; logged out
الرئيسية / دول الخليج ضابط إيقاع استقرار المنطقة في ظل تحولات ما بـعد «الربيع العربي»

العدد 136

دول الخليج ضابط إيقاع استقرار المنطقة في ظل تحولات ما بـعد «الربيع العربي»

الأحد، 31 آذار/مارس 2019

إحدى المقولات المقتبسة التي تعبر عن تشخيص دقيق للتحولات التي تعيشها المنطقة اليوم، هي ملاحظة هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومستشار الأمن القومي، في كتابه المعنون بـ"النظام العالمي" تأملات في شخصية الأمم ومسار التاريخ" والذي يعالج فيه معركة البقاء بين الأمم، يقول كيسنجر "أن الشرق الأوسط يعيش نزاعًا يشبه النزاعات التي واجهتها أوروبا في القرن التاسع عشر من حروب دينية، نتيجة انهيار الدولة وتحويل أراضيها لقاعدة للإرهاب، وتهريب السلاح نتيجة تفكك الدولة الذي سيؤدي إلى تفكك النظام الإقليمي والدولي". فاللافت أن منطقة الشرق الأوسط كانت في مأمن ومنأى من العمليات الإرهابية خلال فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات وكذلك بداية الألفية، وكانت معظم العمليات الإرهابية تتركز في أوروبا وأمريكا، إلا أن الأحداث العربية التي جاءت محملة بشعارات الديمقراطية والحرية وكثير من الشعارات البراقة، واجتاحت دولا كثيرة في الشرق الأوسط منذ أواخر عام 2010م، وأسقطت أنظمة حكمها، ابتداءً من تونس بعد حادثة إشعال النار في جسد (محمد البوعزيزي) مرورًا بمِصْر وليبيا وانتهاءً باليمن وسوريا، قادت إلى هدم وإسقاط أنظمة قديمة وتفكيك بناها السياسية والاجتماعية، وفي ظل غياب البديل الجاهز لقيادة المجتمع، اتجهت الأمور إلى حالة من الفوضى العارمة وأصيبت المؤسسة العسكرية بشقيها، الجيش والأمن، بفقدان السيطرة على الأوضاع الأمنية وعدم القدرة على احتواء الفوضى الجماهيرية وما نجم عنها من اضطرابات ومظاهرات، مما انعكس بدورة في فقدان القوى السياسية القدرة على تسوية العملية السياسية وآليات الحكم في البلاد. وأصبحت البيئة مناسبة لتكوين جماعات إرهابية والتعاون مع جهات أجنبية مغرضة وكذلك التعاون مع تنظيمات إرهابية بالخارج. فالأحداث العربية أسهمت في إعادة تشكيل ظاهرة الإرهاب، وبدأت مؤشرات الهجمات الإرهابية تأخذ مؤشرًا تصاعديًا في منطقة الشرق الأوسط. فبناء على مؤشرات الإرهاب العالمي لعالم (2012 -2018م) الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام ـ مقره أمريكا وأستراليا ـ أن 6 دول في الشرق الأوسط تأخذ نصيب الأسد من الهجمات الإرهابية، هي العراق، سوريا، اليمن، الصومال، وليبيا. وبناء على المؤشر فإن المنطقة شهدت ارتفاعًا في عدد الهجمات الإرهابية وضحاياها، حيث تم تنفيذ 70% من الحوادث الإرهابية العالمية في المنطقة، ووصل عدد الوفيات الناتجة عنها ما يزيد عن 44% من إجمالي الوفيات عالميًّا.

