; logged out
الرئيسية / استراتيجية "التنوع" لدول النفط مرهونة بسرعة التحول وتحرير الهيدروكربونات

استراتيجية "التنوع" لدول النفط مرهونة بسرعة التحول وتحرير الهيدروكربونات

الإثنين، 13 أيار 2019

لطالما كان التنوع الاقتصادي هدفًا تنمويًا رئيسيًا لدول مجلس التعاون الخليجي، كما يتجلى في العديد من الخطط التنموية القومية الخاصة بالمجلس، ولقد اُعتبر هذا التنوع ضروريًا لضمان مصدر دخل مستقر ومستدام، بالإضافة لكونه استراتيجية رئيسية لخلق الوظائف للآلاف الذين يدخلون أسواق العمل كل سنة. ولقد أحرزت بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقدمًا على مدى العقود القليلة الماضية في التنويع من قواعدهم الاقتصادية ومصادر دخلهم، لكن وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن معظم مؤشرات التعقد الاقتصادي، والتنوع، وجودة التصدير لدى الاقتصادات العربية المصدرة للنفط آخذةً في الانخفاض، وحتى بدرجة أكبر من العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة، والتي تشمل مُصدري السلع في المناطق الأخرى (صندوق النقد الدولي، 2016م). وفي الحقيقة، يشير كل من ضعف مؤشرات الاقتصاد الكلية، والهبوط في الموازين المالية وموازين الحسابات الجارية، بالإضافة إلى التراجع الحاد في نشاط القطاع الخاص عقب الانخفاض الأخير في سعر النفط عام 2014م، إلى أن إنفاق الحكومة النابع من إيرادات النفط يظل هو المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي.

ومؤخرًا، تجدد في مجلس التعاون الخليجي الشعور بالحاجة الملحة إلى التنوع الاقتصادي، كنتيجة للتغيرات في المشهدين المحلي والدولي. وعلى وجه الخصوص، ثمة نقلة نوعية حول التوقعات المستقبلية بشأن الطلب الدولي على النفط، وما إذا كانت صناعة النفط ستواصل تقديم إيرادات كافية تدعم أداء اقتصادات تلك الدول، وكذلك نظم الرعاية السخية لديهم. ولقد تمحورت الحكمة التقليدية التي هيمنت على أداء سوق النفط على مدى العقود القليلة الماضية، حول فكرة "ذروة إمدادات النفط"، وأن النفط سيغدو أكثر ندرةً وأعلى قيمةً بمرور الوقت؛ وبالتالي، ستستمر الإيرادات الكبيرة الناجمة عن هذه الصناعة. وأيضًا في مثل ذلك العالم، كانت فكرة الحفاظ على الموارد للمستقبل من خلال ترشيد الإمدادات هي الوسيلة المعقولة لإدارة نفط أي دولة بحيث يتم توزيعه بالتساوي عبر الأجيال القادمة.

