; logged out
الرئيسية / دور دول مجلس التعاون الخليجي في الأزمة السورية

العدد 88

دور دول مجلس التعاون الخليجي في الأزمة السورية

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

أصبح الرئيس السوري بشار الأسد شبه معزول عربياً ودولياً بعد سلسلة منالتحركات العربية المتأخرة والدولية التي اكتفت بالشجب وفرض بعض العقوبات على بعضرموز النظام السوري.

إن عزلة الرئيس السوري من داعميه العرب تضعه أمام عدد منالاستحقاقات بعد أن تجاوز عدد القتلى في التظاهرات السلمية وتمشيط المدن السورية أكثر من أربعة آلاف قتيل. ولم يتوقع الرئيس السوري ولا أي من الحلفاء أن يكون مصير النظام علىالمحك بهذه الصورة، فعلى خلاف مصر التي وقف فيها الجيش إلى جانب المتظاهرين وتونسالتي رفض الجيش إطلاق الرصاص على المتظاهرين، حافظ الجيش العربي السوري على تماسكه ولميتفكك كما في الحالة الليبية وعمل على حماية النظام وهو الذي قام، أو قواته الخاصة،بكل العمليات والتنكيل بالمواطنين وحصار المدن والقرى وقصفها.

ولا يستطيع أي متابع للأحداث الجارية في سورية الادعاء بأن دولة واحدة، كبرى أو إقليمية أو فاعلة، تستطيع بمفردها أو بتحالفاتها إحداث تغيير جذري في مسار التطورات الدامية في هذا البلد. فمجلس الأمن الذي هو أعلى سلطة دولية لم ينجح، بعد أربعة أشهر من شلال الدماء وأعمال العنف في المدن السورية، سوى بإصدار (بيان رئاسي)، هو ثمرة الحد الأدنى من التفاهم بين أوروبا والولايات المتحدة من جهة، وبين روسيا والصين الرافضتين إدانة كاملة لنظام دمشق من جهة أخرى.

على الرغم من ذلك، فإن كل موقف، مهما كان صغيراً ومحدوداً، يمكن أن يرسي لبنة في بناء موقف دولي متكامل، ما دامت الأزمة السورية مفتوحة، وما دام المسار الأمني لحلها يشكل أولوية لدى القيادة السورية ويحجب قرارات الإصلاح ويشي باحتمال مواجهة طويلة ومفتوحة بين النظام ومعارضيه مع ما تختزنه الأزمة من تطورات غير محسوبة.

أما الموقف الخليجي فلا تأتي أهميته من المواقف المنفردة لأعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، بل من كونه المنظومة العربية الوحيدة التي لا تزال فاعلة بعدما انفرط عقد كل الصيغ الإقليمية والجهوية على مدى العقود القليلة الماضية، فقد تفرقت الجامعة العربية (أيدي سبأ)، وإثر بدء ما يعرف بـ (الربيع العربي) بالانتشار في أكثر من دولة دخل العالم العربي برمته في مخاض يستحيل معه على الجامعة استعادة شيء من النظام العربي، اللهم إلا في استثناء نادر حملها على تغطية الحملة الدولية لإزاحة النظام الليبي.

وإذ تميّز الموقف الخليجي المشترك إزاء أي نوع من الأحداث، خصوصاً تلك التي تتعلق بزعزعة استقرار أي من دول المنطقة أو بإحداث تغيير فيها، بكثير من التمهل المشوب بالتردد والإحجام، فإن المواقف القطرية شذت عن القاعدة العامة بسلوكها نهج الدبلوماسية الهجومية المملوءة بالمبادرات، سواء أكان ذلك في إطار تفعيل دور الدولة الصغيرة، أم الاستحواذ على أدوار وأوراق كانت في المجال الحيوي لدول إقليمية وعربية أخرى. وساهم تطور الأحداث في سورية بإعطاء أسبقية لموقف قطر التي بادرت في شهر يوليو الماضي إلى سحب سفيرها من دمشق. فرأت الدول الخليجية الأخرى نفسها بعد شهر من ذلك التاريخ تحذو حذو الدوحة. فلا الأعمال الأمنية- العسكرية توقفت ولا الإصلاح أخذ مدى ملموساً، بالتوازي مع ضغوط شعبية ونيابية مورست خصوصاً في الكويت على الحكومة لقطع العلاقات مع نظام الرئيس بشار الأسد وطرد سفيره، ولم تكن المملكة العربية السعودية بمنأى عن أجواء مماثلة عبرت عن نفسها بطرق مختلفة.

وإذا كانت بداية الانطلاق البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الكويتية ودعا إلى وقف العنف في سورية، ثم بيان مجلس التعاون الخليجي الذي عبَّر عن رفض الحل الأمني، فإن قمّة الموقف الخليجي أتت من كلمة تضامن وجهها خادم الحرمين الشريفين إلى الشعب السوري أعلن خلالها استدعاء سفيره من دمشق للتشاور، ولم تلبث أن حذت الكويت والمنامة حذو الرياض في هذه الخطوة.

