array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 135

تدخل الناتو في الشرق الأوسط عبر القوة الناعمة.. وتواجده في الخليج قادم

الإثنين، 04 آذار/مارس 2019

عقبقرارات الانسحابات الأمريكية من العديد من المناطق في الشرق الأوسط تحدث الكثير من المحللين والسياسيين عن إمكانية انتشار الناتو مستقبلًا كنوع من الإحلال للدور العسكري الأمريكي، تزامن ذلك مع الضغط الأمريكي على الناتو لزيادة ميزانية الدفاع. ولقراءة الواقع والوصول إلى تحليل تصوري لدور الناتو في الفترة القادمة لابد من قراءة أولية لتاريخ دور الناتو العسكري بشكل عام والتحولات التي طرأت عليه والعوامل المتحكمة في هذا الدور، حتى يمكن تقييم مؤشرات الدور العسكري للناتو في الشرق الأوسط.

الدور العسكري لحلف الناتو منذ نشأته

منذ نشاة حلف الناتو عام 1949م حتى تسعينيات القرن الماضي وهو أداة عسكرية بحتة تجمع دول أوروبا وأمريكا، قد تم تأكيد على ذلك في المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي نصت على أن أي هجوم مسلح ضد أي من أعضاء الحلف يعد هجومًا على دول الحلف كافة بما يتيح لها حق الدفاع عن النفس، بالتالي ارتبط واقع التعامل العسكري للناتو بالرد على أي هجوم مسلح أي أن العمليات العسكرية دفاعية فقط داخل أراضي دول الحلف وليست خارجه، ويفسر ذلك خروج دول الحلف من ويلات الحرب العالمية الثانية ومحاولة استعادة أوضاعها الاقتصادية.

وفي بداية تسعينيات القرن الماضي بدأ الحلف في الانتقال من سياسة الدفاع إلى الهجمات الاستباقية والتدخل في الصراعات خارج نطاق دول الحلف انطلاقًا من عاملين رئيسيين متحكمين في هذه التدخلات أولهما التهديدات لمصالح دول الحلف منها الجريمة المنظمة والإرهاب والحالات الانفصالية، وكذلك الصراعات التي تشهدها الدول الواقعة خارج حدود دول الناتو تؤثر بشكل أو بآخر على مصالحها مثل أمن الطاقة، حيث إن الجزء الأكبر من الاستهلاك العالمي من إمدادات الطاقة يمر عبر أراضي مختلف بلدان العالم، وبالتالي فإن تلك الإمدادات قد تكون عرضة للمخاطر والهجمات والانقطاع، ثانيهما الخوف من انتشار تلك الصراعات والتهديدات إلى داخل الحلف، من هذا المنطلق بدأ يعلو بعد ذلك مفهوم إدارة الأزمات الملحق بمهام حلف الناتو واتسعت لتشمل عمليات حفظ السلام، ومكافحة الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة ويوضح الجدول التالي أبرز التدخلات العسكرية وأسبابها منذ بدء التسعينيات من القرن الماضي.

جدول رقم (1) أبرز التدخلات العسكرية لحلف الناتو بالسنوات ومسبباتها

التقييم

مسببات التدخل

سنة التدخل

الصراعات

نجح

تدخل إنساني لوقف الحرب

صيف 1995

البوسنة والهرسك

نجح

تدخل إنساني لوقف الحرب

مارس 1999

كوسوفو

نجح

تدخل إنساني لوقف الصراع

ربيع 2001

مقدونيا

فشل

مكافحة الإرهاب

2001

أفغانستان

فشل

مكافحة الإرهاب

2003

الحرب على العراق

نجح

مكافحة القرصنة

2009

الصومال والبحر الأحمر

فشل

لمساندة الثورة الليبية والقضاء على الإرهاب

2011

ليبيا

 