وتربط دراسة لمعهد "جين" المتخصص في دراسات حول الإرهاب والعمليات المسلحة -IHS Jane’s Terrorism and Insurgency Centre بين النتائج التي أفضى إليها «الربيع العربي» ومستقبل الإرهاب والعمليات المسلحة على المنطقة. حيث يقول مدير المعهد وأحد معدي الدراسة ماثيو هينمان إنه " في العام 2009م، تم تسجيل ما مجموعه 7.217 من الهجمات في جميع أنحاء العالم. وفي عام 2013م، ارتفع هذا العدد بنسبة أكثر من 150 % ليصل الى 18.524 هجمة". وبالتالي هناك ارتفاع حاد طرأ على وتيرة الإرهاب والعمليات المسلحة بعد الأحداث العربية. وعليه أصبحت المنطقة واجهة رئيسية للإرهاب، تهدد الأمن والسلام وتعرض الاستقرار للخطر. وترجع أسباب ارتفاع وتيرة الإرهاب والعمليات المسلحة بعد الأحداث العربية إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

  1. عدم الاستقرار السياسي

 

وفقًا لتقارير مؤشر السلام العالمي Global Peace Index لمعهد الاقتصاد والسلام والمبني على عدة مؤشرات من ضمنها مؤشر عدم الاستقرار السياسي، ارتفعت درجة عدم الاستقرار السياسي لكثير من دول الربيع العربي. فعلى سبيل المثال جرى تصنيف مصر في المركز (143) من جملة (162) دولة في عام 2014م، بعد أن كانت في المركز (52) عام 2010م. أما ليبيا فتصنيفها في المركز (133) عام 2014م، بعد أن كانت في المركز (52) عام 2010م. أما اليمن فقد جاءت في المركز (147) عام 2014م، بعد أن كانت في المركز (133) 2010م. أما تونس جاءت في المركز (79) عام 2014م، بعد أن كانت في المركز (37) عام 2010م، فكلما زادت درجة عدم الاستقرار السياسي في المجتمع زاد على أثره الصراع الداخلي في الدولة وبالتالي زادت وتيرة العمليات الإرهابية. فالتنظيمات الإرهابية تحتاج إلى بيئة مضطربة، مفككة، متنازعة، غير مستقرة سياسيًا، لكي تدبر وتخطط وتدرب. فالبيئة التي ينعدم فيها النظام أو يضعف هي البيئة الجاذبة للعناصر المتطرفة واستيرادهم من الداخل أو تلك التي تقدم من الخارج ومن ثم توجيههم إلى مناطق أخرى مضطربة. وهذا ما شهدته الساحة الليبية والعراقية والسورية واليمنية والمصرية. وعليه فالعلاقة وثيقة بين الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي.

  1. ضعف مؤسسات الدولة

 

يقول فرانسيس فوكوياما أحد أهم الفلاسفة والمفكرين الأمريكيين المعاصرين، فضلاً عن كونه أستاذًا للاقتصاد السياسي الدولي في كتابة "بــنـاء الــدولـة الحكم والنظام العالمي في القرن الواحد والعشري" أن جوهر الدولة هو في مقدرتها على فرض قرارها بالقوة. هذه القوة هي التي تسمى الآن بـ "القوة المؤسسية". فعدم قدرة دول ما يسمى بالربيع على فرض سلطتها، رسخ الترهل في مؤسساتها السياسية والأمنية، ومن ثم انعدام الثقة بالدولة وسلطاتها، وبالتالي نشأت ولاءات دون الدولة، ولاءات قبلية أو طائفية لأن الفرد شعر أن الدولة لا تستطيع توفير الأمن له فلجأ إلى القبيلة أو الطائفة. هذا الانتماء إلى هويات (ما دون الدولة) أدى إلى إضعاف وتفكك الدولة، وبالتالي تحولت إلى أرض خصبة للجماعات الإرهابية والجهادية المتطرفة، كما هو الحال في ليبيا واليمن والعراق وسوريا. ففي ظل غياب الجيش والشرطة وانتشار السلاح تشكلت مليشيات إرهابية (الحوثيين في اليمن، داعش في سوريا والعراق والتكفير والجهاد في مصر وأنصار الشريعة في ليبيا) التي استغلت الفراغ الأمني فاغتصبوا مهام الدولة وشلوا مؤسساتها. وبسبب ضعف الدولة وعدم قدرتها على الضغط على مصادر تمويل هذه المليشيات تحولت الأخيرة من مجرد جماعة أو تنظيم صغير إلى دولة داخل الدولة باستقلال كامل للموارد والسلاح والتنظيم مما أثر سلبًا على المستوى الأمني والسياسي للدولة. فلولا ضعف مؤسسات الدولة لما استطاعت هذه المليشيات التمدد عموديًا وافقيًا في مؤسسات الدولة وشل قدرتها وزادت قدرتها التنظيمية من خلال العمل العسكري أو اللوجستي.

