array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 136

مستقبل الأمن المشترك في الخليج: الديناميكا المتغيرة للتهديدات المتصورة

الخميس، 28 آذار/مارس 2019

تغير المشهد الأمني الذي يواجه دول الخليج تغيرًا هائلاً في السنوات الأخيرةخيرةأ، منذ بداية أحداث الربيع العربي بتونس في 18 ديسمبر 2010م، وما تلا ذلك من أحداث في دول ما يسمى بثورات الربيع العربي، حيث التشكيلات الآخذة في التغير بالسياسات الدولية، وديناميكا منطقة الخليج وبيئتها المحيطة تتطلب فهمًا جديدًا للقضايا الأمنية التي تواجه جميع دول الخليج والمنطقة العربية برمتها، كما يتطلب الأمر فهم أكثر عمقًا للعوامل التي تدخل في إنشاء إطار أمني/دفاعي مشترك أو تنظيم أمني تعاوني، لمواجهة التهديدات المتصوَرة للدول المعنية، وهي تعتمد بدورها على نطاق واسع من قضايا الأمن والدفاع. مع أن الظروف السياسية الحالية بين دول الخليج تجعل إنشاء هيكل أمني خليجي شامل وفعّال لإدارة الصراعات أمرًا شديد الصعوبة. وهناك وجهتا نظر سائدتان ومتعارضتان للأمن في منطقة الخليج: فبينما تدعو إيران لتدخل دولي أقل في الشؤون الإقليمية وتسعى إلى توازن ذاتي للسلطة مدعومًا بتوازن مكافئ في المصالح، تحرص دول مجلس التعاون الخليجي إلى جعل المنطقة ذات طابع دولي أكثر من خلال نُهُج تعاونية متعددة الأطراف (ترتيبات مترابطة مرنة متعددة المستويات)، تجمع عددًا من القوى الخارجية، بدلاً من الاعتماد حصريًا على الهيكل الفردي القائم الشامل الذي تقوده الولايات المتحدة. وتنبع المعضلة الأمنية في منطقة الخليج من ميل الدول إلى تفسير إجراءات ردع التهديدات والإعدادات العسكرية الموجهة للدفاع ضد العداء المحتمل من الخصوم (مثل نشر أسلحة الدمار الشامل، والتعزيزات العسكرية، والتحالفات الإقليمية) على أنها استعدادات هجومية. وقد أدى ذلك إلى نشأة العلاقات التي يسودها النزاع في الخليج: أي دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران، وقد استجابت كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي للتهديد المتوقع بتوقيع اتفاقيات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة، وهي بذلك تجعل الولايات المتحدة الضامن الرئيسي لتوازن القوى في الخليج. ولتشكيل التنظيم الأمني التعاوني الأقاليمي ((trans- regionalالمطلوب. وينبغي تحديد أدوار جديدة للقوى الثلاث التاريخية الكبرى في المنطقة (إيران والعراق والسعودية) وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، بحيث تدعم نظام الأمن الخليجي التعاوني الأقاليمي الجديد بدلاً من تقويضه. وفي هذا النظام، لن تقل فقط النزاعات الأقاليمية والمخاوف. ويمكن أن تؤدي الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وتركيا أدوارًا داعمة في الترتيب الأمني التعاوني عبر الإقليمي متعدد المستويات. وقد تكون منظمة الأمن والتعاون في أوروبا نموذجًا مفيدًا يُحتذى به. وتظهر أهمية النموذج تحديدًا في الوقت الحالي، حيث تظهر بوادر إعادة دول مجلس التعاون الخليجي ترتيب مصالحها واشتراكها مع نطاق أوسع من الدول والتكتلات على نحوٍ أكثر من ذي قبل سعيًا نحو الأمن.

