; logged out
الرئيسية / دول الخليج تؤثر في آسيا وأوقيانوسيا وعليها التوفيق بين الاقتصاد والسياسة

العدد 134

دول الخليج تؤثر في آسيا وأوقيانوسيا وعليها التوفيق بين الاقتصاد والسياسة

الثلاثاء، 05 شباط/فبراير 2019

إن إنتاج وتجارة الغاز الطبيعي المُسال نظام اجتماعي تقني عالمي، حيث تؤثر قرارات الإنتاج والاستهلاك في مكانٍ ما على قرارات الإنتاج والاستهلاك في الأماكن الأخرى. وهذا النظام الاجتماعي التقني للغاز الطبيعي المُسال مشمولٌ في حد ذاته في أنظمة بيئية واجتماعية وتكنولوجية عالمية كبرى، وهو ما سنناقشه هنا. ويتضمن النظام البيئي العالمي التغير المناخي، وتغير الجليد البحري في القطب الشمالي، وتلوث الهواء في منطقة شرق آسيا، والبحث عن الاستدامة. أما النظام الاجتماعي العالمي فيشمل النظام السياسي/الاقتصادي / الأمني الدولي والتطورات في السلطة النسبية لدى القوى العظمى وعلاقاتها المتبادلة. وبالنسبة للنظام التكنولوجي فهو يشمل، ضمن أنظمة أخرى، النظام العالمي لإنتاج الغاز الطبيعي المُسال ونقله واستغلاله.

إن القرارات المتخذة حول إنتاج الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المُسال واستهلاكهما في دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين وفي الدول الأخرى عبارة عن نظام تفاعلي فيما بينه. ولذا تحتاج الأطراف الفاعلة الأكاديمية والحكومية والأطراف المعنية بالأعمال والمجتمع المدني في مجال الغاز الطبيعي والمُسال في الخليج وروسيا والصين، ليس فقط لفهم بعضها البعض، ولكن أيضًا لفهم أماكنها في نظام أوسع نطاقًا، بما في ذلك العملاء من شرق آسيا والمنتجين الآخرين في المنطقة الروسية من القطب الشمالي، والنرويج، وألاسكا.


يتأثر القطب الشمالي على نحوٍ غير متناسب بالتغير المناخي، والذي يؤدي إلى ذوبان الكتل الجليدية والجليد البحري والتربة دائمة التجمد. ويُعد الأثر الهام هنا هو الانخفاض واسع المدى في امتداد الجليد البحري للمحيط المتجمد الشمالي وسُمكه في فترة المستوى الأدنى من الجليد في صيف سبتمبر منذ عام 1979م، إذ توفرت بيانات عن امتداد الجليد البحري بالقمر الصناعي لأول مرة. ولمن لا يعرفون الكثير عن مسألة الجليد البحري في القطب الشمالي وآثاره على الشحن العالمي للغاز الطبيعي المُسال والبضائع الأخرى، ينبغي أخذ ما يلي في الاعتبار. أولاً، جليد الصيف هو الذي ينحسر بصورة هائلة، وبسبب شمس منتصف الليل ودرجات الحرارة الأعلى للهواء والماء، يتضاءل جليد الصيف والخريف بدرجة عالية. ويتأثر جليد الشتاء بدرجة أقل بكثير بسبب الليل القطبي ودرجات الحرارة المنخفضة في الشتاء. ثانيًا، يتأثر كل من امتداد الجليد البحري وسُمكه على حدٍ سواء. فالجليد أصبح أرق بكثير عما كان عليه سابقًا. وتبقى كميته أقل بكثير من الجليد بعد موسم الذوبان في الصيف وحتى الشتاء التالي، مع تحوله إلى جليد "متعدد السنوات"، وهو أكثر سمكًا وأصعب بكثير في الكسر أمام سفينة كاسحة للجليد مقارنةً بجليد السنة الأولى. ثالثًا، يتسم الطريق البحري الشمالي بصلاحيته للملاحة وملاءمته للشحن بدرجة أكبر بكثير من الممر الشمالي الغربي عبر الأرخبيل الكندي.السياق البيئي العالمي والممنهج للاتصالات الخليجية الروسية الصينية حول الغاز الطبيعي المُسال، ثمة ترابط أيضًا بين منطقة دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة الروسية في القطب الشمالي والصين، إلى جانب شرق آسيا والمناطق الأخرى المنتجة للغاز الطبيعي المُسال كالنرويج وألاسكا، وذلك من خلال النظام البيئي العالمي المتمثل في التغير المناخي وتغير حالة الجليد البحري وتلوث الهواء في شرق آسيا.

المنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي كمورِّد للغاز الطبيعي

في السنوات الأخيرة، أنشأت روسيا مستودعها الضخم للغاز الطبيعي في القطب الشمالي في "يامال" باتحاد شركة "نوفاتك" (50.1%) وشركة "توتال" (20%) وشركة البترول الوطنية الصينية (20%) وصندوق طريق الحرير الصيني (9.9%). وتُقدر القيمة الإجمالية للمشروع بحوالي 27 مليار دولار أمريكي، ويُفترض أن تعتمد بصورة كبيرة على تمويل البنك الصيني. ومن المتوقع أن ينتج المشروع أكثر من 16 مليون طن في السنة.

السياق الممنهج للاتصالات الخليجية الروسية الصينية حول الغاز الطبيعي المُسال

هناك علاقات ثلاثية راسخة عابرة للحدود الوطنية (إيتسكوفيتس، 2008) حاليًا بين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومجلس التعاون الخليجي والغرب، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعكس قرونًا من الإمبريالية الأوروبية وحوالي قرن من هيمنة القوة العظمى الأمريكية. إن العالم دائم التغير، وتستعيد الآن الصين والاقتصادات الآسيوية الكبيرة الصاعدة الأخرى مكانتها التاريخية النسبية في الاقتصاد العالمي (كانت نسبة آسيا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ قرنين قريبة من 60%). وبذلك، سيكون مستقبل علاقات المعرفة والعلاقات الثلاثية العابرة للحدود الوطنية لمجتمعات مجلس التعاون الخليجي والمدن (الذكية) أكثر فأكثر في أيدي شركاء شرق آسيا. وأركز على منطقة شرق آسيا على اعتبار أن الخليج بطبيعة الحال لديه روابط تاريخية طويلة جدًا وعلاقات وثيقة حاليًا مع جنوب آسيا.

يعتمد الأساس التاريخي للعلاقات الخليجية الروسية الصينية فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المُسال على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي منطقتين شهدت تأثير الاستعمار الأوروبي أولاً، ثم التواجد الأمريكي أثناء الحرب الباردة. وقد عكست علاقات المعرفة والعلاقات الثلاثية العابرة للحدود الوطنية بين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي، من جانب، والغرب، من جانب آخر، بوضوح التطور التاريخي للنظام الدولي ومكانة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي هناك. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منطقة تواجد من حيث النفوذ السياسي والعسكري واللغوي والثقافي الغربي القوي منذ الغزو الفرنسي لمصر عام 1798م، وفي البداية، شكَّل الاستعمار الأوروبي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي بدرجة كبيرة، بما في ذلك العلاقات الفكرية. وبصعود الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى عالمية، تواجدت في أجزاء كبيرة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وأيضًا ثقافيًا وتعليميًا.

 بينما يشهد العالم حاليًا عمليات تأثير العولمة وانتقال القوة من الغرب إلى الشرق. فالعالم يشهد تحولاً في النظام الدولي الذي يقوده الغرب، وهذا التحول يدفعه صعود الصين والاقتصادات الآسيوية الناشئة الأخرى. وبالتوازي مع ذلك، تقلل العولمة من الزمن والمسافة بين المجتمعات. فالقوة تتحول من الدول الغربية إلى الدول الشرقية، ومن الأطراف الفاعلة التابعة للحكومات إلى الأطراف غير التابعة للحكومات، ويدفعها في ذلك نهوض الصين وخاصةً نهوض اقتصادات النمور الآسيوية الأخرى. لقد كان لهذا التحول في القوة الاقتصادية الأولى والأكثر أهمية تأثيره أيضًا في مجلس التعاون الخليجي لعقود، حيث كانت اليابان في البداية، والآن الصين، العميلتين الرئيسيتين في مجال الطاقة.