  1. التدخل الخارجي

 

عدم الاستقرار السياسي والترهل المؤسسي أعطى الشرعية والمبرر لشرعنة التدخل الخارجي وفتح الأبواب لتنافس القوى الإقليمية على التدخل في الدولة وإرسال الأسلحة والأموال والدعم اللوجيستي للجماعات التي تخدم مصالحها. فسوريا خير مثال على تحولها إلى مسرح للتنافس الإقليمي والدولي لتحقيق وحماية مصالحه. وأيضًا دعمت إيران الحوثيين في اليمن. فبعد الاحتجاجات في اليمن 2011م والإعلان عن المبادرة الخليجية بدأت عملية الاستقطاب والتجنيد للمشروع الإيراني في اليمن بشكل أكثر وضوحًا، وذلك عبر خلايا التجسس المرتبطة مباشرة بمركز قيادة ويشرف عليها ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني والتي تهدف من خلالها إلى تقوية الدعم للتمرد الحوثي الشيعي في شمال البلاد وتزويده بالأسلحة ، أو عن طريق تجنيد شباب وناشطين وتسفيرهم خارج اليمن تحت لافتة إقامة مؤتمرات وورش عمل يستدعى لها ناشطين من الشباب والأكاديميين ومشايخ القبائل للحضور إلى بيروت أو طهران أو دمشق، وكان في كل مرة يتم اختيار مجموعة منهم وتأهيلهم من خلال دورات إعلامية أو أمنية أو عسكرية أو سياسية.

«حدائق وسط الحرائق»

لخص معالي الدكتور عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، خلال كلمته التي ألقاها في منتدى الدبلوماسية العامة والاتصال الحكومي الذي ينظمه المكتب الإعلامي لحكومة دبي، الواقع الذي نعيشه اليوم بأقل العبارات عددًا وأكثرها وضوحًا، فقال: «إن دول مجلس التعاون تشبه اليوم حدائق في وسط حرائق»، وهو أن دول الخليج أصبحت «مُصدِّرة» للاستقرار للمنطقة والعالم بجعله عالمًا أفضل للجميع. وعلى الرغم من أن هذا الوصف يجمل الوضع الجيوسياسي الحالي وتحدياته الكبرى، وأن دول الخليج تمتعت باستقرار نسبي على مؤشر الإرهاب العالمي لسنوات طويلة، إلا أن الأحداث العربية انعكست على أمن واستقرار دول الخليج وإن كانت بنسب متفاوتة. فبناء على قاعدة البيانات العالمية لرصد الإرهاب (START) من (2012-2015م)، فقد شهدت السعودية أكثر من 129 عملية إرهابية خلال هذه الفترة، وكان عام 2015م، قد سجل أعلى مستويات الإرهاب التي تشهدها المملكة منذ عام 2000م، والذي تزامن مع إعلان قيام تنظيم داعش الإرهابي في يونيو 2014م، حيث شهدت 48 هجومًا إرهابيًّا أسفر عن مقتل 107 أشخاص، والذي يمثل ارتفاعًا يُقدر بحوالي ستة أضعاف في الوفيات الناتجة عن عمليات إرهابية مقارنة بعام 2014م. أما البحرين فسبب تصعيد أحداث العنف الطائفي التي انطلقت في فبراير 2011 م، وتأجيجها من قبل إيران وحلفائها في العراق ولبنان، فقد شهدت البحرين 26 عملية إرهابية في عام 2012م. وفي عام 2013م، زاد عدد العمليات إلى 52 عملية إرهابية، إلا أنه انخفض هذا العدد عام 2014م، إلى 41 عملية. وفي عام 2015م، انخفض معدل العمليات إلى 18 عملية إرهابية. فيما تمتعت باقي دول الخليج بقدر عالٍ من الاستقرار، ولم تشهد إلا عملية أو عمليتين إرهابيتين على الأكثر خلال هذه الفترة. أما عمان فلم تشهد أي عملية إرهابية منذ عام 2012 م، إلى عام 2015م، واستمتعت باستقرار نسبي.

مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2016م، الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام، في سيدني الأسترالية، وتم نشره في نوفمبر 2016م، وهو يعتمد بشكل أساسي على بيانات من قاعدة بيانات الإرهاب العالمي (START)، أوضح أن دول الخليج شهدت ارتفاعًا نسبيًا في المؤشر، فالسعودية حصلت على المرتبة 32 عالميًّا بدرجة 5.404 من 10 في درجة خطر الإرهاب، لعام 2016م، بعد أن كانت في المرتبة الـ 42 عالميًّا بدرجة 4.006 من 10 في مؤشر لعام 2015 م، مسجلة بذلك ارتفاعًا يُقدر بحوالي ستة أضعاف في الوفيات الناتجة عن عمليات إرهابية مقارنة بعام 2014م، حيث شهدت 48 هجومًا إرهابيًّا أسفر عن مقتل 107 أشخاص، وكان ذلك من أعلى مستويات الإرهاب التي تشهدها المملكة منذ عام 2000م. وبالنسبة للكويت فقد حصلت على المرتبة 37 بدرجة 4.449 من 10 في درجة خطر الإرهاب، في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2016م، بعد أن كانت في المرتبة الـ 122 بدرجة 0.019 لعام 2015م، مسجلا بذلك ارتفاعًا يُقدر بحوالي 10% مقارنة بالعام الماضي. وبالنسبة للبحرين فقد حصلت على المرتبة 44 بدرجة 4.206 من 10 في درجة خطر الإرهاب، لعام 2016م، بعد أن كانت في المرتبة الـ 30 بدرجة 4.871 في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2015م، مسجلا بذلك انخفاضًا يُقدر 0.665 مقارنة بالعام الماضي. فيما تمتعت باقي دول الخليج بقدر عالٍ من الاستقرار، حيث حصلت سلطنة عمان على صفر، وحصلت قطر على 0.23، كما حصلت الإمارات على نسب مقاربة حيث حققت 0.422.

وبالتالي ظاهرة الإرهاب لم تعد ظاهرة محصورة بحدود دولة وداخل النطاقات التقليدية للدول أو في منطقة معينه بل تجاوزت الحدود، وأصبح العالم كله داخل خارطة التهديدات الإرهابية العابرة للحدود. وتحولت هذه التطورات لظاهرة الإرهاب العابر للحدود من مجرد تهديد محتمل للدول ليصبح خطرًا حقيقيًا وواقعيًا يستوجب التنسيق الدولي للتصدي له. كما لا بد من تفعيل الجانب الأمني والسياسي أكثر من الجانب العسكري. فبناءً على تقارير مؤشرات الإرهاب العالمي أن ما بين عامي 1968 و2006م، سبعة في المائة فقط من المنظمات الإرهابية تم القضاء عليها من خلال العمليات العسكرية، في حين أن 83 % من هذه المنظمات تم القضاء عليها من خلال الجهود الاستخباراتية ومن خلال العمليات السياسية.

دول الخليج: حتمية التعاون لاستدامة الأمن والرفاه

منذ انعقاد القمة الخليجية الأولى في أبوظبي عام 1981م، والتي أرسى فيها قادة دول الخليج، صيغة تعاونية تضم الدول الست، بهدف "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وذلك وفق ما نص عليه النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في مادته الرابعة"، تواصل انعقاد القمم بين قادة دول الخليج، لتحقيق هذا الهدف المنشود التي يتطلع له كافة مواطني دول المجلس. بحكم الظرف الإقليمي الاستثنائي التي تعيشه المنطقة، وما تشهده من تطورات وتحديات تحتم ضرورة التنسيق والتعاون المستمر لكيفية مواجهة تلك التحديات على مختلف الأصعدة الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية.

