; logged out
الرئيسية / الفضـاء المغاربي يشـهد تجزئـة التعامل مع التهديدات ومخترق أوروبيا عبر الحوار المتوسطي

العدد 136

الفضـاء المغاربي يشـهد تجزئـة التعامل مع التهديدات ومخترق أوروبيا عبر الحوار المتوسطي

الخميس، 28 آذار/مارس 2019

يطرح مفهوم الأمن الإقليمي المغاربي إشكاليات متعددة، تنطلق من تحديده كمفهوم اهتمت به الدراسات الأمنية التي رأت فيه امتدادًا للحدود الأمنية للدولة التي تتعدى الحدود الجغرافية فيما يسمى بشكل أوسع بمفهوم الأمن المركب، والواقع أن الفضاء المغاربي بتعقيداته وتشابكاته المختلفة، يطرح أكثر من تساؤل في هذا السياق، إذ وبعد مرور الوقت لم تستطع الدول المغاربية بناء أمن إقليمي يرقى إلى تطلعات المستقبل المشترك، بين هذه الدول والمحدد تاريخيًا وجغرافيًا وحضاريًا، فلا تزال مستويات التنسيق الأمني بين الدول لمكافحة التهديدات الأمنية ضعيفة ودون المستوى المطلوب، كما أن اختلاف السياسات الخارجية للدول المختلفة، حال دون بناء مقاربة أمنية مشتركة تحد من كل أشكال المخاطر البنيوية التي، تهدد أمن الفضاء المغاربي وربما بل وأكيد يتعداه إلى فضائه العربي الذي يتقاسم معه أيضًا ذات التاريخ وذات الجغرافيا وذات المستقبل .

أولاً: محددات الأمن الإقليمي المغاربي:

نظريًا وبالارتكاز إلى النظريات التي ولدت من محضن النظرية الأمنية التي اهتمت بتحديد وتوصيف كل أشكال الأمن ومستوياته وتطوره وفق مراحل تاريخية مختلفة، بداية بمفهوم الأمن القومي الذي يدافع عنه أنصار المقاربة الواقعية مرورًا بالأمن المجتمعي الذي دافع عنه أنصار مدرسة كوبنهاغن وصولاً إلى الأمن الإنساني الذي كان محور نقاش البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة سنة 1994م، والذي حاول أن يعطي منحًا جديدًا لمفهوم الأمن بجعله يتمركز حول الفرد ومتطلباته وليس التركيز فقط على  أمن الدولة، ولدت نظرية الأمن الإقليمي بناءً على التراكمات السابقة نظريًا كمحاولة إلى توسيع مفهوم الأمن القومي إلى الأمن الإقليمي والفرضية البسيطة التي ينطلق منها أنصار هذا المفهوم، هو أن الأمن لا يرتبط بحدود جغرافية الدولة ولكن يتعداها إلى الحدود الأمنية التي يمكن أن تنتقل وفق دوائر الأمن لأي دولة والتي تبدأ بالدائرة القريبة ثم المتوسطة ثم البعيدة، يمكن تعريف الأمن الإقليمي على أنه سياسة تنتهجها مجموعة من الدول قصد مواجهة خطر ما يحدق بمجالها الجغرافي ،بينما يرى البعض أن الأمن الإقليمي هو بناء سياسة دفاعية للدول في فضاء جغرافي موحد تسعى من خلاله تقدير مصادر التهديدات وسبل مواجهتها ،بناءً على هذا التراكم المعرفي لمفهوم الأمن الإقليمي سنحاول البحث عن محددات الأمن الإقليمي المغاربي ،ومدى واقعية السياسات المنتهجة من قبل الدول على مستوى الفعل الأمني في المنطقة.

-المحدد الجغرافي:

اذ تعتبر الجغرافيا أول محدد بل وأهم محدد في تحديد شكل الأمن الإقليمي لأن الجوار الجغرافي هو من يفرض سياسة الأمن الإقليمي أو حتى سياسة الاندماج والتكامل، ويتميز الفضاء المغاربي من هذه الزاوية، بموقع جيواستراتيجي يمتد على معابر جغرافية مهمة فهو همزة وصل نحو المتوسط ومدخل نحو إفريقيا ومعبر نحو العالم العربي. وتبلغ مساحة المغرب العربي 5782140كلم ويشكل 42% من مجموع مساحة العالم العربي.

