; logged out
الرئيسية / ثلاثة متغيرات في منطقة مجلس التعاون والبدائل الاقتصادية القضية الأهم

العدد 136

ثلاثة متغيرات في منطقة مجلس التعاون والبدائل الاقتصادية القضية الأهم

الخميس، 28 آذار/مارس 2019

من الواضح أن العالم يغادر بسرعة محطة ( النظام العالمي) الموحد والذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية، على تفرعاته، سواء في القطبيتين (الاتحاد السوفيتي ــ أمريكا) أو القطب الواحد (أمريكا) فقط، بعد فترة قصيرة من سقوط الاتحاد السوفيتي، إلى مرحلة جديدة تبينت معالمها منذ فترة، يمكن أن تسمى (السلال الثلاث) وهي أولاً: (القطبية الأورو ـ آسيوية)، التي تُبنى بسرعة، وتقودها روسيا الاتحادية، محاولة منها لسحب دول أوروبا، أو بعضها إلى هذه القطبية، خاصة مع ظهور(التنافر) بين أوروبا والولايات المتحدة في عدد من الملفات الكبرى، ومع التوجه الجديد للترامبية، ومحاولة عزل أمريكا عن حلفائها التقليديين، الذين رصت صفوفهم بعد الحرب العالية الثانية بأثمان باهظة، ثانيًا: القطبية الآسيوية التي تقودها الصين، القادمة بقوة في المجالين التقني والاقتصاديوربما العسكري في وقت لاحق، وهي تبني تحالفات في آسيا على رأسها الهند وباكستان وبعض دول (آسيان) العشرة، وثالثًا: القطبية (الأمريكية). هذه السلال الثلاث تتكون وبسرعة، لتخلق نوعًا جديدًا وغير مسبوق لنظام عالمي جديد. بجانب ذلك نجد أن بعض الدول الإقليمية (ذات القوة المتوسطة) مثل تركيا وإيران، تحاول أن تلتحق بإحدى القبعات الثلاث، فإيران أصبح لها علاقة بالقطبية (الآسيو ــ أوروبية) بقيادة روسيا الاتحادية، وتحاول أن تخلق رأس جسر أوروبي في التحايل على العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهي تستفيد، في توسعها الإقليمي، مستندة على القوة الروسية خاصة في منظومة السلاح والمنظومة الدبلوماسية، فقد أنقذت الأخيرة الأولى أكثر من مرة في مجلس الأمن، من خلال رفض أية إدانة لتدخلاتها في المنطقة، كما تستفيد تركيا من وضع قدم في ( الآسيوية الأوروبية) و القدم الأخرى في (الأمريكية) مع ميل سريع ومتعاظم إلى الأولى، كما تحاول دول الخليج أن تستفيد من القطبية الثلاثية من خلال إقامة علاقات متوازنة في السلال الثلاث، فقد قامت قيادات في كل من السعودية و قطر والكويت والإمارات بزيارات متعددة إلى الدول الآسيوية الكبرى (الصين والهند) وبعض دول (آسيان) في العشرية الأخيرة، من أجل تمتين العلاقات الاقتصادية والثقافية، كما ترتبط بكل من روسيا والولايات المتحدة بعلاقات تاريخية، إلا أن تلك العلاقات في الغالب فردية وليست ( جماعية واستراتيجية) وهذا ما يضعف الموقف الخليجي تجاه السلال الثلاث من جهة وتجاه التحدي الإقليمي من جهة أخرى ..