أولاً: حتمية التعاون الأمني لمواجهة الجريمة المنظمة والتدخلات الإيرانية

منذ بداية الثمانينات في القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر والهاجس الأمني يحظى باهتمام قادة دول المجلس. فقد واجهت المنطقة العديد من التحديات بداية من نجاح الثورة الإيرانية في 1979م، مرورًا بالحرب العراقية - الإيرانية في 1980م، مرورًا كذلك بفترة الحرب الباردة والإفرازات التي انبعثت منها وتداعياتها الخطيرة، ودخول منطقة الخليج في دائرة المصالح الدولية، مرورًا بالغزو السوفيتي لأفغانستان 1980م، وحرب الخليج الثانية 1991م، مرورًا بأحداث 11 سبتمبر وبروز تهديد جديد يتمثل بالإرهاب بكل صوره وأشكاله، وانتهاءً بإفرازات ما يسمى بالربيع العربي ودخول كثير من دول المنطقة في نفق عدم الاستقرار، ثم بروز النسخة المحدثة من تنظيم القاعدة والمعروف بـ "الدولة الإسلامية" (داعش) التي تصاعدت عملياته الإرهابية لتصل إلى داخل دول الخليج، سواء تلك التي نُفّذت أو تلك التي اُحبطت، هذا بالإضافة إلى استغلال إيران لتلك الأحداث للتغلغل والتدخل في شؤونها بهدف توسيع نفوذها. هذه الأحداث بشقيها الإيراني والداعشي استدعت حتمية التعاون الأمني بين دول الخليج لمواجهة تلك التحديات.

وقد تبنت دول الخليج استراتيجيات حازمة وصارمة لمواجهة تلك التحديات. ففي عام 2002م اقرت دول المجلس استراتيجية أمنية مشتركة ومتخصصة في مجال مكافحة الإرهاب، جاءت في وثيقة من ستة عناصر كركائز لمكافحة الإرهاب بعنوان (الاستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب). ثم في عام 2004م، كان الاجتماع الثالث والعشرين لوزراء الداخلية في دولة الكويت وشهد توقيع الاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب كآلية لتفعيل استراتيجية دول مجلس التعاون لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب. وعلى الرغم من أن دول المجلس وقعت في التسعينات على الاتفاقية الأمنية الشاملة التي حدثت فيما بعد، إلا أن اتفاقية مكافحة الإرهاب كانت أكثر شمولية فيما يتعلق بقضايا الإرهاب وتشكل الإطار القانوني والتنظيمي لتشريعات خليجية ووطنية موحدة لمكافحة الإرهاب. وتنفيذًا للاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب، وتعزيزًا لجهود دول المجلس في مجال مكافحة الإرهاب، تشكلت في عام 2006م، لجنة أمنية دائمة مختصة بمكافحة الإرهاب يحال لها كل القضايا المتعلقة بالإرهاب، تعقد اجتماعاتها بشكل دوري (سنوي). وكان التمرين الأمني الخليجي المشترك (أمن الخليج العربي 1) بمملكة البحرين في نوفمبر 2016م، أنموذجًا حيًا لهذا التنسيق والتكاتف الخليجي، ودليلاً على تصميم دول المجلس على الوقوف أمام كل التحديات بكل حزم وتعاون تام.

ثانيًا: حتمية التعاون العسكري لصد أي اعتداء

أثبتت عملية "عاصفة الحزم" التي قادتها السعودية بمشاركة دول الخليج وعدد من الدول العربية للدفاع عن الشعب اليمني وحكومته الشرعية وإنقاذه من الحوثيين عملاء إيران، مدى التنسيق والتعاون العسكري بين دول الخليج، وأثبتت أنها أيضًا قادرة على إيجاد حائط صد قوي ورادع لأي اعتداء خارجي وكذلك قادرة على تأمين وحماية موارد دولها وضمان مكتسبات شعوبها. وكان تمرين درع الجزيرة المشترك (١٠) بالمنطقة الشرقية في السعودية (٢٣ فبراير -٩ مارس ٢٠١٩م)، بمشاركة قوات من دول المجلس، يمثل أنموذجًا لهذا التنسيق والتعاون والتكامل الدفاعي بين القوات المسلحة بدول المجلس، ودليلاً على تصميم دول المجلس على الوقوف أمام التحديات بكل حزم وبتعاون تام. ودول الخليج ماضية في تعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة أي اعتداء.