المحدد الثقافي والاجتماعي والحضاري:

يلعب المحدد التاريخي والثقافي والاجتماعي والحضاري، الخطوة الثانية بعد المحدد الجغرافي، اذ تسمح الروابط الثقافية المشتركة والروابط الاجتماعية والانتماء الحضاري والتاريخي عوامل مساعدة على تعزيز سبل توطيد العلاقات وبالتالي تعتبر هذه العوامل عناصر مهمة في بناء الأمن الإقليمي للدول.

المحدد السياسي:

يعبر المحدد السياسي عن حجم التوافق بين الدول قصد بناء سياسة دفاعية مشتركة تتبنى منهجية ونهجًا واحدًا للمواجهة على أشكال التهديدات الأمنية، بمعنى توحيد سياسة دفاعية بآليات مشتركة للدفاع عن المصالح الحيوية لمختلف الدول. وذلك عن طريق تبني حل القضايا الخلافية بين الدول بالطرق السلمية تبني سياسة الثقة عن طريق عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في الفضاء الجغرافي الواحد، ناهيك عن تكثيف التعاون الاقتصادي فالاقتصاد هو الرافعة الأساسية لبناء الأمن الإقليمي، واعتبار أن الأمن القومي للدول جزء لا يتجزأ من الأمن الإقليمي للدول في حد ذاتها.

بإسقاط المفهوم النظري للأمن الإقليمي ومحدداته يتبين حجم الاختلالات الموجودة في الفضاء المغاربي تحول دون بناء الأمن الإقليمي في المنطقة ويمكن تشخيص ذلك في مجموعة النقاط التالية:

النقطة الأولى: هنالك كيان مؤسساتي هو الاتحاد المغاربي، لم يتم تفعيله بالشكل المطلوب ليكون لبنة أولى في بناء الأمن الإقليمي المغاربي، وفقًا لما تتبناه النظريات بأن أشكال الأمن الإقليمي هي عملية انتشار تبدأ من بناء علاقات ثقة على أسس اقتصادية، ثم تنتشر العملية في المستوى الثاني إلى بناء علاقات سياسية من خلال توحيد رؤية السياسة الخارجية وأخيرًا توحيد الجهود الأمنية وبناء سياسة دفاعية مشتركة، أثناء إسقاط هذا الطرح على الفضاء المغاربي نجده متباين بين مختلف الدول.

النقطة الثانية: تتعلق أساسًا بمستوى التبادل التجاري والاقتصادي بين الدول إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين مجموع الدول المغاربية في أرقى مستوياته 3% فقط وهذا رقم هزيل مقارنة بالإمكانيات التي يزخر بها المغرب العربي، كما أن الاقتصاديات في الدول المغاربية، هي في مجملها اقتصاديات ريعية ففي الوقت الذي يعتمد فيه الاقتصاد الجزائري على حوالي 95% من عائدات الريع البترولي، كذلك تعتمد تونس والمغرب على الريع الذي يحقق من السياحة وهذا يقلل من حركية التبادل التجاري بين هذه الدول.

النقطة الثالثة :ضعف المستوى الأمني، فالتنسيق الأمني في المنطقة ضعيف ناهيك عن وجود ليبيا في المنطقة كبؤرة توتر جعلت منها القوى الكبرى الإقليمية والدولية ساحة لتصفية الحسابات كل هذا خلق منها فجوة أمنية لها تأثيرات شديدة التعقيد على حاضر ومستقبل المنطقة، فعدا الجزائر وتونس ربما الدولتان الوحيدتان اللتان تقدمان علاقات نموذجية في مستوى التنسيق الأمني وكذلك حجم التبادل التجاري، فمثلا تم إمداد تونس من الجزائر بشحنات غاز وهنالك خط غاز سيمر بتونس متجها إلى إيطاليا سيعود بالفائدة على تونس وقد قدمت الجزائر أيضًا منحًا مالية في بداية الأزمة التونسية سنة 2011م، ووصل مستوى التنسيق أيضًا إلى توحيد التعرفة الهاتفية بين الدولتين .

النقطة الرابعة: غياب الرؤية المشتركة إذ تستهدف منطقة الفضاء المغاربي حالات من الاستقطاب من قبل قوى كبرى، تسعى إلى التموقع إما لبناء شراكات مع دول بعينها لتمرير مشاريع في المنطقة أو جعل المنطقة نقطة ارتكاز للنفوذ في مجالات قريبة منها وخاصة إفريقيا، ومنها محاولات الولايات المتحدة الأمريكية، لبناء قاعدة عسكرية قوبلت بالرفض من قبل الجزائر إلا دليل على ذلك، كما أن الأزمة الليبية قد فتحت المنطقة على أنواع التهديدات الأمنية كالإرهاب الجريمة المنظمة، الاتجار بالبشر، غسيل الأموال ...الخ.

