بين الأزمتين السورية والبحرينية رغم الفارق الكبير بينهما سواء من حيث طبيعة الأزمة أو كيفية تعامل الدولة معها.

ولا شك في أن هذه المواقف الأمريكية تثير الكثير من الشكوك وتؤكد صعوبة الاعتماد على واشنطن في تحقيق أمن الخليج وتحتم ضرورة البحث عن بدائل أخرى في المستقبل.

وتعمل واشنطن حالياً على تسويق المظلة الدفاعية لدول الخليج رغم أنها تحمل الكثير من المخاطر، وتشمل هذه المظلة دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى مصر في إطار ما يسمى ترتيبات أمن الخليج، وتتكون من مجموعة من نظم البطاريات المضادة للصواريخ (باتريوت)، ومراكز تحميل معلومات رئيسية، وقواعد اتصالات مركزية، كما ستتضمن أيضاً طائرات (أواكس) من نوع بعيد المدى وفقاً للخبراء والمتخصصين. وستتوافر للمظلة كافة الإمكانات المطلوبة عسكرياً، من قواعد عسكرية دائمة، إلى قواعد عسكرية مستأجرة، وتسهيلات عسكرية، خاصة التسهيلات الخاصة بالمرور البحري، فضلاً عن اتفاقيات دفاع مشترك، كتلك التي بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق.

وتأتي هذه (المظلة الدفاعية) لتؤكد معارضة واشنطن لهجوم إسرائيلي ضد طهران، وكوسيلة ضمنية للاعتراف بإيران نووية، ولهذا حثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون (إسرائيل) على التخلي عن أية خطط لشن هجمات أحادية الجانب ضد المنشآت النووية الإيرانية، ومنح وقت للدبلوماسية الأمريكية حتى تؤتي ثمارها.

وهذا الموقف ينسجم مع سياسة الرئيس الأمريكي باراك اوباما تجاه إيران، حيث تتجه العلاقات الأمريكية-الإيرانية إلى التوافق العلني الواضح ودعوات متبادلة إلى الحوار.

ورغم أن المظلة الدفاعية الأمريكية قد تكون كفيلة بحماية منشآت النفط، وكذلك حماية المصالح الأمريكية التي يمكن أن تكون عرضة لعمليات انتقامية من قبل إيران في حال اندلاع حرب ضدها، إلا أنها تحمل العديد من المخاطر، حيث إنها قد تدفع بعض الدول إلى اختراق الجبهات الداخلية العربية لإثارة النزاعات المذهبية والعرقية من أجل امتلاك أكبر قدر من أوراق الضغط والمساومة‏، وكذلك ستؤدي إلى تهميش القضايا المصيرية العربية في ظل صعود الملف النووي الإيراني إلى مقدمة الأولويات‏، وتزيد من الانقسامات العربية وربما تؤدي إلى عودة المنطقة إلى حالة من الاستقطاب التي قد تصل إلى نشوب حرب في المنطقة؛ خاصة أن (المظلة الدفاعية) ستشجع طهران على المضي قدماً في برنامجها والدفاع عن مصالحها من خلال الأساليب التقليدية وغير التقليدية للصراع، مما قد يدفع إسرائيل إلى شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، وبالتالي جر دول الشرق الأوسط إلى الحرب.

رابعاً: الدور المحوري لقوات (درع الجزيرة):

أكدت أزمة 14 فبراير الدور الرئيسي لقوات (درع الجزيرة) في تحقيق الأمن، حيث كان وجود تلك القوات في البحرين رادعاً قوياً لإيران، وضامناً للقضاء على العنف والشغب الذي حدث في البلاد، وأفشل مخططات طهران في قلب ميزان القوى الإقليمي وتصدير ثورتها وفرض هيمنتها.

وهو ما يفرض على دول الخليج أن تعمل على تفعيل التعاون العسكري البيني الخليجي-الخليجي، والاستمرار في العمل على رفع كفاءة القدرات العسكرية وتحديث القوات البحرية والجوية، وتوسيع المظلة الدفاعية الجوية الموجودة حالياً في المناطق العسكرية والمناطق النفطية، لتشمل كافة المناطق العسكرية والمدنية، وذلك بالاستفادة من منظومة الصواريخ التي تمتلكها كل دولة خليجية على حدة، واستغلال التنسيق الحاصل بين دول المجلس والولايات المتحدة في وضع الصواريخ المضادة.

وبذلك يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تؤمن استراتيجية دفاعية متوازنة بما يمكنها من تأمين أراضيها ويوفر لها القدرة على ردع العدوان البحري والجوي من دون تدخل خارجي مبالغ فيه قد يورطها في إعلان الحرب.

 

مجلة آراء حول الخليج