وقد نجحت دول المجلس خلال السنوات الماضية في تحقيق درجة عالية من التنسيق العسكري في مجالات عدة، منها التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك بالمنامة في ديسمبر 2000م، والتي مثلت مرحلة جديدة من العمل العسكري المشترك، بالتحول من مرحلة التعاون العسكري التي دامت عقدين إلى مرحلة الدفاع المشترك بين دول المجلس، وقد شملت الاتفاقية وحددت العديد من مرتكزات الدفاع المشترك ومنطلقاته وأسسه وأولوياته منها الالتزام بالنظام الأساسي لمجلس التعاون، وعزمها على الدفاع عن نفسها بصورة جماعية، ومهدت لظهور هياكل التعاون العسكري الكبرى كوضع الرؤية الاستراتيجية الدفاعية الموحدة عام 2009م، والتي شكلت خطوة أساسية على طريق بناء المنظومة الدفاعية المشتركة لمجلس التعاون، من خلال تحديد رؤية واضحة تعمل دول المجلس من خلالها على تنسيق وتعزيز تكاملها وتطوير إمكانياتها للدفـاع عن سيادتها واستقرارها ومصالحها، وصولاً للتكامل الدفاعي المنشود.

وتعتبر قوات «درع الجزيرة» المشتركة التي تم إنشاؤها عام 1982م، الذراع العسكرية الدفاعية لدول المجلس، وصمام الأمان. فخلال أربعة عقود شاركت قوات درع الجزيرة في العديد من المواقف التي تتطلب تدخلها ابتداءً من العزو العراقي للكويت عام 1991م، ومشاركة القوات الخليجية المشتركة في أحداث البحرين عام 2011م، التي جاءت «انطلاقا من مبدأ وحدة المصير وترابط أمن دول مجلس التعاون على ضوء المسؤولية المشتركة لدول مجلس التعاون في المحافظة على الأمن والاستقرار التي هي مسؤولية جماعية».

وحيث أن "درع الجزيرة" تم تأسيسها قبل الاتفاقية، إلا أن الاتفاقية ساهمت في تطوير القوات من حيث الحجم والتنظيم. ففي عام 2006م، تم تطوير "درع الجزيرة" إلى قوات مشتركة، وعززت بجهد بحري وجوي، وذلك لرفع كفاءتها القتالية. وفي عام 2009م، تم تعزيزها بقوة تدخل سريع لردم الفجوة القائمة على مستوى القدرات. ونظرًا إلى أهمية وجود قيادة عسكرية موحدة لدول المجلس، تعنى بتخطيط وإدارة العمليات العسكرية المشتركة، في إطار اتفاقية الدفاع المشترك، وافقت قمة الكويت في ديسمبر 2013م، على تطوير قيادة قوات درع الجزيرة المشتركة لتكون القيادة البرية الموحدة التابعة للقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون، وأن تكون بمسمى "قيادة قوات درع الجزيرة". ومؤخرًا تم إعداد الخطة الزمنية لتنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين ومحاور التكامل الدفاعي، بهدف بناء شراكة استراتيجية قوية، وإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات.