بيد أن مفاهيم مثل "ذروة إمداد النفط" و "الإيرادات الشحيحة" قد انكشف بطلانها، إذ تأرجح البندول  نحو مفاهيم "ذروة الطلب على النفط" و "وفرة النفط"- حيث هناك إجماع متزايد بأنه من المرجح أن تتباطأ بمرور الوقت سرعة نمو الطلب على النفط، لتستقر أو تتراجع في نهاية المطاف، وبينما تتسارع عمليات تحسين الكفاءة، تقود مجموعة من التطورات التكنولوجية، والإجراءات السياسية التي تهدف للحد من التلوث البيئي وتغير المناخ، وتغيير الأفضليات الاجتماعية، إلى البحث عن بدائل غير النفط في قطاعاته التقليدية مثل: النقل، الذي  طالما كان المحرك الأول لنمو الطلب على النفط عبر التاريخ. ومن هذا المنطلق، يُعتقد بشكل عام بأن العالم، مرة أخرى، على وشك "التحول في مجال الطاقة"، يتم خلاله استبدال مصادر الطاقة التقليدية كالنفط بشكل لا رجعة فيه، لصالح مصادر الطاقة منخفضة الكربون أو الخالية منه، إلى جانب نقلة نوعية في تكنولوجيا الطاقة، والمؤسسات العلمية، والبنية التحتية. وفي كل الأحوال، يشكل الشعور الحالي بالحاجة الملحة إلى التنوع الاقتصادي في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خروجًا على الماضي-عندما كان التركيز منصبًا بشكل أساسي على عواقب الاقتصاد الكلية إثر الاعتماد على سلعة تصدير وحيدة (النفط)، بأسعاره شديدة التقلب-وصولاً إلى الحاضر حيث تتركز المخاوف حول إمكانية تباطؤ الطلب، وأن تصبح أسواق النفط الدولية أكثر تنافسية، وأن تتراجع الصفقات في مجال صناعة النفط. فلم يعد من الممكن للعديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الاعتماد على عائدات النفط بوصفه العمود الفقري لازدهارهم الاقتصادي لأجل غير مسمى؛ ويرجع ذلك ببساطة إلى أنه لا يمكن ضمان الطلب المستقبلي على صادراتهم، حيث أصبح ذلك غير مؤكد على نحو كبير، فبدلاً من استنفاذ النفط في عالم يسعى إلى الحد من تأثيرات الكربون، هناك هواجس متنامية بأنه في الدول التي تحظى بمعدلات احتياطيات عالية إلى الإنتاج، لن يتم استخراج كميات كبيرة من النفط القابل للاستخراج على الإطلاق.

وبصرف النظر عن موعد وصول الطلب على النفط إلى الذروة، فإن مسألة الجدال حول ذروة الطلب تحمل أهمية في حد ذاتها، إذ أنها ترمز إلى تحول المفهوم من الندرة إلى الوفرة، وهو ما يغير بالفعل أداء كافة اللاعبين بما في ذلك مصدري النفط. إن مفاهيم “رسوم الندرة"scarcity premiums، و"فعالية ترشيد إمدادات النفط على فترات زمنية"، وفكرة أن الإبقاء على النفط تحت الأرض اليوم سيجلب سعرًا مرتفعًا في المستقبل، تحتاج جميعها إلى تقييم دقيق، ولا سيما في ضوء الاحتياطيات الهائلة التي تتمتع بها المنطقة.

وتثير تلك القضايا ثلاثة أسئلة مهمة وهي: متى يمكننا توقع حدوث "ذروة الطلب على النفط"؟، أو كي نكون أكثر دقة، ما مدى سرعة "تحول الطاقة" في الوقت الراهن؟، وما نوع المستقبل الاقتصادي الذي يتعين على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التخطيط له؟، وما مدى تأثير ظهور مصادر الطاقة المتجددة بوصفها مصدر طاقة منافس، على استراتيجيات التنوع الاقتصادي بهذه الدول؟

ذروة الطلب على النفط وتحول الطاقة

إن النقاش بشأن ذروة الطلب يركز في معظمه على المدى الزمني أو التاريخ الذي من المتوقع خلاله أن يصل الطلب الدولي على النفط إلى "الذروة". وبالتالي، احتوت معظم تحليلات ذروة الطلب على مجموعة واسعة من التوقعات بخصوص النقطة التي من المرجح أن يصل الطلب الدولي على النفط عندها إلى ذروته، ويقترح البعض إمكانية بلوغ الطلب الذروة حوالي منتصف عام 2020، بينما يتوقع البعض نموه بعد عام 2040. ويصور الشكل بالأسفل هذه التغيرات استنادًا إلى التوقعات التي جرى نشرها عبر منظمات أمثال: بي بي، وهيأة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة، ومنظمة الأوبك.

والسؤال الواضح الذي يطرح نفسه من مجموعة تنبؤات ذروة الطلب هو: ما نوع السيناريو الذي يتعين على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التحضير له؟ فبينما تسهم الأنشطة في التنبؤ بذروة الطلب في توفير دافع عام (وجديد) نحو التنوع، لا ينبغي أن تكون تلك الأنشطة هي العامل الوحيد الذي يتم اعتماد هذه الاستراتيجيات بناء عليه، إذ أن سرعة تحول الطاقة مهمة أيضًا. وهو ما يؤكد على عدم جدوى اعتماد منهج تتمثل نقطة بدايته في "لم يعد هناك طلب على النفط"، وكذلك التحليلات التي تتجاوز الدور المحتمل المتعلق بإمكانية لعب قطاع النفط وعوائد النفط دور في المرحلة الانتقالية. ويمكن استخلاص ثلاث نقاط من خلال النظر إلى المجموعة الواسعة من تنبؤات "ذروة الطلب".

