; logged out
الرئيسية / روسيا والخليج .. الأيديولوجيا والمصالح

العدد 134

روسيا والخليج .. الأيديولوجيا والمصالح

الثلاثاء، 05 شباط/فبراير 2019

ظلت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد السوفيتي ثم لفترة مع روسيا الاتحادية في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، رهينة حواجز أيديولوجية لعقود طويلة، ويعود ذلك لأسباب كثيرة وهي في أغلبها من صنع الاتحاد السوفيتي الذي قدم الأيديولوجيا على المصالح، حيث كانت سياسة موسكو لا تعرف إلا اللونين الأبيض والأسود فقط، أي فلسفة من ليس معنا فهو ضدنا، وكانت سياسة الاتحاد السوفيتي في ظل الحرب الباردة تصنف العالم إلى صنفين هما الشرق والغرب فقط، الناتو ووارسو، وانعكس ذلك على الاقتصاد والسياسة، بل امتد ليصل إلى الحروب بالوكالة وتغذية الصراعات الإقليمية بصورة تخدم مصالح الاتحاد السوفيتي والدخول في حالة عداء مع كل ما يتعلق بالرأسمالية، وأنظمة الحكم غير الاشتراكية أو اليسارية، كذلك سعى الاتحاد السوفيتي إلى التواجد العسكري خارج حدوده، ولعل ما حدث في أفغانستان غير بعيد، ناهيك عن الرغبة الدائمة للكرملين آنذاك في ما يُطلق عليه "حلم الوصول إلى المياه الدافئة" كما أن موسكو في ذلك الوقت وضعت حاجزًا صلبًا بينها وبين شعوب الدول الإسلامية عندما اعتبرت الدين أفيون الشعوب ؛ ذلك الشعار الذي رفعه كارل ماركس ثم تحول إلى شعار الشيوعية ما أدى إلى نفور الشعوب الإسلامية من الاتحاد السوفيتي وكل ما تقوم عليه أو نتج عنها كل ذلك وغيره أبعد الاتحاد السوفيتي عن الشرق الإسلامي، وجعل شعوب المنطقة تقتنع بالتعامل والتعاون مع الغرب.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ثم انهيار جدار برلين، وتفكك حلف وارسو وانهيار النظرية الشيوعية في الاقتصاد والسياسة، تكشفت حقائق كثيرة كانت مختبئة خلف الستار الحديدي الذي ضربه حول نفسه العملاق الذي اتضح أنه قوة عسكرية ـ نووية كبرى، مقابل خواء اقتصادي وقصور سياسي أفضى في النهاية إلى انهيار سريع جدًا وغير متوقع للكتلة الشرقية برمتها، وتبع ذلك تفرد الولايات المتحدة بزعامة العالم وخلفها الكتلة الرأسمالية الغربية.

عاودت روسيا ـ الوريث المعترف به للاتحاد السوفيتي ـ لملمة الشمل والتخلص من معوقات الاتحاد القسري السابق، لتعود دولة جديدة مختلفة في الفكر والأسس للتعاون مع الجميع بعد سقوط مسمار الأيديولوجية التي اعتمد عليها الاتحاد السابق، وزوال أسباب الصراع مع الغرب والعالم، حيث لا منافسة، بل إعادة البناء والنهوض من كبوة التفكك والتحلل وتجاوز معضلة الاقتصاد الضعيف والصغير ، وما زالت موسكو تحاول التعافي من الآثار الاقتصادية السلبية التي ترتبت على ضعف المدخلات والملاءة الاقتصادية الصغيرة للدولة الروسية، التي زادت حدتها مع فرض العقوبات الاقتصادية جراء التدخلات العسكرية في القرم ما جعل موسكو مجددًا في مواجهة الغرب وخاصة دول الاتحاد الأوروبي التي كانت أهم جهة للتعاون الاقتصادي مع روسيا الاتحادية.

روسيا الجديدة التي كنا ننتظر بزوغ فجرها مرة أخرى لتكون عنصر توازن في العالم، رحبت دول مجلس التعاون الخليجي بعودتها وأقامت معها علاقات دبلوماسية كاملة، وشهدت تبادل الزيارات على أعلى المستويات مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، وأبرمت معها اتفاقيات مهمة للتعاون الاقتصادي والعسكري، والتكنولوجي والعلمي والتقني، وغير ذلك من المجالات، إلا أن مواقف روسيا مازالت غامضة ويبدو أنها لم تتعاف كليًا من أمراض الاتحاد السوفيتي السابقة ومازالت تحركها عقدة التفوق الغربي، بل ونهضة الصين والهند اللذين تفوقا على روسيا اقتصاديًا وحتى عسكريًا، ومازالت موسكو ترسل رسائل غامضة للدول العربية، وكذلك تعاملها مع أمريكا يحمل تناقضات واختلافات ومن غير المعروف أنها تتعامل مع واشنطن بندية، أم بتبعية، وهل تمت إزالة الحواجز القديمة، أم باقية في توجهات صناعة السياسة الروسية الخارجية، وتزداد حدة هذا الغموض في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط، فالموقف الروسي في سوريا يراوح بين البرجماتية والبحث عن تحقيق المصالح، دون مراعاة مصالح الشعب السوري الذي طالت أزمته وكانت له علاقات صداقة تاريخية مع الشعب الروسي، ومن غير الواضح أن موسكو تريد إنهاء أزمة شعب أم تدافع عن مصالحها التي يحميها شخص أو نظام، وكذلك تعاونها مع أطراف مختلفة المصالح والأهداف على الأرض وهل ذلك يعكس استراتيجية روسية أم مصالح مؤقتة، فمن المعروف أن موسكو تتعاون مع النظام السوري ومع إيران ومع تركيا ومع إسرائيل وحزب الله ومع الولايات المتحدة الأمريكية، وغير ذلك من أصحاب المصالح في سوريا، في حين لم تتبن الحلول الجذرية للأزمة السورية عبر المؤتمرات الدولية المختلفة التي تكون بمشاركة أو بتحريك روسي.

كما ترتبط روسيا مع إيران بعلاقات قوية جدًا خاصة على المستويين العسكري/ النووي، والاقتصادي رغم الاختلافات العقائدية والأيدلوجية والصراعات القديمة بين البلدين، فهل تقوم موسكو بدعم طهران لتحقيق مصالح آنية، أم في إطار حرب باردة جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية حيث يوجد خلاف ظاهر وفرض عقوبات اقتصادية أمريكية على إيران بسبب البرنامج النووي الإيراني خاصة في شقه غير السلمي والذي تدعمه موسكو بل روسيا هي التي تقف خلف تطوير هذا البرنامج.

نتمنى أن تعود روسيا إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية بسياسة واضحة تقوم على التعاون المفيد في خدمة الشعوب وبناء الدول بعيدًا عن الأيديولوجيات والأطماع حيث أثبت التاريخ أن الأطماع لا تحقق مصالح دائمة، بل تضيف إلى رصيد العلاقات الدولية عداوات وخصومات وتأكل من رصيد التعاون الإيجابي خاصة إننا نعيش في عصر التكتلات الاقتصادية وتبادل المنافع، في غضون ذلك مدت دول مجلس التعاون الخليجي يد التعاون والتفاهم مع موسكو، والكرة الآن في الملعب الروسي للرد على رغبة التعاون بالتعاون، لا سيما أن دول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية خاصة في مرحلة مهمة لتنويع الشراكات وتوسيع قاعدة التعاون مع كافة الدول والتكتلات الاقتصادية العالمية.

مقالات لنفس الكاتب