تؤثر تلك العمليات والتحولات العالمية بشدة في مجلس التعاون الخليجي أيضًا. فقد عمِل مجلس التعاون الخليجي لنصف قرن تقريبًا في سياقٍ جغرافي استراتيجي، حيث ضمنت الولايات المتحدة أمن مجلس التعاون الخليجي مقابل توفير النفط بانتظام للولايات المتحدة وحلفائها. واليوم، تعتمد الولايات المتحدة بدرجة أقل بكثير على نفط الخليج نظرًا لوجود النفط الصخري في الولايات المتحدة. وقد أصبحت الصين في نفس الوقت، كونها المنافس الاستراتيجي النظير للولايات المتحدة، العميل الرئيسي للطاقة في مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الخليج. وتعد الولايات المتحدة قوة بحرية جوهرية، حيث تقيم استراتيجيتها الكبرى على قدرتها على تعبئة القوة البحرية وعلى التجارة البحرية. كذلك تعد الصين القوة القارية الجوهرية كما ينعكس من خلال استراتيجية مبادرتها "الحزام والطريق" الكبيرة التي شقت طريقها عبر أوراسيا. أما دول مجلس التعاون الخليجي، كونها تؤثر في آسيا، ومنطقة أوقيانوسيا ومناطق أخرى، فعليها أن توفِّق بين تلك الاستراتيجيتين الكبيرتين من خلال قوى اقتصادية وعسكرية أكبر بكثير في النظام الدولي. إن علاقات المعرفة العابرة للحدود الوطنية بين مجلس التعاون الخليجي والغرب كانت مع المجتمعات الغربية المفتوحة ذات الحرية الأكاديمية، والتي استفادت منها جميع المجتمعات الخليجية. أما علاقات المعرفة عبر الوطنية مع مجلس التعاون الخليجي والصين فستكون بدرجات متفاوتة.

يتشكل النظام الدولي اليوم عن طريق العولمة وانتقال القوة الثنائية من دول الغرب إلى دول الشرق، ومن الأطراف الفاعلة التابعة للحكومات إلى الأطراف غير التابعة للحكومات. وتشكل كل من العولمة وانتقال القوة مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم، وهما الإطارين النظاميين الدوليين. وبالنسبة لمجلس التعاون الخليجي فهو في خضم انتقال القوة حيث تحل الصين (وآسيا) محل الولايات المتحدة كعميل للطاقة، بينما تظل الولايات المتحدة الضامنة لأمن الخليج، فضلاً عن أن العلاقات السياسية العسكرية مع الصين وآسيا ضعيفة وغير مؤكدة. وبالمثل، ينبغي لمجلس التعاون الخليجي  أن يوفِّق بين اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) والشراكة التجارية والاستثمارية عبر المحيط الأطلسي (TTIP)من جهة، ومبادرة الصين القارية العظيمة "الحزام والطريق" من جهة أخرى، حيث تتقدم الصين بخطى ثابتة نحو غرب آسيا من خلال آسيا الوسطى. ومن ثمَّ، سيضع هذا المقال علاقات المعرفة والعلاقات الثلاثية العابرة للحدود الوطنية داخل السياق التاريخي النظامي والسياق الحالي بتحدياته وإمكانياته.