 ثانيًا: واقع الأمن الإقليمي المغاربي: لقد شكلت منطقة الفضاء المغاربي دومًا مجالاً حيويًا للتنافس الغربي حولها وهذا التنافس تعود أصوله في التاريخ الحديث على الأقل إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، التي شكلت نقطة البداية لتحديد مجالات النفوذ في المنطقة، وهذا ما يعكس أهميها، وقد ازداد الاهتمام بها من خلال تزايد القوى الإقليمية والدولية بها، خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والاتحاد الأوربي وخاصة منه فرنسا وإيطاليا.

الملاحظ في المنطقة المغاربية يجد أن الواقع الأمني فيها يزداد سوءًا بوتيرة ملفته للانتباه وهذا جراء اقتحام المنطقة بما يسمى بإطلاق فجوة أمنية فيها، وهذه الفجوة الأمنية هي ليبيا التي أصبحت شوكة في ظهر الأمن القومي لأي دولة مغاربية بل وعربية أيضًا، نتيجة إفرازها لكل أشكال التهديد البنيوي الأمني، ففي ليبيا تغيب الدولة حاليًا والتي غيبها معمر القذافي نتيجة سياسته المبنية على عدم الاهتمام بالمؤسسات وبمنطق الدولة وباتباعه منهجية سياسية واجتماعية غير مواكبة لحجم التحولات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة ،هذه التراكمات تعززت بعد الأحداث التي حدثت في ليبيا منذ 2011م، إلى  يومنا هذا من خلال غياب الدولة التام، فغياب الدولة يعني غياب حماية الحدود، التي ينتشر من خلالها السلاح بصورة رهيبة قدرتها الأمم المتحدة بحوالي 22مليون قطعة سلاح، في بيئة تعرف سيطرة القبيلة والقبيلة هي وحدة التحليل في الشأن الليبي، وولاء القبيلة هو ليس للدولة وهذه الأخيرة هي أقوى من الدولة ومن الجيش بحكم منطق التراكم الانثربولوجي والتاريخي القبلي في ليبيا، ففي ظل الفوضى الأمنية تعيش ليبيا أيضًا فوضى سياسية من خلال تعدد مراكز القوة داخل البيئة السياسية الليبية ،تتعقد المسألة بالنظر إلى عدم التوازن بين البرلمان والحكومة والجيش وتعدد المليشيات التابعة لقوى إقليمية ودولية باتت ليبيا مرتعًا لها لما تزخر به من ثروات نفطية ومائية أيضًا وهذه الثروات تتميز بقربها الأحفوري فهي كعكة استراتيجية بكل ما يحمله هذا المصطلح من معنى.

لقد أنتجت التحولات السياسية والاجتماعية التي حدثت بالمنطقة من سنة 2011م، إلى يومنا هذا، تعقيدات على مستوى البنية الأمنية في المنطقة، اذ أصبحت تونس منتجة للإرهاب من خلال انتقال مقاتلين حدد عددهم بحسب تقديرات الخبراء في المجال الأمني بحوالي 5000 مقاتل كانوا في سوريا والآن تشهد تونس عودة هؤلاء المقاتلين مما سيطرح إشكالية كيفية التعامل معهم في ظل الاضطراب الذي تعيشه تونس على ضوء تراكمات التحول السياسي والاجتماعي الذي يجري في تونس ،كما تشير ذات التقديرات إلى وجود أكثر من 1400 مقا تل من أصل مغربي و120من أصل جزائري والأغلبية منهم هم من الذين يعيشون في أوروبا.

أفرزت أيضًا سنة 2011م، وبموجب التحول الذي حدث في ليبيا وانفتاحها على صراع قبلي بروز ليبيا كدولة حاضنة للإرهاب حيث أصبحت ليبيا هي معبر الإرهاب الذي يتنقل من إفريقيا أو أوروبا أو حتى تركيا ففي مركز اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في ليبيا هنالك 20000 مهاجر ولاجئ تحتجزهم بعض أجهزة الأمن الليبية، وهذا العدد الرسمي المقدم وربما التقديرات تتجاوز ذلك بكثير.

في ظل هذا الفراغ الأمني جعل من ليبيا شوكة في ظهر الأمن القومي العربي، إذ منها تنتقل جماعات إرهابية عبر منطقة السلوم المصرية إلى شبه جزيرة سيناء و انعكاساتها ستكون وخيمة، على مستوى الأمن القومي العربي فالإرهاب بات التهديد البنيوي الأول الذي يحظى باهتمام جدول الأعمال الدولي وهو بحاجة إلى تعزيز دولي لمواجهته ليس فقط من خلال التنديد به ولكن أيضًا من خلال منهجية عمل واضحة تقوم على أساس تجفيف منابعه.