ثالثًا: حتمية التعاون الاقتصادي لاستدامة الرفاه والتنمية

استراتيجية التنمية الشاملة بعيدة المدى لدول المجلس (2010 –2020م) تمثل الإطار العام للعمل التنموي الخليجي المشترك، من خلال تحقيق مسيرة تنموية خليجية مستدامة ومتكاملة في كافــــة المجالات. ويمكن القول إن التكامل الاقتصادي بين دول المجلس مر بعدة مراحل رئيسية: المرحلة الأولى ابتدأت عام 1983م، بانتقال المجلس من منطقة التجارة الحرة من خلال توقيع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة عام 1983م، والتي حدثت عام 2001م، إلى الاتحاد الجمركي عام 2003م. حيث تم إلغاء التعرفة الجمركية على السلع والخدمات بين الأعضاء، شهدت فترة منطقة التجارة الحرة (1983-2002م) ارتفاعًا في حجم التبادل التجاري بين دول المجلس ثلاثة أضعاف من 5 مليار دولار إلى 15 مليار دولار. المرحلة الثانية امتدت من إقامة الاتحاد الجمركي عام 2003م، والتي أصبحت المنتجات الوطنية لدول المجلس تنتقل بين الأعضاء دون قيود جمركية أو غير جمركية إلى إعلان تأسيس السوق الخليجية المشتركة في يناير 2008م، الذي يعتبر رافد مهم في تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس وهو ما يعمل على تحقيق (المواطنة الاقتصادية)، والتي تتيح لأبناء المجلس الكثير من المزايا سواء على مستوى التنقل والإقامة أو التملك أو التعليم أو العمل والتجارة. فخلال عام واحد تنقل قرابة 26 مليون مواطن خليجي بين دول المجلس دون قيود. على مستوى العمل، هناك 26 ألف مواطن خليجي يعملون في الدول الأعضاء بالقطاعين الحكومي والأهلي والمساواة مع مواطني الدولة التي يعمل بها. مزاولة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية فهناك حوالي 83 ألف مواطن خليجي صدرت لهم رخص تجارية. تملك العقارات فهناك حوالي 198 ألف تملكوا عقارات في غير دولهم من دول المجلس. التمتع بمظلة الحماية التأمينية والتقاعد فهناك حوالي 27 ألف مواطن خليجي يستفيدون من مظلة الحماية التأمينية والتقاعد في دول المجلس الأخرى. تنقل رؤوس الأموال، وذلك لتسهيل التعاملات المالية والاستثمارية والتجارية، وبالتالي فقد سمح للبنوك الوطنية الخليجية بفتح فروع لها في جميع الدول الأعضاء، هناك حوالي 25 مصرفًا خليجيًا لديها فروع في الدول الأعضاء. تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، حوالي 430 ألف مواطن خليجي يتملكون أسهما في 665 شركة مساهمة في الدول الأعضاء الأخرى برأسمال يبلغ 259 مليار دولار. وأخيرًا التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. فإن حوالي 43 ألف طالب وطالبة يدرسون في المدارس الحكومية في دول المجلس الأخرى وحوالي 135 ألف مواطن خلال عام استفادوا من الخدمات الطبية الحكومية. وبالتالي هناك مزايا حقيقة للمواطن الخليجي تحققت بفعل عمل دؤوب ومستمر. فنحن نتحدث عن 46 لجنة وزارية و350 لجنة عمل و700 اجتماع سنويًا، أي اجتماعين يوميًا بمشاركة 13 ألف مسؤولاً خليجيًا من مختلف القطاعات.

رابعًا: حتمية الحوار الاستراتيجي مع دول العالم لتعزيز المصالح المشتركة

على مدى السنوات الماضية دخلت دول المجلس كمنظومة من خلال آليات الحوار الاستراتيجي في العديد من الحوارات الاستراتيجية مع دول ومنظمات إقليمية مثل الصين واليابان وأستراليا وبريطانيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي وغيرها، بهدف تعزيز العلاقات، وفتح آفاق جديدة لتوسيع مصالح دول المجلس على المستوى الجماعي. لما في هذا الحوار من تعميق التفاهم حول القضايا الأممية والدولية، وتنمية العلاقات مع العالم. وتقوم آليات الحوار الاستراتيجي على وضع خطة عمل مشتركة في جميع المجالات ثم يحدد برامج زمنية لتنفيذها. ومن ثمار هذا الحوار الاستراتيجي ما حظيت به قمة الصخير في البحرين في عام 2016م، من مشاركة تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، التي تمثل مشاركتها نقلة نوعية في العلاقات الخليجية البريطانية.