الغاز كنظام عالمي يربط بين مجلس التعاون الخليجي والمنطقة القطبية الروسية وشرق آسيا

تواجه الأطراف العامة والخاصة في النظام العالمي للغاز الطبيعي المُسال، بما في ذلك الاتصالات الخليجية الروسية الصينية، نظامًا يتسم بالتعقيد وعدم اليقين، حيث يكون فيه تنسيق السياسات والاستراتيجيات العامة والمؤسسية الدولية ذات أهمية. فالغاز الطبيعي المُسال القادم من الخليج ومن المنطقة القطبية الخليجية يُشحن لجميع أنحاء العالم، خاصة لشرق آسيا. أما النرويج فهي تحتل المرتبة الثانية بين أكبر مصدري الغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد روسيا، سواء من خلال الأنابيب أو كغاز طبيعي مُسال. وتوزِع بنية الأنابيب التحتية في المنطقة الأوروبية الآسيوية الغاز الطبيعي القادم من آسيا الوسطى إلى روسيا والصين. كما تتطلع ألاسكا بشدة لتصدير الغاز الطبيعي المُسال إلى شرق آسيا. جميع تلك الأطراف تشكل معًا نظامًا عالميًا متكاملاً لإنتاج وتجارة الغاز الطبيعي (الغاز الطبيعي المُسال)، حيث يوجد اعتماد متبادل بين المناطق المُنتِجة، مثل مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى وروسيا (المنطقة القطبية الروسية) والنرويج وألاسكا، والمستهلكين، خاصةً في شرق آسيا.

إن مجلس التعاون الخليجي منتِج رئيسي للغاز الطبيعي المُسال (وللنفط)، وتربطه علاقة توريد طويلة واستراتيجية متبادلة مع دول شرق آسيا الرئيسية. وروسيا واحدة من أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي في العالم، والذي يُصدَّر من خلال خطوط الأنابيب والصهاريج. أما المنطقة القطبية الروسية فهي مورد كبير نسبيًا للنفط والغاز من أجل اقتصاد تصدير النفط والغاز الروسي. وتُعد هذه المنطقة مورِّدًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المُسال لشرق آسيا على نحوٍ متزايد، وبشكلٍ أساسي من حقل "يامال" للغاز ومنشأة الغاز الطبيعي المُسال. أما الصين فهي مستثمر رئيسي في مشروع "يامال" للغاز الطبيعي المُسال الذي تبلغ قيمته 27 مليار دولار أمريكي، وسيتبع هذا المشروع مشروع الغاز الطبيعي المُسال "2" في القطب الشمالي. ويوجد مشروع لإنتاج الغاز وشحنه في "سخالين" في الشرق الأقصى الروسي.

وفيما يخص تنسيق السياسات والاستراتيجيات الدولية، يظهر السؤال المهم هنا وهو من أين تأتي التوقعات؟ وهذا السؤال بعينه حول التشكيل المتبادل للتوقعات والسياسات والاستراتيجيات هو الذي يجعل علاقات المعرفة والمجتمعات المعرفية العابرة للحدود الوطنية مهمة ومثيرة للاهتمام.

تنسيق السياسات الدولية الخليجية الروسية الصينية

تؤدي شبكات المعرفة البينية العابرة للحدود الوطنية أدوارًا محورية في تناول مشكلات تنسيق السياسات والاستراتيجيات وفي فهم التوقعات المشتركة. وتُعد شبكات المعرفة ذات أهمية لمعالجة مسائل التعقيد (استيعاب الآثار التفاعلية) وعدم التيقن (الاعتماد الكبير المتبادل على اختيارات الآخرين) والتفسيرات (الظواهر الاجتماعية والفيزيائية والهياكل التنظيمية والمؤسسات). وتمتلك تلك الشبكات قدرة كبيرة على التشكيل المشترك للمعرفة المتبادلة حول السبب والنتيجة، وعلى تحديد المصالح وصياغة السياسات والاستراتيجيات. كما أنها تعتبر وسائل لإضفاء الطابع المؤسسي والاجتماعي كمؤسسات اجتماعية تنظم السلوك وكأطر معرفية توجِّه التصرف "العقلاني" وكذلك التوقعات. وأخيرًا، يمكن لتلك الشبكات أن تحفز ابتكار السياسات والاستراتيجيات ونشرها واختيارها واستمرارها.