تشهد أيضًا منطقة الفضاء المغاربي تجزئة لآليات التعامل مع التهديد الأمني ففي ظل غياب رؤية مغاربية موحدة فيما بينها، عدا التنسيق الأمني الثنائي، نجد القوى الغربية تخترق المنطقة من خلال استراتيجيات تتبنى تعزيز الحوار المتوسطي في إطار شراكة خمسة +خمسة أو مجموعة الخمسة التي تضطلع فيها فرنسا وتشارك معها دول من المغرب العربي والساحل، وهي كلها محاولات لجر دول من المنطقة لأن تكون لها وظيفة امنية أو ما  يطلق عليه بدركي المنطقة وهذا ما رفضته الجزائر وانخرطت به دولة مثل المغرب ،وهذا مؤشر هام على اختلاف الرؤى تجاه تحديد السياسة الأمنية في المنطقة.

كما شكلت أيضًا القمة الأوروبية ـ العربية واحدة من الآليات التي تسعى من خلالها أوروبا إلى إعادة التموقع في المنطقة العربية  بشقيها المغربي والمشرقي، من خلال سياسة ملء الفراغ وقد شكلت هذه القمة أيضًا رافدًا من روافد التواجد الأوروبي بغرض إيجاد حل لحجم الهجرة غير الشرعية التي باتت تهدد أوروبا جراء الفجوة الأمنية في ليبيا وتدفق عدد من المهاجرين إلى الدول الأوروبية فهذه القمة أيضًا تشكل محاولة لتجزئة الأمن الإقليمي في المنطقة فعدد ساكنة أوروبا والعالم العربي يشكلون 12% من ساكنة المعمورة وبالتالي حجم التحديات الأمنية والديمغرافية بات الشغل الشاغل لصانع القرار الأوروبي .

تتعزز المنطقة المغاربية بتواجد الفاعلين الدوليين، واهتمامهم بالمنطقة ففي ظل التواجد التقليدي الأمريكي الفرنسي صاحبًا النفوذ التاريخي في المنطقة، تعزز التواجد الروسي الصيني من خلال مقاربة مختلفة فروسيا اليوم، تتواجد في المغرب العربي عن طريق علاقة صداقة واستراتيجية مع الجزائر من خلال امتدادها في المتوسط والذي يشمل ليبيا أيضا "فالكسندر دوغين "الاستراتيجي الروسي يعتبر أن لروسيا جسرًا جيوبولتيكيا يمتد من مصر وليبيا ويمر على الجزائر وينتهي في سوريا، إذ أن حجم التبادل الروسي الجزائري يقدر بحوالي 4.5مليار دولار، كما أن روسيا منخرطة بصورة ملفتة في ليبيا من خلال تزويد حفتر بالسلاح وطبع العملة ...الخ بالمقابل تشهد الصين عودة أيضًا من خلال اتباع منهجية العدالة في توزيع القوة العالمية وانتهاج أسلوب التنمية مقابل الاستثمار فهي ثاني شريك للجزائر بعد فرنسا ولها علاقات أيضًا بباقي دول المنطقة المغاربية لكن الجزائر هو الشريك الأول لها بحجم تبادل تجاري يقدر 8مليارات دولار .

ثالثًا: مستقبل الأمن الإقليمي في الفضاء المغاربي وتقاطعاته مع الأمن القومي العربي:

أثناء طرح مسألة الأمن العربي في كلتيه المغربي والمشرقي لدى دارسي العلوم السياسية والمهتمين بحقل الدراسات الأمنية، تنتابنا مقولة أن العالم العربي، قد تحالف عليه التاريخ والجغرافيا ،فموقعه الجيواستراتيجي جعل منه محور اهتمام القوى الكبرى وحالات الضعف السياسي من خلال الهشاشة التي يعيشها اقتصاديًا وسياسيًا عززت من وهنه، وربما محور وضوح الوهن العربي  في فقدان العالم العربي دول بأحجام العراق وسوريا وليبيا واليمن والتي أدت بها الأوضاع التي تعيشها إلى انهيار تام لمفهوم الدولة فيها، فأصبح الإرهاب يهدد استقرارها السياسي ،الاجتماعي والاقتصادي بل وحتى الثقافي أيضًا، رغم أنها وإلى وقت غير بعيد كانت هذه الدول المحورية في العالم العربي رفقة شقيقاتها الجزائر ومصر والسعودية  تقود قاطرة النقاش العربي وهذا يبين الحجم الذي آلت إليه البنية الأمنية في العالم العربي.