تصورات التهديد في الخليج: الصراع الأقل حدة والحرب

تشهد المنطقة موجة من الراديكالية المتنامية التي يُعبَّر عنها بصور عنيفة من جانب الإسلام المسيَّس، والتي قد تتضمن مستويات مرتفعة من الجريمة والإرهاب العابرين للحدود. وقد تفاقمت تلك الصراعات منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بسبب الحرب في أفغانستان (والتي بدأت بصورتها الحالية منذ أكتوبر 2001م)، والحرب في العراق (التي بدأت في 2003م)، وما يسمى بثورات الربيع العربي المبهمة (منذ ديسمبر 2010م) في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا. وبالإضافة إلى أهمية منطقة الخليج في احتياطيات المواد الهيدروكربونية، حيث تمتلك دول الخليج 66% تقريبًا من احتياطيات النفط العالمية المؤكدة، و40% من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، وتظهر أهمية المنطقة في الحرب الدولية على الإرهاب. فمنذ اندلاع الحرب في أفغانستان ضد تنظيم القاعدة، والإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، والحرب الأهلية في سوريا، أصبح كل من التطرف الديني الراديكالي والإرهاب العابر للحدود الوطنية تهديدًا للدول والمجتمعات في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط والخليج. ولا يفرق ذلك التهديد على الأمن الداخلي بين السنة والشيعة، أو العلمانيين والدينيين، أو الفرس والعرب، ولكنه يعارض كل أشكال الإسلام الوسطي والأنظمة الحالية كافة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولقد دفع صعود تنظيم القاعدة بعد 2002م، دول مجلس التعاون الخليجي إلى تبني "الاستراتيجية الأمنية لمكافحة الإرهاب والراديكالية" في 2002م، وتوقيع "اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب" في 2004م، وتشكيل "اللجنة الدائمة لمكافحة الإرهاب" في 2006م، فضلاً عن ذلك، وافق وزراء الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي على "خطة العمل المشتركة لمواجهة حالات الهجرة الطارئة" في 2008م، وذلك لتعزيز التعاون بين الأعضاء في أوقات الحرب أو الكوارث الطبيعية. وترتبط مجالات التعاون الملحوظة الأخرى في ميدان الصراعات الأقل حدة بالدفاع المدني، والمخاطر النووية والإشعاعية، ومكافحة المخدرات، والتحريات والكشف الجنائي، وأمن وسائط الإعلام. وكانت قد وافقت دول مجلس التعاون الخليجي سابقًا في ديسمبر 1987م، على "استراتيجية أمنية شاملة" لمكافحة التهديدات الأقل حدة التي قد تؤدي إلى أعمال تخريبية داخلية، إلى جانب تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب المشترك للشرطة والقوات المسلحة، وتوفيق أنظمة الاتصال وهياكل القيادة. وقد تم تطبيق ذلك على نحوٍ أكثر فاعلية حاليًا. وقد أشعلت التدخلات الأمريكية في أفغانستان والعراق، والحرب الأهلية المستمرة في سوريا، صراعات منخفضة الحدة غير متوقعة وذات خطورة محتملة في المنطقة (من أبرزها التطرف الديني الراديكالي والإرهاب العابر للحدود الوطنية). ولكن ليس هذا فقط الذي ينبغي لدول مجلس التعاون الخليجي أن تقلق بشأنه. فدول المجلس قلقة أيضًا حيال نشاط الميليشيات الشيعية المسلحة والممولة والمدعومة من إيران خاصة في العراق واليمن ولبنان وسوريا، ولقد حلت محل المخاوف من التوغلات العسكرية واسعة النطاق من الشمال (صراعات أعلى حدة) المخاوف من تهديدات الميلشيات الشيعية المؤكدة والمحتملة والتي شجعها الطرف الفاعل الخارجي الرئيسي إيران، مما أدى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. ونتيجة لظهور وقوة دور ونفوذ إيران في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، وتطلع إيران الواضح لتحقيق الهيمنة الشيعية في المنطقة، كان للتطورات في كل من العراق وإيران أثرًا استراتيجيًا هائلاً على المعايير الأمنية في منطقة الخليج. وبعد أن كان قد أحدث العراق سابقًا توزانًا إقليميًا للتهديد الأيديولوجي المتصور من إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979م، حيث كان العراق يمثل حصنًا من ذلك التهديد إلى أن وقع الغزو الأمريكي للعراق في 2003م. وعلى المستوى الدولي، عززت الاتفاقيات العسكرية. بيْد أن إخفاق الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في أفغانستان والعراق حوّل توازن السلطة لصالح إيران. وظلّت العناصر الدينية الراديكالية في النظام الإيراني قوية، واستمرت في الدعوة لأيديولوجيتها الثورية وتصدير نموذجها الإسلامي. وقد زاد ذلك من نطاق احتجاجات الجماعات الشيعية التي تحركها إيران في دول المنطقة، والأنشطة التخريبية المنفذة على يد عناصر من تلك الجماعات. إلى جانب أنشطة أحد الأفرع المحلية الشيعية المتمردة بقيادة حزب الله اللبناني في أوائل تسعينيات القرن الماضي، تهديدات خطيرة. وكجزء من ثورات الربيع العربي، رفع بعض المحتجين شعارات تفيد بإثارة قلاقل في مملكة البحرين. وفي سبيل منع انتشار النفوذ الإيراني واحتواء الاضطراب في أماكن أخرى، أرسلت دول مجلس التعاون الخليجي قوات درع الجزيرة العسكرية إلى المنامة في مارس 2011م، من أجل "توفير الأمن للمباني الحكومية ". وبذلك ساعدت تلك الدول مملكة البحرين على إخماد الاحتجاج المدعوم من إيران. ومنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 1981م، رفعت الدول الأعضاء بصورة ممنهجة التدابير التعاونية في الكثير من مناطق الصراع الأقل حدة، مع التركيز بشكل خاص على الأمن الداخلي، وضمان حماية الأمن الداخلي والإقليمي في الخليج.