كان تدخل الناتو كما هو موضح بالجدول السابق في البوسنة والهرسك في صيف عام 1995م، نقطة تحول للحلف حيث تورط في حرب البوسنة دعمًا للأمم المتحدة لكي يفرض العقوبات الاقتصادية ويحظر السلاح ويحدد منطقة لحظر الطيران ويوفر التخطيط العسكري الطارئ. وقد ساعدت هذه الإجراءات على تخفيف النـزاع وإنقاذ الأرواح، ولكن ثبت أنها غير كافية لإنهاء الحرب، حيث اندلعت الحرب اليوغسلافية عام 1999م، وتدخل الناتو مرة ثانية لكن هذه المرة دون تفويض من الأمم المتحدة، بالقوات الجوية وقوات حفظ السلام وفي ربيع عام 2001م، عين الناتو لأول مرة دبلوماسيًا أوّلَ في منطقة الصراعات في مقدونيا أحد الولايات التابعة ليوغسلافيا السابقة لكي يمثل الحلف على الأرض، ويعمل كمبعوث شخصي للأمين العام لكي يحمل بذلك مهام ذات وجهين سياسي وعسكري وتعتبر نقطة تحول وانطلاق لأدوار أخرى لاحقًا حتى سلم مهمته في مقدونيا للاتحاد الأوروبي وسلم الناتو مسؤولية الأمن اليومي في البوسنة والهرسك للاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2004م، لكنه احتفظ بقيادة عسكرية في تركز على الإصلاح الدفاعي وإعداد البلاد لعضوية الشراكة من أجل السلام. وفي أثناء ذلك، كان يحتفظ الحلف بسبعة عشر ألف جندي في قوة كوسوفو، وتظل هذه القوات أكبر عملية للحلف.

وبالنسبة لتدخل الحلف في أفغانستان في عام 2001م، حيث كانت أفغانستان أول عملية عسكرية للحلف خارج منطقة عمله التقليدية في أوروبا، فقدم طائرات أواكس (نظام الإنذار والمراقبة المحمول جوًا) للولايات المتحدة ليساعد القوات الأمريكية في شن تلك الحملة وظل الناتو يقود قوة المساعدة الأمنية الدولية"إيساف"، وهي قوة مفوضة من قبل الأمم المتحدة، وقد أوكلت إليها مهمة المساعدة في المجال الأمني في كابول دعمًا للسلطة الانتقالية الأفغانية وتساعد قوة المساعدة الأمنية الدولية أيضًا على تطوير بنيات أمنية، وتحديد احتياجات إعادة الإعمار، وتدريب وبناء القوات الأمنية الأفغانية المستقبلية ، ظل الناتو يمد حضوره بثبات عبر إنشاء ما يُسمى فرق إعادة الإعمار الإقليمية، وهي فرق دولية تضم أفرادًا عسكريين ومدنيين، إلا أنه بعد مرور أكثر من ثمانية أعوام، لم يستطع الحلف إنجاز تلك المهمة، وهو ما عكسته الخسائر البشرية الهائلة لقوات الحلف مع استمرار مقاومة حركة طالبان.

أما التدخل في الحالة العراقية فتزايدت الخلافات الأوروبية- الأمريكية، أكثر فأكثر حول قرار أمريكا غزو العراق، وفرض الأمر الواقع خارج نطاق الشرعية الدولية، وقد أدى تنفيذ الإدارة الأمريكية لعملية الغزو والاحتلال إلى توتير الكثير من ملفات شراكة عبر الأطلنطي لكن بعد انعقاد مؤتمر باريس الأول لدعم لبنان، وحدوث عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، بدأ التعاون الأمريكي- الأوروبي يأخذ أبعادًا أكبر، خاصة في أروقة مجلس الأمن الدولي، والمسائل والقرارات المتعلقة بسوريا، ولبنان وبقية بلدان العالم العربي.