 

الشكل 1: توقعات الطلب الدولي على النفط (مليون برميل/ يوم)

المصدر: ديل -بسام فتوح (4- 2018)

 

 يتضح مما سبق اتساع نطاق عدم اليقين: إذ تستند التنبؤات بذروة الطلب بشكل كبير على الافتراضات الخاصة بها، ومع ذلك، فإن العديد من التعهدات الطموحة من قبل الدول التي من المرجح أن تساهم بالنسبة الأكبر من تصاعد الانبعاثات في المستقبل تعتبر اختيارية أكثر منها ملزمة (مثل خطط الهند للتوسع في قدرتها من مصادر الطاقة المتجددة إلى خمسة أضعاف)، ؛ فهذه التعهدات تعتمد على قدرة صناع السياسة على الوفاء بها، ومن الصعب كذلك الاستبعاد الكلي لإمكانية الدول التي تتراجع عن بعض من التزاماتها، وعلى وجه الخصوص إذا رضخت الحكومات للضغوط السياسية المحلية وإثارة الخطابات حول الحماية التجارية.

من الممكن أن يكون هناك مستويات متعددة من الذروة. يعد "التأثير الارتدادي" واحدًا من الاعتبارات الهامة عند تقييم سيناريوهات ذروة الطلب-أي أن فرضية بلوغ ذروة الطلب على النفط يمكن أن تتسبب في انخفاض أسعار النفط؛ مما يسفر عنه تحفيز الطلب العالي من جانب المستهلكين، ومن المحتمل أن يكون هناك أكثر من ذروة. ويظهر "التأثير الارتدادي" كذلك في عمليات تحول الطاقة بالماضي، عندما فتحت مصادر الطاقة الجديدة طلباتٍ جديدة على الطاقة.

سيظل النفط جزءًا هامًا من مزيج الطاقة بالنسبة للمستقبل المنظور

إن المميزات الحتمية للنفط بوصفه مصدرًا للطاقة، بما في ذلك كثافة الطاقة العالية، والنظام الايكولوجي للبنية التحتية المخصصة له، تفيد بأنه حتى في حال وصول الطلب على النفط إلى الذروة، فمن غير المرجح أن "يسقط إلى الهاوية". ولا تستعرض أي من تنبؤات ذروة الطلب بالشكل 1 في الأعلى، أي انقطاع حاد، وحتى سيناريو التنمية المستدامة للوكالة الدولية للطاقة يتنبأ بتراجع النفط بحوالي 15 مليون برميل/يوم عام 2040م، مقارنة بالنسبة الحالية 85 مليون برميل/يوم. عوضًا عن ذلك فإن المميزات الواسعة لتحول الطاقة الحالي من الهيدروكربونات إلى مصادر طاقة ذات نسبة كربون منخفضة، بالإضافة إلى سرعة التحول، تعتبر أكثر ارتباطًا بعملية التحول الاقتصادي من ارتباطها بالتنبؤات المتعلقة بموعد وصول النفط لذروته.

وبشكل عام، يتعين على الدول المصدرة للنفط التكيف مع تحول الطاقة والذي يعد جاريًا بالفعل، ومع ذلك، فإن سرعته غير متيقن منها؛ لذلك، عليهم الأخذ في الاعتبار توحيد الاتجاهات الرئيسية الثلاثة عند القيام بذلك.

  • من غير المرجح أن يزداد الطلب على النفط ازديادًا قويًا على مدى العقدين التاليين

تشير سياسات استبدال النفط الحكومي أنه من غير المرجح أن يزداد الطلب على النفط ازديادًا قويًا على مدى العقدين التاليين، على الرغم من أن توقيت بداية تباطؤ نمو الطلب وتحوله إلى سلبي، ما زال غير أكيد.