المتغيرات داخل دول المجلس

هذا الضعف نتج عن عدد من المتغيرات داخل دول المجلس، على رأسها متغيران مهمان، وآخر ثالث غير ظاهر، وهي، أولاً: الإصلاحات الشاملة التي تحدث في المملكة العربية السعودية والتي لها عدة جوانب وهي التطور الاقتصادي (الهائل) والسير قدمًا لتحقيق رؤية 2030 المعلن عنها، والتي تأخذ طريقها للتنفيذ حاليًا، والاصلاحات الاجتماعية من خلال تمكين المرأة وتسهيل وسائل الترفيه والتغيير الجذري الإيجابي في تطوير الإدارة، وهذا يجعل من الدولة الخليجية الأكبر مهتمة بالكثير من الأولويات المهمة التي تهدف إلى تحسين الأداء وتنويع الاقتصاد وتنفيذ برامج حضارية كبرى، والمتغير الثاني فهو (الخلاف الخليجي ـ القطري) طبعًا ومصر [1]. إلا أن المتغير الهام (الثالث) وغير الظاهر، فهو (احتمال العسرة) في المنظومة الخليجية، أي تسارع احتمال عدم القدرة على الوفاء بما عرف حتى الآن بمطالب (دولة الرفاه)، إلا أن المتابع سوف يلاحظ أن القضية المخفية في مسيرة الإصلاح الخليجي، هي إيجاد بدائل اقتصادية وهي القضية الأهم في مواجهة التحدي، وعليه من الضروري إيجاد بدائل للنفط. الفكرة ليست جديدة على المشتغلين بالتفكير من أبناء دول مجلس التعاون، فهناك نخب، على الأقل في العقود الأربعة السابقة، ظلت تنادي بالنظر الجدي لمرحلة ما بعد (عصر النفط) التي هي قادمة لا شك، وكان الاعتماد على النفط فترة ليست قصيرة من الزمن، قد أقعد المجتمعات عن التطور الطبيعي الذي كان يجب أن تمر به للتحول المرن في اقتصادها ومجتمعاتها، والذي اتخذ شكلاً هجينًا من الاقتصاد الاشتراكي في التوزيع ـ وخلق الاتكالية ـ والرأس مالي في الإنتاج، وحتى يصل متخذ القرار إلى أهمية تغيير المسار، وإلى أن أصبح القرار ضروريا، أخذ وقتًا طويلاً بسبب (ملابسات اليويو النفطي/ انخفاض ـ ارتفاع الأسعار الدورية) الذي راوح في رؤية متخذ القرار بين البدأ أو التريث، للقيام بإصلاحات، أما اليوم حيث بدأت ميزانيات بعض الدول تشهد عجزًا متناميًا، كما تراجع الائتمان الدولي لاقتصاداتها ووصل الأمر تقريبًا إلى جيوب الناس العاديين لذلك أصبح الأمر فرض عين، لأن دعم ( الأمن الإقليمي) يحتاج لحفظه أول ما يحتاج إلى رأسمال بشري مدرب، فبدونه يصبح الأمن هشًا وغير فعال.

القٌطبة المخفية في هذا النقاش هي موقع التعليم والتدريب أو ما يسمى الاستثمار في رأس المال البشري في تلك الخطط والرؤى الاقتصادية المستقبلية ودعم الأمن الإقليمي، دون وضع (إصلاح التعليم في قلب تلك الخطط فلن تؤتي أُكلها). لا ينكر أحد أن العقود الخمسة الماضية في تاريخ الخليج خلقت شيئًا يمكن أن يقال له (ثورة صامتة في التعليم) إلا أن هذه الثورة تركزت في الغالب على الكم، وافتقدت في كثير منها للكيف والنوعية. فلم تتمكن هذه المجتمعات، بشكل جماعي وواعي من الوصول إلى (القفزة النوعية) التي تم مثلها في بلدان أخرى مثل سنغافورة أو ماليزيا أو حتى فيتنام مؤخرًا. السياق الاجتماعي\ السياسي\ الثقافي في هذه المجتمعات لم يسمح بتلك القفزة النوعية المبتغاة، بسبب نوعية الممارسات الاقتصادية التي يمكن أن تسمى اشترا ـ مالية أي (اشتراكية / رأسمالية) التي خلقت نوعًا من الأداء الحكومي المتكاسل، وفرصًا كبيرة لتفشي أنواع من الفساد، والاعتماد على الدولة في التوظيف، وقد وسع كل ذلك الفجوة بين التعليم والتنمية، ولا زال الكثير من تلك العناصر في الثقافة الشعبية عالقًا، مما قد يعطل أي طموح لتحقيق القفزة النوعية المرتجاة، والسبب التراخي في فهم أهمية التعليم في المنظومة التنموية [2]. لقد زاد على ذلك في (المتغيرات الثلاثة ومعوقاتها) الخلاف بين منظومة دول مجلس التعاون والذي يسمى (الخلاف القطري) وله أكثر من تسمية[3]