إن التعقد في الجانب الاجتماعي الذي يحيط بالعلاقات الخليجية الروسية الصينية فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المُسال لا يقل أهمية عن نظيره في الجانب البيئي (التغير المناخي وشحن الغاز الطبيعي المُسال عبر بحر الشمال). وتشكل العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية والقانونية إلى جانب عوامل وأطراف متفاعلة أخرى نظامًا عالميًا معقدًا. كما يعتمد استخدام الطريق بحري الشمال على علاقات روسيا السياسية والاقتصادية والأمنية مع كل من دول الغرب والدول الآسيوية، والتي قد تتحدد بالمسائل غير المتعلقة إطلاقًا بالقطب الشمالي، كما يتضح من أزمة أوكرانيا/ القرم. كذلك قد تعتمد ربحية موارد النفط والغاز للمنطقة القطبية الروسية على قرارات معنية بالتكنولوجيا والسياسات، والتي ليست لها صلة هي الأخرى بأي شكل من الأشكال، كما يتبين من ثورة النفط الصخري والغاز في الولايات المتحدة منذ سنوات. وتعتمد السياسات واللوائح الروسية للطريق البحري الشمالي على التطورات الروسية السياسية والاقتصادية المحلية، والتي تعتبر مبهمة بالنسبة للآخرين. فضلاً عن ذلك، يعتمد الشحن القائم على الوجهة لموارد الطاقة من المنطقة القطبية الروسية والمواد الخام على قرارات خارجية بشأن سياسة الطاقة وأمن الطاقة، إلى جانب أسعار السلعة العالمية، وهي بحد ذاتها أنظمة عالمية معقدة. إن حلم الشحن العابر للقطب الشمالي بين شرق آسيا وأوروبا الغربية بحد ذاته جزء من نظام نقل بحري عالمي يتكون من عدد هائل من العوامل السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والتنظيمية.

إن التعقيد الذي يكتنف الجانب البيئي والاجتماعي للعلاقات الخليجية الروسية الصينية المتعلقة بالغاز الطبيعي المُسال تخلق ظروفًا من عدم اليقين، يتمثل في الاعتماد الكبير على اختيارات الآخرين لتحقيق أهداف وفي صعوبة بالغة في تقييم النتائج المختلفة. وجدير بالذكر أن التغير المناخي ناتج للاختيارات البشرية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية على نطاق عالمي. ولغرض هذا المقال، يفترض أن يكون التغير المناخي خارج النظام المعقد للشحن في القطب الشمالي، وبذلك تكون قرارات الأطراف الأخرى بشأن سياسة التغير المناخي خارجية المنشأ، وهو ما يعيدنا إلى النظام الاجتماعي المعقد الذي يحيط بشحن الغاز الطبيعي المُسال في المنطقة القطبية الروسية واستخدام الطريق البحري الشمالي.

هناك حالة مستمرة من عدم اليقين في السياسات واللوائح الروسية، وهناك شكوك كبيرة في الاختيارات الخاصة بنطاق واسع من الأطراف العامة والخاصة في مجال الطاقة والشحن وغيره. وتشير تحديات تلك التعقيدات وعدم اليقين الذي يواجه عملية تنسيق السياسات الدولية إلى مسألة التفسير، مما يقودنا أكثر تجاه دور المجتمعات المعرفية.

تتمثل أحد التحديات الأساسية للحكومة في تنسيق السياسات الدولية والتي يمكن أن يعوقها التعقيد وعدم اليقين، وهو ما ينطبق أيضًا على نظام الغاز الطبيعي المُسال الخليجي الروسي الصيني وما وراء تلك المناطق. وتتطلب مواجهة التعقيد وعدم اليقين عملية التفسير، من حيث تفسير الظواهر الاجتماعية والفيزيائية، وهي هنا تتمثل في الأنظمة البيئية (التغير المناخي) والاجتماعية العالمية التي تحيط بإنتاج ونقل وتجارة الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المُسال. وينبغي للأطراف التابعة للحكومات وغير التابعة للحكومات التي لها دور في الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المُسال أن تضع تفسيرات حول كيفية تطور الظروف البيئية (مثل التغير المناخي وحالة الجليد) في المستقبل إلى جانب عدد الأطراف الحكومية وغير الحكومية الأخرى المؤثرة في إنتاج ونقل وتجارة الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المُسال التي سيكون لها تصرف في الوقت الذي ينهمك فيه الجميع في تفسير الآخرين. وتشير عملية التفسير إلى مسألة البنية مقابل استقلالية الاختيار لدى الأطراف المفسرة لبنيتها المحيطة وأيضًا إلى (إعادة) تكوين هذه البنية من خلال استقلالية تلك الأطراف في الاختيار. وينبغي لمختلف الأطراف التابعة وغير التابعة للحكومات المعنية بالغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المُسال أن تفسر البنية السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية والتكنولوجية التي تعمل فيها، وأيضًا السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالعوامل الأخرى.