أخيرًا دول المجلس هي عامل استقرار مهم في المنطقة وخاصة في ظل هذه التحولات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة بعد ما عرف بـ «الربيع العربي»، حيث تحولت كثير من الدول إما إلى دول فاشلة أو في طريقها إلى الفشل، ومع تصاعد الأعمال الإرهابية في دول المنطقة والتي اتخذت من هذه الدول منصات لعملياتها الإرهابية استطاعت كثير من هذه التنظيمات الإرهابية بسبب هذه الاضطرابات أن تحصل على كثير من الأموال والأسلحة مكنتها من تطوير أدواتها وأساليبها. وبالتالي أصبح من الضروري لدول المجلس من التنسيق على كافة المستويات للوقوف أمام كل التهديدات بكل حزم وبجهود منسقة وتعاون تام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير إدارة الدراسات الاستراتيجية والأمنية ـ الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ـ كاتب سياسي وباحث في العلاقات الدولية

 

 

 

هوامش

  1. هنري كيسنجر، النظام العالمي؛ تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ، دار الكتاب العربي، ترجمة، تحقيق: فاضلت جتكر 01/01/2015  
  2. ويكيبيديا الموسوعة الحرة، الثورات العربية،

www.ar.wikipedia.org/wiki.

  1. عبد الغني سلامة، ثورات الربيع العربي /الاسباب والنتائج، الحوار المتمدن، العدد 2625، 23/4/2009، منشور على الموقع:

http://www.google.com.sa/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=web&cd=1&ved=0CCAQFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.ahewar.org%2Fdebat%2Fshow.art.asp%3Faid%3D361363&ei=WXINVLiANcLpaJbggKgG&usg=AFQjCNGsd4t51lf7HM5_2sR7o43qhAtoag&sig2=FfRTAplEQILcMf6mql0-cQ

 

  1. مهدي أبوبكر رحمة – الشرق الأوسط والربيع العربي آفاق ومستقبل – الحوار المتمدن، العدد 3615 بتاريخ 22 يناير 2012
  2. قيس قاسم – الربيع العربي... «على درب الإرهاب»– http://alhayat.com/Home
  3. جذر الإرهاب الجديد صنيعة الربيع العربي منشور على الموقع:

http://www.alsharq.net.sa/

  1. تبعات {الربيع العربي}.. ميليشيات مسلحة وفوضى ودمار، جريدة الشرق الأوسط العدد 12971/03 يونيو 2014 مـ
  2. العجمي الوريمي، الإسلاميون والسلطة في تونس، بحث ضمن كتاب: من قبضة بن علي إلى ثورة الياسمين الاسلام السياسي في تونس، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، د.ت، ص156
  3. إبراهيم عبد الرحمن العثيمين– اغتيال وسام الحسن وترهل النظام اللبناني– http://www.alyaum.com/
  4. إبراهيم عبد الرحمن العثيمين – مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين– http://www.alyaum.com/
  5. إبراهيم عبدالرحمن العثيمين – شيء من خارطة الصراع بعد عملية «كرامة ليبيا»– http://www.alyaum.com/
  6. إبراهيم عبد الرحمن العثيمين – ليبيا تحديات التحول من الخيمة إلى الدولة
  7. http://www.alyaum.com
  8. حسنين توفيق إبراهيم، النظام السياسي المصري: التوازن بين السلطات ومعضلة الشرعية، مركز الجزيرة للدراسات، قطر 2010،ص2. منشور على الموقع:
  9. www.studies.aljazeera.net
  10. تقارير مؤشر السلام العالمي Global Peace Index الذي يصدر عن معهد الاقتصاد والسلام منشور على الموقع

http://www.visionofhumanity.org/#/page/indexes/global-peace-index

  1. غسان سالم، قراءة في كتاب بناء الدولة ل(فوكوياما) – الحوار المتمدن، العدد 3615 بتاريخ 22 يناير 2012
  2. جريدة عكاظ، 23/3/ 2017

https://www.okaz.com.sa/article/1535214

 

  1. المسيرة والإنجاز 2016، الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية

 

 

 

 

مجلة آراء حول الخليج