 

الخلاف الخليجي

 

الخلاف بين دول الخليج ليس جديدًا، فهو قديم، قدم المنازعات القبلية، وكان في السابق يستخدم (رأس المال الاجتماعي) لحل تلك المنازعات، وحتى فترة متأخرة، وما يعنيه (رأس المال الاجتماعي) هو أن تستخدم (العلاقات القبلية التقليدية) لحل الخلافات الناتجة، يحدثنا الأستاذ عبد الله بشارة[4]عن كيفية حل الخلاف بين قطر والسعودية بعد حادثة (الخفوس)[5] ويقول بشارة إن أمير قطر وقتها، الشيخ خليفة بن حمد عندما وصل إلى أبو ظبي (مقر القمة) قال له، هل يمكن أن يسير القبطان ولديه ستة بحارة بخمسة فقط[6]!

استقرت معظم الكتابات على تعريف ما اصطلح إعلاميًا وسياسيًا على تسميته بـ (أزمة الخليج، أو الأزمة القطرية) على إنها خلاف سياسي حاد بين أربع دول، هي مصر، والمملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، ودولة الإمارات (ثلاث منها في منظومة مجلس التعاون) من جهة، وبين دولة قطر من جهة أخرى، التي هي أيضًا في نفس المنظومة الخليجية، وتتعدد قراءة أسباب الأزمة من تنظير بالغ البعد وضارب في التحليل غير الواقعي، وبين تبسيط ظاهري. في التنظير المتُخيل نجد أن أحد الذين يعتقد أنهم من (جماعة الإخوان) والعامل في أحد المؤسسات القطرية، يذهب إلى القول أن الأزمة (صراع بين الثورة المضادة للربيع العربي، وبين المدافعين عن ثورة الربيع)[7]، هنا (الثورة المضادة تعني الدول الأربع) والمدافع عن الثورة يعني (قطر)! يذهب الكاتب للقول ( انتقال قوى الثورة المضادة وظهيرها الدولي ( الولايات المتحدة) إلى محاولة تغيير القيادات في المعسكر المقابل) هو المثال الواضح ويضرب مثلا بمحاولة ( الانقلاب في تركيا \ يوليو 2015م) و ( محاولة الانقلاب في الدوحة \ مايو 2017م) [8]على إنها أعمال ترمي إلى تاكيد مسار ( الثورة المضادة)، قد يكون هذا التنظير مقبولاً بارتياح لدى الجانب القطري والإخواني، ويسهل عليه نسبيًا السير في نفس التوجه الذي اتخذه على أساس ( مبدئي)،ولكن ذلك التحليل هو افتراضي وعاطفي وبعيدًا عن أرض الواقع، أما التحليل التبسيطي يذهب للقول، إن الأزمة هي ( سحابة صيف) يمكن أن تمر بأقل الأضرار على الجميع، ولكنها أيضًا ليست كذلك، فهي أزمة حقيقية، وسوف تكون لها نتائج عميقة على النسيج الاجتماعي \ الاقتصادي\ السياسي لدول الخليج على الأقل لفترة قد تطول، وقد تتطور إلى ما أسماه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد إلى ( ما لا يحمد عقباه). وهي بكل المقاييس أزمة جذرية عميقة تقف أمامها النخبة الخليجية المستنيرة موقف (القلق) الممزوج بالانزعاج خوفًا على بقاء واستمرار هذه المجتمعات كما هي اليوم، وكما تجمع من حولها مجموعة من (الطفيليات) التي تتكاثر كلما طالت الأزمة ومستفيدة منها، كما تعطل بشكل واضح مسيرة مجلس التعاون وتستنزف الطاقات والأموال، وتعرض الأمن الإقليمي لمخاطر حقيقية.