إن خطورة عدم الاستقرار في منطقة الخليج يؤثر على مناطق أخرى في العالم ويمكن أيضًا أن تؤدي إلى صراعات تقليدية أعلى حدة، مثل الحروب والعدوان فيما بين الدول مثل الحرب بين إيران والعراق (1980-1988م)، والغزو العراقي للكويت في 1990م، التي رفعت مستويات القلق في منطقة الخليج فيما يخص الحاجة إلى إطار دفاعي وأمني تعاوني. فمن جانب، تنبع صور انعدام الأمن من ثلاث مناطق مجاورة لدول مجلس التعاون الخليجي: (1) الشام من الشمال الغربي، حيث ما زال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والصراعات الأهلية، والإرهاب المنسوب للجماعات الجهادية (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) في سوريا قائمين؛ و(2) العراق وإيران من الشمال والشمال الشرقي، وكانتا في صراع دار رحاه في ثمانينيات القرن الماضي؛ و(3) أفغانستان من الشرق، وهي دولة "منهارة" تضم جماعات متطرفة مثل تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وتتضمن الصراعات بين دول الخليج حروب الخليج الثلاثة، والصراعات الأخرى عالية الحدة، مثل النزاع المستمر بين إيران والإمارات على جزر أبو موسي وطنب الكبرى وطنب الصغرى منذ 1971م، ودور إيران في سباق التسليح بسب الحصول على الصواريخ الباليستية وأسلحة الدمار الشامل ونشرها. إن تلك الصراعات عالية الحدة تخلق أساسًا للحروب والعدوان بين الدول. ففي يوليو 2003م، بدأت إيران في إنتاج صواريخ شهاب-3، بنطاق يمتد من 1200 إلى 1900 كم، والعمل على تطوير تقنية نووية لإنتاج الطاقة، بزعم نيتها تخطي حدود تصنيع الأسلحة النووية. وقد دفعت تلك الإجراءات من جانب إيران دول مجلس التعاون الخليجي لتسريع خططها في تشكيل منظومة دفاعية مضادة للصواريخ، إلى جانب امتلاك عدد كبير من الطائرات الحديثة. وقد أدى امتلاك الأسلحة وتكوين منظومات أسلحة جديدة في الخليج إلى دخول المنطقة في دائرة مفرغة حساسة، حيث ينظر أحد الطرفين للإجراءات على أنها برجماتية، بينما ينظر إليها الطرف الآخر على أنها عدائية، ونظرًا لوجهات النظر المتباينة بين دول مجلس التعاون الخليجي حول التهديدات التي تواجهها، تمت تجربة تدابير دفاعية مختلفة. وهناك ثلاثة آراء متباينة، فالكويت تدعو لاتخاذ موقف غير منحاز حيث عارضت دمج قواتها العسكرية بالكامل في هيكل قيادي مشترك، وترفض المطالبات الغربية بإنشاء قواعد عسكرية على الأراضي الكويتية. أما عمان، فقد أيدت إنشاء قوة خليجية مشتركة للدفاع عن مضيق هرمز، ومنحت (مثل قطر) الولايات المتحدة التصريح باستخدام منشآت عمانية والدخول لمجالاتها الجوية الأربعة في "مصيرة والسيب وثمريت وخصب" التي تطل على مضيق هرمز. وقد أقامت عمان تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومصر. وبالنسبة للسعودية، فهي تسعى إلى توافق في الآراء في مجلس التعاون الخليجي، في إطار المادة رقم (4) من النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، من أجل "الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد داخل كيان واحد" بهدف "ضم جميع قدرات دول مجلس التعاون الخليجي الست وإمكاناتها". بينما ترفض السعودية منح الولايات المتحدة قاعدة عسكرية على أراضيها.