وفي الحالة الليبية، لم يكن قرار حلف الناتو بالتدخل في الأزمة الليبية أمرًا يسيرًا بالنظر إلى خبرات الحلف السلبية في مجال الحرب على الإرهابعلى الرغم من صدور قراري مجلس الأمن رقمي 1970 و1973م، بشأن الحالة الليبية وقرار الجامعة العربية رقم 7298 بتاريخ 2 مارس 2011م، بشأن الطلب من مجلس الأمن تحمل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي، وإقامة مناطق آمنة في الأماكن التي تتعرض للقصف، بالتالي فإن حلف الناتو لم يتدخل كمنظمة سوى في نهاية شهر مارس 2011م، أي بعد ما يزيد على شهر من اندلاع الأزمة وبرغم مرجعية الناتو للتدخل فإن مهمة الناتو قد تجاوزت القرارات المشار إليها في المهمة وهو فرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي وذلك بقصف مواقع مدنية ومقرات حكومية تابعة للرئيس الليبي والجدير بالذكر أن الخسائر الملحقة بحلف الناتو جعلت هناك توجهًا بجعل سياسة التدخل في إطار طلعات جوية وإعادة إعمار ومساعدات في تدريب القوات العسكرية.

ومن هنا نجد أن التدخلات التي تمت في المنطقة من قبل حلف الناتو يحكمها مجموعة متغيرات مرتبطة بخروج الحلف من الحرب العالمية وتشكيل مهامه وانتشار تهديدات غير مباشرة جعلت هناك ضرورة لتغيير سياسته العسكرية بالتالي فإن المتغيرات الحالية ستؤثر في قرارات الحلف.

المتغيرات المؤثرة على الناتو

اصطدم الحلف بالعديد من المتغيرات التي قد تؤثر على قرار تواجده في الشرق الأوسط من عدمه فبعد انسحابه من ليبيا لم تكن له تدخلات واضحة في الشرق الأوسط خاصة بعد الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بها جراء الحرب على الإرهاب لكن ثمة متغيرات حالية قد تجعل هناك تغيرًا في هذا التراجع وهي كالآتي:

1-  الضغط الأمريكي من أجل رفع ميزانية الدفاع

هدد الرئيس الأمريكي بسحب قوات بلاده من الناتو إذا لم يعزز الحلفاء على الفور حجم الإنفاق الدفاعي للحلف، حيث طالب برفع مستوى النفقات إلى أكثر من 2 % من إجمالي الدخل العام، وحمل هذا الطلب اعتراض واشنطن على حالة عدم المساواة في تقاسم الأعباء بين الولايات المتحدة، وبقية أعضاء الحلف بشأن الإسهام في ميزانية الحلف، حيث طالب بقية دول الحلف بزيادة نفقاتها في تلك الميزانية.

وعلى الرغم من أهمية ما أثاره ترامب، فإن تلك الانتقادات ليست بالأمر الجديد، حيث كانت هناك خلافات عديدة بشأن نسبة الإسهامات الأمريكية والأوروبية في مناطق الصراع. ففي حين تبلغ النفقات الدفاعية للولايات المتحدة نحو 618.7 مليار دولار أمريكي، نجد أن نفقات دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة لا تتجاوز 219 مليار دولار أمريكي، وتلك قضية يمكن أن يتم تسويتها بين الولايات المتحدة وبقية الدول أعضاء الناتو.

وبغض النظر عن الخطاب التصعيدي لترامب تجاه الشركاء في الحلف، فإن الهدف من ورائه ممارسة المزيد من الضغوط تجاه تلك الدول من أجل الالتزام بالنسبة المقررة للنفقات الدفاعية من ناحية، ولضمان عدالة توزيع الأعباء بين أعضائه من ناحية أخرى.