أسباب الأزمة الحالية

الأزمة ليست جديدة أو وليدة اللحظة، بل هي قديمة، ربما قدم وصول الشيخ حمد بن خليفة إلى الحكم على الأقل بعد عزل والده الشيخ خليفة بن حمد في 27 يونيو 1995م، أو حتى قبل ذلك [9] وكان الافتراض في الخليج بعد خروج السلطة البريطانية منه في عام 1971م، أن يُحافظ على القائم من الحكام، وألا يسعى أحد من العائلات الحاكمة للتغير شبه العنيف فيما بين الأسر الحاكمة، حتى لا تتسبب في إثارة الصراع ( التقليدي) بين أعضاء تلك الأسر ، والذي كان شبه دوري قبل استباب الأمن الذي فرضته السلطة البريطانية لأكثر من قرن، في حوض الخليج العربي. رفض التغيير حتى بين ( الوالد والولد)، خاصة أن حمد بن خليفة، كان ولي العهد والمتحكم تقريبًا في كل شؤون دولة قطر وقتها، شعور الحكم في قطر بعدم الترحيب به، ومحاولة الوالد خليفة بن حمد أو مناصريه وربما بتشجيع من عواصم أخرى من أجل عودته إلى الحكم، وتنقله بين عواصم الخليج، في ما سمي لاحقًا من الجانب القطري (بالانقلاب الفاشل، فبراير 1996م) الذي اتهمت الدوحة بعض أبناء القبائل القطرية وضمنا بعض القوى الخليجية أنهم وراءه ، سبب ذلك ردة فعل سلبية في الدوحة، نتج عنها خليط من الهواجس والمخاوف على الأمن الوطني القطري، وترافقت مع شخصية حمد بن خليفة ( الساعية إلى التغيير والاختلاف) أو نتج عنها عاملان على الأقل، أحدهما اقتصادي، من خلال تبني الحكم الجديد في قطر ( تنمية انفجارية) في كل المجالات الاقتصادية والثقافية، وفي البنى التحتية القطرية، مما جعل مواطني قطر بعد سنوات قليلة يحوزون على (أعلى متوسط دخل ربما في العالم)[10] والثاني سياسي، من خلال عدد من الخطوات التي اتخذها الشيخ حمد بن خليفة، وهي خطوات سياسية، تبدوا للبعض متناقضة، فمن جهة بدا أنه يحتضن الإخوان المسلمين، ومن جهة أخرى كان لبعض قوى اليسار العربي مكانًا في الدوحة أيضًا، كلا التوجهين ( الإخوان) و (اليسار) لهما أجندات متناقضة، ولكنهما يشتركان في رفض معظم الواقع العربي القائم[11]، شارك في هذا المنحى، شخصية حمد بن خليفة، التي اتجهت إلى التوسط في كل القضايا العربية الخلافية، من لبنان إلى السودان إلى غيرها، حتى وصلت إلى البحرين، ساعد في ذلك الثروة الضخمة التي توفرت لقطر من تصدير الغاز والنفط، فأقامت قطر أدوات ( ضاربة) لتنفيذ تلك السياسة الخارجية المزدوجة، منها ( إنشاء محطة الجزيرة التلفزيونية) التي توجهت لفتح ملفات سياسية خطيرة لدى البلاد العربية، ولكن ليس عرض مشكلات قطر! إضافة إلى أذرع إعلامية مختلفة ( صحف و ندوات ) في الداخل والخارج، تكفل بها مجموعات ( اليسار العربي) وأيضًا ( الإخوان) بجانب الاتفاق مع الولايات المتحدة لتقديم ( قاعدة عسكرية مدفوعة تكاليف الإنشاء) [12]، كما اجتهدت قطر أن تكون ( صندوق بريد) بين القوى المتشددة ،التي انتشرت في العقد الأخير من القرن العشرين، والأول من القرن الواحد و العشرين في مجمل الشرق الإسلامي (القاعدة وطالبان) وبين الأجهزة الأمريكية، مستخدمة قدرة الجزيرة على الاتصال، وحاجة المتشددين للإعلام، مما مكن الأجهزة الأمريكية من الاطلاع على تفاصيل كان من الصعب الحصول عليها[13]،   كما لم تتردد الدوحة بالاتصال بإسرائيل، ودعوة بعض مسؤوليها لحضور مناسبات نقاشية في الدوحة، فكان يتواجد في قطر ممثلين لحماس وفي الوقت نفسه تقوم تسيبي ليفني ( وزيرة خارجية إسرائيل) بالاشتراك في ندوة، لا يبعد مكانها إلا بضع كيلومترات عن مكاتب حماس! وعلى مدى سنوات نظمت قطر ندوة سنوية عالمية تحت عنوان (الديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة) ولكنها لم تحقق (الديمقراطي) الداخلية، عدى مجلس معين له صلاحيات محدودة! وهناك الكثير من الوثائق والكتابات حول الدور القطري النشط، والذي يراه البعض معطل لدور إقليمي موحد تجاه القضايا الكبرى.[14]