إطارُ أمني للخليج: مشترك أم تعاوني؟

ينبع الإخفاق في تحقيق استقرار ديناميكا الأمن الإقليمي الخليجي من عدم التكافؤ بين القوى الثلاث الكبرى والقوى الإقليمية الصغرى، وبين جميع القوى الإقليمية الخليجية. كما يتأثر ذلك الاستقرار بالأدوار التي تؤديها كل قوة من القوى في المنظمات الإقليمية والدولية، فضلاً عن أن دول مجلس التعاون الخليجي نفسها لم تتوصل إلى توافق في الآراء حول دور الولايات المتحدة في الخليج، أو على التعامل على نحوٍ مشتركٍ مع إيران على مستوى إقليمي متعدد الأطراف. وفي ضوء ذلك، هناك حاجة إلى وضع تصور لهيكل تعاوني عبر إقليمي شامل بديل، كأساس لإقامة روابط تجارية ومصالح سياسية مشتركة بين الدول في الخليج وبين دول الخليج والقوى الخارجية. ويزعم المفكرون المؤسسون الليبراليون الجدد عن حق بأن هياكل التكامل الإقليمي تتيح فرصة زيادة المنفعة للدول الأعضاء عن طريق تقليل تصورات التهديد المشتركة وتعزيز الرفاهية. وبما أن هناك حس قوي من "الوعي الإقليمي والهوية الإقليمية" بين شعوب دول الخليج، وهو ما يتمثل في النظرة الإيجابية بوجود "شعور مشترك بالانتماء لمجتمع إقليمي محدد"، يوجد أساس يُبنى عليه توازن المصالح وتوزان السلطة. ولكن يتعين أولاً معالجة ثلاث عقبات رئيسية في حالة الرغبة في تكوين هيكل تعاوني خليجي عبر إقليمي شامل. أولاً، ينبغي أن تسعى القوتان المهيمنتان في الخليج، وهما السعودية وإيران، إلى تسوية الخلافات الإقليمية من خلال موازنة مصالحهما، وذلك بالتعامل في البداية مع المسائل غير السياسية ثم الانتقال إلى المسائل السياسية الاستراتيجية، وبالتالي تمهيد الطريق لتكوين منصة أمن إقليمي تعاوني. وقد وصلت السعودية وإيران الآن إلى نقطة غير متوقعة من الاتفاق حول دور الولايات المتحدة في منطقة الخليج. فمن جهة، ترى السلطات الإيرانية أن الوجود العسكري الأمريكي يزعزع الأمن وأنه ينبغي للولايات المتحدة الخروج من منطقة الخليج. رفضت السعودية تمركز القوات الأمريكية على أراضيها أو إقامة تدريبات عسكرية مع الولايات المتحدة. وترغب الحكومة السعودية في اتخاذ دور قيادي في أي ترتيب أمني إقليمي، بدون التعامل عن قرب مع الولايات المتحدة. أما إيران فهي تحاول الظهور بمظهر من يضع تدابير بناء الثقة مع جيرانها في الخليج، من أجل التمكن من المشاركة في ترتيب إقليمي تعاوني، والذي ما زال إلى الآن غير ممكن الحدوث بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية. ثانيًا، رؤية تدعو إلى تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. وقد تبنت الولايات المتحدة "سياسة احتواء مزدوج" تجاه كل من إيران والعراق من ثمانينيات القرن الماضي حتى 2003م، وسعت بعدها إلى احتواء إيران من خلال تحالف عربي-سني يغطي دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن. أما إيران، فمن جهتها دعت إلى خروج الولايات المتحدة من منطقة الخليج، وأقامت علاقات وثيقة مع سوريا وروسيا والصين، وأيضًا مع حركات مثل حزب الله وحماس. كما أن هذا الإطار يسعى لاحتواء الدور الأمريكي في المنطقة. وقد أصبح للتكتلات الصدامية وسباقات الأسلحة ثمنها الباهظ ليس فقط بالنسبة لإيران والولايات المتحدة، ولكن على منطقة الشرق الأوسط بأكملها. ثالثًا، ينبغي أن يكون دور الولايات المتحدة، بصفتها دولة خارج منطقة الخليج، بنَّاءً أكثر، وأن تتجنب تقويض إنشاء هيكل أمني إقليمي تعاوني من أجل مصالحها الفردية قصيرة المدى. وبما أنه يوجد حافز مشترك بين جميع دول الخليج والولايات المتحدة للمحافظة على علاقة جغرافية استراتيجية ومالية في سوق الطاقة، فعليهم السعي لدمج أنفسهم – بما في ذلك الشركاء الآخرين خارج المنطقة – في إطار أمني إقليمي تعاوني متعدد المستويات. وينبغي للعراق أيضًا أن يحرص على الانضمام لذلك الهيكل الأمني على نطاق الإقليم، وستشعر دول الخليج غالبًا بالاطمئنان مع صعود أي هيكل أمني تعاوني متعدد المستويات ذي طابع مؤسسي.