  • سيكون هناك حاجة إلى استثمارات ضخمة في قطاع النفط لسد الفجوة في الإمداد

وحتى في حال ذروة الطلب، وغياب الاستثمار في قطاع النفط، فإن التراجع في الإمداد سيكون أسرع من التراجع في الطلب على النفط، ويشمل الشكل 1 على سبيل المثال سلسلة توضح مسار إنتاج النفط حتى عام 2040م، بافتراض عدم وجود استثمارات جديدة، ومعدل تراجع يصل إلى 3 بالمائة، ليسفر ذلك عن فجوة واسعة بين العرض والطلب (بي بي 2018م). ومن المرجح أن يلتزم منتجو النفط بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسد الفجوة، بيد أن أي توسع في القدرة الانتاجية سيتطلب استثمارات هائلة تصل إلى مليارات الدولارات.

  • مصادر الطاقة المتجددة في مفترق الطرق

بينما هناك العديد من حالات عدم اليقين الناجمة عن تحول الطاقة، هناك تقريبًا إجماع فيما بين التنبؤات التي أجرتها عدة منظمات بأن حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة سوف ترتفع (الشكل 2).

 

الشكل 2: نسبة الارتفاع المتوقعة لمصادر الطاقة المتجددة في إجمالي الطلب الأولي على الطاقة (%)

المصدر: تم احتسابها بواسطة كتاب من شركة بي بي (2018)، الوكالة الدولية للطاقة (2017)، إدارة معلومات الطاقة (2017)

 

الدور الاستراتيجي لقطاع النفط في تحول الطاقة

من المتوقع أن يسد منتجو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الفجوة من خلال الاستثمار الهائل في قطاعهم النفطي، وذلك بوصفهم منتجون منخفضو التكلفة ولديهم أكبر قواعد من الاحتياطيات. ولهذا، وحتى في عالم يتوقع فيه تراجع نمو الطلب على النفط، فسيستمر قطاع النفط في لعب الدور المهيمن في تلك الاقتصادات في المستقبل المنظور. ومع ذلك، وبينما يطور القادة رؤى جديدة للتحول ببلادهم، سيخضع قطاع الطاقة لضغط متزايد حتى يُظهر أن بإمكانه المساهمة في جهود التنوع، ليس فقط من خلال توفير عائدات من شأنها أن تستخدم في خلق صناعات جديدة، بل أيضًا عبر مد سلاسل القيمة، وخلق صناعات جديدة ضمن قطاع الطاقة، وعبر تعزيز الروابط المسبقة واللاحقة.

 

 

سيواصل قطاع النفط الهيمنة على الاقتصاد لكنه يحتاج لأن يكون أكثر فاعلية في عملية التنوع

على الرغم من استمرار قطاع النفط في تحقيق الأرباح، وتمتعه بهوامش أعلى من أي صناعة جديدة تستهدف الحكومة إنشاءها، فمن منظور إنمائي، يعاني هذا القطاع من اثنين من أوجه القصور: أولا، لا يوفر مصدرًا مستقرًا للدخل، حيث أن أسعار النفط شديدة التقلب، وفي بعض البلدان لا تعتبر الإيرادات كبيرة بما يكفي لتوفير دخل مناسب لعدد السكان المتنامي، وتوفير نظام رعاية شامل.

ثانيًا، يعتبر كل من التكرير والبتروكيماويات أيضًا من الصناعات  التي تتطلب إلى حد كبير رؤوس أموال ضخمة، ولا تخلق العديد من الوظائف؛ لذلك، انصب الاهتمام أخيرًا في بعض دول مجلس التعاون الخليجي على مد سلاسل القيمة للمزيد من المنتجات البتروكيماوية المعقدة، وحتى للمنتجات تامة الصنع التي تُنتج في المجمعات الصناعية، والتي تجذب القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر.

وإجمالاً، بينما يستمر قطاع النفط في لعب دور رئيسي بمجلس التعاون الخليجي، وفي توفير معظم الدخل خلال عملية التحول، فمن المتوقع أن يلعب هذا القطاع دورًا أكبر في عملية التنوع وأجندة التحول الاقتصادي. ولم تعد التجارة خيارًا مثلما جرت العادة لكل من قطاع النفط وهؤلاء الذين يديروه، ولا سيما أن نجاحها في مد سلاسل القيمة، وفاعليتها في تنفيذ نسبة تغطية السيولة، سيحدد ثقل الدور الذي يلعبه القطاع في عملية صناعة القرار، وفي التأثير على عملية التحول.