 

الأمن الإقليمي الخليجي الواقع والمحتمل

 

أمام تعقيدات (الملف القطري) و(الحرب في اليمن) و( الحرائق السياسية في كل من العراق و سوريا ولبنان) فإن الأمن الإقليمي مهدد، خاصة من ( الجار الإيراني) والذي لا يخفي طموحه في التوسع و ( تصدير الثورة)، والمواقف ( المعادية) لتركيا تجاه المنطقة [15] وتردد واضح وغير مفهوم من الإدارة الأمريكية، يتوجه الجسم الخليجي (في معظمه إلى الشرق، وقد قام عدد من القادة بزيارات رسمية إلى دول الشرق (الصين والهند) في أوقات مختلفة، إلا أن هذا التوجه إلى الشرق يبدو توجهات فردية، فأي احادي وغير استراتيجي، إلا أنه ضروري، حيث أن التحديات مجتمعة تدفع هذه الدول للبحث عن شركاء جادون وعلاقات طويلة الأمد، دون هزات تذكر. التجربة مع الغرب أوصلت دول الخليج إلى منطقة (ألا يقين) تجاه تذبذب تلك السياسات، وخضوعها للشعبوية والانفعالية، لذلك لا يمكن الركون لها في مدى متوسط أو طويل، بجانب توقعات العملقة للاقتصادين الهندي والصيني، التي تقول كثير من المؤشرات أنهما سوف يتفوقان على أكبر اقتصاديات العالم اليوم. التوسع في فرص العمل لمواطني الخليج أصبح هَمًا مقيمًا لدوله، مع الزيادة الملحوظة في السكان، وأغلبهم من الشباب، الذين سوف يدخلون في سوق العمل في السنوات القليلة القادمة بأعداد كبيرة، والذي ليس من المتوقع أن تستوعبهم سياسات التوظيف الحكومي الحالية. فمعظم دول الخليج تراجع السياسات التي اتبعت منذ منتصف القرن الماضي، وهي سياسات في الغالب اعتمدت على ما يمكن أن يسمى (مجتمع الرفاه) بسبب الأموال المحصلة من تسويق النفط والغاز، كما أن مصادر الطاقة العالمية تتغير، وتوظف بدائل لها، كما أنها تخضع لضغوط المناخ والبيئة، فإن مراجعة تلك السياسات أصبحت أكثر من ضرورة ، بل هي طوق نجاة للمجتمع، وتبدأ بمراجعة السياسات الاقتصادية، ولا تنتهي بمراجعة السياسات التربوية والتعليمية و تمكين المرأة كمواطن، كل ذلك أصبحت مطالب ملحة لدول الخليج ومجتمعاتها اليوم، إلى آخر متطلبات التنمية الحديثة. التوجه شرقًا يعني أيضًا استقلالية السياسة الخارجية الخليجية من الضغوط التي تعرضت لها من دول الغرب مؤخرًا، فالغرب ينسحب مما التزم به أخلاقيًا منذ الحرب العالمية الثانية، ويقدم ما يحقق مصالحه، قبل ما يُرسخ مبادئه، كما أن نظريات النمو التي بشر بها وصل كثير منها إلى الفشل، واضطر أمام ذلك لمحاولة تغيير أسس العقد الاجتماعي المحلي والدولي، وهو بذلك أضعف من مصداقيته في الوقت الذي بدأ الشرق يفرض نظرية أخرى في التنمية، تعتمد تاسيسًا لمجتمع علمي، والتقدم إلى العدالة الاجتماعية. جزء من ادارة الاحتمالات الاقتصادية هو التوجه إلى الشرق، ولكن ليس كلها، فهناك عمل لا بد من القيام به في الداخل الخليجي، واليوم أمامه معوقات ربما أكبرها يتمثل في القصور في إدارة (أزمة الفُرقة الخليجية) والتي مع استمراها تخلق ماكينزماتها السلبية، ويبني عليها البعض مصالح (طفيلية)، قد تتحول مع الزمن من مؤقته إلى دائمة، تعطل من المسيرة التنموية المشتركة، وتضعف المناعة[16].كما أن فاعلية مجلس التعاون بسبب الأزمة القطرية هو اليوم في حده الأدنى.