2-  موقف حلف الناتو من قضايا المنطقة

يرى الحلف مجموعة من المهددات في الشرق الأوسط لمصالحه وكانت سياسات الحلف تميل إلى التدخل في الأزمات المسببة لتلك المهددات وهي متمثلة فيما يلي:

أ‌-     الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية

إن التحولات السياسية التي شهدتها الدول العربية أدت إلى تنامي مخاطرها، حيث نزح آلاف المهاجرين إلى إيطاليا التي قامت بدورها بمنح هؤلاء المهاجرين تأشيرة الدخول للدول الأوروبية الأخرى. وتكمن مخاوف هذه الدول من هؤلاء المهاجرين في النقل التدريجي للأفكار والمعتقدات من دول الجنوب إلى نظيرتها شمال المتوسط، في ظل تعارض القيم بين الجانبين. فضلاً عن أن تدني المستوى التعليمي، وبالرغم من حصول أغلبيتهم على الجنسية التي تعني تمتعهم بحقوق المواطنة الكاملة، وبالتالي يظل هؤلاء المهاجرون في حالة من الإقصاء المجتمعي والمهني ويضاف إلى ذلك انتقال العديد من العناصر الإرهابية إلى أوروبا.

ب‌-          تهديدات أمن الطاقة

بدأ الاهتمام المباشر بهذه القضية من جانب حلف الناتو في قمتي ريجا 2006م، وبوخارست 2008م، عندما تضمن البيان الختامي ما مؤداه أن المصالح الأمنية للحلف يمكن أن تتأثر بانقطاع إمدادات الموارد الحيوية. بل إن الأمين العام للحلف قال أمام البرلمان الأوروبي في مايو 2006م، "إن الناتو سوف يبحث استخدام القوة إذا ما هددت إمدادات الطاقة، بإشارة ضمنية للأزمة الليبية، وما ترتب عليها من انقطاع في إمدادات النفط الليبي لأعضاء الحلف وتأثير ذلك في أسعار النفط، بالتالي اعتبر ذلك تحديًا مباشرا لمصالح دول الحلف، انطلاقًا مما يمثله النفط الليبي من أهمية لهذه الدول، سواء على صعيد الاحتياطيات أو الإنتاج.
ونستنتج مما سبق أن تهديد تدفق النفط الليبي وارتفاع أسعار النفط، التي تجاوزت 110 دولارات للبرميل إبان الأزمة، يعتبر تهديدا مباشرًا للدول الغربية المستهلكة للنفط الليبي، مما استدعى تدخلاً في تلك الأزمة ولم يختلف هذا التوجه منذ اندلاع الأزمة حتى الآن لكن الاختلاف كان في شكل التدخل.
جـ-الإرهاب

يعد الإرهاب أحد المهددات الرئيسية التي تلقي بظلالها على أوروبا سواء أكان داخل القارة أو خارجها ففي الوقت الذي يخسر فيه تنظيم الدولة الإسلامية الأراضي، قد يزداد خطر الإرهاب في الغرب. فالمقاتلون الإرهابيون الأجانب العائدون يمثلون تهديدًا تضاعفه ظاهرة التطرف العنيف الناشئ في الداخل التي تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في انتشارها والتي بدورها قد تشمل مجموعة من التهديدات الإرهابية النابعة من مخططات منفذة على أيدي أجانب.

5-العلاقات العربية مع حلف الناتو

اهتم الحلف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، بتطوير التعاون الأمني الثنائي بين دول الحلف ودول الشرق الأوسط. وتم طرح مبادرة اسطنبول للتعاون الاستراتيجي في يونيو 2004م، لتكون بداية لهذا التعاون. انضمت لهذه المبادرة أربع دول خليجية هي الكويت، والإمارات، وقطر، والبحرين، بينما بقيت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج إطارها.تضم هذه المبادرة قائمة يمكن للدول الاختيار فيما بينها في ستة مجالات، هي: الإصلاح الدفاعي والتعاون العسكري، ومكافحة الإرهاب، والتصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل، وأمن الحدود، والإرهاب، والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية وإدارة الأزمات.