اتخاذ التدابير لدعم الطلب وبهدف تحسين قاعدة الموارد

لقد رشد منتجو النفط في مجلس التعاون الخليجي، باعتبارهم ملاك أكبر موارد منخفضة التكلفة، من إمداداتهم من أجل الحفاظ على مواردهم للأجيال القادمة-والتي تعتبر استراتيجية منطقية خلال حقبة الموارد الشحيحة. ومع ذلك، وفي عالم يسعى للحد من تأثيرات الكربون، يتمثل التحدي الرئيسي لهؤلاء المنتجين، إلى جانب الحفاظ على المستويات العالية من الإيرادات التي تعتمد عليها اقتصاداتهم، في استغلال قاعدة الاحتياطي الهائلة لديهم بهدف تجنب احتمالية ألا يتم استخراج كميات كبيرة من النفط القابل للاستخراج على الإطلاق.

وبدلاً من التركيز على بناء قدرة إنتاجية جديدة، ينبغي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اتخاذ إجراءات أخرى من شأنها تحسين استغلال قاعدة الموارد، ويشمل ذلك تحرير الهيدروكربونات، والتي تستخدم حاليًا لتلبية الطلب المحلي المتزايد بأسعار تصدير منخفضة (مدعمة)، الأمر الذي من شأنه إضافة قيمة اقتصادية (طالما كان السعر الدولي يتجاوز سعر التكافؤ المالي). وسيستلزم ذلك تنفيذ إجراءات الكفاءة المتعلقة بالطاقة، والتي تشمل إصلاح الإعانات المالية، أو محفزات السعر، وعلاوة على ذلك، تعد هذه الإجراءات مكملة لاستراتيجية التنوع الاقتصادي الكلية التي تشمل التغيرات الهيكلية والإصلاحات المالية.   

مصادر الطاقة المتجددة كعنصر مكمل لاستراتيجيات التنوع الاقتصادي

لا يتعين على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعلى وجه الخصوص مصدري النفط بدول مجلس التعاون الخليجي إهدار "ثروة" الطاقة المتجددة، إذ أن لديهم إمكانيات هائلة للطاقات المتجددة، بفضل المستويات العالية من الطاقة الشمسية عبر تلك الدول، وكذلك طاقة الرياح في بعضها. كما أن لدى العديد من الدول في المنطقة قيودًا ضئيلة على استخدام الأراضي في إنشاء الحقول الهوائية أو الشمسية، وعلاوة على ذلك، تقع مواقع تلك الدول بالقرب من أسواق الطاقة الرئيسية لهذه المناطق. وبصورة مشتركة، تخلق هذه الظروف فرصة فريدة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لاستثمار مواردهم المتجددة بقدرتها القصوى، من أجل خدمة الطلب المحلي المتزايد، وفي نفس الوقت مواكبة مشهد الطاقة الدولي المتغير، حيث باتت مصادر الطاقة المتجددة هي الاتجاه السائد.

ومع ذلك، ونظرًا لحالة عدم اليقين بشأن سرعة التحول، من الضروري لمصدري مجلس التعاون الخليجي اتخاذ استراتيجية من المرجح نجاحها وفق مجموعة واسعة من ظروف السوق المستقبلية. وربما تُستبدل مصادر الهيدروكربونات بمصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المحلي، لكن ليس في موازنة الحكومة؛ لأن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لا يوفر عائدات عالية بالقدر الذي يوفره النفط والغاز، وعلاوة على ذلك، بينما تعتبر الطاقة المتجددة جزءًا من استراتيجية التنوع، فلا يمكنها وحدها تلبية الاحتياجات الحقيقية لهذه الاقتصادات، مثل: خلق الوظائف، وتحسينات نظم الرعاية؛ ولهذا، فمن الضروري لدول مجلس التعاون الخليجي "مد" نموذج الطاقة لديهم عوضًا عن "التحول" الكلي من الهيدروكربونات، ودمج مصادر الطاقة المتجددة في أصول الهيدروكربون (بمعنى أن الدول المصدرة للنفط لا يمكنها "التحول" بسهولة إلى دول مصدرة للطاقة المتجددة).