ما العمل؟

يرى بعض المشتغلين بالشأن الإقليمي في الكويت على سبيل المثال، أن الوقت قد حان ( لحسم الأمر) حيث إطالة المسألة القطرية مضرة بالمنظومة بشكل كبير، ومن هنا فإن (حديث الكواليس) يتوجه إلى العمل العلني بأن يسير المجلس بـخمسة بحارة بدلا من ستة، وإن اقتضى الأمر حتى بأربعة !، لان التحدي الاستراتيجي هائل، كما أن الإصلاح الداخلي مطلوب ومستعجل، أما ترك الأمور كما هي فذلك يعرض أمن الإقليم إلى الانكشاف الحاد ، فالضغوط السياسية والاقتصادية والإصلاحية الداخلية ، كما ضغوط العسرة المالية المتوقع و شراهة اللاعبين الاقليمين وتراجع القوى الكبرى التقليدية تحتم على دول الخليج أن (تقلع شوكها بأيديها) وذلك لن يتأتى في ظل الخلافات وسياسية ( النكاية) البادية اليوم في العلاقات الخليجية البينية . بتفرق قوة (المنظومة الخليجية) وعدم قدرتها على لم الشمل، تتعرض الدول إلى مخاطر ضخمة، ولذلك فإن الحديث الواضح والمحدد والإشارة إلى مناطق الضعف، وتحويل العلاقات من (الرأسمال الاجتماعي) والذي هو عادة بطيء ولا يصمد طويلاً، إلى رأسمال مؤسسي، قائم على قواعد صلبة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*مفكر سياسي ومدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية ـ جامعة الكويت

 

 

 

[1] سوف يركز المقال على الخلاف في البيت الخليجي لان مصر ربما تكون متضررة من بعض سياسات الدوحة، الا انها ليست عضوا في مجلس التعاون.