فبالرغم من وجود جامعة الدول العربية، كإطار جامع للدول العربية والتي تنص إحدى بنوده على أهمية الدفاع المشترك إلا أن هذه النصوص ،لم يتم تنزيلها على أرض الواقع لكي تصبح بمثابة الأرضية التي يتم من خلالها تحديد مصيرنا المشترك ،الذي تغلب عليه النزاعات العربية ـ العربية والاستقطابات الإقليمية والدولية .ففي الملعب العربي تلعب قوى إقليمية ودولية وتحدد اللاعبين وقواعد اللعبة، فتركيا توجد في سوريا وتمتد إلى أكثر من 30كلم في الأرض السورية، وتسعى إلى أن يكون لها مستقبل في المنطقة من خلال منطقة آمنة ،ويمتد نفوذها أيضًا إلى العراق وتلعب إيران في المجال العربي في لبنان والعراق وسوريا واليمن وقد قالها مستشار خامنئي بعد سقوط صنعاء في يد جماعة الحوثيين "لقد سقطت العاصمة الرابعة في أيدينا "وهذا يعبر عن حجم الأطماع الإيرانية في المنطقة تلك الأطماع المغلفة بالهوية الفارسية وباللعب على وتر الدين من خلال  توظيف البعد الشيعي في سياساتها، ناهيك عن الاهتمام الأمريكي والروسي والفرنسي والإيطالي والصيني ..الخ. من خلال تحديد مناطق نفوذ ومجالات حيوية يدافع فيها عن مصالحه الجيو استراتيجية والجيو اقتصادية.

وقد عرف العالم العربي محاولة لتجربة أخرى مماثلة تتمثل في القوة العربية المشتركة المبادرة المصرية في الجامعة العربية وقد عرفت نقاشات حثيثة أفضت إلى عدم القدرة على تنزيل هذه القوة على أرض الواقع، وهذا يعزز مرة أخرى حجم التباين بين الدول العربية، فالسياسات الخارجية للدول العربية، قد عززت من هشاشتها وبالتالي أصبحت البنية العربية، بنية غير متوازنة أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا بل وحتى ديمغرافيًا نتيجة حجم الهجرة واللجوء التي عرفتها هذه الدول التي تعيش أزمات حادة.

إن الأمن القومي العربي بتقاطعاته المختلفة يعيش أزمة بنيوية تفرض عليه وبصورة استعجالية رسم سياسة واضحة مشتركة تتم من خلال عملية انتشار من المستوى الإقتصادي من خلال تعزيز التبادل البيني بين الدول العربية إلى مستوى سياسي من خلال تعزيز رسم سياسة موحدة تقوم على أساس توحيد رؤية السياسة الخارجية الموحدة، البعيدة عن النزاعات والنظرة الضيقة وتوسيع الرؤية إلى مشروع المستقبل المشترك وينتهي ذلك بمستوى أمني من خلال تعزيز التنسيق الأمني وهيكلته في إطار مؤسساتي يضمن الأمن القومي العربي ومن خلال إعادة دول بحجم العراق وسوريا واليمن وليبيا إلى الحضن العربي من خلال مساعدات ملموسة للخروج من أزماتها.

النتيجة:

إن الرهان الذي يطرحه العالم اليوم بتحولاته الجيوسياسية والجيو أمنية والجيو اقتصادية ،تجعل على العالم العربي عدم تضييع الفرصة في البقاء في ظل العالم المتحول والذي يشهد استراتيجيات متشابكة اقتصادية معقدة أمنية تتغذى من أيديولوجية الاستقرار الهيمنة الذي تنتهجها قوى معينة وتصدها قوى أخرى ،وبالتالي بات من الضروري على العالم العربي أن يعيد النظر في مفهوم أمنه الإقليمي بتعزيزه وتقويته في إطار من التنسيق ورسم استراتيجية واقعية وعملية تبدأ اقتصاديًا وتنتشر سياسيًا وتتوحد أمنيًا في ظل عالم يتبلور في إطار تحالفات ،شراكات، محاور وإعادة توزيع النفوذ والقوة العالميين فمن الضروري على العالم العربي أن يجلس على طاولة واحدة  وفي قراءة متأنية لحجم التحديات وواقع الرهانات لتحديد ملامح مستقبله وبصورة سريعة دونما تضييع للوقت. فالرهان هو رهان البقاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسيةـ الجزائر

مجلة آراء حول الخليج