استمرار أهمية السياسة النفطية

حتى مع تحولنا نحو أسواق أكثر تنافسية، ستستمر أهمية كل من السياسة النفطية والعلاقات بين المنتجين، فعوضًا عن اتباع سياسة عدم التعاون، والتنافس مع منتجين منخفضي ومرتفعي التكلفة، من المرجح أن يستمر المنتجون في التعاون والتقييد من انتاجهم، في محاولة لزيادة الإيرادات. هذا على الرغم من أن التحديات المصاحبة لاتباع المنتجين نهجًا تعاونيًا ضخمًا، ولا سيما في سوق النفط شديد التنافسية.

  • في البداية، يعد الإطار الحالي للتعاون غير مطور بشكل جيد من أجل التعامل مع المنتجين باحتياجاتهم المختلفة من الإيرادات، ومستوياتهم المختلفة من المرونة المالية.
  • وأيضًا، تعتبر الرقابة، وإنفاذ الامتثال داخل الإطار الحالي صعبة بدرجة كبيرة، كما أنها ستزداد صعوبة بمرور الوقت، ومع انضمام المزيد من الدول.
  • كما أنها تتطلب تحكم المنتجين بشكل مستمر بالسوق، استنادًا إلى المعيار المطور حديثًا.
  • وعلاوة على ذلك، لا بد ألا يقتصر أي إجراء تعاوني على الناتج فقط، بل يتجاوزه ليشمل خطط استثمارية طويلة الأمد؛ حيث أن الاستثمار السريع، وجلب قدرات جديدة أكثر مما هو مطلوب في السوق، يخلق مشكلات مشابهة لاستراتيجية الناتج العالي/ السعر المنخفض. وبوجود الخطط الطموحة لدى العديد من الدول داخل منظمة الأوبك وخارجها، والتي تهدف لزيادة القدرة الإنتاجية، سيكون التنسيق بشأن الاستثمار صعبًا بدرجة كبيرة، إذا لم يكن مستحيلاً.
  • وأيضًا، إضفاء الاستقرار على التوقعات بشأن سعر النفط المرتفع، لن يشجع فقط منتجي الطفل الزيتي الأمريكي على زيادة إنتاجهم، بل أيضًا سيعزز الاستثمار في الدورة كثيفة رأس المال على المدى الطويل.
  • وفي المقام الأول، يتطلب التعاون على المدى الطويل نشاط غير مسبوق للقيادة من أجل الحفاظ على الترابط بين المنتجين خلال الأوقات العسيرة واليسيرة.

ولا يأتي كذلك الحل التعاوني، والذي يتسبب في سعر النفط المرتفع، بدون ثمن، ويتعين إدارة هذا الثمن عبر ضمان عدم ارتفاع الأسعار إلى درجة عالية، ومن الصحيح أيضًا أن هذه الاستراتيجية التعاونية ستكون أقل فعالية بمرور الوقت في عالم يسعى للحد من تأثيرات الكربون. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن التعاون غير ممكن، أو مستدام، أو ممتد لفترة طويلة، وطالما كانت تلك الاقتصادات غير متنوعة، فإن البديل المتعلق بعدم التعاون هو أيضًا غير مستدام. وفي عالم اليوم حيث توقعات الطلب على النفط، وسرعة تحول الطاقة أضحتا غير مؤكدتين بدرجة عالية، تعتبر المكاسب المباشرة من مواصلة التعاون أكثر وضوحًا من مكاسب اتخاذ استراتيجية بديلة تتسم بالاستغلال السريع للاحتياطيات.