[2] انظر في ذلك مقال الكاتب في الشرق الاوسط   المنشور بتاريخ 18 يونيو 2016 م، تحت عنوان (القطبة المخفية في مشروع الاصلاحات الخليجية)

[3] تسميه قطر (حصار) ويسمى من قبل الدول الثلاث (مقاطعة)!

[4] يوميات الامين العام لمجلس التعاون الخليجي 1981 \ 1993م، (كتاب) المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية \ الكويت   2004

[5] منظقة صحراوية بين قطر والمملكة العربية السعودية قتل فييها ضابط سعودي و كان ذلك في 30 سبتمبر 1992

[6] قالها بللهجة الخليجية كما ينقل الاستاذ يشارة ( هل تسير السفينة   بخمس يزوى ( بحارة) ولديه ستة يزوى !

[7]محمد الشنقيطي (استاذ الاخلاق السياسية) باحث في كلية قطر للدراسات الإسلامية، وقد نشر عدد من المقاتلات في هذا الموضوع على حساب الجزيرة نت الالكتروني

[8]تاريخ الاعلان من الدول الاربع مقاطعة الدوحة و تقديم طلبات واجبة التنفيذ في السياسيات من قبلها

[9]نشرت الكاتبة أمل عبد العزيز الهزاني في جريدة الشرق الاوسط 22 اغسطس 2017 مقال ذهبت فيه الى ان الشيخ حليفة بن حمد ال ثاني بعد تنحية ابن عمه عن الحكم احمد بن على ( 22 فبراير 1972) ان الاول قابل الملك فيصل بن عبد العزيز ، وطلب منه الاخير ان يعين سحيم بن حمد ( اخ خليفة) كولي للعهد،و لم يلتزم بالوعد، و عين ابنه حمد بن خليفة ، مما شكل ( عقدة) على راي الكاتبة لدى حمد بن خليفة تجاه السعودية ( لم يجد الكاتب مصادر اخرى تؤكد تلك الفكرة)

[10]متوسط الدخل المرتفع لا يعني توزيع عادل للثروة او ارتفاع في الدخل للجميع ،انما هو متوسط حسابي، الا انه في عام 2010 دخلت قطر في قائمة الدول العشرون الاعلى متوسطا للدحل في العالم .

[11]للتدليل على اختلاف الاجندة بين اليسار والاخوان ، المحموعات التي ترعاها قطر ، انظر جريدة العربي الجديد ، الحمعة 18 اغسطس 2017 وقد تشرت مقال انتقادي حاد حول تخريب حركة الاخوان في سوريا للثورة السورية ! بشير البكر ( الاخوان والثورة السورية) ص 15 ، وكذلك الهجوم اللاذع على الادارة الجديدة في الولايات المتحدة، الذي ظهر في الصحيفة في اكثر من مقال !

[12]كان الامريكان يشكون من دول الخليج انهم يريدون حماية امريكية، ولكن من خلف الافق Over the Horizon اي دون التواجد على الارض!

[13]لعل كتاب يسري فودة (الذي كان صحفيا في الجزيرة) ونشره بعد تركها بعنوان ( في طريق الاذى) من معاقل القاعدة الى حواضن داعش، ( دار الشروف 2014 ) و متوفر على النت ، بقدم حسب ما يُوصف فكرة عن نقل المعلومات ( الجهادية) من الدوحة الى الامريكان !

[14] انظر في ذلك المقابلة المطولة التي نشرتها ( الاندبندت العرب) مع الامير بندر بن سلطان ، ونشرت على النت ايضا، وفيها الكثير من الواقائع والاسرار حول الدور القطري الذي قامت به الدوحة في الكثرير من الملفات ( وهي ماقبلة مهمة )

[15] تصريح اردوغان في 24 فباير 2019م،   ضد مصر ، و هي رسالة مبطنة لدول الخليج المتخالفة مع مصر !

[16] انظر محمد الرميحي ( الخليج التوجه شرقا) جريدة الشرق الاوسط 23 فبراير 2019

مجلة آراء حول الخليج