ومن أجل بناء الثقة والاعتماد المتبادل بغية تحسين المناخ الذي يمكن أن تُوظَّف فيه المنصات الثنائية ومتعددة الأطراف على نحوٍ أكثر فاعلية في حل الصراعات في الخليج، يلزم إجراء الآتي:

(أ) زيادة قدرة الدول الإقليمية على احترام السيادة الوطنية عند بعضها البعض والتعامل بصورة مشتركة مع التهديدات أمام السلام والاستقرار.

(ب) توفير آلية للحل السلمي للصراعات وتعزيز تدابير بناء الثقة.

(ج) تحديد مجموعة معقولة من المصالح المشتركة في الميادين التجارية والمالية والثقافية والسياسية؛

(د) وضع الإجراءات اللازمة للتعاون الإقليمي من خلال الدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف والمؤسسات المشتركة.

الخلاصة

لا يوجد منطقة في العالم تشترك في عدة خصائص مثل منطقة الخليج، ولكنها في نفس الوقت تفتقر للقدرة الفورية على تكوين تنظيم أمني تعاوني عبر إقليمي متماسك وراسخ. وقد تعرقل التطور الأخير بسبب النزاع على الحدود والسيادة، والخوف من الهيمنة الإيرانية، وتأثير جماعات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية، وتصورات التهديد المتباينة (لا سيما فيما يتعلق بإيران). ولكن في جميع المنظمات تقريبًا (بما في ذلك حتى الهياكل التي تتخطى الصعيد الوطني مثل الاتحاد الأوروبي)، يوجد نموذج تكاملي تعاوني وظيفي يتطلب فهم الخصائص المختلفة بين الجهات الفاعلة، مثل اللغة والثقافات والأنظمة السياسية والاقتصادية. فأوجه التشابه الشديد بين دول مجلس التعاون الخليجي تتمثل في اللغة (تختلف الجذور اللغوية للّغتين العربية والفارسية ولكنهما تستخدمان نفس الأبجدية وتشتركان في بعض المفردات)، واعتناق الدين الإسلامي، والهياكل الاجتماعية والاقتصادية والأنظمة الحكومية المتشابهة، والثقافة المتماثلة والجغرافيا المشتركة. إن توضيح معايير السيادة الاقتصادية والسياسية والعسكرية للدول، من جهة، وتكوين نموذج تكاملي تعاوني وظيفي قوي، من جهة أخرى، سيمهدان الطريق للتوصل إلى منظمة أمنية خليجية تعاونية عبر إقليمية متعددة الأطراف على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ينبغي أن تعتمد منظمة الأمن الخليجي التعاوني عبر الإقليمي على جهود محلية، باستدامة ذاتية، وأن تتضمن مساهمات خارجية كبيرةعلى الهامش. وسيساعد ذلك الهيكل الأمني الشامل في النهاية على خلق توازن بديل من خلال هوية سياسية متكاملة، وسيسهل الاتفاق على فرص التغير الإيجابي، مع الاعتمادية المتبادلة الهادفة بين الدول الإقليمية والدول خارج الإقليم. وقد أظهرت الخبرات الأمنية التعاونية الناجحة أن الأمن لا يتحقق فقط نتيجة التطورات الداخلية التدريجية أو على أساس كل حالة على حدة، ولكنه يستلزم استراتيجية تحالف إقليمي وعبر إقليمي أكثر شمولية، بهدف تكوين هوية إقليمية مشتركة ذات طابع دولي على المدى الطويل، ومتعددة الأطراف، استنادًا إلى الاعتماد المتبادل، وإعادة تعريف دور الجهات الفاعلة الدولية أو عبر الإقليمية، جميعها عناصر أساسية لمنهج أمني تعاوني أوسع نطاقًا لمنطقة الخليج. وينبغي أن تستند تلك الاستراتيجية المزدوجة والمتداخلة للتحالف الإقليمي وعبر الإقليمي إلى حوار أمني متعدد الأطراف وأكثر شمولاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ ورئيس قسم العلاقات الدولية ـ جامعة إيجا ـ تركيا

مجلة آراء حول الخليج