ليس سراً أن الرأي العام في بلدان الخليج يتعاطف بقوة مع الانتفاضة السورية

ولا يخفى على كل المتابعين لتطور الأحداث في سورية أن الدول الخليجية كلها كانت متعاطفة مع القيادة السورية في مسألة الاستقرار ورفض التغيير المفاجئ. فطبيعة الأنظمة الخليجية لا تشجع على المغامرات والانقلابات والثورات، وتفضل الإصلاحات المتدرجة والخطوات المدروسة. لكن تسارع الأحداث وسقوط آلاف الضحايا غيَّرا في المواقف، ودفعا الدول الخليجية إلى مساندة الجهود الدولية لفرض تغيير في المشهد السوري كانت الأولوية فيه للضغط على النظام ليقود بنفسه عملية الإصلاح ويتصالح مع مطالب شعبه، وهو موقف تمسكت به روسيا والصين وتركيا منذ بداية الأحداث ولم تبدأ دول كثيرة في الذهاب أبعد منه مطالبة بتغيير النظام إلا بعدما أسقط في يدها وفشل النظام في مساعدتها على التمسك بموقفها.

لقد وضع الموقف الخليجي المشترك، والذي تطور بخطوات مدروسة، النظام السوري في عزلة حقيقية يتحمل مسؤوليتها النظام نفسه، فهو الذي خسر أوراقه كلها التي استعادها ابتداء من عام 2008  حين انكسر الحصار الذي فرض عليه منذ اغتيال رفيق الحريري في عام 2005. فالرئيس الأسد، وبمساعٍ قطرية خصوصاً، احتفل بعيد الثورة الفرنسية مع الرئيس ساركوزي قرب قوس النصر في باريس. كما أنه حقق المصالحة مع العاهل السعودي في قمة الكويت الاقتصادية، بفضل حرص المملكة على تنقية الأجواء العربية وسعيها للم الشمل العربي، وكانت زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى دمشق وانتقاله بطائرة واحدة مع الرئيس بشار الأسد إلى بيروت أقوى مؤشر على ذلك. ومن ينسى مشهد إمساك الملك عبدالله بن عبدالعزيز بيد الأسد والاتفاق على حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري في لبنان لإنقاذ هذا البلد الصغير من الوقوع في نيران الفتنة والعنف؟

كل تلك الإنجازات السورية ضاعت تباعاً، فتم قلب حكومة الحريري والتنكر لـ (اتفاق الدوحة) في إطار حسابات المحور الإيراني- السوري المتعلقة باتهام (حزب الله) بجريمة اغتيال الحريري، وتم إصدار مذكرات توقيف سورية بحق شخصيات لبنانية مؤيدة للحريري. ومع تتالي الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية منذ بداية العام الحالي، كان الرئيس السوري مقتنعاً بأن سورية ليست تونس ولا مصر، وأن حركة الاحتجاجات الشعبية في المنطقة تقتصر على الأنظمة والحكومات المخاصمة لمحور الممانعة فقط، فكانت المفاجأة أن دخلت قائدة (محور الممانعة) في قلب حركة الاحتجاج الشعبي المطالبة بالإصلاح الشامل.

وليس سراً أن الرأي العام في بلدان الخليج يتعاطف بقوة مع الانتفاضة السورية. وقد ظهر ذلك مثلاً في مسيرات شعبية في الكويت، حيث تواجه الحكومة مطالبة من البرلمانيين بطردٍ فوري للسفير السوري، كما أنها اضطرت لمنع عددٍ من أئمة المساجد من إلقاء خطب الجمعة بعدما هاجموا النظام السوري، لكن هذه الصحوة المتأخرة للعرب، لا تعني أنّ لديهم خطة أو حتى نفوذاً لإقناع نظام دمشق باتباع نهجٍ أقل دموية وأكثر عقلانية. 

والملاحظ أن تغير المواقف العربية يأتي بعد ضغوط دولية، وخاصة بعد موقف واشنطن التي طالبت الدول العربية باتخاذ موقف حازم مما يحدث في سورية. ووفق المعلومات الرائجة في الرياض فإن الموقف السعودي جاء بعد اتصالات سرية مع تركيا والأردن ومصر، فموقف نبيل العربي الأمين العام للدول العربية كان قطعاً بتزكية مصرية.

ويؤكد رئيس الملتقى الخليجي للدراسات أن الموقف السعودي لم يغلق الباب تماماً أمام الرئيس بشار الأسد وذلك من خلال تخييره بين الحكمة والفوضى، فالوقت لم يفت بعد للتحلي بالحكمة لوقف نزيف الدم.

والسؤال المطروح الآن هو: هل تستطيع دول الخليج الذهاب أبعد من موقفها الحالي؟

لا أحد يتوقع أن تبادر دول الخليج إلى أكثر من ذلك. فموقفها الحالي قوي لدرجة أنه يضغط في اتجاهين متوازيين. فإما أن يقتنع نظام دمشق بأنه صار وحيداً إلا من حليفيه إيران و(حزب الله)، وأنه بات يتوجب عليه الوصول إلى تسوية مع شعبه، وهنا سيجد الدول الخليجية داعمة لهذا الاقتناع. أو يتابع الهرب إلى الأمام ومواجهة شعبه. وهنا سيجد الدول الخليجية في صف المطالبين بإصلاح النظام وصولاً إلى تغييره. إنها مرحلة وسط بين فرض التسوية أو تشكيل غطاء عربي وإسلامي للفاقدين الأمل بإمكان أن يغير النظام نفسه، وهذا الموقف يشكل في الوقت الحاضر نقطة تقاطع مع الموقف التركي الأساسي وربما الحاسم في تطور أحداث سورية.

وهكذا فإن الكرة في ملعب نظام دمشق. فإما أن يعتبر موقف الدول الخليجية رسالة جدية وواضحة ونهائية يستلهم فيها الحل والعبر، أو يسير في عكس هذا الاتجاه ويتحمل التبعات.

مجلة آراء حول الخليج