الخاتمة

بينما تسهم الممارسات المتعلقة بالتنبؤ بذروة الطلب، في تقديم دافع جديد للتنوع مقارنة بالماضي، لا يتعين أن تكون تلك الممارساتهي العنصر الوحيد الذي يتم اتخاذ هذه الاستراتيجيات بناء عليه. كما لا ينبغي أن تستند نقطة البداية لأي تحليل يتعلق بمصدري النفط من دول مجلس التعاون الخليجي، إلى نهج قائم فقط على الإطار الزمني الذي في غضونه "لن يكون النفط مطلوبًا"، وعوضًا عن ذلك، يتعين على تلك الدول أن تأخذ في الحسبان توحيد الاتجاهات الرئيسية الثلاثة:

  • أولاً، إن عدم اليقين الذي يحيط بذروة الطلب متسع النطاق، وسرعة تحول الطاقة غير مؤكدة بشكل كبير، ولن تكون واحدة عبر العالم.
  • ثانيًا، لا تعتبر الذروة الفردية أمرًا يقينيًا، ولا سيما عند الأخذ في الحسبان إمكانية التأثير الارتدادي؛
  • ثالثًا، على الرغم من أن عملية تحول الطاقة قد تكون جارية بالفعل، فمن الصعب الافتراض بأن التحول سيتسبب في انقطاع مفاجئ وحاد في الطلب على النفط، مما يعني أن النفط سيستمر بوصفه جزءًا هامًا من مزيج الطاقة (بما في ذلك الاستخدامات غير القابلة للاحتراق) وذلك بالنسبة للمستقبل المنظور.

تعتبر المميزات الواسعة لتحول الطاقة الحالي من الهيدروكربونات إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون، أكثر أهمية للتنوع الاقتصادي من التوقعات المتعلقة بموعد وصول الطلب على النفط إلى الذروة، وفي هذا الصدد، على الرغم من أنه لن يكون هناك في الغالب انقطاع حاد في استخدام النفط، فمن غير المؤكد كذلك ما إذا كان التحول الحالي انعكاسًا للسرعة البطيئة للتحولات التاريخية، والتي كانت تتعلق بتطوير التكنولوجيا في حقبة الندرة استنادًا إلى الأسواق والابتكارات، بدلاً من أن تحركها الإشكاليات والسياسات.

إن استراتيجية التنوع التي اعتمدتها الدول المصدرة للنفط ستكون مرهونة بسرعة التحول، والتي ربما تمتد الى عقود، حيث سيستمر قطاع النفط في هذه الفترة في لعب دور رئيسي في هذه الاقتصادات، باعتباره وسيلة للتنوع (على سبيل المثال: مد سلاسل القيمة إلى أبعد من مجرد إنتاج النفط الخام وتصديره للأسواق العالمية)، ومحرك للدخل. وسيكون من الضروري لمنتجي النفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اعتماد استراتيجيات تكميلية وفعالة من حيث التكلفة، من أجل تحسين استخدام مواردهم محليًا حتى تزداد صادرات الهيدروكربون، وتشمل هذه الاستراتيجيات الاستفادة من "نقطة الانعطاف" في مصادر الطاقة المتجددة، التي جعلت من تكنولوجيا الطاقة المتجددة منافسًا للهيدروكربونات المحررة المستخدمة في الاقتصاد المحلي بأسعار مُدعمة بهدف التصدير، بالإضافة إلى تبني تدابير التمويل الموجه للطلب من أجل التشجيع على استغلال الطاقة بصورة أكثر فعالية. وتعتبر هذه الاستراتيجيات أكثر فعالية من حيث التكلفة، من مجرد زيادة القدرة الإنتاجية التي تعد مكلفة، وتتطلب استثمارات هائلة.

وفي نفس الوقت، على منتجي النفط أن يكونوا أكثر اتسامًا بالطابع الاستراتيجي في استخدامهم لقطاع النفط بهدف تنويع اقتصاداتهم. وفي عالم أكثر تنافسية، ستحتفظ السياسية النفطية بأهميتها، وسيكون التعاون بين المنتجين ضروريًا، لكنه سيكون صعبًا، إذ أن الاستراتيجية التعاونية من الممكن أن تكون أقل فعالية في عالم يسعى للحد من تأثيرات الكربون. وفي النهاية، لن يشكل تحول الطاقة العالمي فقط النتائج السياسية والاقتصادية في الدول المصدرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي، بل إن التحول في الدول الرئيسية المصدرة للنفط والخيارات الهامة التي تقوم بها، سوف يساهمان كذلك في رسم طريق التحول العالمي في الطاقة.

 

معهد اكسفورد لدراسات الطاقة، المملكة المتحدة.

مقالات لنفس الكاتب