كما أطلق الحلف في هذا الإطار مبادرات للشراكة تتضمن "الأمن الناعم"، متمثلا في التدريب والاستشارات، وإدارة الأزمات، كما أنشأ الحلف قسم الدبلوماسية العامة ضمن الجهاز المؤسسي للحلف ببروكسل، ضمن جهوده لتغيير صورته السلبية بشكل خاص في المنطقة العربية، وقام بإنشاء مقر للحلف بالكويت عام 2017م.

بالتالي حملت تلك المتغيرات السابقة مؤشرات عودة دور الناتو للقضايا الإقليمية العربية وربما المتغيرين الرئيسيين الممثلين في الضغط الأمريكي على الناتو ومهددات قضايا الشرق الأوسط بالنسبة لأوروبا.

مؤشرات عودة دور الناتو لقضايا الشرق الأوسط

يصعب التنبؤ بالأحداث المستقبلية بعيدة المدى نتيجة المتغيرات المتسارعة لذلك يتم التركيز على استشراف الأحداث المستقبلية قصيرة المدى من خلال متابعة المؤشرات الإيجابية التي تؤيد عودة دور حلف الناتو للقضايا الإقليمية بالشرق الأوسط، وكذلك المؤشرات السلبية التي تعكس النقيض من ذلك إن وجدت.

قبول الشرط الأمريكي بزيادة ميزانية الدفاع

بعد التصعيد المعلن من جانب واشنطن برز موقف الناتو بعد فترة بقبول زيادة ميزانية الدفاع وصرح الأمين العام للحلف الرئيس الأمريكي الجديد ترامب من أن التحرك الفردي ليس خيارًا، سواء للولايات المتحدة، أو الأوروبيين، ويدعم ذلك بدور دول الحلف في دعم أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، في حربها بأفغانستان ضد الإرهاب، حيث بلغ عدد القتلى من جيش الناتو ألف قتيل. ويؤكد ما سبق أن أمريكا ستظل بحاجة إلى حلف الناتو أكثر من حاجة الحلف إليها خاصة لملء الفراغ الذي قد تشهده منطقة الشرق الأوسط.

وبالرغم من أن الخطاب يحمل قدرًا من الدبلوماسية التي تحفظ ماء وجه حلف الناتو إلا أنها عكست مخاوف الدول الأوروبية بشأن رؤية ترامب مستقبلاً بشأن جدوى وجود الحلف ذاته من عدمه، وهو الأمر الذي قد يرتب تحديات هائلة لأمن أوروبا، خاصة حال قيام ترامب بسحب جزء من القوات الأمريكية التي تتمركز في الدول الأوروبية بما يجعلها في حالة من الانكشاف الاستراتيجي أمام النفوذ الروسي المتنامي.

على الجانب الآخر تدور معظم التصريحات فيما يتعلق بإنشاء جيش أوروبي باتجاه كون هذا الجيش مكملاً وليس بديلاً فقد أشار الأمين العام للحلف في مقال له إلى "تأييده دفاعًا أوروبيًا قويًا، بيد أنه ليس بديلاً عن حلف الناتو، بل مكملاً له، بالإضافة إلى ذلك فإن التوجه نحو بناء سياسة دفاعية أوروبية يواجه بمعارضة شديدة من جانب الدول الشرقية داخل الاتحاد التي لا ترغب في وجود منافسة مع حلف الناتو، ولا تزال ترى أن الخطر الأكبر هو روسيا حيث تعد دول الاتحاد الأوروبي الناتو بمثابة الضامن الرئيسي لأمنها منذ عام 1949م.

ويحمل هذا المؤشر استمرار تبعية الناتو لأمريكا بالتالي يشمل تبعية القرارات ويؤيد إيجابية عودة الناتو للتدخل في القضايا العربية.