العلاقة بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا والغاز المُسال

تمتلك روسيا مصالح استراتيجية طويلة في منطقة الشرق الأوسط ومجلس التعاون الخليجي، وتعود تلك العلاقات إلى مسألة مضيق البسفور أو الممر المباشر للخليج. وقد كان للاتحاد السوفيتي دورًا كبيرًا أثناء الحرب الباردة كراعٍ ومورِّد أسلحة لعدد من الدول العربية. أما اليوم، تشارك روسيا أيضًا على نحوٍ وثيق في الشرق الأوسط على المستوى الاستراتيجي، ويتجلّى ذلك تحديدًا في سوريا. إن روسيا تعيد عهد المجتمعات العلمية القديمة لتكون بمثابة قوة ناعمة وشبكات معرفة عابرة للحدود الوطنية مع المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية. وتعمل تلك الشبكات في القطب الشمالي تحت اسم "الجمعية الجغرافية الروسية"، وفي الشرق الأوسط باسم "الجمعية الإمبراطورية الأرثوذوكسية الفلسطينية".

الخلاصة:

 شبكات المعرفة العابرة للحدود بين الصين وروسيا ودول مجلس التعاون

إن علاقات الطاقة الخاصة بالغاز الطبيعي معقدة للغاية في حد ذاتها، ولكنها علاوة على ذلك مدمجة في أنظمة بيئية واجتماعية عالمية أكبر وأكثر تعقيدًا. ولذلك، فإن تنسيق وحوكمة السياسة الدولية يشكلان تحديًا في ظل هذه الظروف.

وتهتم دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين بعلاقات المعرفة العابرة للحدود الوطنية كجزء من النظام الدولي الذي يهيمن عليه الغرب، وهو ما يعني أيضًا أن لكل منهم علاقات معرفية أقوى مع الغرب مقارنة بعلاقاتهم مع بعضهم البعض. ولذلك، فثمة تحدٍ أمامهم للتغلب على تلك القيود، وكذلك على قيود اللغة وانفتاح المجتمع لبناء علاقات معرفية عابرة للحدود الوطنية وعلاقات ثلاثية الأطراف، وربما حتى مجتمعات معرفية.

يجب على دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين في مجال علاقات المعرفة العابرة للحدود الوطنية - وبخاصة في مجال الطاقة، وهي الصناعة الأبرز بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي وروسيا، ولها أهمية على مستوى الأمن القومي في الصين - أن تتكيف مع عالم متغير، سواء بيئيًا او اجتماعيًا. ولذلك، يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون على دراية بأن تغير المناخ يفتح المجال أمام موارد جديدة من الطاقة الشمسية في القطب الشمالي، وأن هذه الموارد يمكن شحنها إلى شرق آسيا، والتي تسترجع مكانتها بشكل متزايد باعتبارها نقطة جاذبية للاقتصاد العالمي. ويتعين على روسيا، وهي مصدر رئيسي للطاقة، وكانت كذلك في السابق مصدرًا للغاز الطبيعي عبر الأنابيب، أن تتفهم عالم الغاز الطبيعي المسال، حيث تمتلك دول الخليج مكانة كبيرة في هذا المجال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية - بارنتس، جامعة ترومسو (UiT)- جامعة النرويج القطبية الشمالية ـ دكتوراه (جامعة كامبريدج)

 

 

مجلة آراء حول الخليج