إعلان التدخل في ليبيا مرهون بقرار ليبيا

صرح الأمين العام للحلف بأن الناتو مستعد للوقوف بجانب ليبيا وتدريب قواتها الأمنية والعسكرية من أجل مساعدتها في حفظ الأمن، وفي تصريح آخر تم التأكيد بأن ذلك سيتم إذا ما طلبت ليبيا ذلك من الناتو مباشرة، وذلك يعكس أن مبدأ التدخل في الشأن الليبي لازال موجودًا لكنه مرهون بطلب ليبيا ويأخذ شكل الأمن الناعم المعني بتدريب القوات الأمنية والعسكرية.

ويحمل هذا المؤشر إيجابية إعادة الناتو لدوره بالتدخل في قضايا الشرق الأوسط.

القرارات الأمريكية بالانسحاب من دول عربية

بعد الأزمة الإسرائيلية ــ الروسية الأخيرة وتداعياتها بالعديد من قرارات الانسحاب من دول الشرق الأوسط بالتالي سينشأ فراغات لن تسمح إسرائيل أو الولايات المتحدة بأن تكون روسيا هي سيدة الموقف هناك وتزامن ذلك مع موافقة الحلف على زيادة الميزانية بعد أشهر طويلة من النقاشات داخل الحلف وهو ما يؤكد أن واشنطن تسعى إلى استخدام الحلف كبديل لدورها العسكري الإقليمي وستظل هي المتحكم السياسي في دور الحلف في المنطقة، ويحمل بذلك مؤشرًا على إيجابية عودة الناتو للتدخل في العديد من قضايا الشرق الأوسط.

التهديدات الروسية لدول الحلف

تظل سياسة الاحتياج المتبادل بين أمريكا والناتو حيث ترى الأولى في الناتو بديلاً ويرى الناتو في واشنطن الداعم الرئيسي والقوة التي يستند عليها الحلف وتلك العلاقة يحكمها المهدد الرئيسي وهو روسيا في مواجهه الناتو والولايات المتحدة خاصة بعد انتهاك روسيا مرات عدة المجال الجوي لدول البلطيق من خلال تدريبات عسكرية مختلفة، بالإضافة إلى أن الجيش الروسي نشر منظومتي (بانتسير-إس) و(إس-400) خلال عام 2018م، في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014م، وفي مناطق روسية هي القطب الشمالي وكالينينغراد النائية المطلة على بحر البلطيق وخاباروفسك في أقصى الشرق.

وهذه التهديدات تحمل في مجملها مؤشرًا إيجابيًا على عودة دور الناتو في الشرق الأوسط متحالفًا مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهه روسيا.

ومن ثم الاستنتاجات الأخيرة تضعنا أمام حقيقة مسلم بها وهي أن تدخلات الناتو في أزمات الشرق الأوسط تعتبر جزءًا من مهامه لكن يأتي الخلاف في شكل التدخل إذا كان يقع تحت مفهوم الأمن الناعم أم الصلب؟ تشير المؤشرات الأولية أن التدخلات ستتم من خلال الأمن الناعم بتأسيس مؤسسات أمنية والمساعدة في تدريب الجيوش، أما التدخلات الصلبة فمن المرجح أن تكون من خلال طلعات جوية لتقليل الخسائر البشرية التي قد تنجم عن التدخلات البرية وذلك بالنسبة لليبيا والعراق وسوريا.

وبالنسبة لضوابط التدخل في القضية الفلسطينية فسيكون ذلك وفق قرار من مجلس الأمن، مشاركة الأطراف المعنية بالشرق الأوسط في ذلك الأمر، بالإضافة أن يكون دور الحلف ضمن المراحل النهائية لهذا الصراع والتي تتضمن تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة وذلك ما أشار إليه أمين الحلف في إحدى التصريحات، لكن في النهاية سيصبح الخليج موطئ قدم قوي للحلف، خاصة في ظل غياب نظام أمن إقليمي قوي لمواجهه المهدد الإيراني في المنطقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باحثة متخصصة في مجال الإنذار المبكر ـ وحدة الدراسات الأمنية والعسكرية ــ مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

مجلة آراء حول الخليج